قهوتنا على الانترنت
ابحث عن :  
النتائج 1 إلى 2 من 2

الموضوع: قبل الاعتراف

  1. #1

    ملحوظة قبل الاعتراف

    قبل الاعتراف

    كأي مولود على وجه الأرض، حطمت صرخاته صمت المكان.. معلنةً انتهاء فترة مضنية من الحمل،
    تقارب الشهور التسعة، والتي لم يصبر على إكمالها في بطن أمه، وكأنه يريد التخفيف من معاناة حملها له
    وهناً على وهن، وفي لحظات ترقب عصيبة، تضع فاطمة وليدها البكر الذي سيقترن اسم والديه باسمه فيما
    بعد، لتأتي الفرصة التي انتظرها الوالدان، وينالها والده في تلك اللحظات التي ملأ بها قلقه الردهة المجاورة
    لغرفة الولادة. يحاول أن يحافظ على ثباته... تمنعه إشارة "ممنوع التدخين" المثبتة على الجدار أمامه، من
    تخفيف توتره واشغال نفسه بالطريقة التي اعتاد عليها.
    وبعد لحظات أحس بها طويلة، كانت فيها أصوات نعله تروح وتأتي في مساحة لا تتجاوز بضعة أمتار، إذ
    بالباب المغلق الذي يفصله عن زوجته وولده المنتظر، تفتح إحدى دفتيه، قبل أن تخرج منه ممرضة بلباسها
    الأبيض، وتبدو عليها معالم إرهاق العمل.

    مبروك، ولد
    ...
    وفي لحظات تتناقض فيها الانفعالات، يختلط القلق مع السعادة الغامرة، فيحضر نفسه للانتقال إلى مرحلة
    جديدة كان ينتظرها منذ ثلاث سنوات، هي امتداد فترة حياته الزوجية، وقد ثبت بصره في وجه الممرضة لا
    شعورياً،دون حراك، ودون أن يسعفه لسانه بكلمة واحدة، فتستطرد الممرضة:
    ما شاء الله، جميلٌ كالبدر، الشقي قد أتعب والدته، حمداً لله على سلامتهما


    .
    ويغادر صوتها المكان، ولا يزال صداه يتردد على مسمع الرجل


    "مبروك... ولد"، وتخاطبه نفسه:
    أنت الآن أبو عبد الله، نعم


    ... الولد الذي سيحمل اسمك واسم والدك من قبل، رحمه الله، كم تمنيت أن
    يكون موجوداً ويشاركني هذه اللحظات.. الحمد لله.
    وبريق عيونه التي لمعت في ذاك المكان، انهارت دموعها وسط قبلات أحد الأقارب الذي حضر لتوه
    ومباركاته له بابنه البكر.
    مبروك، مبروك


    .. الحمد لله على السلامة.
    وجمع


    من النساء يتوسط سرير الزوجة التي أعيتها آلام المخاض، فهي التجربة الأولى والأصعب، لقد
    عرفت في هذه اللحظات معنى الأمومة، وسر العلاقة والصحبة الوطيدة بين الأم وابنها.
    وهكذا ارتشف عبد الله الحنان من المذاق الأول لحليب والدته، ومن عيونها التي سهرت على راحته عرف
    معنى الأمان، ولوجهها التقطت عيناه الصورة الأولى التي لم تبصر بعد سواها، وعلى أصوات أغانيها
    وهدهدة كفها يروق له أن يحلم وينام، وفي حضنها يبني عرشه الأول الذي لم يجد مكاناً أكثر دفئاً منه.
    ووالده الذي لم يأل جهداً في توفير متطلباته، كان يجد في عبد الله الصغير جزءاً من شخصيته وشخصية
    والده الذي سمي تيمناً باسمه وإحياء لذكراه، يتخيل مستقبل ابنه رجلاً سيجدد حياة الأسرة، ويحمل الرسالة
    عن كاهله، بعدما أتعبه حملها طيلة سنوات، كذكر وحيد لوالديه بين أخواته الكبيرات، في مجتمع يعطي
    أهمية للرجل، وينتظر منه مسؤوليات كبيرة في وقت مبكر من عمره.
    ظل عبد الله يكبر مع الأيام، وتكبر مع والديه أحلامهما، نموه الجسدي وصحته الجيدة شكلتا نقطة ارتياح
    لوالديه، لكن خبرة الأم الصغيرة، ودخولها الحديث إلى عالم الأمومة، لا تمكنها من تفسير بعض المواقف
    التي يمر بها ولدها، فهي تحاول أن تستجمع بعض التجارب السابقة لقريباتها عن تربية الأطفال ونموهم،
    وتتذكر بعض نصائح والدتها وكبيرات السن، والتي تفتقد طريقها إلى تفسير بعض الأمور التي تلاحظها
    على عبد الله، هذا إن كانت بالفعل تستطيع ملاحظة وتتبع أهم الجوانب النمائية لديه.
    وتعود الأم الفرحة بطفلها، لتحمل في ذهنها بعض الاستفسارات التي تطرق باب تفكيرها من وقت لآخر


    .
    لماذا هو شارد الذهن دوماً، يثبت بصره في تلك الزاوية من ركن المنزل؟


    !
    ألا تثير انتباهه تلك الألعاب ذات الأصوات والموسيقى الجميلة التي أحضرها له والده؟
    تقترب منه وتداعبه.. تناديه.. وتفرك أصبعيها بجانبه لتثير انتباهه نحوها، إلا أن الاستجابات تأتي دوماً
    متأخرة، وكم تكون فرحتها كبيرة حين يلتفت إليها بعد أن تشير له بيديها، ويثلج صدرها عندما يبتسم في
    وجهها، وكأن في هذه الضحكات كلام يرسله لأم عشقته ولكنه لا يزال صغيراً على ترديده.
    فاطمة، وبعفوية الأم المتلهفة لسماع ابنها، شرحت لوالدتها ما يدور في ذهنها من تساؤلات، وانتظارها
    الطويل لكلمة ينبس بها ابنها، تخرج من ثغره الصغير، تروي عطشها، وتشعرها بأمومتها التي نقلتها إلى
    عالم آخر، وحياة أخرى، كمن تطالب بحق لها عند وليدها الذي لا يزال في السنة الأولى من عمره.
    وترد الأم الكبيرة المجربة دوماً بكلماتها الواثقة، ترسلها للأم الصغيرة بطريقة ساخرة، ترافقها ضحكات
    وإيماءات أنثوية:
    أنت لا زلت صغيرة على هذه الأمور


    .. أنت مستعجلة، سيزعجك غداً بمطالبه وإلحاحه... لا زال الوقت
    مبكراً عليه، وهذا حال كل الأولاد، إحمدي الله يا بنت، ابنك مثل القمر.. ما شاء الله عليه.
    وبهذه الكلمات أو ما يشابهها ترد العجوز، لتلتقط أم عبد الله أنفاسها من جديد وتطفىء جذوة قلقها على
    طفلها، وتقنع نفسها أن ابنها بخير، ماسحة الأوهام عن مخيلتها بابتسامتها الباهتة، فهي تستقي معلوماتها من
    امرأة مجربة، عرفت الطفولة بكل مراحلهاالعمرية والنمائية، فتستسلم للمثل الشعبي الشائع: "اسأل مجرب
    ولا تسأل حكيم".
    ظل الأمر كذلك حتى صرحت فاطمة بملاحظاتها عن عبد الله أمام جارتها التي وافقتها الرأي، مضيفة أن
    الاستجابة البطيئة للمثيرات الصوتية هذه، تعد أمراً مثيراً للشك في حاسة السمع، وهذا ما لم تلاحظه الجارة
    عند أبنائها الصغار من قبل، فشكلت هذه الكلمات لفاطمة قلقاً لم تستطع إخفاءه، ودافعاً للتحرك نحو مستقبل
    ابنها والتأكد من نموه السليم.
    عكست هذه الكلمات على فاطمة معالم القلق طوال اليوم، حتى جاء زوجها من عمله، وكعادته وبعد تناول
    طعام الغداء، حمل ابنه لملاعبته، فكان يضع إصبعه على فمه ووجنتيه ويؤرجحه في حضنه، حتى يستثيره
    للضحك والابتسام، فتتفتح أزهار الطفولة المحمرة على وجنتي الطفل، يشتم منهما أبو عبد الله عبير الأبوة
    التي كانت غائبة عنه، فينهال عليه بالقبلات التي يغيب طعمها أدنى تفكير بمشكلات قد يعانيها الطفل، في
    غمرة أجواء من المرح وتبادل العاطفة والحب.
    إلا أن الأم القلقة، لا تستطيع الدخول في هذا الجو الأسري الدافىء هذه المرة والمشاركة فيه، فقد سمعت
    اليوم من جارتها ما يعكر صفوها ويثير شكوكها، ما ساعد أبو عبد الله في استقراء معالم وجه زوجته الذي
    يعج بالقلق.
    ما لك يا فاطمة، لا أراك اليوم كعادتك، هل أنت متعبة؟
    فيعيد صوت الزوج الحنون فاطمة من خيالها السابح في كلمات الجارة:
    ها


    ... لا ... لا شيء.
    قالت ذلك وهي تلملم أفكارها المبعثرة، وتجمع الصحون عن المائدة، مغادرة نحو المطبخ


    .
    وأمام إلحاح الزوج وإصراره على معرفة ما يعكر صفو زوجته، تخرج فاطمة ما بجعبتها من توجسات،
    منتظرة من زوجها موقفاً يساندها ليزيل الشك من قلبها، إلا أن الزوج يسخر من مجرد التشكيك في صحة
    عبد الله، في الوقت الذي يرمق ببصره نحوه، حيث تتبدى معالم ذكائه تدريجياً في سلوكه اليومي، ويعزز
    ذلك صحته الجسمية وقسمات وجهه الجميل، مستذكراً طريقته في اللعب، والتي لا تقل عن مستوى أقرانه.
    دعك من كلام النساء هذا يا فاطمة، فعبد الله ما شاء الله عنه، لا تجلبي له الفأل السىء


    .
    لن نخسر شيئاً إن أخذناه إلى عيادة الطبيب المختص لفحصه والاطمئنان عليه


    .
    وبعد نقاش دار بين الزوجين، وافق أبو عبد الله على اصطحاب ابنه إلى الطبيب للكشف عنه، نزولاً عند
    رغبة زوجته، دون أن يغير قناعته تجاه ابنه، والتي اختلقت الجارة الشكوك والأوهام حوله.
    توجه الزوجان إلى عيادة الطبيب لفحص ابنهما والاطمئنان عليه أكثر، مع انتظارهما لنتيجة مسبقة من
    الطبيب، وضعاها في ذهنيهما، تقضي بأن ابنكما طبيعي، وما ملاحظاتكم إلا أوهام ليس لها في الواقع من
    أساس،والأيام كفيلة بإظهار ذلك.

    إلا أن الرد لم يأت كما يروق للوالدين ويرغبان، فقد كانت نتيجة الفحوصات السمعية صدمة قوية للوالدين،
    وشكلت حالة من الإرباك لهما وعدم تصديق ما حدث.
    فعندما جلسا بجوار الطبيب ليخبرهما النتيجة، وبكل هدوء راعى الطبيب نقل الخبر تدريجياً، حتى لا يشكل
    وقعه آثاراً سلبية على الوالدين قدر الإمكان ثم قال:
    عبد الله يعاني من فقدان سمعي عميق، يؤثر على مدى استقباله للأصوات والمثيرات من حوله، وبالتالي
    على مدى اكتسابه للغة مستقبلاً، وسوف يكون للتدخل المبكر بوضعه الصحي أثر إيجابي على حالته،
    واكتسابه اللغة والقدرة على الكلام، وذلك باستخدامه معينات سمعية، ومواظبة الأسرة على جلسات التدريب
    النطقي والسمعي.
    كادت هذه الكلمات تنزل كالصاعقة على الأم التي شعرت بسخونة أحمر منها وجهها، وشعرت بدوار، ولم
    يكن الكرسي الذي تجلس عليه كافياً لحمل العبء الذي شعرت به، تحضن ابنها بين ذراعيها، وكأنه ليس
    ذات الطفل، تحاول التأكد مما تسمعه إن كان حقيقة أم حلم.
    نظر الزوجان إلى بعضهما على أمل أن يستمد أحدهما القوة من الآخر، ومعالم الحزن المختلطة بالنكران،
    ومحاولات التفسير والتبرير تكسو وجهيهما المتعبين.
    أنا لا أصدق ذلك، إن كان عبد الله يعاني من مشكلة فليس إلى هذا الحد


    !!
    هكذا قال الأب


    .
    هذه نتيجة الفحوصات السمعية، وبإمكانكما الاطلاع عليها، وأنا من واجبي أن أنقل لكما النتيجة بكل دقة
    وأمانة، وأنصحكما بما يجب أن تقوما به من الآن تجاه طفلكما من أجل مساعدته.
    زيارة الزوجين إلى الطبيب نهار اليوم شكلت منعطفاً خطيراً في حياتهما الزوجية، إن كانت نتيجة
    الفحوصات السمعية التي أشار لها الطبيب دقيقة، فمنذ عودتهما إلى البيت وتفكيرهما مشغول بتقبل أو عدم
    تقبل ما حدث، فبدأ الزوجان ينظران إلى عبد الله من زوايا مختلفة، ومن أجل الخروج من كابوسهما
    المزعج، بات كل منهما يرى في عبد الله أشكالاً من السلوك الطبيعي الذي لا يدل على وجود إعاقة لديه،
    فهو يتحرك بنشاط ويتفاعل مع الآخرين، وتظهر عليه ملامح الذكاء، فلا يزال النطق والكلام عليه مبكراً.
    ويتساءلان


    : كيف يدعي الطبيب أن طفلنا لديه إعاقة سمعية؟! لابد أن يكون هناك خطأ في عملية التشخيص،
    هكذا كان كل منهما يلجأ إلى إقناع نفسه وطمأنة الطرف الآخر.
    هذه الليلة هي الأثقل على الزوجين منذ أن أنجبا طفلهما البكر، وباتا يفكران بمستقبل طفلهما إن كان فعلاً ذا
    إعاقة سمعية، وتدور الأسئلة في ذهن كل منهما دون أن تجد طريقها إلى الإجابة، فهل يعقل أن هذا الطفل
    الملاك لن يتكلم؟! لن يستطيع أن يناديني (أمي، أبي) التي حلمت بها طويلاً؟ لماذا حدث ذلك؟ وإنكان فعلاً

    قد حدث، فمن المسؤول عن ذلك؟ هل أخطأ أحدنا في حياته حتى يجازيه الله على الخطأ بطفل معوق؟ كيف
    سيكون مستقبل إعاقة عبد الله وما تأثيرها على حياتنا الأسرية والاجتماعية؟ وهل إذا رزقنا الله بأطفال
    آخرين سيكونون صماً أيضاً؟ كيف سنظهر طفلنا أمام المجتمع؟ وكيف سيتواصل أطفالنا مع الآخرين؟
    هذه الأسئلة وغيرها كانت محيرة للزوجين، يدفنانها بعيداً في أعماق الصدور، دون أن يبوح أي منهما بها
    للآخر، ويحاولان الهروب من هذه الإجابات بنكران ما حدث جملة وتفصيلاً.
    وبعد أيام من محاولات التبرير وإقناع الذات تلجأ الأسرة إلى طبيب آخر لتحصل على النتائج نفسها، الأمر
    الذي يزيد الأمور تعقيداً، ولا يعرف الوالدان في غمرة غضبهما وارتباكهما، أيوجهان اللوم إلى نفسيهما
    بالتقصير تجاه الطفل في مرحلة الحمل، أم أن هناك خطأ حدث في المستشفى أثناء عملية الولادة؟ أم أن اللوم
    ينبغي أن يكون تجاه أحد الأجداد الذي نقل لطفلهما إحدى الصفات الوراثية؟
    وتصطدم كل هذه الانفعالات بصخرة الواقع الذي أصبح قائماً في بناء الأسرة الصغيرة، فلا يجدان أمامهما
    إلا الإيمان بالله وقدره، كحلٍ أمثل لتفسير ومواجهة كل ما حدث.
    وفي جلساتها الصباحية مع جاراتها كل يوم، وبعد خروج زوجها إلى العمل، تطلع فاطمة جاراتها على
    تفاصيل تطورات اليوم السابق، حيث أصبح موضوع عبد الله يشغل بال المحيطين بوصفه جديداً ومثيراً
    للاهتمام.
    وفاطمة بوصفها أماً تسعى للحصول على كل ما هو مفيد لابنها، يدفعها لذلك حبها له، وهي مستعدة لعمل
    المستحيل من أجله، ما دام الطب عاجزاً عن إعطائها العلاج المناسب والفوري لحالته، والذي يمكنه من
    تطوير مهاراته اللغوية كبقية الأطفال، ففي حين عدم استسلامها لكلام الأطباء، أصغت هذه المرة لحديث
    الجارات اللواتي اقترحن عليها أقصر وأمثل حل لمشكلة ابنها، والذي يتمثل باللجوء إلى السحرة
    والمشعوذين ليدلوا بدلوهم تجاه هذه المشكلة التي تؤرق الأسرة، ظانة أنها ستحقق مفاجأة من وراء زوجها،
    إذا جاءته بعبد الله يوماً، وأحضرت معه اللغة التي سوف يزرعها المشعوذ في فمه أو لسانه، وإذا ما فشلت
    فإنها لن تخسر شيئاً حسب اعتقادها إلا أن فاطمة قد خسرت المزيد من المال الذي كان ينبغي أن تنفقه
    على علاج ابنها، ومزيداً من الوقت يمر في غير مصلحته.
    وهذه التجربة الفاشلة من العلاج المبني على طرق غير علمية، قد أدخلتها دائرة من الاستسلام والشعور
    بالكآبة تجاه وضع ابنها، وشعورها بالحزن عليه والعجز عن مساعدته، ما أدى إلى عزوفها عن الاختلاط
    بمحيط الأسرة الاجتماعي.
    فعلى الرغم من المكالمات الهاتفية التي تأتي من جاراتها لدعوتها لزيارتهن كالعادة، إلا أن ذلك لم يعد محط
    اهتمام فاطمة، فقد قلّ خروجها من البيت، وما عادت رائحة فنجان القهوة الصباحية التي تغليها الجارة تثير


    شهيتها، حتى حفل زواج أحد أقاربها مؤخراً، لم يكن لديها رغبة بحضوره، وكأن خجلها من فتح موضوع
    عبد الله أمام الآخرين، واطلاعهم على تطورات علاجه غير المجدية حتى الآن هي السبب في ذلك.
    وما كان من الزوج الملاحظ دوماً لهموم زوجته، إلا أن لمس هذه الهمة الفاترة عندها، والانخفاض في
    مستوى دافعيتها تجاه علاج ومتابعة الطفل، وككل مرة تنكر فيها فاطمة، وتحاول أن تداري حزنها أو قلقها
    عن زوجها، تفشل هذه المحاولات أمام إصرار الزوج المحب، وفضوله لمعرفة ما يدور في ذهن زوجته،
    ومحاولة إخراجها من دائرة مغلقة قد تؤثر على حميمية العلاقة الزوجية، لأبوين تقاسما فرحة وجود عبد الله
    بينهما، وبالتالي عليهما تقاسم معاناة إعاقته.
    فاعترفت له بلجوئها إلى أحد المشعوذين كمحاولة لعلاج عبد الله من مرضه، وما كان هدفها إلا مساعدة
    طفلهما وتحقيق السعادة له، نظراً للوقت الطويل الذي تستغرقه البرامج التأهيلية والتربوية للتخفيف من حدة
    إعاقته أو التكيف معها، الأمر الذي أغضب زوجها منها لحين.
    لكن هذه التجربة كانت بمثابة صحوة للزوجين، وشكلت اعترافاً بحقيقة إعاقة عبد الله وإيصال الزوجين إلى
    مستوى من التفكير الواقعي تجاه مستقبله والتعامل معه دون خجل من المجتمع المحيط.
    فبدأت الأسرة تبحث بجدية عن سبل العلاج السليم، تجنباً لإضاعة المزيد من الوقت وألحقت عبد الله بالبرامج
    التدريبية والتعليمية، وقامت بتركيب المعينات السمعية اللازمة له، والتي تساعده على اكتساب اللغة، والبدء
    بجلسات العلاج النطقي والتدريب السمعي التي قد نصح بها الطبيب من قبل.
    وعندما كانت الأم كعادتها خلف باب غرفة العلاج النطقي، تصغي إلى ما يدور في إحدى الجلسات مع ابنها،
    ودةن وعي ...فتحت باب الغرفة للمرة الأولى وانطلقت إليه كاليهم، وشرعت باحتضانه وتقبيله.
    كانت الكلمة التي انتظرتها منه طويلاً، قد انسابت من بين شفتيه عذبة سلسة، أشعرتها بأمومتها التي كادت
    تضيع في عالم الصمت، وعوضتها عن رحلة طويلة من العناء والتخبط بالعلاج.




  2. #2
    تاريخ التسجيل
    13 - 4 - 2010
    ساكن في
    القاهره
    العمر
    48
    المشاركات
    32,835
    النوع : ذكر Egypt

    افتراضي

    بقلم
    ساحروعطر كلمه
    ورقه مساحه
    كان
    لقلمك التالق
    وحرفك
    فيه علامه
    بسحر الكلمات ونقاء السطر
    لك تقديرى
    لك كل الشكر


 

 

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. العتاب اهم شى وده نوع من انواع العتاب
    بواسطة adham ashraf في المنتدى كلام في الحب
    مشاركات: 2
    آخر مشاركة: 6 - 9 - 2009, 02:05 AM
  2. ( أعترف .. سرقتُ بعض النصوص .. وأعتذر ! )
    بواسطة أحمد عمر في المنتدى مصراوي كافيه
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 11 - 11 - 2008, 06:58 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • مش هتقدر تضيف مواضيع جديده
  • مش هتقدر ترد على المواضيع
  • مش هتقدر ترفع ملفات
  • مش هتقدر تعدل مشاركاتك
  •  
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات مصراوي كافيه 2010 ©