قهوتنا على الانترنت
ابحث عن :  
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 13

الموضوع: ازمات عاصفة

  1. #1
    تاريخ التسجيل
    29 - 8 - 2010
    ساكن في
    بين الامل والرجاء
    المشاركات
    7,293
    مقالات المدونة
    1
    النوع : انثيEgypt الفريق المفضل  : الاهلي

    افتراضي ازمات عاصفة

    كوارث ضربت الإسلام وكادت تعصف به لولا عناية الله..........

    1- قصة الردة

    2- قصة الفتنة

    3- قصة التتار

    4- قصة الحروب الصليبية

    5- قصة الاحتلال االاوروبي

    .................................................. ................

    قصة الرِّدَّة

    ما إن علمت الجزيرة العربية بوفاة الرسول حتى ارتدت!! ولم يبقَ على الإسلام إلا المدينة المنورة ومكة والطائف وقرية جُواثَى بالبحرين، ولكنَّ الله مَنَّ على هذه الأمة بالصِّدِّيق أبي بكر رضي الله عنه ، الذي استطاع أن يقمع فتنة المشركين والمرتدين.
    كان ارتداد الجزيرة العربية على درجات؛ فمن العرب من منع الزكاة، ومن العرب من ترك الإسلام وعاد إلى عبادة أصنام، ومن العرب من سارع بادِّعاء النبوة، ومن أشهر هؤلاء مسيلمة الحنفي الكذَّاب، والأسود العنسي، وطليحة بن خويلد، وسَجَاح.
    وأسباب حدوث الرِّدَّة تتمثل في جهل العرب بحقيقة الرسول وحقيقة الرسالة؛ إذ دخل أعداد كبيرة من العرب في العامين الأخيرين من حياة الرسول انبهارًا بسيطرة المسلمين على الجزيرة العربية، فمنهم من جاء رغبًا في المال والغنائم، ومنهم من جاء رهبًا من قوة المسلمين، ومنهم من جاء لا رغبًا ولا رهبًا، ولكن اتباعًا لزعمائهم وقادتهم. ومن ثَمَّ كانت القبليَّة هي القناع الذي وقف وراءه أعداء الإسلام في ذلك الوقت لحرب الإسلام، واعتقد الجميع أن الدولة الإسلامية انهارت بموت من أسَّسَها.
    ومع هذه الأحوال العاصفة أصرَّ الصِّدِّيق على إنفاذ جيش أسامة بن زيد لقتال الروم؛ وذلك لوصية الرسول قبل وفاته. وبالفعل خرج جيش أسامة إلى أطراف الشام، وقد فرَّت منه الجيوش الرومانية في هذه المنطقة، فوجد بعض القبائل في هذه المنطقة ارتدت فقاتلهم، وشتَّت شملهم وهزمهم، وعاد بسرعة إلى أبي بكر الصِّدِّيق في المدينة، ومعه الغنائم من هذه الموقعة. وخروج الجيش إلى شمال الجزيرة أحدث بكل القبائل العربية الموجودة في هذه المنطقة رهبةً من المسلمين؛ مما جعلهم يظنُّون أن للمسلمين قوةً في المدينة.
    وقد رفض أبو بكر عرض القبائل بأن يقبل منهم الصلاة ويرفع عنهم الزكاة، وأصر على قتال من فرّق بين الصلاة والزكاة، وقتال المرتدين أيضًا. بعد ذلك قام الصديق أولاً بحراسة المدينة المنورة حراسة مستمرة، ثم قام بمراسلة كل القبائل التي بقيت على الإسلام لتوافيه في المدينة المنورة، وأرسل رسائل شديدة اللهجة إلى كل قبائل المرتدين يدعوهم للعودة إلى ما خرجوا منه، وهدَّدهم وتوعَّدهم؛ وذلك ليُلقِي الرهبة في قلوبهم.
    جهز الصديق 11 جيشًا كاملاً لحرب المرتدين في وقت متزامن، ومع أن أعداد جيوش المسلمين لم تكن كبيرة، فإنها كانت جيوشًا منظَّمة, راغبةً في الجهاد في سبيل الله. وحدَّد الصديق اتجاه كل جيش من هذه الجيوش الأحد عشر، فوُزِّعت هذه الجيوش على الجزيرة توزيعًا دقيقًا، بحيث تستطيع تمشيط كل رقعة منها تمشيطًا كاملاً، فلا تبقى قبيلة أو منطقة إلا وفيها من جيوش المسلمين. وبفضل الله كتب الله النصر للمسلمين في كل المواقع، ولم يبقَ في الجزيرة العربية مرتدٌّ واحد.


    يتبع

    على فكرة من له معلومات يشاركنا و يكمل معنا القصص فمنكم نستفيد
    رب انى مسنى الضر وانت ارحم الراحمين

    البحث على جميع مواضيع العضو حرف مشتعل

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    29 - 8 - 2010
    ساكن في
    بين الامل والرجاء
    المشاركات
    7,293
    مقالات المدونة
    1
    النوع : انثيEgypt الفريق المفضل  : الاهلي

    افتراضي

    الفـــــــــتـــــنــــــ ـــــة
    مقدمة
    بعد معركة صفين، والتي راح ضحيتها الكثير من القتلى والشهداء، والذين بلغ عددهم سبعين ألفًا من المسلمين على يد إخوانهم من المسلمين، وجد الصحابي الجليل سهل بن حنيف رضي الله عنه وأرضاه وهو أحد صحابة النبي صلى الله عليه وسلم وجد أن في قلوب بعض الناس شيئًا من القتال الذي حدث بينهم، فبعض الناس مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ورغم قناعتهم بكونه أمير المؤمنين، وتجب البيعة له والطاعة التامة إلا أن في قلوبهم وأنفسهم حرج من قتلهم لإخوانهم من المسلمين، وكذلك من كان مع معاوية رضي الله عنه، فقال لهم سهل بن حنيف رضي الله عنه كلامًا في غاية الأهمية وينبغي أن ينتفع به المسلمون إلى يوم القيامة قال لهم:
    يا أيها الناس اتّهموا الرأي على الدين.
    فهو يقصد أن بعض الناس ربما يكون لهم من الرأي ما يخالف الشرع، وتظن أن هذا الرأي هو الصائب، وهو السليم، ويحاول أهل الشرع إقناعهم بالرأي السليم، لكنهم لا يقتنعون بسهولة، أو ربما لا يقتنعون مطلقًا، يقول: فلقد رأيتُني يوم أبي جندل.
    يقصد رضي الله عنه يوم الحديبية، حين عقد الرسول صلى الله عليه وسلم الصلح مع كفار مكة، وكان من بنود هذا الصلح أن من أتى من قريش، أو ممَن حالفهم مسلمًا ردّه المسلمون إلى قومه، ومَن أتى من المسلمين إلى قريش مرتدًا لا يردّوه إلى قومه، بل يقبلوه بينهم، فكان هذا شرطًا جائرًا، في نظر أغلب الصحابة، إذ كيف يعطون الدنية في دينهم، كما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وكان الكثير منهم يعتقد أن الصواب في غير ذلك، ولكن الرسول صلى الله عليه وسلم متمسكًا بهذا الأمر، وكان هذا وحيًا من الله تعالى له صلى الله عليه وسلم، واضطر المسلمون، مع عدم قناعتهم بهذا الرأي في قبول هذا الشرط المجحف- إلى الطاعة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، والقبول بما رضي به صلى الله عليه وسلم، واشتد على المسلمين يوم آخر، والذي يسميه سهل بن حنيف رضي الله عنه يوم أبي جندل، فبعد أن عُقد الصلح وتمّ، وكان الذي باشر عقد هذا الصلح من طرف المشركين حينئذ سهيل بن عمرو، والذي أسلم بعد ذلك، فجاء أحد المشركين، وأراد أن يدخل في الإسلام، وكان اسمه أبا جندل، وهو ابن سهيل بن عمرو، فقال سهيل بن عمرو: هذا أول ما نبدأ به، ردّوه علينا.
    فأعاده الرسول صلى الله عليه وسلم بعد أن أعلن إسلامه إلى الكفار، فقال أبو جندل: يا رسول الله تردني إليهم يفتنوني في ديني؟!
    وكان هذا الأمر صعبًا على المسلمين جميعًا من صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى أن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أخذ سيفه، وأعطاه لأبي جندل وقال له: إنما أنت رجل وهو رجل.
    يحرّضه على قتل أبيه.
    ومع هذا كله كانت تلك الشروط، وهذه الأمور سببًا للفتح العظيم للمسلمين، فبعد صلح الحديبية بعام واحد دخل في الإسلام أعداد كبيرة كانت ضعف العدد الذي دخل في الإسلام قبل ذلك، وتضاعفت أعداد المسلمين بعد ذلك.
    فيقول سهل بن حنيف رضي الله عنه:
    يا أيها الناس اتّهموا الرأي على الدين، فلقد رأيتُني يوم أبي جند، ولو أقدر لرددت رسول الله صلى الله عليه وسلم عن أمره، ووالله ما حملنا سيوفنا على عواتقنا منذ أسلمنا لأمر يقطعنا إلا أسهل بنا إلى أمرٍ نعرفه، غير أمرنا هذا فإننا لا نسد منه خصمًا، إلا انفتح لنا غيره لا ندري كيف نبالي له.
    فهذا سهل بن حنيف رضي الله عنه مع كل هذا التاريخ العظيم في الإسلام يخبر رضي الله عنه أنه منذ أسلم ما رفع سيفه لقتال إلا أوضح الله له أين الحق إلا هذا الأمر، فلم يتبين فيه الحق بوضوح، وكلٌّ يجتهد حسب ما يرى من الأمور، فكانت فتنة النائم فيها خير من اليقظان، واليقظان فيها خير من القائم، والقائم فيها خير من الساعي، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة.
    وهذا عمار بن ياسر رضي الله عنه سُئل يوم صفين عن القتال: أهذا عهدٌ عهده رسول الله إليكم أم هو الرأي؟
    فقال رضي الله عنه: لم يعهد إلينا رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا هذا وأشار إلى القرآن.
    فالقضية كلها تدخل في مجال الاجتهاد، فمن الصحابة رضي الله عنهم جميعًا من اجتهد فأصاب، فله أجران كعلي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومن معه، ومنهم من اجتهد فأخطأ كمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه، ومن معه..
    وهؤلاء الصحابة رضوان الله عليهم جميعًا، قد توفي الرسول صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ.

    رب انى مسنى الضر وانت ارحم الراحمين

    البحث على جميع مواضيع العضو حرف مشتعل

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    29 - 8 - 2010
    ساكن في
    بين الامل والرجاء
    المشاركات
    7,293
    مقالات المدونة
    1
    النوع : انثيEgypt الفريق المفضل  : الاهلي

    افتراضي

    التحكيم
    استمرّ القتال على أشدّه طوال الليل، وبدأت الكفّة ترجح بشدة لصالح الجيش العراقي، وبدأت الهزيمة تدبّ في جيش معاوية، وكان النصر وشيكًا لجيش علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
    في هذه اللحظات أشار عمرو بن العاص رضي الله عنه على معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه برأي ينقذ به جيش الشام من الهلكة المحققة له علي أيدي الجيش العراقي، وهم حتى هذه اللحظة على يقين أنهم على الحق، وأنهم يجاهدون في سبيل الحق، وأنهم يجب أن يستمروا في مواجهة من آوى قتلة عثمان بن عفان رضي الله عنه، فقال عمرو بن العاص لمعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما:
    إني قد رأيت أمرًا لا يزيدنا هذه الساعة إلا اجتماعًا، ولا يزيدهم إلا فرقة، أرى أن نرفع المصاحف، وندعوهم إليها، فإن أجابوا كلهم إلى ذلك برد القتال، وإن اختلفوا فيما بينهم فمِن قائل: نجيبهم. وقائل: لا نجيبهم.
    فإذا فعلوا ذلك، فشلوا وذهب ريحهم.
    فأُعجب معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه بهذا الرأي ونادى على بعض أفراد الجيش، وأمرهم برفع المصاحف، فرفعوها وقالوا:
    يا أهل العراق، هذا بيننا وبينكم، قد فني الناس، فمن للثغور؟ ومن لجهاد المشركين والكفار؟
    وعندها سمع جيش علي بن أبي طالب رضي الله عنه وافق غالب الجيش بمن فيهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه على التحكيم، لكن اعترض قلّة من الجيش على أمر التحكيم، ولم يكن لهم صوتٌ عالٍ في هذا التوقيت، لكن عموم الفريقين اتفقوا على هذا الأمر.
    وبدأ كل فريق يختار من يخرج لهذ المهمة، ولم يكن في جيش معاوية رضي الله عنه أي اختلاف على من يتولّى أمر التحكيم، فاختاروا عمرو بن العاص رضي الله عنه، والذي كان بمثابة الوزير الأول لمعاوية رضي الله عنه في كل هذه الأحداث، وكان عمره رضي الله عنه في هذا التوقيت سبعة وثمانين سنة، فكان شيخًا كبيرًا من شيوخ صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، وهو رضي الله عنه، إن كان قد اشتهر بشدة الذكاء، والحيلة فقد اشتهر أيضًا بالورع والتقوى، وكان رضي الله عنه كثير المحاسبة لنفسه، وهذا الأمر يخفيه الكثير من الكتاب المغرضين، ويظهرون عمرو بن العاص رضي الله عنه في صورة صاحب المكر، والخداع، والدهاء، ويكفيه فخرًا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال عنه: أَسْلَمَ النَّاسُ وَآمَنَ عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ.
    وفي الحديث الصحيح أيضًا: عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ مِنْ صَالِحِي قُرَيْشٍ. صححهما الألباني.
    أما جيش علي بن أبي طالب رضي الله عنه فلما عُرض عليهم أن يخرج للتحكيم عبد الله بن عباس رفض القوم، وطالبوا بأن يخرج عنهم أبو موسى الأشعري، وذلك لأنه رفض الدخول في القتال من بداية الأمر مع يقينه أن عليًا رضي الله عنه على الاجتهاد، وكان رضي الله عنه قاضيًا للكوفة، واعتزل القتال، ولم يكرهه علي بن أبي طالب رضي الله عنه على الخروج معه، وكان أبو موسي رضي الله عنه رجلًا تقيًا ورعًا فقيهًا عالمًا، وقد أرسله الرسول صلى الله عليه وسلم إلى اليمن مع معاذ بن جبل رضي الله عنهم جميعًا لتعليم الناس أمور الإسلام، وكان مقربًا عند عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وولّاه أمر البصرة، وكان هذا أمرًا عظيمًا ذلك؛ لأن البصرة كانت تدير عمليات الفتوح في جنوب ووسط فارس، وظل رضي الله عنه فيها فترة كبيرة، وكان رضي الله عنه قائدًا لمعركة (تستر) الشهيرة التي حوصرت سنة ونصف، فهو رجل فقيه عالم قاض محنّك، غير ما أُشيع في الكتب من سذاجة، وبساطة، وسوء رأي نُسبَ إليه ليلصقوا به ما زعموه من كذب وزور في قضية التحكيم، وهو من هذا كله براء.
    وتولّى رضي الله عنه في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه ولاية الكوفة فترة طويلة، وكذلك في عهد علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
    ذهب إليه القوم في قريته التي كان معتزلًا فيه وقالوا له: إن الناس قد اصطلحوا.
    فقال: الحمد لله.
    فقالوا له: وقد جُعلت حكمًا.
    فقال: إنا لله وإنا إليه راجعون.
    وذلك لأن هذا الأمر أمر صعب، وشاق عسير أن يحكم بين طائفتين اقتتلا هذا القتال الشديد فترة كبيرة، ووافق رضي الله عنه على الذهاب معهم، حتى يتم التحكيم في هذه القضية الشائكة.
    والتقى أبو موسى الأشعري، وعمرو بن العاص رضي الله عنهما في مكان (صفين)، وبدآ يفكران في كيفية إيجاد حلٍ لهذه المعضلة التي ألمّت بالمسلمين، فاتفقا ابتداءً على كتابة كتابٍ مبدئي يضع أسس التحكيم، ولن يكون هو الكتاب النهائي.
    فبدأ أبو موسى يملِى الكتاب وعمرو بن العاص يسمع:
    بسم الله الرحمن الرحيم
    هذا ما قاضي عليه علي بن أبي طالب أمير المؤمنين.
    فقاطعه عمرو بن العاص قائلًا: اكتب اسمه، واسم أبيه، هو أميركم، وليس بأميرنا.
    فقال الأحنف بن قيس: لا نكتب إلا أمير المؤمنين.
    فذهبوا إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وذكروا ذلك له، فقال رضي الله عنه: امح أمير المؤمنين، واكتب: هذا ما قاضى عليه علي بن أبي طالب.
    وعمرو بن العاص رضي الله عنه باجتهاده مقتنع بعدم ولاية علي بن أبي طالب رضي الله عنه للمؤمنين، وإلا ما قاتله، وكان ذلك خروجًا منه على طاعته، ولكن لم يبايعه، وكذلك أهل الشام، وفي اجتهاده أنه ليس أميرًا للمؤمنين.
    وقبل علي بن أبي طالب رضي الله عنه بهذا الأمر؛ حرصًا على جمع الكلمة، ووحدة الصف، وسعة صدرٍ منه رضي الله عنه وأرضاه.
    فكتبوا: هذا ما تقاضي عليه علي بن أبي طالب، ومعاوية بن أبي سفيان أننا نزل عند حكم الله، وكتابه، ونحيي ما أحيا الله، ونميت ما أمات الله، فما وجد الحكمان في كتاب الله عملا به، وما لم يجدا في كتاب الله، فالسنة العادلة الجامعة غير المتفرقة.
    ثم ذهب كل من الحكمين إلى كل فريق على حدة، وأخذا منهما العهود والمواثيق أنهما أي الحكمان آمنان على أنفسهما، وعلى أهليهما، وأن الأمة كلها عونٌ لهما على ما يريان، وأن على الجميع أن يطيع على ما في هذه الصحيفة.
    فأعطاهم القوم العهود والمواثيق على ذلك، فجلسا سويًا، واتفقا على أنهما يجلسان للحكم في رمضان من نفس العام، وكان حينئذ في شهر صفر سنة 37 هـ، وذلك حتى تهدأ نفوس الفريقين ويستطيع كل فريق أن يتقبل الحكم أيًا كان.
    وشهد هذا الاجتماع عشرة من كل فريق، وممن شهد هذا الاجتماع عبد الله بن عباس، وأبو الأعور السلمي، وحبيب بن مسلمة، وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد.
    وخرج الأشعث بن قيس، والأحنف بن قيس رضي الله عنهما، وهما من فريق علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقرأ الأشعث بن قيس الكتاب على الفريقين، فوافق الجميع على هذا الأمر، وبدءوا في دفن الشهداء، والقتلى.
    ويقول الزهري: كان يُدفن في كل قبر خمسون نفسًا لكثرة عدد القتلى والشهداء.
    وبعد ذك بدأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه يتوجه بجيشه إلى الكوفة، وكان في يده بعض الأسرى من الشاميين فأطلقهم، وكذلك فعل معاوية رضي الله عنه وأرضاه حيث كان في يده بعض الأسرى من العراقيين فأطلقهم، وعاد كلٌّ إلى بلده.

    رب انى مسنى الضر وانت ارحم الراحمين

    البحث على جميع مواضيع العضو حرف مشتعل

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    29 - 8 - 2010
    ساكن في
    بين الامل والرجاء
    المشاركات
    7,293
    مقالات المدونة
    1
    النوع : انثيEgypt الفريق المفضل  : الاهلي

    افتراضي

    تحكيم الرجال في دين الله
    كان الأشعث بن قيس رضي الله عنه عندما قرأ الكتاب على جيش علي بن أبي طالب رضي الله عنه مرّ على فريق من بني تميم، وبعد أن قرأ الكتاب خرج له رجل يُسمّى عروة بن جرير من بني ربيعة من تميم، وقال للأشعث بن قيس رضي الله عنه: أتحكمون في دين الله الرجال؟!
    فكان هذا الرجل يرى أن حكم الله واضح تمام الوضوح وأنه يجب أن يُقاتل فريق معاوية رضي الله عنه حتى النهاية، ويستنكر تحكيم عمرو بن العاص وأبي موسى الأشعري في أمرٍ واضح كهذا، ثم ضرب بسيفه عجز دابة الأشعث بن قيس، فغضب الأشعث بن قيس رضي الله عنه من هذا التصرف، وكاد أن يحدث الشقاق والخلاف، لولا أن تدخل الأحنف بن قيس وكبار القوم وأنهوا الأمر.
    ومرّ الموقف في تلك اللحظة، لكن طائفة من جيش علي بن أبي طالب رضي الله عنه أخذت هذه الكلمة، وبدأت تتحدث بها وظنّتها صوابًا، وكان الكثير ممن ردد هذا الأمر من حفاظ القرآن الكريم، وشديدي الورع والتقوى، وممن يكثرون الصلاة بالليل والنوافل، فأخذوا هذه الكلمة وقالوا: أتحكمون في دين الله الرجال؟
    وغضبوا لأمر التحكيم وقالوا: لا حكم إلا لله.
    واستمرّ مسير علي بن أبي طالب رضي الله عنه، حتى وصل الكوفة، فسمع رجلًا يقول: ذهب علي ورجع في غير شيء.
    وفي هذا لوم له رضي الله عنه على أمر التحكيم.
    فقال علي رضي الله عنه: لَلَذين فارقناهم خير من هؤلاء، ثم أنشد يقول:
    أَخُوكَ الَّذِي إِنْ أَحْرَجَتْكَ مُلِمَّةٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَبْرَحْ لِبَثِّكَ رَاحِمًا
    وَلَيْسَ أَخُوكَ بِالَّذِي إِنْ تَشَعَبَتْ عَلَيْكَ أُمُورٌ ظَلَّ يَلْحَاكَ لَائِمًا

    كلمة حق أريد بها باطل
    عند وصول علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى الكوفة، كان عدد من يقول بهذه الكلمة: لا نحكّم الرجال في دين الله، ولا حكم إلا لله.
    وصل عددهم إلى اثني عشر ألف رجل، فكان شيئًا صعبًا عليه رضي الله عنه، وكان من بين هذا العدد ثمانية آلاف يحفظون القرآن، وهؤلاء الحفظة كانوا طائفة في جيش علي بن أبي طالب رضي الله عنه يُقال لهم: القرّاء؛ لأنهم كانوا يكثرون من قراءة القرآن الكريم، ومن القيام والصيام، وكان أكثر من خرجوا مع هذه الطائفة من قرية تُسمّى (حروراء) وهم الذين عُرفوا في التاريخ بعد ذلك باسم الخوارج؛ لأنهم خرجوا عن طاعة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه، وقد تنبّأ بهذه الطائفة الرسول العظيم صلى الله عليه وسلم، وهذا من دلائل نبوته صلى الله عليه وسلم، فعند الإمام مسلم بسنده عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: تَمْرُقُ مَارِقَةٌ عِنْدَ فُرْقَةٍ مِنْ الْمُسْلِمِينَ يَقْتُلُهَا أَوْلَى الطَّائِفَتَيْنِ بِالْحَقِّ.
    وعند البخاري بسنده عَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْه،ُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: يَخْرُجُ نَاسٌ مِنْ قِبَلِ الْمَشْرِقِ، وَيَقْرَءُونَ الْقُرْآنَ لَا يُجَاوِزُ تَرَاقِيَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنْ الرَّمِيَّةِ، ثُمَّ لَا يَعُودُونَ فِيهِ حَتَّى يَعُودَ السَّهْمُ إِلَى فُوقِهِ.
    قِيلَ: مَا سِيمَاهُمْ؟
    قَالَ: سِيمَاهُمْ التَّحْلِيقُ.
    أَوْ قَالَ: التَّسْبِيدُ.
    وفي البخاري ومسلم قَالَ عَلِيٌّ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ: إِذَا حَدَّثْتُكُمْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا، فَوَاللَّهِ لَأَنْ أَخِرَّ مِنْ السَّمَاءِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَكْذِبَ عَلَيْهِ، وَإِذَا حَدَّثْتُكُمْ فِيمَا بَيْنِي وَبَيْنَكُمْ فَإِنَّ الْحَرْبَ خِدْعَةٌ، وَإِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: سَيَخْرُجُ قَوْمٌ فِي آخِرِ الزَّمَانِ أَحْدَاثُ الْأَسْنَانِ سُفَهَاءُ الْأَحْلَامِ، يَقُولُونَ مِنْ خَيْرِ قَوْلِ الْبَرِيَّةِ، لَا يُجَاوِزُ إِيمَانُهُمْ حَنَاجِرَهُمْ، يَمْرُقُونَ مِنْ،َ الدِّينِ كَمَا يَمْرُقُ السَّهْمُ مِنَ الرَّمِيَّةِ، فَأَيْنَمَا لَقِيتُمُوهُمْ، فَاقْتُلُوهُمْ، فَإِنَّ فِي قَتْلِهِمْ أَجْرًا لِمَنْ قَتَلَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.
    والأحاديث في شأنهم كثيرة.
    رب انى مسنى الضر وانت ارحم الراحمين

    البحث على جميع مواضيع العضو حرف مشتعل

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    29 - 8 - 2010
    ساكن في
    بين الامل والرجاء
    المشاركات
    7,293
    مقالات المدونة
    1
    النوع : انثيEgypt الفريق المفضل  : الاهلي

    افتراضي

    بعد ذلك ذهب إليهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه وأرضاه ليحاورهم، ويجادلهم، ويردّهم بالتي هي أحسن فقال لهم: ماذا تأخذون علينا؟
    فقالوا: انسلخت من اسم سماك الله به - يقصدون اسم أمير المؤمنين - ثم انطلقت، فحكّمت الرجال في دين الله، ولا حكم إلا لله.
    بداية اسم أمير المؤمنين هذا لم يسمّه الله تعالى به، وكان أول من سُمّي بهذا الاسم هو عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فكان اعتراضهم أنه قَبِل أن يُقال من علي بن أبي طالب في أثناء كتابة صحيفة التحكيم، دون ذكر أمير المؤمنين، واعتراضهم الثاني على قبوله تحكيم الرجال في أمر الله تعالى، وأنه كان يجب أن يستمرّ القتال؛ لأن هذا هو أمر الله، ولا يصح على الإطلاق أن يقف القتال بناءً على رأي الحكمين.
    فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: لا يدخل علي إلا من حمل القرآن.
    فدخل عليه ثمانية آلاف، فأمسك بالمصحف، وأخذ يهزّه، فقالوا له: ماذا تفعل؟
    فقال: إني أسأله.
    فقالوا له: إنما هو مداد في ورق.
    وعلي رضي الله عنه يشير بهذا الفعل إلى أن القرآن لن يقوم بذاته في فعل الأمور، ويقرر الأحكام، وينفذها، بل يقوم بذلك رجال قرءوا القرآن، واستوعبوه جيدًا، وبنوا آرائهم على حكمه.
    وقال لهم علي رضي الله عنه:
    قال الله تعالى في كتابه في امراة ورجل: [وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا] {النساء:35}.
    ثم قال لهم رضي الله عنه: فأمة محمد صلى الله عليه وسلم أعظم من رجل وامرأة.
    ثم قال لهم: أتنقمون عَلَيَّ أن محوت أمير المؤمنين، وكتبت علي بن أبي طالب، فإنا كنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وجاءنا سهيل بن عمرو حين صالح قومه قريشًا فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اكْتُبْ بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ.
    فقال سهيل: أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو، ولكن اكتب باسمك اللهم كما كنت تكتب.
    فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلا باسم الله الرحمن الرحيم.
    فقال النبي صلى الله عليه وسلم: اكْتُبْ بِاسْمِكَ اللَّهُمَّ.
    ثم قال: هَذَا مَا قَاضَى عَلَيْهِ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ.
    فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت، ولا قاتلناك، ولكن اكتب: محمد بن عبد الله.
    فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وَاللَّهِ إِنِّي لَرَسُولُ اللَّهِ، وَإِنْ كَذَّبْتُمُونِي، اكْتُبْ مُحَمَّدَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ.
    فقد رأى الرسول صلى الله عليه وسلم أن الأنسب في هذا الوقت أن يتم الصلح، وإذا لم يتم الصلح إلا بهذا الأمر فلا بأس، وكذلك فعل علي بن أبي طالب رضي الله عنه.
    ثم قال علي رضي الله عنه:
    ويقول الله تعالى في كتابه: [لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ لِمَنْ كَانَ يَرْجُو اللهَ وَاليَوْمَ الآَخِرَ وَذَكَرَ اللهَ كَثِيرًا] {الأحزاب:21}.
    ومع هذا كله لم يرتدع القوم، ولم يرتدوا عن ما هم عليه، فأرسل لهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه حبرَ الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، والذي دعا له النبي صلى الله عليه وسلم: اللَّهُمَّ فَقِّهْهُ فِي الدِّينِ.
    ومن علماء المسلمين، وكان عمر بن الخطاب رضي الله عنه يستشيره في الملمات، وهي الأمور الصعبة العسيرة، وذهب رضي الله عنه إلى القوم ليحاجهم، فلما دخل عليهم، وكان يرتدي حُلّة جديدة، فناظروه فيها، وقالوا له: ترتدي حلة عظيمة وجديدة؟!
    فقال لهم: [قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللهِ الَّتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ] {الأعراف:32} .
    فقام رجل منهم يُسمّى ابن الكوى، وهو متحدث فصيح، وقال: يا حملة القرآن، هذا عبد الله بن عباس، فمن لم يكن يعرفه، فأنا أعرفه؛ هو ممن يخاصم في كتاب الله بما لا يعرف، وهو ممن نزل فيه، وفي قومه قوله تعالى: [بَلْ هُمْ قَوْمٌ خَصِمُونَ] {الزُّخرف:58} فرُدّوهُ إلى صاحبكم، ولا تواضعوه كتاب الله.
    فقال بعضهم: والله لنواضعنه، فإن جاء بحقٍ نعرفه تبعناه، وإن جاء بباطل لنكبتنّه بباطله.
    فمكث فيهم عبد الله بن عباس رضي الله عنه وأرضاه ثلاثة أيام، يجادلهم ويجادلونه، ويحاورهم ويحاورنه.
    وبعد جدال وحوار طويل وعميق قالوا: إنهم يأخذون على علي بن أبي طالب ثلاث نقاط.
    1- أنه محا اسمه من الإمرة.
    2- أنه حكّم الرجال في كتاب الله.
    3- أنه يوم الجمل بعد أن استحلّ الأنفس، ورفض أن يوزع السبي والأموال.
    أجاب عبد الله بن عباس رضي الله عنه عن الأولى بما أجاب علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وأجاب عن الثانية، وهي قولهم أنه حكّم الرجال في كتاب الله بآيتين من القرآن، وقال لهم: إن ذلك في القرآن.
    فقالوا: وأين هو؟
    قال الآية الأولى التي استشهد بها الإمام علي رضي الله عنه: [وَإِنْ خِفْتُمْ شِقَاقَ بَيْنِهِمَا فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا إِنْ يُرِيدَا إِصْلَاحًا يُوَفِّقِ اللهُ بَيْنَهُمَا إِنَّ اللهَ كَانَ عَلِيمًا خَبِيرًا] {النساء:35}.
    والآية الثانية قول الله تعالى: [يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَوْ عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللهُ عَمَّا سَلَفَ وَمَنْ عَادَ فَيَنْتَقِمُ اللهُ مِنْهُ وَاللهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ] {المائدة:95} .
    فلم يقرر الله عز وجل المقدار الذي يضحي به الرجل نظير قتله للصيد، وهو حُرُم، ولكنه ترك الأمر ليحكم به ذوو العدل من المسلمين، ويقررون الحكم لهذا الرجل.
    وأجاب رضي الله عن النقطة الثالثة وهي قضية: أنه يوم الجمل بعد أن استحلّ الأنفس رفض أن يوزع السبي والأموال.
    فقال عبد الله بن عباس رضي الله عنه مجاراةً لهم: قد كان من السبي أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها وأرضاها، فإن قلتم أنها ليست بأم لكم فقد كفرتم، وإن استحللتم سبي أمهاتكم فقد كفرتم.
    فلما دار هذا الحوار بين عبد الله بن عباس رضي الله عنه وبينهم على مدار ثلاثة أيام، رجع منهم أربعة آلاف، وتابوا على يديه، وكان منهم ابن الكوى هذا الرجل الذي ذكرناه قبل ذلك، وكان يحذّرهم من عبد الله بن عباس رضي الله عنه، ولكن الله هداه وتاب عليه، وعاد من تاب معه إلى الكوفة، فكانوا مع علي بن أبي طالب رضي الله عنه...
    أما الباقون الذين عاندوا ولم يرجعوا عن ما هم عليه فقد ظلوا يترددون على الكوفة، ويتردد عليهم رسل علي بن أبي طالب رضي الله عنه لإقناعهم، ولكن دون جدوى، ومع مرور الوقت، وقرب عقد المجلس الذي سوف يتم فيه التحكيم، بدأ هؤلاء يتعرضون لعلي بن أبي طالب رضي الله عنه بما لا يليق، وخرجوا عن دائرة النقاش المهذب، وبدءوا بالسباب، والشتائم، وعلي رضي الله عنه يصبر عليهم، ويردّ عليهم بالتي هي أحسن تجنبًا للفتن، واستمرّ الوضع هكذا يزداد يومًا بعد يوم، حتى قام له رجل منهم، وهو يخطب فقال له: يا علي أشركت الرجال في دين الله، ولا حكم إلا لله.
    وتنادوا من كل جانب: لا حكم إلا لله.
    فقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: هذه كلمة حق أًريد بها باطل.
    ثم قال: إن لكم علينا ألا نمنعكم فيئًا ما دامت أيديكم معنا، وألا نمنعكم مساجد الله، وألا نبدأكم بقتال حتى تبدءونا.
    ثم بدءوا يعرّضون بتكفير علي بن أبي طالب رضي الله عنه، فقابله رجلٌ منهم يومًا وقال له: يا علي لئن أشركت ليحبطن عملك ولتكونن من الخاسرين.
    فجعلوا أن تحكيم أبي موسى وعمرو بن العاص رضي الله عنهما في هذه القضية إشراكًا بالله.
    فقرأ علي بن أبي طالب رضي الله عنه قول الله تعالى: [فَاصْبِرْ إِنَّ وَعْدَ اللهِ حَقٌّ وَلَا يَسْتَخِفَّنَّكَ الَّذِينَ لَا يُوقِنُونَ] {الرُّوم:60} .
    ثم اعتزل هؤلاء القوم الكوفة بالكلية، ولجئوا إلى مكان يُسمّى النهروان، ومكثوا فيه، ولم يدخلوا الكوفة بعد ذلك، فلما رأي أمير المؤمنين علي بن أبي طالب رضي الله عنه، أن أمرهم بدأ يزيد، ويشكل خطورة على المسلمين بعث إليهم يقول لهم: قد كان من أمرنا وأمر الناس ما قد رأيتم، فقفوا حيث شئتم حتى تجتمع أمة محمد صلى الله عليه وسلم، وبيننا وبينكم ألا تسفكوا دمًا حرامًا، أو تقطعوا سبيلًا أو تظلموا ذميًّا - يهوديًا أو نصرانيًا - فإنكم إن فعلتم فقد نبذنا إليكم الحرب على سواء، إن الله لا يحب الخائنين.
    ومكث الخوارج في النهروان بعيدًا عن الكوفة، وفي هذا التوقيت كان جيش الشام مستقرًا دون خلاف مع معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه.
    رب انى مسنى الضر وانت ارحم الراحمين

    البحث على جميع مواضيع العضو حرف مشتعل

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    29 - 8 - 2010
    ساكن في
    بين الامل والرجاء
    المشاركات
    7,293
    مقالات المدونة
    1
    النوع : انثيEgypt الفريق المفضل  : الاهلي

    افتراضي

    وجاء شهر رمضان سنة 37 هـ، فأرسل علي بن أبي طالب رضي الله عنه إلى دومة الجندل أربعمائة فارس، معهم أبو موسى الأشعري، وعبد الله بن عباس رضي الله عنهما، وأمّر عبد الله بن عباس على الصلاة.
    وأرسل معاوية رضي الله عنه أربعمائة فارس إلى أرض دومة الجندل معهم عمرو بن العاص رضي الله عنه، وكان معهم من رءوس الناس عبد الله بن الز بير بن العوام رضي الله عنهما، والمغيرة بن شعبة رضي الله عنه، وكان معهم أيضًا عبد الله بن عمر بن الخطّاب رضي الله عنهما، ولم يكن مع معاوية في القتال، ولكنه كان ممن اعتزل الفتنة، وإن كان يرى أن عليًا رضي الله عنه على الحق، وإنما كان حينئذٍ في الشام، فجاء مع الوفد الذي أرسله معاوية رضي الله عنه للتحكيم.
    وقد تمّ اختيار دومة الجندل للتحكيم لأنها تقع في مسافة متوسطة بين الكوفة، والشام فهي على بعد تسع مراحل من كلٍ منهما.
    وفي غالب الأمر لم يحضر سعد بن أبي وقّاص رضي الله عنه هذا الاجتماع.

    الحقيقة الغائبة في أمر التحكيم
    من الأمور المحزنة التي يندى لها الجبين أن الذي اشتهر في أمر التحكيم تلك الرواية الشيعية الموضوعة المكذوبة المفتراة التي عمّت بها البلوى، وقد انتشرت تلك الرواية انتشارًا كبيرًا بعد انتهاء عصر الدولة الأموية، واشتداد شوكة الشيعة في عصر الدولة العباسية، بل ظلت هذه الرواية هي المنتشرة في كتبنا حتى الوقت المعاصر.
    هذه الرواية الشيعية في هذا الأمر وضعها أبو مخنف لوط بن يحيى، والذي قال عنه الإمام ابن حجر العسقلاني: لوط بن يحيى أبو مخنف إخباري تالف لا يوثق به. وقال عنه الدارقطني: ضعيف. وقال عنه يحيى بن معين: ليس بثقة. وقال مرة: ليس بشيء. وقال ابن عدي: شيعي محترق.
    تقول الرواية: عن أبي مخنف أن عمرو بن العاص قال: إن هذا الأمر لا يصلحه إلا رجل له ضرس يأكل ويطعم، وكان ابن عمر فيه غفلة؛ فقال له ابن الز بير: افطن وانتبه. أي قل شيئًا حتى تأخذ الإمارة، فقال ابن عمر: لا والله لا أرشوا عليها شيئًا أبدًا. أي أنه أبى الإمارة.
    فقال أبو موسى الأشعري: يا ابن العاص إن العرب قد أسندت إليك أمرها بعد ما تقارعت بالسيوف، وتشاكت بالرماح، فلا تردنّهم في فتنة مثلها، أو أشد منها.
    ويكمل أبو مخنّف كذبه فيقول:
    ثم إن عمرو بن العاص حاور أبا موسى أن يقرّ معاوية وحده على الناس، فأبى عليه، ثم حاوره ليكون ابنه عبد الله بن عمرو، هو الخليفة فأبى أيضًا، وطلب أبو موسى من عمرو أن يكون عبد الله بن عمر، هو الخليفة فامتنع عمرو أيضًا، ثم اصطلحا على أن يخلعا معاوية، وعليًا ويتركا الأمر شورى بين الناس يتفقوا على من يختارونه لأنفسهم، ثم جاء إلى المجمع الذي فيه الناس، وكان عمرو بن العاص لا يتقدم بين يدي أبي موسى، بل يقدّمه في كلّ الأمور أدبًا وإجلالًا.
    فقال له: يا أبا موسى قمْ فأعلم الناس بما اتفقنا عليه، فخطب أبو موسى الناس، فحمد الله، وأثنى عليه، ثم صلى على رسول الله صلى الله عليه وسلم ثم قال:
    أيها الناس، إنا قد نظرنا في أمر هذه الأمة، فلم نر أمرًا أصلح لها، ولا ألم لشعثها من رأي اتفقت أنا وعمرو عليه، وهو أن نخلع عليًا ومعاوية، ونترك الأمر شورى، وتستقبل الأمة هذا الأمر، فيولى عليهم من أحبوه، وإني قد خلعت عليًا، ومعاوية ثم تنحى.
    وهناك روايات أكثر كذبًا تقول أنه قال: خلعته كما أخلع خاتمي من إصبعي، أو سيفي من عاتقي.
    وجاء عمرو بن العاص فقام مقامه فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:
    إن هذا- يقصد أبا موسى الأشعري- قد قال ما سمعتم، وإنه قد خلع صاحبه، وإني قد خلعته كما خلعه، وأثبتُّ معاوية بن أبي سفيان، فإنه ولي عثمان بن عفان، والطالب بدمه، وهو أحق الناس بمقامه.
    وتكمل الرواية الشيعية الكاذبة:
    فلما حدث هذا وثب شريح بن هانئ من جيش علي بن أبي طالب رضي الله عنه فضربه بالسوط، فقام إليه ابنُ عمرو بن العاص، وضربه بالسوط، وتفرّق الناس في كل وجه إلى بلادهم.
    فذكر أبو مخنف عن أبي حباب الكلبي أن عليًا لما بلغه ما فعل عمرو بن العاص كان يلعن في قنوته معاوية بن أبي سفيان، وعمرو بن العاص، وأبا الأعور السلمي، وحبيب بن مسلمة، والضحاك بن قيس، وعبد الرحمن بن خالد بن الوليد، والوليد بن عقبة، فلما بلغ ذلك معاوية كان يلعن في قنوته عليًا، وحسنًا، وحسينًا، وعبد الله بن عباس، والأشتر النخعي.
    وهذا كله كذب، وافتراء من أبي مخنف على صحابة الرسول صلى الله عليه وسلم، يقول ابن كثير في البداية والنهاية: ولا يصح هذا.
    هذه الرواية غير موافقةٍ للنقل، وغير موافقة للعقل.
    أما النقل أو علم الرجال فيقول:
    إن لوط بن يحيى هذا شيعي كاذب ضال يضع الأحاديث والروايات، ويفتري على الصحابة ما لم يحدث، فكل ما يأتي من قبله إن لم يوافق الحق، فهو كذب، وباطل.
    أما أن هذه الرواية غير موافقة للعقل، فإن سياق الكلام لا يستقيم، لأن الحكمين كما جاء في تلك الرواية، اتفقا على خلع علي ومعاوية.
    فمن أي شيءٍ يُخلَع معاوية، وهو رضي الله عنه لم يَدّع أنه خليفة للمسلمين، ولم يدّع أنه أمير المؤمنين، ولم يكن القتال على إمرة، ولم يقل أحد من الطرفين أن معاوية رضي الله عنه في هذا الوقت أمير المؤمنين.
    الأمر الثاني: سياق القصة يؤكد كذب عمرو بن العاص رضي الله عنه، ولا يُعدّ هذا خداعَ حربٍ، بل هو كذبٌ بيّن، ولا يصح هذا في حق عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه، فقد يُتهم المؤمن بالجبن، وبالبخل، أما الكذب فلا، وخاصة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد شهد له بالإيمان فقال صلى الله عليه وسلم كما في الحديث الصحيح: أَسْلَمَ النَّاسُ وَآمَنَ عَمرُو بْنُ الْعَاصِ.
    فلا يصح على الإطلاق أن نقول عن رجل شهد له النبي صلى الله عليه وسلم بالإيمان أنه كاذب كما في هذه الرواية.
    الأمر الثالث: أن المسلمين ليسوا في منتهى البلاهة، والعجز حتى تنطوي عليهم هذه اللعبة الصبيانة المزعومة من عمرو بن العاص رضي الله عنه وأرضاه، وهو منها براء، ولو صح لوقف أبو موسى الأشعري وقال:
    إن هذا الكلام كذب حتى لا يتم الاتفاق.
    الأمر الرابع: اتفق الجميع على أن هذا الأمر الذي تمّ بين الحكمين كان مشهودًا من مجموعة من رءوس الناس، وأعيانهم منهم عبد الله بن عمر، و عبد الله بن العباس، وعبد الله بن الز بير، والمغيرة بن شعبة، والأحنف بن قيس، وهؤلاء جميعًا من صحابة النبي صلى الله عليه وسلم، فأين هم إذن بعد أن قام عمرو بن العاص- كما يزعم الكذابون- وقال ما ينسبونه إليه.

    بين الحكمين
    بعد مشاورات كثيرة، ومحاورات، واختلاف في الرأي على أساس القضية، فكان أبو موسى الأشعري يؤيد علي بن أبي طالب رضي الله عنه في أنه تجب له البيعة من معاوية، ومن معه، وبعد أن تستقر الأمور يُؤخذ الثأر من قتلة عثمان بن عفان رضي الله عنه، ولكن عمرو بن العاص طالب بقتلهم أولًا، أو تسليمهم إليهم ليقتلوهم، وبعدها يبايعون، فلما تحدثا في هذا الأمر كثيرًا، ولم يصلا إلى شيءٍ، اتفقا على يُترك أمر تحديد الخلافة إلى مجموعة من الصحابة الذين توفي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو عنهم راضٍ، وهم أعيان وكبار الصحابة، وفيهم علي بن أبي طالب رضي الله عنه؛ لأنه من السابقين الأولين، ولا يكون فيهم معاوية بن أبي سفيان، ولا عمرو بن العاص رضي الله عنهما؛ لأنهما ليسا من السابقين، ويُستعان برأيهما إن رأى القوم أن يستعينوا برأيهما، وإن لم يروا فلا يستعينوا برأيهما.
    واتفقوا بحضور الشهود على أن يكون هذا الاجتماع في العام المقبل في دومة الجندل، وذلك بعد أن يذهب هؤلاء الأعيان، ويتباحثون في الأمر ويرون الأولى به، وقد يكون الأولى به علي بن أبي طالب رضي الله عنه وهو الأقرب إلى الاحتمال، خاصة، وأن هذه المجموعة هي التي اختارت عليًا رضي الله عنه ابتداءً، وليس عندهم اعتراض على شخصيته، ولكن عمرو بن العاص رأى أنه ربما تغيّرت الآراء بعد ما جرى من أحداث.
    وإلى أن يحين موعد هذا الاجتماع يحكم كلٌ من علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومعاوية بن أبي سفيان رضي الله عنه ما تحت يده في الدولة الإسلامية، وبعد تعيين الخليفة الجديد على الجميع أن يطيع الخليفة الجديد سواءً رأى قتل قتلة عثمان أولًا أو رأى تأخير ذلك.
    ومن الواضح أن الحكم في ظاهره لصالح علي بن أبي طالب رضي الله عنه، خاصة وأن معاوية وعمرو بن العاص قد خرجا من الأمر تمامًا، ولم يكن لهما رأي في اختيار الخليفة الجديد.
    وتفرق المسلمون على هذا الأمر، وهم راضون تمامًا حتى يجتمع كبار الصحابة لتحديد الخليفة، ولما وصل الأمر إلى علي بن أبي طالب رضي الله عنه رضي به، وكذلك عندما وصل إلى معاوية رضي الله عنه.
    لكن الرواية الشيعية الكاذبة تقول: إن عليًا لما بلغه هذا الأمر غضب، وجهّز الجيوش لمحاربة معاوية ومن معه، وهذا ما لم يحدث على الإطلاق.
    رب انى مسنى الضر وانت ارحم الراحمين

    البحث على جميع مواضيع العضو حرف مشتعل

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    29 - 8 - 2010
    ساكن في
    بين الامل والرجاء
    المشاركات
    7,293
    مقالات المدونة
    1
    النوع : انثيEgypt الفريق المفضل  : الاهلي

    افتراضي

    2- التتار

    مختصر قصة التتار

    تاريخ الإضافة:23-7-2008ظهور التتارقصة التتار عجيبة حقًّا، عجيبة بكل المقاييس، ولولا أنها موثقة في كل المصادر، وبصورة تكاد تكون متطابقة في كثير من الأحيان لقلنا إنها خيال، أو أغرب من الخيال.
    القصة عجيبة لأن التغيير فيها من ضعف إلى قوة، أو من قوة إلى ضعف لم يأخذ إلا وقتًا يسيرًا جدًّا، فما هي إلا أعوام قليلة جدًّا حتى يعز الله دولة ويذل أخرى، ثم تمر أعوام أخرى قليلة فيذل الله U الأولى ويعز الأخرى!! {قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آل عمران: 26].
    والقصة عجيبة أيضًا للمبالغة الشديدة في الأحداث؛ المبالغة في الأرقام في كل حدث، المبالغة في أعداد القتلى، وفي أعداد الجيوش، وفي أعداد المدن المنهارة، وفي مساحات البلاد المحتلة، وفي أعداد الخيانات وأسلوبها. كما أن القصة عجيبة لشدة التطابق بينها وبين واقعنا الآن.
    وقد أراد الله U أن يوضح لنا حقيقة ثبات السنن، وتكرار التاريخ، فجعل الأحداث التي تمر بها أمتنا في وقتنا هذا تكاد تكون متطابقة مع الأحداث التي جرت على سطح الأرض في القرن السابع الهجري، ولو بحثنا في التاريخ فسنجد تطابقًا مع أحداث أخرى كثيرة.
    ظهرت قوة التتار في أوائل القرن السابع الهجري، وحتى نفهم الظروف التي نشأت فيها هذه القوة لا بد من إلقاء نظرة على واقع الأرض في ذلك الزمان، وسنجد أن القوى الموجودة كانت متمثلة في فئتين رئيسيتين:
    أمَّا الفئة الأولى فهي أمة الإسلام، وقد كانت تملأ مساحة ضخمة من العالم في ذلك الوقت؛ فقد كانت حدود البلاد الإسلامية تبدأ من غرب الصين وتمتد عبر آسيا وإفريقيا لتصل إلى غرب أوربا حيث بلاد الأندلس، وهي مساحة شاسعة للغاية، لكن وضع العالم الإسلامي -للأسف الشديد- كان مؤلمًا جدًّا؛ فقد كانت هناك فُرقة شديدة في العالم الإسلامي، وتدهور كبير في الحالة السياسية لمعظم الأقطار الإسلامية. والغريب أن هذا الوضع المؤسف كان بعد سنوات قليلة من أواخر القرن السادس الهجري، حيث كانت أمة الإسلام قوية منتصرة متحدة رائدة، ولكن هذه سُنَّة ماضية {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران: 140]؛ فقد كان هناك الخلافة العباسية التي أصابها الوهن لابتعاد الحكام عن تطبيق الشرع، وانغماسهم في اللهو، وقعودهم عن الجهاد في سبيل الله تعالى.
    ونستطيع أن تقول: إن الخلافة العباسية كانت (صورة خلافة) وليست خلافة حقيقية؛ فقد كانت مصر والشام والحجاز واليمن في أوائل القرن السابع الهجري في أيدي الأيوبيين أحفاد صلاح الدين الأيوبي، وكانت بلاد المغرب والأندلس تحت إمرة (دولة الموحدين)، وقد كانت فيما سبق دولة قوية مترامية الأطراف تحكم مساحة تمتدُّ من ليبيا شرقًا إلى المغرب غربًا، ومن الأندلس شمالاً إلى وسط إفريقيا جنوبًا. وكانت الدولة الخوارزمية دولة مترامية الأطراف، وكانت تضم معظم البلاد الإسلامية في قارة آسيا، تمتد حدودها من غرب الصين شرقًا إلى أجزاء كبيرة من إيران غربًا، وكانت هذه الدولة على خلاف كبير مع الخلافة العباسية، وكانت بينهما مكائد ومؤامرات متعددة.
    بينما كانت الهند تحت سلطان الغوريين في ذلك الوقت، وكانت الحروب بينهم وبين دولة خوارزم كثيرة ومتكررة.
    وكانت أجزاء من فارس تحت سلطان الخوارزميين، وكانت الأجزاء الغربية منها -والملاصقة للخلافة العباسية- تحت سيطرة طائفة الإسماعيلية، وهي طائفة من طوائف الشيعة كانت شديدة الخبث، ولها مخالفات كثيرة في العقيدة، جعلت كثيرًا من العلماء يخرجونهم من الإسلام تمامًا.
    وأخيرًا كانت منطقة الأناضول تُحكم بسلاجقة الروم، وأصول السلاجقة ترجع إلى الأتراك، وكان لهم في السابق تاريخٌ عظيم وجهاد كبير، وذلك أيام القائد السلجوقي المسلم الفذ (ألب أرسلان) رحمه الله، ولكن للأسف فإن الأحفاد الذين كانوا يحكمون هذه المنطقة الحساسة والخطيرة والملاصقة للإمبراطورية البيزنطية كانوا على درجة شنيعة من الضعف أدَّت إلى مواقف مؤسفة من الذل والهوان.
    أمَّا القوة الثانية في الأرض في أوائل القرن السابع الهجري فقد كانت قوة الصليبيين، وكان المركز الرئيسي لهم في غرب أوربا، حيث لهم هناك أكثر من معقل، وقد انشغلوا بحروب مستمرة مع المسلمين، فكان نصارى إنجلترا وفرنسا وألمانيا وإيطاليا يقومون بالحملات الصليبية المتتالية على بلاد الشام ومصر، وكان نصارى إسبانيا والبرتغال -وأيضًا فرنسا- في حروب مستمرة مع المسلمين في الأندلس. وإضافةً إلى هذا التجمُّع الصليبي الضخم في غرب أوربا كانت هناك تجمعات صليبية أخرى في العالم، وكانت هذه التجمعات أيضًا على درجة عالية من الحقد على الأمة الإسلامية، وكانت الحروب بينها وبين العالم الإسلامي على أشدها.
    وبينما كان هذا هو حال الأرض في ذلك الوقت، ظهرت قوة جديدة ناشئة قلبت الموازين، وغيَّرت من خريطة العالم، وفرضت نفسها كقوة ثالثة في الأرض، هذه القوة هي قوة دولة التتار أو المغول!!
    من التتار؟ظهرت دولة التتار في سنة 603هـ/ 1206م تقريبًا، وكان ظهورها الأول في (منغوليا) في شمال الصين، وكان أول زعمائها هو جنكيزخان.
    و(جنكيزخان) كلمة تعني: قاهر العالم، أو ملك ملوك العالم، أو القوي، بحسب الترجمات المختلفة للغة المنغولية، واسمه الأصلي (تيموجين)
    [1]. وكان رجلاً سفّاكًا للدماء، وكان أيضًا قائدًا عسكريًّا شديد البأس، وكانت له القدرة على تجميع الناس حوله، وبدأ في التوسع تدريجيًّا في المناطق المحيطة به، وسرعان ما اتسعت مملكته حتى بلغت حدودها من كوريا شرقًا إلى حدود الدولة الخوارزمية الإسلامية غربًا، ومن سهول سيبريا شمالاً إلى بحر الصين جنوبًا[2]. أي أنها كانت تضم من دول العالم حاليًّا: الصين، ومنغوليا، وفيتنام، وكوريا، وتايلاند، وأجزاء من سيبيريا، إلى جانب مملكة لاوس، وميانمار، ونيبال، وبوتان!!
    ويطلق اسم التتار -وكذلك المغول- على الأقوام الذين نشئوا في شمال الصين في صحراء (جوبي)، وإن كان التتار هم أصل القبائل بهذه المنطقة. ومن التتار جاءت قبائل أخرى مثل قبيلة المغول، وقبائل الترك والسلاجقة، وغيرها. وعندما سيطر المغول -الذين منهم جنكيزخان- على هذه المنطقة أطلق اسم (المغول) على هذه القبائل كلها.
    وكان للتتار ديانةٌ عجيبة، هي خليط من أديان مختلفة، فقد جمع جنكيزخان بعض الشرائع من الإسلام، والبعض من المسيحية، والبعض من البوذية، وأضاف من عنده شرائع أخرى، وأخرج لهم في النهاية كتابًا جعله كالدستور للتتار، وسمَّى هذا الكتاب بـ (الياسة) أو (الياسك) أو (الياسق)
    [3].
    وكانت حروب التتار تتميز بسرعة انتشار رهيبة، ونظام محكم، وأعداد هائلة من البشر، وتحمُّل الظروف القاسية، والقيادة العسكرية البارعة، كما كانت تتميز كذلك بأنهم بلا قلب!!
    [4] فكانت حروبهم حروب تخريب غير طبيعية، فكان من السهل جدًّا أن ترى في تاريخهم أنهم دخلوا مدينة كذا أو كذا فدمَّرُوا كل المدينة، وقتلوا سكانها جميعًا، لا يفرِّقون في ذلك بين رجل وامرأة، ولا بين رضيع وشاب، ولا بين صغير وشيخ، ولا بين ظالم ومظلوم، ولا بين مدني ومحارب!! وتميزت حروبهم أيضًا برفض قبول الآخر، والرغبة في تطبيق مبدأ (القطب الواحد).
    ولم يكن للتتار عهد، فلا أيسر عندهم من نقض العهود وإخلاف المواثيق؛ فكانت هذه صفة أصيلة لازمة لهم، لم يتخلَّوا عنها في أي مرحلة من مراحل دولتهم منذ قيامها، وإلى أن سقطت.
    والمهم في كل ذلك أن التتار بدءوا يفكرون جديًّا في غزو بلاد المسلمين، وبدءوا يخطِّطون لإسقاط الخلافة العباسية، ودخول بغداد عاصمة الخلافة الإسلامية
    رب انى مسنى الضر وانت ارحم الراحمين

    البحث على جميع مواضيع العضو حرف مشتعل

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    29 - 8 - 2010
    ساكن في
    بين الامل والرجاء
    المشاركات
    7,293
    مقالات المدونة
    1
    النوع : انثيEgypt الفريق المفضل  : الاهلي

    افتراضي

    الهجمة التترية الأولى فكر جنكيزخان في أن أفضل طريقة لإسقاط الخلافة العباسية في العراق هي التمركز أولاً في منطقة أفغانستان وأو****تان؛ لذا فكَّر جنكيزخان في خوض حروب متتالية مع هذه المنطقة الشرقية من الدولة الإسلامية، التي تُعرف في ذلك الوقت بالدولة الخوارزمية، وكانت تضم بين طياتها عدة أقاليم إسلامية مهمَّة مثل: أفغانستان، وأو****تان، والتركمنستان، وكازاخستان، وطاج**تان، وبا**تان، وأجزاء من إيران، وكانت عاصمة هذه الدولة الشاسعة هي مدينة أورجندة (في تركمنستان حاليًّا).
    وكان جنكيزخان في شبه اتفاق مع ملك خوارزم (محمد بن خوارزم شاه) على حسن الجوار، ومع ذلك فلم يكن جنكيزخان من أولئك الذين يحترمون اتفاقياتهم؛ لذا لا مانع من نقض العهد، وتمزيق الاتفاقيات السابقة، وهي سُنَّة في أهل الباطل.. {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لاَ يُؤْمِنُونَ} [البقرة: 100].
    وبدأ الإعصار التتري الرهيب على بلاد المسلمين!!
    بدأت بالهجمة التترية الأولى على دولة خوارزم شاه؛ جاء جنكيزخان بجيشه الكبير لغزو خوارزم شاه، وخرج له (محمد بن خوارزم شاه) بجيشه أيضًا، والتقى الفريقان في موقعة شنيعة استمرت أربعة أيام متصلة، وذلك شرق نهر سيحون (وهو يعرف الآن بنهر سرداريا، ويقع في دولة كازاخستان المسلمة)، وقُتِل من الفريقين خلق كثير، لقد استُشهد من المسلمين في هذه الموقعة عشرون ألفًا، ومات من التتار أضعاف ذلك، ثم تحاجز الفريقان، وانسحب (محمد بن خوارزم شاه) بجيشه؛ لأنه وجد أن أعداد التتار هائلة، وذهب ليحصِّن مدنه الكبرى في مملكته الواسعة، وخاصةً العاصمة أورجندة. كان هذا اللقاء الدامي في عام 616هـ/ 1219م.
    انشغل (محمد بن خوارزم شاه) في تحضير الجيوش من أطراف دولته، ولكن كان هناك خطأٌ واضحٌ في إعداده، وهو أنه مع اهتمامه بتحصين العاصمة أورجندة إلا أنه ترك كل المساحات الشرقية من دولته دون حماية كافية! فلقد اهتم محمد بن خوارزم بتأمين نفسه وأسرته ومقربيه، وتهاون في تأمين شعبه، وحافظ جدًّا على كنوزه وكنوز آبائه، ولكنه أهمل الحفاظ على مقدرات وأملاك شعبه.
    جهَّز جنكيزخان جيشه من جديد، وأسرع في اختراق كل إقليم كازاخستان الكبير، ووصل في تقدُّمه إلى مدينة بُخارَى المسلمة (في دولة أو****تان الآن)، وحاصر جنكيزخان البلدة المسلمة في سنة 616هـ/ 1219م، ثم طلب أهلها الأمان من جنكيزخان قبل التسليم؛ فأعطاهم إياه.
    وفتحت المدينة المسلمة أبوابها للتتار، ودخل جنكيزخان إلى المدينة الكبيرة، وأعطى أهلها الأمان فعلاً في أول دخوله خديعةً لهم؛ وذلك حتى يتمكن من السيطرة على المجاهدين بالقلعة.
    وفعلاً بدأ جنكيزخان بحصار القلعة، بل أمر أهل المدينة من المسلمين أن يساعدوه في ردم الخنادق حول القلعة ليسهل اقتحامها، فأطاعوه وفعلوا ذلك!! وحاصر القلعة عشرة أيام، ثم فتحها قسرًا، ولما دخل إليها قاتل من فيها حتى قتلهم جميعًا!! ولم يبق بمدينة بخارى مجاهدون
    [5].
    وهنا بدأ جنكيزخان في خيانة عهده، يقول ابن كثير: "فقتلوا من أهلها خلقًا لا يعلمهم إلا الله U، وأسروا الذرية والنساء، وفعلوا معهنَّ الفواحش بحضرة أهليهن"
    [6]. وهكذا هلكت بُخارَى في سنة 616هـ/ 1219م!!
    ولكن كانت هذه أولى صفحات القصة، كانت بداية الطوفان وبداية الإعصار، فقد دخلت سنة 617هـ/ 1220م، وفيها ارتكب التتار من الفظائع ما تعجز الأقلام عن وصفه؛ فقد كرروا ما فعلوه في بخارى في عدة مدن إسلامية عظيمة أخرى مثل سمرقند، وقد استقر فيها السفاح جنكيزخان بعدما أعجبته، وقرَّر أن يقضي على محمد بن خوارزم شاه ليتفرَّغ لتحقيق مخططه في احتلال بلاد الخلافة الإسلامية كافة؛ فأرسل كتيبة مكوَّنة من عشرين ألف جندي -وهي قوة صغيرة بالنسبة لجيوش التتار- تطارده في كل مكان، وأخذ خوارزم شاه يفرُّ من وجهها في كل مكان يصلون إليه فيه
    [7].
    وصل الزعيم محمد بن خوارزم في فراره إلى جزيرة في وسط بحر قزوين، وهناك رضي بالبقاء فيها في قلعة في فقرٍ شديد وحياة صعبة، وهو الملك الذي ملك بلادًا شاسعة، وأموالاً لا تُعَدُّ، ولكن رضي بذلك لكي يفرَّ من الموت!
    وما هي إلا أيام، حتى مات محمد بن خوارزم شاه في هذه الجزيرة في داخل القلعة
    [8] وحيدًا طريدًا شريدًا فقيرًا، حتى إنهم لم يجدوا ما يكفنوه به، فكفنوه في فراش كان ينام عليه!! {أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُكُمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنْتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ} [النساء: 78].
    كانت المسافة بين الفرقة التترية الصغيرة وبين القوة الرئيسية لجنكيزخان في (سمرقند) تزيد على ستمائة وخمسين كيلو مترًا، كلها أراضٍ إسلامية تُكِنُّ العداء الشديد للتتار، ومع ذلك انطلقت تلك الفرقة وسط جموع المسلمين في تلك البلاد الذين يبلغون الملايين، انطلقوا يقتلون ويأسرون، ويستولون على البلاد والمدن الإسلامية؛ فدخلوا مازندران (في إيران)، ثم الرَّيِّ (مدينة إيرانية كبيرة كذلك). وفي الطريق من مازندران إلى الري وجد التتار في طريقهم والدته ونساءه ومعهم الأموال الغزيرة والذخائر النفيسة التي لم يُسمع بمثلها، فأخذوا كل ذلك سبيًا وغنيمة، وأرسلوه من فورهم إلى جنكيزخان المتمركز في (سمرقند) آنذاك، ثم انطلقوا يكررون تلك الأفاعيل في المدن المحيطة
    [9].
    بعد إتمام هذا الهجوم الكاسح اتجهت قوات التتار إلى اجتياح أذربيجان المسلمة، ثم إلى أرمينيا وجورجيا لمواجهة قبائل الكرج (وهي قبائل وثنية ونصرانية)، وتم احتلال أرمينيا وجورجيا، وقُتِل من الكرج أعداد لا تُحْصى
    [10].
    لقد كان هجومًا كاسحًا يدل على وحشية التتار، وضعف مَن يواجهونهم في هذا الوقت. بعد أن اطمأن جنكيزخان إلى هروب محمد بن خوارزم شاه زعيم البلاد في اتجاه الغرب، وانتقاله من مدينة إلى أخرى هربًا من الفرقة التترية المطاردة له، بدأ جنكيزخان يبسط سيطرته على المناطق المحيطة بسمرقند، وعلى الأقاليم الإسلامية الضخمة الواقعة في جنوب سمرقند وشمالها.
    وجد جنكيزخان أن أعظم الأقاليم وأقواها في هذه المناطق: إقليم خوارزم وإقليم خراسان، أما إقليم خراسان فإقليم شاسع به مدن عظيمة كثيرة مثل: بلخ، ومرو، ونيسابور، وهراة، وغزنة، وغيرها (وهو الآن في شرق إيران وشمال أفغانستان).
    وأما إقليم خوارزم فهو الإقليم الذي كان نواةً للدولة الخوارزمية، واشتهر بالقلاع الحصينة والثروة العددية والمهارة القتالية، وهو يقع إلى الشمال الغربي من سمرقند، ويمر به نهر جيحون (وهو الآن في دولتي أو****تان وتركمنستان)، ولكن جنكيزخان أراد القيام بحرب معنوية تؤثر في نفسيات المسلمين قبل اجتياح هذه الأقاليم العملاقة، فقرر البدء بعمليات إبادة وتدمير تبث الرعب في قلوب المسلمين في الإقليمين الكبيرين خوارزم وخراسان، فأخرج جنكيزخان من جيشه ثلاث فرق:
    فرقة لتدمير إقليم فرغانة (في أو****تان الآن)، وهو على بُعد حوالي خمسمائة كيلو متر إلى الشرق من سمرقند.
    وفرقة لتدمير مدينة ترمذ (في تركمنستان الآن)، وهي مدينة الإمام (الترمذي) صاحب السنن رحمه الله، على بُعد حوالي مائة كيلو متر جنوب سمرقند.
    وفرقة لتدمير قلعة كلابة، وهي من أحصن قلاع المسلمين على نهر جيحون.
    وقد قامت الفرق الثلاث بدورها التدميري كما أراد جنكيزخان، فاستولت على كل هذه المناطق، وأعملت فيها القتل والأسر والسبي والنهب والتخريب والحرق، مثلما اعتاد التتار أن يفعلوا في الأماكن الأخرى. ولما عادت هذه الجيوش من مهمتها القبيحة بدأ جنكيزخان يُعِدُّ للمهمة الأقبح، بدأ يُعِدّ لاجتياح إقليمي خراسان وخوارزم
    [11].
    ولأجل احتلال هذين الإقليمين بدأ التتار بغزو بلخ؛ فطلب أهلها الأمان فأعطاهم جنكيزخان الأمان على غير عادته، وذلك مقابل أن يعاونوه في غزو مدينة (مرو)؛ فاستجاب أهل بلخ المهزومون نفسيًّا، وعاونوه فيما أراد.
    قتل التتار في مرو سبعمائة ألف مسلم ومسلمة، هم كل سكان المدينة من الرجال والنساء والأطفال، وسلبوا كل الأموال حتى إنهم نبشوا قبر السلطان (سنجر) بحثًا عن أموال أو حُلِيٍّ تكون مدفونة معه
    [12].
    وبعد ذلك توجّه التتار إلى نيسابور (وهي تقع الآن في الشمال الشرقي لدولة إيران)، ثم هراة، فخوارزم.

    رب انى مسنى الضر وانت ارحم الراحمين

    البحث على جميع مواضيع العضو حرف مشتعل

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    29 - 8 - 2010
    ساكن في
    بين الامل والرجاء
    المشاركات
    7,293
    مقالات المدونة
    1
    النوع : انثيEgypt الفريق المفضل  : الاهلي

    افتراضي

    جلال الدين والعُدَّة لقتال التتاروبتدمير إقليمي خراسان وخوارزم يكون التتار قد سيطروا على المناطق الشمالية ومناطق الوسط من دولة خوارزم الكبرى، ووصلوا في تقدمهم إلى الغرب إلى قريب من نهاية هذه الدولة (على حدود العراق)، ولكنهم لم يقتربوا بعدُ من جنوب دولة خوارزم. وجنوب دولة خوارزم كانت تحت سيطرة جلال الدين بن محمد بن خوارزم شاه، وهو ابن محمد بن خوارزم الذي فرَّ منذ شهور قليلة أمام التتار، وهرب إلى جزيرة ببحر قزوين حيث مات هناك.
    بدأ جلال الدين يُعِدُّ العدة لقتال التتار، وجمع جيشًا كبيرًا من بلاده، وانضم إليه أحد ملوك الأتراك المسلمين اسمه (سيف الدين بغراق)، وكان شجاعًا مقدامًا، وكان معه ثلاثون ألف مقاتل، ثم انضم إليه أيضًا ستون ألفًا من الجنود الخوارزمية الذين فروا من المدن المختلفة في وسط وشمال دولة خوارزم بعد سقوطها. كما انضم إليه أيضًا (ملك خان) أمير مدينة هراة بفرقة من جيشه، وذلك بعد أن أسقط جنكيزخان مدينته، وبذلك بلغ جيش جلال الدين عددًا كبيرًا، ثم خرج جلال الدين بجيشه إلى منطقة بجوار مدينة غزنة تدعى (بلق)، وهي منطقة وعرة وسط الجبال العظيمة، وانتظر جيش التتار في هذا المكان الحصين، ثم جاء جيش التتار!
    دارت بين قوات جلال الدين المتحدة وقوات التتار معركة من أشرس المواقع في هذه المنطقة، وقاتل المسلمون قتال المستميت؛ فهذه أطراف المملكة الخوارزمية، ولو حدثت هزيمة فليس بعدها أملاك لها. وكان لحميَّة المسلمين وصعوبة الطبيعة الصخرية والجبلية للمنطقة، وكثرة أعداد المسلمين، وشجاعة الفرقة التركية بقيادة سيف الدين بغراق، والقيادة الميدانية لجلال الدين، كان لكل ذلك أثر واضح في ثبات المسلمين أمام جحافل التتار.
    واستمرت الموقعة الرهيبة ثلاثة أيام، ثم أنزل الله U نصره على المسلمين، وانهزم التتار للمرة الأولى في بلاد المسلمين!! وكثر فيهم القتل، وفرَّ الباقون منهم إلى ملكهم جنكيزخان، الذي كان يتمركز في (الطالقان) في شمال شرق أفغانستان
    [13].
    وارتفعت معنويات المسلمين إلى السماء؛ فقد وقر في قلوب الكثيرين قبل هذه الموقعة أن التتار لا يُهزمون، ولكن ها هو اتحاد الجيوش الإسلامية في (غزنة) يؤتي ثماره؛ لقد اتحدت في هذه الموقعة جيوش جلال الدين مع بقايا جيوش أبيه محمد بن خوارزم شاه، مع الفرقة التركية بقيادة سيف الدين بغراق، مع ملك خان أمير هراة، واختار المسلمون مكانًا مناسبًا، وأخذوا بالأسباب المتاحة، فكان النصر.
    واطمأن جلال الدين إلى جيشه، فأرسل إلى جنكيزخان في الطالقان يدعوه إلى قتال جديد، وشعر جنكيزخان بالقلق لأول مرة، فجهَّز جيشًا أكبر، وأرسله مع أحد أبنائه لقتال المسلمين، وتجهز الجيش المسلم، والتقى الجيشان في مدينة (كابول) الأفغانية
    [14]. ومدينة كابول مدينة إسلامية حصينة تحاط من كل جهاتها تقريبًا بالجبال؛ فشمالها جبال هندوكوش الشاهقة، وغربها جبال باروبا ميزوس، وجنوبها وشرقها جبال سليمان.
    ودارت موقعة كابول الكبيرة، وكان القتال عنيفًا جدًّا، أشد ضراوة من موقعة غزنة، وثبت المسلمون، وحققوا نصرًا غاليًا على التتار، بل وأنقذوا عشرات الآلاف من الأسرى المسلمين من يد التتار.
    وفوق ارتفاع المعنويات، وقتل عدد كبير من جنود التتار، وإنقاذ الأسرى المسلمين، فقد أخذ المسلمون غنائم كثيرة نفيسة من جيش التتار.
    كانت هذه الغنائم وبالاً على الجيش المسلم؛ روى البخارى ومسلم عن عمرو بن عوف t قال: قال رسول الله r: "فَوَاللَّهِ مَا الْفَقْرَ أَخْشَى عَلَيْكُمْ، وَلَكِنِّي أَخْشَى أَنْ تُبْسَطَ عَلَيْكُمُ الدُّنْيَا كَمَا بُسِطَتْ عَلَى مَنْ كَانَ قَبْلَكُمْ، فَتَنَافَسُوهَا كَمَا تَنَافَسُوهَا، وَتُهْلِكَكُمْ كَمَا أَهْلَكَتْهُمْ"
    [15].


    رب انى مسنى الضر وانت ارحم الراحمين

    البحث على جميع مواضيع العضو حرف مشتعل

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    13 - 4 - 2010
    ساكن في
    القاهره
    العمر
    48
    المشاركات
    32,835
    النوع : ذكر Egypt

    افتراضي

    سلمت
    هذه الايادي
    على المجهود
    والفكره الرائعه
    العذبه
    دمت بوافر الصحة
    والعافية

 

 
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • مش هتقدر تضيف مواضيع جديده
  • مش هتقدر ترد على المواضيع
  • مش هتقدر ترفع ملفات
  • مش هتقدر تعدل مشاركاتك
  •  
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات مصراوي كافيه 2010 ©