رابين يساوم عائلة عماد عقل!!
لم يكن الوضع في قطاع غزة بأخف وطأة على الشهيد القائد وإخوانه المطاردين، وأدى فشل أجهزة المخابرات الصهيونية في الوصول إلي عماد عقل وتصفيته بتلك الأجهزة إلى المساومة، حيث اتصل رئيس الوزراء الصهيوني إسحاق رابين بأهله وعرض عليهم أن يخرج عماد إلى مصر أو الأردن بسلام، على أن يعود بعد ثلاث سنوات دون أن يقدّم إلى المحاكمة، فردّ عماد عقل أولاً بمقولته الشهيرة: "إن رابين لا يستطيع أن يمنع شاباً قرّر أن يموت".
وجاء رده الثاني ليلة الخامس والعشرين من شهر نوفمبر عام 92 على مدخل حي الشيخ رضوان في غزة حين أردى برصاصه جندياً صهيونياً، وبعدها بشهر كان يربض أمام مفرق الشجاعية في مدينة غزة ليصرع ثلاثة من الجنود بينهم ضابط كبير..وتوالت عملياته، حيث نفّذ عماد خلال تلك السنتين من المطاردة أكثر من 40 عملية منها إطلاق نار على الجنود والمستوطنين وخطف العملاء والتحقيق معهم وقتل العديد ممن رفض التوبة منهم.
طلب الخروج
وإزاء هذه العمليات الموجعة لعماد عقل ومجموعته، اتجه الصهاينة إلي سياسة القتل الجماعي وتدمير المنازل بحثاً عن المجاهدين، الأمر الذي استدعى خروج المجاهدين إلي خارج فلسطين، وعندما جاء الدور على الشهيد (عماد عقل) اعتذر عن الخروج بإصرار، فقد كان عازماً على الجهاد حتى الشهادة، فرفض أن ينسحب من الميدان أو أن يخرج مغادراً الوطن الذي يحبّه دون أن يقاتل حتى الرمق الأخير.
وفي نفس الوقت أخذ الصهاينة يشكلون وحدات خاصة لاصطياد (الحرباء) أو (الشبح) أو (العقرب)، وهي التسميات التي أطلقتها سلطات الاحتلال العسكريـة على عقل، الأمر الذي لم يدع له مجالاً حتى للاقتراب من منزل والديه في (مخيم جباليا).
عرس الشهادة
تحكي الوالدة أم المجاهد "نضال فرحات" الأخ الصديق لعماد عقل، عن تفاصيل يوم استشهاد عقل: "كان اليوم الأربعاء 24/11/1993 والوقت قبل المغرب بساعة وجاء عماد وأدخله ابني نضال من المدخل الثاني..صورته لا زالت أمام عيني كان حلو الوجه، رغم أنه كان صائماً له أربعة عشر يوماً..وسألته (يا عماد صائم أم مفطر)، قال (و الله صائم)..خرجت و أخذت أجهز الإفطار قبل أن يستدركنا الوقت".
..جهّزنا الطعام (والكلام مازال لام نضال) واكتفيت بما هو موجود في البيت وأخذ وسام الطعام ودخل به عند عماد ومع آذان المغرب أفطر عماد ولم يكمل طعامه بعد..
وفي هذا الوقت كان هناك شخص ينتظر عماد فوق سطح المنزل، (هذا الشخص اكتشفت حماس فيما بعد أنه عميل) وكان يريد عماد، وقال: "أريد عماد في كلام سري"، وبعد أن تناول عماد الطعام أنزلنا العميل في مكان عماد السرّي.
عشرات الجنود يحاصرون الحي
وتكمل أم نضال: "وما إن نظرت إلى الشارع وحول المنزل، كانت هناك سيارة على الباب، وقف حسام ليسلّم على السائق، وما إن مدّ يده وإذ بهم قوات صهيونية خاصة والسيارة بها عشرات الجنود المدجّجين بالسلاح، وقاموا بتكبيل حسام ووضعوه بالسيارة، وما هي إلا لحظات حتى حوصرت المنطقة بأكملها بمئات من الجنود والصحافيين الصهاينة وسيارات الإسعاف، وأخذنا نجري في البيت من غرفة إلى أخرى لا ندري ماذا نعمل..
كان نضال يجلس على درجات المنزل الداخلي، ينتظر أن ينتهي وليد من السرّ الذي يريد أن يبلغه لعماد، وتقول أم نضال أنها صرخت قائلة: "الجيش على الباب يا عماد" .. وتكمل: "عندها خرج عماد ومؤمن من الباب الخلفي شاهدهم الجنود فدخلوا إلى المنزل، نظرنا هنا ونظرنا هناك وإذا بالبيت كلّه محاصر، لم يكن الجيش لوحده بل كان هناك عدد من العملاء أيضاً..".
عندها قال نضال لعماد عقل: "والله يا عماد ما لك إلا الشهادة".
كان عماد يحمل معه مسدسه الشخصي فقط، عندها احتضن نضال وقال له: (وصيّتي لك أن تدعو الشباب لتكملة المشوار وها أنا ذاهب للشهادة).. وبالفعل صلّى عماد ركعتين في صالة المنزل وصعد إلى سطح المنزل الذي بدا كالنهار من كثرة الأضواء الكاشفة التي سلطت عليه وعندها تقدّمت نحو سور المنزل وشاهدت عدداً من العملاء.
واستشهد البطل
والتفتّ نحو عماد وإذ به يودّع أبنائي، ثم تقدّم عدة خطوات وأطلق النار على العملاء، وقال "الله أكبر"..ودعا دعاء بصوت عال، ثم أفرغ سلاحه من طلقاته باتجاه الجنود وألقى بنفسه على السوار عندها فتحوا نيران أسلحتهم بكثافة عليه، وكنّا نظن أنه استشهد لكنه كان لا زال حياً ولفّ حول البيت وتحت الزيتونة سقط بعد أن أطلق الجنود من الجهة المقابلة النار عليه حتى مزّقوا جسده، حتى أن رأسه تهشّم من كثرة الطلقات ووجدنا مخّه قد تساقط من الرأس .. ويقال أنهم أطلقوا عليه قذيفة صاروخية وسبعين رصاصة.
وتكمل المشهد أم نضال وتقول: "عندها طلبوا من نضال أن يحمل جثة عماد ويخرِجها من مكانها" ..وتقول: "تصوّروا أنهم كانوا يخافون من عماد حتى وهو ميّت.. وقالوا لنضال (أحضر الجثّة وأي حركة تصدر منك لن ترى أنت وأهلك الخير)".
وتعود أم نضال بالذاكرة: "لقد كان نضال دائماً يقول لعماد (وقتيش أحملك وأنت مخروق بالرصاص).. وكأنه قرأ الغيب وبالفعل حمل نضال عماداً وهو (مخروق) بالرصاص عشرات من الطلقات اخترقت جسده الطاهر..
ورحل الشهيد