الجاسوسية في كتاب:
جاسوس في الفضاء (2)د.نبيل فاروقعلى الرغم من كل التطويرات، التي قام بها سلاح الجو الأمريكي، بالنسبة لطائرة التجسس الجديدة، لم يكن من الممكن الاستفادة منها لفترة طويلة من الزمن؛ إذ أن وسائل الدفاع الجوي السوفيتية كانت تتطوّر بدورها، حتى أنها، وبعد عامين فحسب، أسقطت بالفعل طائرة تجسس أمريكية، وأسرت طيارها، وكانت واحدة من أشهر عمليات تجسس الجو عبر التاريخ..
وهنا أصبحت هناك حتمية للقفز إلى مشروع القمر الصناعي؛ باعتباره المشروع الواعد، الذي يلي تطوير الـU-2..
ولقد احتضن (أيزنهاور) توصيات الهيئة، وأنشأ علاقة مستمرة مع (كيليان)، الذي خدم كمستشاره العلمي، و(لاند)، الذي سيكون له تأثير لا يستهان به على طائرات التجسس الأمريكية وتطوير القمر الصناعي..
فى عام 1956م بدأت القوات الجوية الأمريكية بمشروع نظام التسليح JIIIV (WS) Weapon System 117L وذلك لتطوير سلسلة من أقمار الاستطلاع الصناعية، ولقد أدّى الاهتمام الأمريكي بالتطويرات السوفيتية، لقاذفات القنابل في منتصف الخمسينيات، إلى تزايد الاهتمام بالأقمار الصناعية، حيث اعتمد (أيزنهاور) مشروع إنتاج (كورونا )، القمر الصناعي الفوتوغرافي، على أن يتم تطويره بواسطة الـCIA، والـ (ساموس)؛ ليحل محل الصور التليفزيونية التي تؤخذ من الفيلم، تحت إشراف القوات الجوية الأمريكية..
ومع منح هذه المشروعات الضوء الأخضر، قامت الحكومة السوفيتية في يناير1956م باعتماد الأولوية المطلقة للقمر الصناعي الاستطلاعي (زنيت)، وعلى الرغم من انفتاح المجتمع الأمريكي، إلا أن القادة العسكريين والسياسيين السوفيتيين يعتقدون بشدة في أن البناء الدفاعي الأمريكي في طي الكتمان..
وكان من الطبيعى أن يتواصل السباق...
فقد تواكب البلدان في البحث في تطويرات الصواريخ، واعتمدا على المعرفة التي حصلا عليها من العلماء الألمان، ومن المواقف التي أُخِذت عند نهاية الحرب العالمية الثانية..
ثم كانت المفاجأة..
لقد صُدِمَ الغرب -ولا يزال- عندما انطلق صاروخ R-7 ،عابر القارات البالستي، لعدة آلاف من الأميال، من منصة إطلاقه، وحتى ضرب الأرض في (سيبيريا) السوفيتية، في 3 أغسطس 1957..
وفي كلمات متحفظة، أعلنت وكالة الأخبار السوفيتية تاس Tass أن "صاروخ (بالستي) عابر القارات، وقاطع المسافات الطويلة جداً، متعدد المراحل، طار لارتفاع ليس له مثيل، وهبط في منطقة الهدف". (لم يكن قد مضى 16 شهرا حتى كان الصاروخ الأمريكي عابر القارات (أطلس) يتم اختباره على أكمل مراحله).
بعد ذلك بثلاثة أشهر، في 4 أكتوبر، وضع المعزز الصاروخي R-7 أول قمر صناعي في مدار، (سبوتنيك1). وعلى الرغم من أن وزنه كان 184 رطلاً، إلا أن القمر الصناعي كان أثقل من أول قمر صناعي أمريكي بـ166 رطلاً، والذي لم يكن سيوضع في مدار ثلاثة أشهر أخرى. تلاه قمر صناعي روسي أكبر، معجلاً بالاهتمام الأمريكي على إنجازات الأسلحة السوفيتية ومزوّداً لحدة الخلاف حول "الفجوة الصاروخية" وكذلك زيادة المتطلبات لاستخبارات أفضل..
كانت أول مهمة فوتوغرافية ناجحة للقمر الصناعي الأمريكي (كورونا) في أغسطس 1960م. هذه المهمة الواحدة أتاحت تغطية فوتوغرافية للاتحاد السوفيتي أكثر من كل ما حققته طائرات التجسس المقاتلة الـU-2 ،التي بلغ عددها 24. كشف القمر الصناعي 3000 قدم لعرض فيلم للمنطقة يبلغ 106 مليون ميل مربع.
في هذا الشهر انتهت المنافسة بين القوات الجوية والـCIA ، حول من تكون له السيطرة على برامج الأقمار الصناعية -ومن ثم على أهم الاستخبارات الإستراتيجية المتاحة- وذلك بإنشاء مكتب الاستطلاع القومي عالي السرية، داخل وزارة الدفاع، وطار القمر الصناعي (ساموس)، التابع للقوات الجوية، في أول مهامه الناجحة، في يناير 1961م، إلا أن جودة صوره -التي أرسلت إلى الأرض عبر وصلة بيانات تليفزيونية النوع- كانت متواضعة، مقارنة بتلك التي تعود إلى الأرض بالباراشوت من (كورونا).
كان القمر الصناعي الفوتوغرافي (كورونا)، سيحمل قريباً صندوق استخبارات إلكترونية (على الظهر والكتفين)، وعلى العكس، فإن (زنيت)، أول قمر صناعي استطلاعي سوفيتي، كان لديه ELINT بالإضافة إلى القدرة الفوتوغرافية من البداية، وأول تحليقة ناجحة لزنيت -أعطيت المهمة اسم (كوزموس 7)- كانت في يوليو 1962م..
وكانت مجرّد البداية.