حكاية الحمق
أبو عبد الله الجصاص الأحمق: ومنهم أبو عبد الله الجصاص.
حكي عنه أنه كان يوماً يأكل مع الوزير فلما فرغ من الأكل قال: الحمد لله الذي لا يحلف بأعظم منه.
ونظر يوماً في المصحف وجعل يقول: رخيص والله وهذا من فضل ربي آكل وأتمتع بدرهم وإذا في المصحف " ذرهم يأكلوا ويتمتعوا " فصحف ذرهم فظن أنه درهم.
ودخل ابن الجصاص يوماً على ابن الفرات الوزير الخاقاني وفي يده بطيخة كافور فأراد أن يعطيها الوزير ويبصق في دجلة فبصق في وجه الوزير ورمى البطيخة في دجلة فارتاع الوزير وانزعج ابن الجصاص وتحير وقال: والله العظيم لقد أخطأت وغلطت أردت أن أبصق في وجهك وأرمي البطيخة في دجلة.
فقال له الوزير: كذلك فعلت يا جاهل.
فغلط في الفعل وأخطأ في ونظر يوماً في المرآة فقال: اللهم بيض وجوهنا يوم تبيض وجوه وسودها يوم تسود وجوه.
وقال يوماً: أشتهي بغلة مثل بغلة النبي صلى الله عليه وسلم حتى أسميها دلدل.
وقال يوماً: خريت على يدي فلو غسلتها ألف مرة لم تنظف حتى أغسلها مرتين.
ونظر يوماً في المرآة فقال لإنسان عنده: ترى لحيتي طالت فقال له: المرآة في يدك.
فقال: صدقت ولكن الشاهد لا يرى ما لا يراه الغائب.
وكسر يوماً لوزاً فطارت لوزة فقال: لا إله إلا الله كل شيء يهرب من الموت حتى البهائم.
وأهدى إلى العباس بن الأحنف الوزير نبقاً وكتب إليه: تفيلت أن تبقى فأهديتك النبقا فكتب في جوابه: ما تفيلت يا أبا عبد الله ولكن تبقرت.
وكان ابن الجصاص يسبح كل يوم فيقول: نعوذ بالله من نعمه ونتوب إليه من إحسانه ونستقيله من عافيته ونسأله عوائق الأمور.
حسبي الله وأنبياؤه والثغور الكنائس سبحان الله قبل الله سبحان الله بعد الله.
وأتاه غلامه يوماً بفرخ فقال: أنظروا إلى هذا الفرخ ما أشبهه بأمه ثم قال: أمه ذكر أم أنثى واعتل مرة فقيل له: كيف تجدك فقال: الدنيا كلها محمومة.
وذكر محمد بن أحمد الترمذي قال: كنت عند الزجاج أعزيه بأمه وعنده الخلق من الرؤساء والكتاب إذ أقبل ابن الجصاص فدخل ضاحكاً وهو يقول: الحمد لله قد سرني والله يا أبا إسحاق فدهش الزجاج ومن حضر وقيل له: يا هذا كيف سرك ما غمه وغمنا فقال: ويحك بلغني أنه هو الذي مات فلما صح عندي أنها هي التي ماتت سرني ذلك.
فضحك الناس جميعاً.
وكتب ابن الجصاص إلى وكيل له يحمل إليه مائة من قطناً فحملها فلما حلجها خرج منها ربع الوزن فكتب إلى الوكيل: لم يحصل من هذا القطن إلا خمسة وعشرون مناً فلا تزرع بعد هذا إلا قطناً محلوجاً وشيئاً من الصوف أيضاً.
ودخل يوماً بستاناً فثار به المرار فطلب بصلاً بخل ليطفىء المرار ولم يكن عند البستاني فقال له: لم لم تزرع لنا بصلاً بخل.
وكان يوماً خلف الإمام فقال الإمام: " ولا الضالين " فقال ابن الجصاص: أي لعمري.
وكان إذا سبح يقول: حسبي الله وحدي.
وقال يوماً: ينبغي للإنسان أن يصير إلى المقابر ليغتاظ أراد يسير ليتعظ.
وقال يوماً: كان الفأر يؤذينا في سقوفنا فوصف لي إنسان دواء فما سمعت لهم حسوه وأراد حساً.
وذكر يوماً ثلاثة أصناف من الثياب ثم قال: إذا لبست واحدة من هؤلاء فما أبالي بغيرها.
وقدمت له هريسة من نعامة فاستطابها فقال: كيف لو أكلتها بقرية أراد سكباجاً.
ومرض فقيل له: لعلك تناولت شيئاً ضاراً فقال: لا والله ما أكلت إلا مزورة بفرخ فروج.
وذكر بين يديه رجل فقال: أخبرتني أمه أنه ولد أبوه وله ثمانون سنة.
وقدمت إليه اسفيداجة فقال لمن حوله: كلوا فهذه أم القرى.
وقال يوماً: قمت البارحة إلى المستراح وقد انطفأ القنديل فما زلت أتلمظ المقعدة حتى وجدتها.
ودخل يوماً على مريض فجلس عنده فشكا إليه الكتف فقال: والله ما أغفل من وجع كتفي هذين وضرب بيديه على ركبتيه.
ابن الجصاص لم يكن أحمق: وقد نقل عن ابن الجصاص ما يدل على أنه كان يقصد التطابع لا أنه كان بهذه المثابة.
عن علي بن أبي علي التنوخي عن أبيه قال: اجتمعت ببغداد سنة ست وخمسين وثلاثمائة مع أبي علي بن أبي عبد الله بن الجصاص فرأيته شيخاً حسناً طيب المحاضرة فسألته عن الحكايات التي تنسب إلى أبيه مثل قوله خلف الإمام حين قرأنا " ولا الضالين " فقال: أي لعمري بدلاً عن آمين ومثل قوله أراد أن يقبل رأس الوزير فقل له: أفيه ذهب فقال: لو كان في رأس الوزير خرا لقبلته ومثل قوله وقد وصف مصحفاً بالعتق فقال: كسروي! فقال: أما أي لعمري ونحو هذا فكذب وما كان فيه علامة تخرجه إلى هذا وما كان إلا من أدهى الناس ولكنه يطلق بحضرة الوزراء قريباً مما يحكى عنه لسلامة طبع كان فيه ولأنه كان يحب أن يصور نفسه عندهم بصورة الأبله ليأمنه الوزراء لكثرة خلواته بالخلفاء فيسلم عليهم.
...........................يتبع