حروب المستقبل
على النقيض لكل التوقعات فإن اسرائيل لن تنجر إلى حرب نووية . سوف لن تنجر الى حرب نووية، مهما وقع عليها من ضغوط. و الأكثر من ذلك فإن حربنا القادمة ستتم بدون أن تكون اسرائيل طرفا فيها . إن هدفنا من الآن فصاعدا هو أن يحاب الآخرون من أجلنا .
و من وجهة نظرنا سيكون هناك عداء مستفحل وواضح بين العراق و ايران ، أو السعودية و الكويت ، و الأردن و الفلسطينين , أو لبنان و سوريا , و لكن نحن من جانبنا لا نود أن نورط أنفسنا في هذه الصراعات , و هذا لا يعني أننا سوف لن نساعد أحد طرفيي النزاع ضد الآخر .
لقد قيل قديما " إن الأعور في مملكة العمييان ملك " . و يمكن القول بأن العميان هم هؤلاء الذين لم يتعلموا من دروس التاريخ , و هؤلاء سوف تقودهم القلة التي قرأت التاريخ و استوعبت دروسه .
إن الحروب في المستقبل يجب أن تكون سريعة و خاطفة . ربما تستغرق أسبوعا واحدا أو شهرا واحدا على أكثر تقدير . الحروب الطويلة حروب خاسرة . لقد خسر الألمان الحرب العالمية الثانية لأنهم عمياناً لدرجة لم يتمكنو معها ادراك النصر الذي كانوا يقفون على عتباته.
عندما بدأ البريطانيون بالإنسحاب من" دنكرك" (Dunkirk) كان ينبغي على الالمان أن يقدموا لهم جميع المراكب كبيرة و صغيرة من "أوستيند"(ostend)إلى " كاليه" (kalais)
كان من الممكن أن يرفض البريطانيون ذلك العرض , و لكن تأثير الضجة الدعائية لذلك العمل كان من الممكن أن يكون هائلا جدا . ثم لو أن هتلر بدلا من توقيع هدنة فقط أبرم اتفاقية سلم مع الفرنسيين و سحب جميع قواته من فرنسا لتوقفت الحرب و انتهت .
كان من الممكن أن يحافظ تشرشل على روح القتال عند البريطانيين و أن يجعلها حيّة لديهم لعدة أشهر أو حتى سنة أو سنتين و لكن بدون معركة بريطانيا و بدون حرب الغواصات و الغارات الجوية التدميرية , بدون كل ذلك ما كان تشرشل ليستطيع أن يقنع مواطنيه بالاستمرار بالحرب لمدة غير محدودة و ضد عدو أصبح غير موجود! و هل كان بامكانه أن يحشد التأييد من أجل أن يعبر القناة و يغزو فرنسا حتى يصل الى ألمانيا ؟
كانت الفرصة الثانية أمام هتلر لتحقيق النصر أثناء حملته الشرقية . فلو أن الالمان أعلنو في نهايه صيف عام 1941 أن ما قامو به ضد روسيا لا يزيد عن كونه ضربة إجهاضية , و أنه لم يكن لديهم أطماع أو طموحات أكثر من أنهم يريدون ضمان و تامين حدودهم الشرقية ثم لو أنهم انسحبوا بعد ذلك تاركين ورائهم دولا مستقلة تحكم نفسها بنفسها في كل من اليوكرين (Ukraine) و ليثوانيا (Lithuania) و لاتفييا (Latvia) و ايستونيا (Estonia)
و أخيرا و الشي الأهم الذي كان من الممكن أن يجعل من هتلر رجلا عبقريا فذّا . و هو لو أن هتلر بدلاً من قيامه بتدمير اليهود أعطاهم الحرية المطلقة في إعادة بناء و تنظيم أوربا الشرقية , لو فعل ذلك لكان أنقذ حياة الملايين بل لكان بإمكانه ان يربح الحرب و يدخل التاريخ كأعظم سياسي عبقري عرفه العالم .
قد يقول البعض أنه من حسن الحظ أن هتلر لم ير كل هذه الفرص و لم ينتهزها و لكن هل من حقنا أن نقول ذلك؟
صحيح أنه لولا ذلك لما كان البعض منا هنا في اسرائيل ولكن هل كان لعمليات الحرق و الابادة و ما صاحبها من رعب أن تقع ؟
كما انه كان ممن الممكن أن يظل الملايين من يهود اوروبا ينعمون بحياة الرغد الهنيئة حيث مسقط رؤوسهم . على أي حال فإن الفائدة الوحيدة التي يمكن أ نجنيها من وراء التأمل و التخميّن فيما كان ممكنا أن يحدث في الماضي و هو أن نستفيد من كل ذلك بشأن ما يمكن أن يحدث غداً .
ستقع حروب أخرى في المستقبل و قد يكون البعض منها بتصعيدنا نحن , و لكن أياً ما كان أصل هذه الحروب و سببها , فإننا سوف لن نكون طرفاً فيها, و سنبقى بعيدا عنها الى اللحظة التي نتأكد فيها بأن هناك فائدة يمكننا أن نجنيها من اشتراكنا فيها . هذا لا يعني أننا لا يمكننا التأثير على سير هذه النزاعات و الحروب . نحن لدينا جهاز مخابرات هو الأول من نوعه بالعالم . كما أن لدينا- بعيدا عن هذا الجهاز - مستشارين ذوي نفوذ و تأثيرر على أغلب رؤساء العالم من واشنطن و حتى الخليج الفارسي.
أحيانا نقوم بتأييد جانب و أحيانا أخرى نؤيد الجانب الآخر .
و يتوقف ذلك في جميع الأحوال على مدى فائدته لإسرائيل .
منذ بضعة سنوات مضت أتهمنا بأننا نبيع أسلحة للفيتناميين. بالطبع نحن نفينا ذلك.غير أن ذلك النفى لم يكن،فى واقع الأمر،صحيحاً بالكامل. لقد حدث ذلك فى وقت كانت فيه الولايات المتحدة تضغط علينا للانسحاب من الضفة الغربية , و تهددنا بايقاف مساعدتها الإقتصادية والعسكرية لنا ما لم نستجيب لتلك الضغوط . لقد كنا في الماضي نحصل على كل ما نريده من أمريكا بالتلميح بأننا من الممكن أن نجرى صفقة مع الروس، ولكن رئيس وزرائنا طلب منا أن لا نستعمل هذه المناورة مرة اخرى , و عليه قمنا ببيع شحنة من الأسلحة" لهانوي " عن طريق "الخاشقجي ".
كانت تلك الشحنة عبارة عن مدافع رشاشة خفيفة و قنابل يدوية و ألغام و بعض الصواريخ , أغلبها كنا قد غنمناها من المصريين , غير أن الشحنة احتوت كذلك على عدة صناديق من رشاشات عوزي "uzzis" هذه الأخيرة كان يجب أن لا تذهب مع الشحنة و لكن الخاشقجي طلبها هي بالتحديد ! يبدو أن "الفيتكونج " كانوا يفضلونها لأنها قابلة للإخفاء بسهولة , و حتى الأطفال يمكن تدريبهم على استعمالها . في نهاية الأمر وجه الينا اللوم عن طريق" كيسنجر " بسبب عقدنا لتلك الصفقة , و لكنا في الوقت نفسه تحصّلنا على ما كنا نترقبه من مساعدات !..
بالطبع فإن اقوى سلاح هو سلاح الكلمة , المقروءة و المسموعة و المصورة . ((يقصد الإسرائيلين))
اذا قلنا مثلا :" هؤلاء المتوحسون من المصريين أو العراقيين أو السوريين يقتلون , و يغتصبون و ينهبون ..! "الى أين سيؤدي بنا ذلك ؟ سوف لن يحقق لنا شيئا لأن الشخص الاجنبي سيقول :" هذا ما نتوقع منكم أن تقولوه ".
و لكن اذا قام مصري أو عراقي أو سوري بإخبار هذا الشخص الاجنبي ذاته :" لقد رأيت بأم عييني جنديا عربيا يطلق الرصاص على طفل صغير ". فمن الممكن أن يصدقه , و فيما بعد و عندما ينقل هذا الاجنبي الخبر من الممكن أنه سيقول :"لقد رأيت بنفسي ". هذا ليس سلاحا جديدا و لكن سبق استعماله كسلاح رئيسي وأولي من أجل أن نحفزّ به حلفاءنا و نقوض به قدرات أعدائنا , و نصون به امكانياتنا البشرية و العسكرية المحدودة جداّ هذه هي الاسلحة التي سوف نخوض بها حروب المستقبل .
((تعتبر هذه الورقة من أخطر الأوراق التى تضمنها هذا الكتاب لدلالتها ولعلاقتها بمجريات الأمور منذ (أب/أغسطس1990) ))"المترجم"