قهوتنا على الانترنت
ابحث عن :  
النتائج 1 إلى 5 من 5
  1. #1

    ملحوظة على منصة التخرج

    على منصة التخرج


    كغيره من ذوي الاحتياجات الخاصة الذين تملؤ قلوبهم روح مبدعة، تنتظر من يكشف عنها ويتلمسها بعناية
    لتظهر إلى عالم النور، وجد مازن مكان له تحت الشمس ، فنضجت مقومات القدرة والإبداع عنده بفضل
    المساندة الاجتماعية والدعم المعنوي الذي تلقاه من أسرته والمحيطين به، ليشق بذلك طريقاً في طلب العلم
    والمعرفة قد يعجز عنه الآخرون من غير المعاقين، فيتغلب على العقبات بالصبر والإرادة، ويهزم قيود
    الإعاقة، ليلاقي نفسه محط إعجاب زملائه وأساتذته في الجامعة، فرحاً بنيل الشهادة الحلم التي انتظرها
    طويلاً مع والديه ليصبح بذلك نموذجاً وقدوة لذوي الاحتياجات الخاصة وغير المعاقين على السواء.
    جاء طبيعياً منذ ولدته أمه، متدرجاً في نموه كأي طفل يتمتع بنمو جسمي سليم وقدرة على المشي واكتساب
    اللغة، إلى أن شارف على اتمام السنة الثانية من عمره، حين هاجم جسمه ارتفاع حاد في درجة الحرارة،
    وعجزت كل المسكنات عن إخماد جذوتها، فأسرعت به الأسرة إلى الطبيب، وما أن وصل العيادة حتى
    تشنجت أطرافه، فاضطرت أسرته للمكوث به في المستشفى لتلقي العلاج، وظل والداه يتنقلان به بين
    عيادات الأطباء لإجراء الفحوصات والتحاليل الطبية اللازمة، يبحثان بكل ما أوتيا من جهد عن حل لمشكلة
    ابنهما، يرضي ضميرهما ويشبع عاطفة الأمومة والأبوة تجاهه، حتى لو كان ذلك على حساب سعادة معلمين
    من ذوي الدخل المحدود، تنتظرهما هموم ومسؤوليات مستقبل ابنتين وثلاثة ذكور هم أخوة مازن.
    في نهاية المطاف كان لابد من التسليم بقضاء الله وقدره، حيث استقرت رحلة الصراع المريرة بين المرض
    والعلاج إلى إصابة مازن بالشلل الدماغي الطولي في الجهة اليسرى من الجسم، دون إصابة المراكز
    المسؤولة عن اللغة والكلام في الدماغ، مما تطلب جلسات مطولة من العلاج الطبيعي امتدت سنوات.
    وهكذا، كان على مازن وأسرته التعايش مع الإعاقة والاستعداد لمواجهة حياة ستكون صعبة بكل مفرداتها،
    فبدأت خطوته الأولى على طريق العلم من إحدى جمعيات المعاقين والتي يسرت له حركة التنقل بين البيت
    والجمعية، وها هو ينهي الصف الخامس الابتدائي فيها عن جدارة، ليتم دمجه مع طلبة الصف السادس في
    الأساسي ب؛دى المدارس الحكومية، دون أن يواجه صعوبات أكاديمية تذكر قد تكون إعاقته تسببت فيها،
    فكان التعليم بالنسبة له نافذته المطلة على الحياة، وحب المعرفة مزروع بداخله، يبحث عنها رغم معاناته
    الجسدية، تزيده الدافعية رغبة في استباق أقرانه، وعيناه التي تشع فطنة تتطلع لمستقبل أفضل.
    حين أتيحت لوالديه فرصة العمل بدولة الإمارات في مجال التعليم، التحق مازن بالصفالأول الاعدادي في
    إحدى المدارس الثانوية، وحظي هناك بالدعم والاسناد المناسبين من إدارة المدرسة إضافة إلى التفهم
    الكافي لحاجته الخاصة من قبل المنطقة التعليمية، فاستمر على مقاعد الدراسة بين زملائه ومدرسيه حتى
    الصف الثاني الثانوي العلمي، حينها شعر ببعض التغيرات التي فرضت نفسها عليه، سيما وأنه دخل مرحلة
    المراهقة بكل ما فيها من تفحص وادراك للذات، وتحديد للهوية، وتبلور ملامح الشخصية، فأصبح يقيم ذاته
    ويقارن نفسه بزملائه، دون أن يحظى بالاسناد النفسي اللازم، والتفهم الكافي من المحيطين خلال ذاك
    المنعطف الهام من حياته، فوجد نفسه كمعاق، وحيداً في عراك مع الحياة ومتطلباتها، فلم يجد البيئة النفسية
    ولا المادية المناسبة المتفهمة له، زيادة على قلة المرافق المادية المناسبة لذوي الاحتياجات الخاصة.
    شكلت تلك الضغوط المتراكمة على مازن إحجاماً عن الدراسة، وتراجعاً في مستوى الطموح والدافعية نحو
    تحقيق الذات، فواصل حياته في البيت منقطعاً عن التعليم لمدة سنتين، تراه فيهما مختلفاً عن مازن الذي يعتبر
    شعلة من النشاط والذهن المتفتح، المقبل على الحياة رغم العقبات.
    كادت أحلامه تتهاوى وطموحات والديه المعلقة عليه تنهار لولا تدخل إحدى المؤسسات الإنسانية والتي قدمت
    له الدعم الكافي حين كان يتلقى جلسات العلاج الطبيعي فيها، فكان لهذه المؤسسة الفضل في إعادته للمدرسة
    من جديد، وحصوله على استثناء من وزارة التربية والتعليم، بعد أن اصطدمت أسرته بقوانين الوزارة التي
    لا تسمح بعودته إلى مقاعد الدراسة.
    وعاد مازن للانتظام بالدراسة منتقلاً إلى الفرع الأدبي، وبدأ يحضر لنيل الثانوية العامة في أواخر شهر
    ابريل، مع أن موعد الامتحانات سيكون قريباً في شهر يونيو القادم، فكان ذلك بمثابة تحد له شعر من خلاله
    بأن نتائجه ستحدد مصير حياته، تدفعه إلى ذلك كلمات أمه التي ما انفكت ترددها على مسامعه:
    - الثانوية العامة يا ابني هي مفتاح الحياة، ويجب أن تحصل على هذا المفتاح..


    وبالفعل فقد آتت هذه الكلمات ثمارها حين حصل على معدل
    ( 2ر 67 ) في الثانوية العامة، وتوجه مسرعاً

    صوب أمه في غمرة لحظات الفرح ليهديها نجاحه قائلاً:
    - ها أنا قد حصلت على هذا المفتاح الذي انتظرناه طويلاً، وليس هناك من هو أحق منك بهذه الهدية.
    ولكن الطريق لم تنته بعد في نظر مازن، وطموحه لا يقف عند حدود كرسيه المتحرك، بل يتعدى ذلك
    للتفكير بشكل جدي في الالتحاق بالجامعة كأخيه المهندس وأخته المعلمة، فكان له مراده حين عاد إلى وطنه
    فلسطين، ليلتحق بجامعة طالما سمع عن المساعدات التي تقدمها، والخدمات والمرافق المهيئة التي تتوافر
    فيها لذوي الاحتياجات الخاصة، وهي جامعة بيت لحم.
    وبالفعل التحق بالجامعة، وكان له حضوره بين زملائه، مكوناً في فترة وجيزة نسيجاً اجتماعياً متيناً مع عدد
    كبير من الطلبة والمحاضرين، تساعده في ذلك روحه المحبة للحياة والناس ولباقته في التعامل معهم وكسب
    ودهم، فأصبح معروفاً في الجامعة التي تحملتعنه بعض الأقساط الدراسية، واحتضنه زملاؤه في الدراسة،
    فكان لبنة أساسية في كيانهم، لدرجة أنه كان يتسلم دوماً الكؤوس الرياضية التي يفوز بها فريق الكلية
    الرياضي نيابة عن زملائه، وكنوع من الاحترام لوجوده بينهم.



    كان مقيماً في السنة الدراسية الأولى في سكن تابع لجمعية تقدم خدماتها لجرحى الانتفاضة الفلسطينية، والتي
    بدورها تبنته سنة كاملة في الجامعة، بما في ذلك سكنه وتنقله من وإلى الجامعة، انتقل بعدها إلى جمعية
    للمكفوفين الكبار والتي وّفرت له غرفة مستقلة مع زميل له معاق حركياً أيضاً.
    أحب اللغة الانجليزية والكمبيوتر، لذلك تخصص بالترجمة مع شقيقته التي تدرس في ذات التخصص، وفي
    محطته الثانية من سنوات الدراسة انتقلت أخته إلى تخصص آخر وهو اللغة العربية، بعد أن كانت عاملاً
    قوياً ومشجعاً له في دراسته لأنها في التخصص ذاته، وتزامن ذلك مع موقف سيء تعرض له من إحدى
    المدرسات عندما قالت له:
    - لن تستطيع الإستمرار معنا في هذا التخصص يا مازن، أنصحك بدراسة تخصص آخر.
    قالت ذلك بكل برود أمام زملائه في قاعة المحاضرات، وكل كلمة تخرج منها تنزل عليه ثقيلة كالجبل،
    وتعبث بحسه المرهف وتذكره بإعاقته التي لم تخطر على باله طوال سنتين مضتا، مسترجعاً ذكريات
    انقطاعه عن الدراسة في المرحلة الثانوية.
    لم يخبر أحداً بما حدث معه، وانقطع فصلاً دراسياً واحداً عن الجامعة، وبعد علم أسرته كان لابد من
    حضور والده للتدخل في حل تلك المشكلة وتشجيعه على الاستمرار في دراسته وإعادة تنظيم نفسه، وقد لاقى
    تشجيعاً كبيراً من الجامعة والزملاء بالاستمرار في التخصص الذي يحب، وساعدته إدارة الجامعة ومجلس
    الطلبة في شراء كرسي كهربائي متحرك، كان عوناً له في السير على الطريق الصاعد نحو الجامعة، فعاد
    إلى حياته الجامعية لدراسة اللغة الانجليزية وآدابها بنفس جديد، وقناعة أكبر تجاه هذا التخصص.
    ظل مازن كذلك ينعم بالأمان والهدوء في مدينة مهد السيد المسيح، والتي ظلت موئلاً ورمزاً للسلام والتعايش
    بين المسلمين والمسيحيين العرب، إلى أن أعادت قوات الاحتلال الصهيوني احتلال المدن الفلسطينية،
    فحطمت الأمان الذي كان مازن يعيشه وزملاؤه طلبة جامعة بيت لحم، لتضع أمامه المزيد من العوائق،
    وتذيقه أياماً من الحصار الخانق كباقي سكان المدينة، فظل حينها وحيداً قابعاً في غرفته، منقطعاً عن العالم
    الخارجي، تأتيه بطعامه اليومي إحدى مؤسسات الإغاثة الدولية.
    وكنتيجة لهذا الواقع المفروض على وطنه والذي لم يعزل نفسه عنه، شارك زملاءه الطلبة مسيراتهم
    المناهضة للحصار الظالم والمطالبة بالسماح لهم بالعودة للدوام في الجامعة.
    وحين تناقلت وسائل الإعلام صوراً عن مسيرة الطلبة وبثتها عبر الفضائيات، كانت مفاجأة ما بعدها مفاجأة
    لوالدته التي رأته يسير مع زملائه على كرسيه المتحرك وهو يهتف معهم، فدفعها خوفها عليه للاتصال به،
    ومطالبته بالابتعاد عن الخطر نظراً لوضعه البدني:
    - مازن يا بني .. أرجوك لا تعرض نفسك للخطر، يكفيك ما أنت فيه ولا تجعلنا في حالة قلق دائم عليك.
    فكان رده قاطعاً


    :

    - أنا إنسان كغيري من البشر يا أمي، أعاني مثلهم، وأنتمي إلى وطن أحبه، وإن كنت لا أستطيع السير
    على قدمي، فهذا لا يعني أنني لا أستطيع الصراخ في وجه الظلم


    .

    لم يكن خوف الأم على ولدها من فراغ، فهي تدرك صعوبة الأوضاع في فلسطين المحتلة، وما عزز ذلك
    الشعور بالخوف عليه زيارتها له في الصيف الماضي، ورؤيتها لمكان الرصاصة التي انطلقت من إحدى
    المغتصبات المجاورة، مخترقة نافذة غرفته ومحدثة ثقباً في الجدار ليس بعيداً عن موضع رأسه فوق سريره.
    - حمداًلله على سلامتك يا ولدي.. لو أصبت بأي مكروه فسأظل أشعر بذنب الإبتعاد عنك طوال عمري،
    كيف لي أن أعود بدونك بعد ما رأيت؟


    !.

    - اطمئني سأكون بخير إنشاء الله، جئت هنا لإكمال دراستي، ولا بد أن أحقق الهدف الذي جئت من أجله،
    كل ما أريده مخنك هو رضاك علي والدعاء لي


    .

    - الله يرضى عليك ...
    ولا بد أن تفترق الأجساد مرة أخرى وتعود الأم إلى الإمارات، إلا أن مشاعرها تسكن غرفته في فلسطين،
    وتظل تزداد ضربات القلب قلقاً عليه..تراقبه وتتحسس خطواته، إلى أن استكمل دراسته الجامعية واقترب
    موعد حفل التخرج.
    وليقين إدارة الجامعة بأن مازن سيكون نجم هذا الحفل، قالت له عميد الكلية خلال حديثها معه


    :

    - سيكون حفل هذا العام مميزاً بوجودك يا مازن...
    فأومأ برأسه مبتسماً، يتخيل لحظات هي أقرب إلى الحلم، لا يستطيع تخيلها دزن والدته


    .

    - شكراً ...
    جاءت والدته من الإمارات لحضور الحفل ومشاركة ابنها فرحته، وعندما سمعت اسمه عبر مكبر الصوت،
    وشاهدته يعتلي المنصة بكرسيه المتحرك مرتدياً ثوب التخرج، رافعاً هامته، وعيناه تذرفان دموع الفرح
    والسعادة، بعد سنوات كان فيها أقوى من الصبر، تمتد يداه لتسلم شهادته من عميد الكلية، كحصاد لأربع
    سنوات من الجهد والتعب، يصافح أساتذته الذين قبلوه بحرارة، مع تصاعد حرارة تصفيق زملائه الذين
    يعرفونه كشمس تشرق على جامعتهم كل صباح...
    أمام هذا المشهد المؤثر، لم تتمالك الأم نفسها في تلك اللحظات، فاعتلت المنصة هي الأخرى وعانقت ابنها
    وقبلته بحرارة، وكأنها تراه للمرة الأولى، فامتزجت دموعهما معاً وقلباهما يبتهلان إلى الله حمداً وشكراً على
    حلم تحقق وعلى لحظات طال انتظارها.



  2. #2
    تاريخ التسجيل
    13 - 4 - 2010
    ساكن في
    القاهره
    العمر
    48
    المشاركات
    32,835
    النوع : ذكر Egypt

    افتراضي

    الرائعه انجى
    تبا
    للوقت كانه
    السيف
    تثقلنا الايام
    باعبائها
    ويكون الخريف بالنهايه
    ضيف
    يارائعه
    وقرار صائب
    حقا
    ان يتخذ
    حرفك
    سحر الايام ليعطر
    به المستقبل
    بروح جديده
    وابتسامه عذبه
    تزين اللحظات
    مساؤك
    ممزوج بروعة
    حروفك
    تقديرى

  3. #3

    افتراضي

    كلام أكثر من رائع
    تسلم الايادى

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    5 - 10 - 2010
    ساكن في
    اطلال المشاعر
    العمر
    38
    المشاركات
    1,320
    مقالات المدونة
    2
    النوع : انثيEgypt الفريق المفضل  : الاهلي

    افتراضي

    قصة جميلة ومؤثرة جداا
    وكلها عبرة وامل
    تسلم ايديكى
    على اختياراتك الرائعة
    دمتى بكل الود والتقدير

    لنفترق قليلا.. لخيرِ هذا الحُبِّ يا حبيبي

    وخيرنا.. لنفترق قليلا

    لأنني أريدُ أن تزيدَ في محبتي

    أريدُ أن تكرهني قليلا

    البحث على جميع مواضيع العضو العاشقة المجروحة

  5. #5

    افتراضي

    شكرا حبيبتى للمشاركة الجميلة

 

 

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • مش هتقدر تضيف مواضيع جديده
  • مش هتقدر ترد على المواضيع
  • مش هتقدر ترفع ملفات
  • مش هتقدر تعدل مشاركاتك
  •  
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات مصراوي كافيه 2010 ©