قهوتنا على الانترنت
ابحث عن :  
النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: من حقي أن أتعلم

  1. #1

    ملحوظة من حقي أن أتعلم

    من حقي أن أتعلم

    من حقي أن أتعلم كأقراني الذين يذهبون إلى مدارسهم كل صباح، من حقي أن أكون بنيهم.. أن أرافقهم.. أن
    يكون لي معلمة كمعلتهم، وأقلام ألون بها، ودفاتر وكتب أتصفحها.. ليس ذنبي أن أكون معاقة لا تستطيع
    قدماي حملي إلى المدرسة والتنقل بين مرافقها وصفوفها، بل هو ذنب مدرستي غير المهيأة مرافقها
    لاستقبالي.. لماذا لا يكون لي حقيبة أحملها وتصطف فيها كتبي وقرطاسيتي، وواجبات مدرسية أؤديها في
    البيت، بدلاً من الوقت الذي يفترس حياتي يوماً بعد يوم؟
    هل هو قدري أن أبقى حبيسة البيت أنتظر عطف الآخرين علي وتكرمهم لمساعدتي؟ متى يكون لمن هم
    مثلي مكان بين الآخرين من تلاميذ المدارس؟!
    بهذه الكلمات والتساؤلات المؤثرة عبرت زينب ابنة العشر سنوات عن حبها للتعليم ورغبتها الطفولية
    للالتحاق به، وعيناها الواسعتان المرصعتان في وجه مستدير أبيض، تحاولان الصمود دون دموع من خلف
    نظاراتها الطبية، أمام انفعالات تذكرها بماض كان قاسياً عليها.
    زينب هي الابنة الكبرى في أسرتها، لها ثلاث أخوات وأخ واحد، تقطن معهم في قرية مجاورة لمدينة صور
    في الجنوب اللبناني، والدها موظف في الشرطة وأمها ربة بيت، توفيت أختها شقة توأمها لتلتقط زينب أنفاس
    حياتها الأولى في لحظات رحيل شقيقتها، وتمضي وحدها دون أن تعلم بالقدر الذي يخبىء لها عكازين
    صغيرين لمساعدتها على التنقل، في الوقت الذي لم تقو فيه قدماها على عمل ذلك.
    حدثتني عن ذاك اليوم الذي توجهت فيه مع والدها إلى مدرسة في منطقة سكنها من أجل إلحاقها بالتعليم
    النظامي، إلا أن طلبهما قوبل بالرفض بسبب إعاقتها، وحاجتها للمساعدة عند استخدام المرافق الصحية،
    وعدم تهيئة مداخل المدرسة ومرافقها لاستقبال ذوي الاحتياجات الخاصة.
    - ... فتحسست عكازي ورجعت مع والدي صوب البيت.
    وفي إحدى المدارس التي وافقت على الحاقها مع طالبات الصف الأول، كان لها قصة مؤلمة خلال أسبوعين
    من الدوام، قد امتدت آثارها حتى اللحظة، وأشعرتها هذه التجربة بإعاقتها وثقل عكازيها.
    - ... لم تكن المعلمة تنظر إلى وجهي بقدر ما كانت تنظر إلى عكازي، كانت تعاملني كشيء مختلف
    ضعيف لا يقوى على شيء، تسألني أسئلة سهلة، وتوحي لي بالإجابة، ولم تمنحني حتى الفرصة في

    التفكير، أحسست بوجود شكل لي في الصف ونوع من الشفقة
    .

    مدرستي التي ضاقت علي بساحاتها الواسعة وصفوفها الكثيرة، كنت أحبها على الرغم من مداخلها غير
    المهيأة، وأدراجها العالية، إلا أن مشكلتي الكبرى كانت تتمثل بالمرافق الصحية، فلا مكان
    فيها لعكازين
    صغيرين أو كرسي متحرك، لذلك تطلب الأمر مساعدة مستمرة من الآخرين، فتحملتني المدرسة أسبوعين
    متتاليين، إلا أنها ضاقت بي ذرعاً بسبب حمام لا يناسبني.
    كنت أحاول ألا أسبب قلقاً أو ازعاجاً لمعلمتي والآخرين، وأحاول الظهور بأكبر قدر من الاستقلالية، حتى لا
    تغير إدارة المدرسة وجهة نظرها تجاهي، إلا أن حاجتي لاستخدام الحمام كانت تؤرقني وتجعلني أفكر مائة
    مرة قبل أن أطلبها، بل كنت أحاول الصمود لتأجيل قضاء حاجتي إلى ما بعد الدوام، إلا أنني أدركت أن ذلك
    لن يدوم طويلاً، فأنا أمام أمر واقع، إما يتقبلني أو يرفضني، وللأسف كان الخيار الثاني هو الحل من وجهة
    نظر إدارة المدرسة.
    جلست في البيت حبيسة أربعة جدران وعكازين، لا أدري ماذا أفعل، شعرت وكأنني اقترفت ذنباً طردت
    على إثره من المدرسة، فهل هو ذنبي أن أكون طفلة ذات احتياج خاص، أم ذنب المدرسة التي لا تراعي من
    هم في مثل حالتي.
    صرت أراقب المدرسة من بعيد، أشاهد طابور الصباح الذي كنت جزءاً منه، وأسمع أناشيداً حفظت جزءاً
    منها، أظل أرددها خوفاً من نسيانها، على أمل العودة إلى ترديدها مع التلاميذ مرة أخرى، أسمع دقات
    الجرس، وازدحام التلاميذ أثناء تنقلهم إلى الصفوف، أسمع ضحكات كنت جزءاً منها، وأتابع ألعاباً تشتاق لي
    على التلة البعيدة، كنت أعيش معهم عن بعد على أمل أن يكون لي مقعد بينهم في المستقبل.
    وحين يعود أخوتي وأبناء الجيران من المدرسة وقت الظهيرة، أذهب إليهم لأتفقد أدواتهم المدرسية وأتصفح
    دفاترهم وكتبهم، تعجبني أقلامهم وألوانهم وأتمنى أن يكون لي مثلها، وفي الليل كنت أبكي بيني وبين نفسي
    بحرقة وألم حتى تبتل مخدتي، وأحلم بليل يتبعه صباح أغادر فيه سريري نحو مدرستي، وكل يوم ألح على
    والدي لبذل قصارى جهده من أجل إعادتي إلى المدرسة من جديد.
    ... بقيت كذلك لا مذاق للحياة في فمي، ولا قيمة للوقت الذي يمر دون أن أشعر به، إلى أن بلغت التاسعة
    من عمري، وزارت بيتنا معلمة الدعم الأسري بإحدى الجمعيات الخيرية، تكلمت معي ومع والدتي عن
    جمعيتها، ووصفتها لنا كمكان خلق ليحتضن من هم يعيشون مشكلتي، وكم كانت فرحتي كبيرة عندما طرحت
    المعلمة على والدتي فكرة الحاقي بالجمعية مع ذوي الاحتياجات الخاصة


    .

    إنها فرصتي للتعلم ورؤية الذات، فرصتي لأكون كغيري من التلاميذ، أحمل دفاتري وأقلامي، وأتعلم، يكون
    لي معلمة أحبها وتحبني، ومدرسة أنتمي إليها، وأصدقاء أتبادل معهم فرحي وحزني.
    ومنذ أن التحقت بالجمعية عرفت معنى اللعب والفرح، صرت أرسم وألون، أصبح لي مجموعة من الأصدقاء
    بعد أن كنت أفتقد هذا الإحساس.. الكل يحبونني هناك، ويشجعونني على تلقي تمارينالعلاج الطبيعي كي
    أمشي بلا عكاز في المستقبل إن شاء الله


    .

    هيا يا زينب تشجعي


    ... أمامك خطوات قليلة لتصلي هناك وحدك، تغلبي على ثقل رجليك.. أنت قوية

    وتستطيعين ذلك..
    هكذا تحثني إختصاصية العلاج الطبيعي على المشي بلا عكاز وقت جلسات التدريب، وهي تقابلني على
    بضعة أمتار، وحين أصل إليها تضمني بحنان، وإذا تعثرت تستفزني كلماتها للابتسام والنهوض من جديد.
    صفقوا لزينب، إجابتها صحيحة


    .. لقد حّلت المسألة بنجاح..

    وهذه هي كلمات معلمة الرياضيات لي، بعد أن أضع الجواب على السبورة، وأستدير نحو مقعدي، فيدوي
    صوت الأكف بالتصفيق.
    حين التقبت بها للمرة الأولى، حدثتني عن مشاعرها هذه باسهاب،ولم تستطع الدمعة الصمود في عينيها،
    ولكي تظهر لي بعض ما تعلمته في المدرسة أمسكت القلم وقالت:
    - لولا التحاقي بالجمعية لما استطعت الكتابة، ولولا معلماتنا اللواتي أحطنني برعايتهن، ولازلن يبذلن
    جهودهن معي ومع كل أطفال الجمعية من أجل تمكيننا من الاعتماد على النفس، لما استطعت الامساك بالقلم


    .

    كانت تتكلم وهي تحاول السيطرة على القلم بأناملها الرقيقة رغم حركة عضلاتها اللاإرادية، وبدأت تتشابك
    الخطوط والحروف على صفحتها البيضاء، لتشكل بمجموعها كلمات مختصرة، عاشت معها زينب وشعرت
    بحاجتها لها، كتبت لي كلمات صغيرة لكنها بمعناها كبيرة، فكانت كلماتها عنوان لقصتها هذه مع الحياة.



  2. #2
    تاريخ التسجيل
    13 - 4 - 2010
    ساكن في
    القاهره
    العمر
    48
    المشاركات
    32,835
    النوع : ذكر Egypt

    افتراضي

    يا ليت
    زمان اليأس
    يفارقنا

    ياليت القدر
    الغادر
    و سنينه ترحل
    إلى
    حيث لا عودة

    يا ليت
    ما فات من العمر
    يعود

    انجى
    قلم نابض
    وحس شفيف
    عزف اثار المشاعر لتنساب
    بحديثك
    روعة حرفك
    تمطر جمالا و حسنا
    مودتى

  3. #3

    افتراضي

    شكرا للمشاركة الجميلة

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    30 - 6 - 2009
    ساكن في
    فى دنيا فانيه
    المشاركات
    11,212
    مقالات المدونة
    18
    النوع : انثيEgypt الفريق المفضل  : الاهلي

 

 

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. مشاركات: 17
    آخر مشاركة: 22 - 10 - 2011, 04:36 PM
  2. مشاركات: 37
    آخر مشاركة: 20 - 12 - 2009, 09:28 PM
  3. لو مش لا قي حاجه تعملها ... يا ترى تعمل ايييييه ؟؟؟
    بواسطة انتهينا في المنتدى خمسة فرفشة
    مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 18 - 2 - 2009, 10:12 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • مش هتقدر تضيف مواضيع جديده
  • مش هتقدر ترد على المواضيع
  • مش هتقدر ترفع ملفات
  • مش هتقدر تعدل مشاركاتك
  •  
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات مصراوي كافيه 2010 ©