قهوتنا على الانترنت
ابحث عن :  
النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: واستشهد شادي

  1. #1

    غضب وزعل واستشهد شادي

    واستشهد شادي

    هو فتى أصم يبلغ من العمر خمسة عشر عاماً، تربى في حارة القريون بالبلدة القديمة من مدينة نابلس،
    يعيش مع والده الأصم والمعاق حركياً أيضاً نتيجة إصابته في الانتفاضة الأولى، أما والدته فهي معلمة للغة
    الإشارة، وقد أخذت على عاتقها أعباء إعاته وإخوته الصم أيضاً علاء وبراء، والذين يتلقون تعليمهم في
    إحدى مدارس الإعاقة السمعية.
    عندما بدأت انتفاضة الأقصى، لم يعش بمعزل عن تلك الأحداث، بل أصبحت نشرات الأخبار محط اهتمامه،
    وبديلاً له عن الرسوم المتحركة، كما هو حال الأطفال الذين أرعبتهم مناظر استشهاد الطفل محمد الدرة بين
    أحضان والده، فأصبحت حاجتهم للأمن مفقود تحقيقها حتى من أقرب الناس إليهم.
    كان شادي دائم الحركة والنشاط، كفراشة تنتقل بين أزهار الحديقة، سريع البديهة، يبادر دوماً إلى خطوط
    المواجهة ويشارك في المسيرات، يحضر معه إلى مدرسة الصم أعلام فلسطين، وبقايا الرصاص الذي تطلقه
    قوات الاحتلال على المتظاهرين، يصنع لزملائه "المقاليع والقفازات" سلاح الصغار الوحيد في مواجهة الآلة
    العسكرية الضخمة.
    تتقد بداخله شعلة متصاعدة من اللهيب، لم تطفىء جذوتها إعاقته السمعية، وكانت تتبدى مظاهر حبه لوطنه
    من خلال رسوماته التي تمتزج فيها ألوان الشهداء، ويصور فيها الدمار الذي يراه يومياً.. يرسم الأقصى
    ويزرع على قبته العلم الذي يحب، وطائرة للعدو تحلق في السماء تقصف بيتاً آمناً، وأطفال يدافعون عن
    مدرستهم بالحجارة.
    حتى ألعابه مع زملائه في المدرسة، ومع رفاقه في الحارة، أصبحت انعكاساً للواقع الذي يعيش، يتقلد كل
    منهم الأدوار التي يرونها أو يسمعون عنها،. يقوم أحدهم بدور الجندي، والآخر بدور الجريح أو الشهيد،
    يرفض شادي أن يبقى أسيراً في عالم الصمت، ليخرج من الدائرة المغلقة إلى امتداد رحب يتغلب فيه على
    محدودية فعل الحواس.
    وفي صبيحة يوم جديد من المفترض أن يذهب فيه الفتى الأصم إلى مدرسته، حاملاً حقيبته وكتبه بعد أن أدى
    واجباته البيتية في اليوم السابق، يصحو هذه المرة قبل موعده بكثير، على أصوات انفجارات عالية رغم
    ضعف سمعه، بدأت من جرائها أركان البيت الحجري القديم الذي يقطنه تهتز مع كل انفجار، فأدرك أن
    قوات الاحتلال اقتحمت المدينة وباتت قريبة جداً من بيته.

    حينها
    .. كانت الدموع تنساب من عيني أمه، ويعلو صراخ أخوته في حضنها، وأبوه قابع على سريره دون
    حراك، تنتابه مشاعر الخوف على أبنائه، وشعوره بالعجز عن حمايتهم.

    وفي تلك اللحظات العصيبة


    .. أسرعت الأم للاتصال بالصليب الأحمر، لطلب النجدة والمساعدة، قبل أن يحلّ
    الموت بصغارها، وأخبرتهم بصوتها المخنوق المتهدج أن الجرافات تكاد تهدم البيت بمن فيه، إلا أن الرد
    الخجول جاء عاجزاً عن منع ذلك، فقوات الاحتلال تمنع فرق الانقاذ والطوارىء وأية جمعيات إنسانية أخرى
    من دخول البلدة القديمة، فتسلم الأم أمرها وأسرتها إلى الله، وتجلس مع صغارها مراقبة الموت الذي يقضم
    المسافات بين كل دقيقة، وما كان لأحد خارج هذا الموت أن يعلم شيئاً عن فظاعة ما يرتكب فيه.
    وبعد أن انسحب الموت من قلب المدينة، تحاول الحياة أن تنهض من وجعها، لتتفقد ما حل بها من خراب،
    وتضمد جراح أبنائها بعد أيام عصيبة لا يعرف فيها الجار ما حلّ بجاره، فإذا بأسرة جيران شادي بأكملها
    والمكونة من ثمانية أفراد، يستشهدون تحت ركام المنزل الذي هدمته الجرافات على من فيه، ومن بين
    الشهداء أصدقاؤه الصغار، الذين كان بالأمس يلعب معهم لعبتهم المفضلة "يهود وعرب".
    وينجو شادي وإخوته هذه المرة من الموت المحقق، وتنسحب قوات الاحتلال مخلفة وراءها أكواماً من الدمار
    والخراب، ويعود بطلنا الأصم إلى مدرسته ليحدث أصدقاءه ومعلمته بلغة الإشارة عن هول ما حدث أثناء
    الاجتياح، ويقص عليهم أيام الحصار المريرة التي قضاها مع عائلته بلا ماء ولا غذاء ولا كهرباء، ويبتكر
    إشارات جديدة ليخبر زملاءه بها كيف كان يجوب الحارة وسط الليل، باحثاً عن طعام لإخوته بين ركام
    المحلات التجارية المهدمة، مخترقاً نظام حظر التجول، وكيف اقتحم الجنود منزلهم وحطموا محتوياته، بما
    فيها المعينات السمعية الخاصة به وأخوته، والتي تبرعت لهم بها إحدى الجهات الخيرية.
    لقد كبر شادي فجأة، مع كبر الأحداث التي عايشها وفرضت نفسها عليه، نسي طفولته البريئة تحت أنقاض
    منازل أصدقائه، وبدأت ملامح الرجولة تتبدى على وجهه رغم صغر سنه، لقد تخلى عن الطفولة التي يتمتع
    بها أطفال العالم، وهذا ما أظهرته رغبته في تعلم مهنة لمساعدة والدته بمصاريف البيت، حيث باشرت
    مدرسة الصم بإجراءات تحويله إلى إحدى مؤسسات التأهيل المهني في منطقة سكناه.
    وفي يوم كان فيه شادي بين مجموعة من الناس الذين ضاق بهم الحال واضطروا لكسر نظام حظر التجول
    المفروض على مدينتهم، من أجل الحصول على قوت يومهم والابقاء على حياتهم.. انطلقت رصاصات الغدر
    بشكل عشوائي نحو جموع المواطنين والأطفال الذين خنقهم الحصار، غير مفرقة بين صغير وكبير، وبين
    ناطق وأصم، لتخترق إحدى الرصاصات ما بين أذن شادي وفكه، دون أن تسمع أزيزها أذناه، حين كان
    يلعب مع رفقته في الحارة، ولما ارتمى أرضاً حسبه الأطفال يمثل دور الشهيد، إلى أن رأوه مضرجاً
    بدمائه، فاقتحم أحد المارة المكان رغم كثافة النيران وأخلاه إلى المستشفى، وفي لحظات، تتبدد أحلامه
    الصغيرة في التدرب على مهنة يساعد من خلالها أسرته، ليجد نفسه أمام إعاقة أخرى حركية، إن كتب الله له
    مكث شادي تسعة شهور على سرير المستشفى دون حراك، وحل به ما حل بوالده من قبل، حين أقعدته
    رصاصات مماثلة على كرسيه المتحرك، بعد أن قضى أربعة عشر عاماً في سجون الاحتلال.
    كانت الشهور التسعة التي قضاها في مشفاه، أشبه بتلك التي قضاها في رحم أمه، معتمداً بشكل كامل عليها
    حتى في قضاء أبسط حاجاته اليومية، حتى طعامه الخاص، لابد وأن يمر بجهازه الهضمي وبطريقة خاصة،
    فكّاه غير قادرين على مضغه، وتعجز رئتاه عن التقاط أنفاسها بحرية ودون معاونة الأجهزة المساعدة، فظل
    كذلك متنقلاً خلال رحلة علاجه من مستشفى لآخر، ومن غرفة عمليات لأخرى دون أن يتمكن من إخراج
    آهاته المدفونة في جسده النحيل.
    هي عيناه فقط اللتان تقرآن كل ما يحدث حوله، تشعان فطنة وذكاء، يستقرىء بهما شفاه الآخرين، ويصدر
    ايماءاته للرد عليهم، حتى لغة الإشارة التي برع باستخدامها قد تاهت بين أوجاع الإصابة وسكون الحركة،
    فقد سرقها المحتل من بين يديه الثقيلتين، وضاعت ملامح وجهه وجسده بين آثار الأدوية وآلام وضعه
    الصحي.
    ظل شادي كذلك


    .. إلى أن انتصر على عدوه، فنال الشهادة التي كانت قد اقتربت من بيته قبل عام، حين
    استشهد ثمانية من جيرانه، ليرتقي للعلا شهيداً بجوار ربه وطيراً من طيور الجنة، يسبح في فضائها مع من
    سبقه من الأطفال الشهداء، الذين ينتظرون قرار محكمة العدل الإلهية، لتثأر لهم ممن اقترف بحقهم جريمة
    قتل الطفولة البريئة في مهدها، دون ذنب سوى أنهم أطفال فلسطين.





  2. #2
    تاريخ التسجيل
    13 - 4 - 2010
    ساكن في
    القاهره
    العمر
    48
    المشاركات
    32,835
    النوع : ذكر Egypt

    افتراضي

    سطع
    قمر حرفك
    فأعتليت أسواره
    فرسمتى
    على رمل الطريق

    حكايه
    فكانت كحالة القمر
    واطواره
    انجى
    بسبات وانبثاق
    بات
    صدى كلماتك يملأ
    الأفاق
    تجولت بين
    حروفك
    فأرتشفت منها اجمل
    المعانى والصور
    دمت في حفظ الرحمن


  3. #3
    تاريخ التسجيل
    30 - 6 - 2009
    ساكن في
    فى دنيا فانيه
    المشاركات
    11,212
    مقالات المدونة
    18
    النوع : انثيEgypt الفريق المفضل  : الاهلي

    افتراضي

    لا حولة ولا قوة الا بالله
    وكثير مثل شادى ومازالنا نحن نحن
    وهم من يموتوا اه يااطفال العرب المحتالون
    ربى يسكنهم الجنه اجمعين ويوحد العرب
    ويفك اسر ارضنا الحبيبة فلسطين
    تحياتى اختى وبارك الله فيك

  4. #4

    افتراضي

    بإذن الله
    تسلم الايادى على المشاركات الجميلة

 

 

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. زوجك بعد ستة اسابيع ....ستة اشهر.....ستة سنوات.....
    بواسطة dhiyae92 في المنتدى خمسة فرفشة
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 11 - 1 - 2010, 02:00 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • مش هتقدر تضيف مواضيع جديده
  • مش هتقدر ترد على المواضيع
  • مش هتقدر ترفع ملفات
  • مش هتقدر تعدل مشاركاتك
  •  
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات مصراوي كافيه 2010 ©