حين تحدثنا عن دعم مرسي بهدف إعمال مبدأ التغيير الذي سعينا من أجله، وبصفته ينتمي إلي تيار آخر خلاف الحزب الوطني وشلة المنتفعين من دولة الفساد في العهد البائد، وجدنا ان انتخاب شفيق لم يكن خيارا ولن يكن كذلك، فهو كما نعلم ينتمي للحزب الحاكم وأحد رجال المخلوع مبارك، حتى انه قد استعان به رئيسا للوزراء في الوقت الذي ظن انه يمكنه مصالحة الشعب المصري للإبقاء علي حكمه فترة أخري أطول، ونحمد الله ان مخطط الشيطان لم يتحقق وتمكنا من إزالة مبارك وبعض أركان حكمه وأزحناهم من قمة السلطة في مصر، إذن فاختيار الدكتور محمد مرسي كان هو الشئ الوحيد المنطقي في انتخابات الإعادة التي وجدنا أنفسنا فيها بين شقي الرحى، أي بين الدولة التي يدعو لها رجال تيار الإسلام السياسي الذي نعلم مساوئه، أو أحمد شفيق احد رموز النظام السابق واحد المتشدقين والمتوعدين بالقوة الهمجية التي أظهرها الجيش في فض اعتصام أبناء حازم بالعباسية.

الآن وبعد خطاب تجاوز الساعة والنصف بإستاد القاهرة ألقاه الرئيس محمد مرسي بمناسبة احتفالات انتصارات أكتوبر، والذي بدا فيه أقرب إلي رجل دين يعتلي منبر أحد المساجد ليخطب في الناس، وبالرغم من ذكاء مرسي في استهداف فئة معينة من الشعب المصري بصفة أساسية ألا وهي الفئة البسيطة التي تنبهر وتختلط عليها الأمور بسهوله حين توضع عن عمد بين الكلمات المختارة بعناية، والتي قد توقع أيضا بشباكها بعض الفئات الأخرى، قد تبين لنا بعض النقاط الهامة التي تثير بداخلنا بعض التساؤلات؛

1- أن الرئيس محمد مرسي أراد ربط صورته كرئيس للجمهورية بصورة رجل الدين، لذلك اعتمد في خطابة علي أسلوب يقارب أسلوب الشيخ لا السياسي، فهو قد تعمد أن يجعلنا نسبح في ملكوت العاطفة الدينية حتى لا تعي عقولنا حقيقة الإنجازات الوهمية التي تحدث عنها وذكرها بالأرقام التي تعبر عن عصر جديد من التعتيم والتضليل لكن عن طريق رجال يحسبهم الشارع المصري ممن يتقون الله، فهل هذا هو الأسلوب الذي ستتبعه دوما يا سيادة الرئيس مع الشعب المصري الذي أتي بك إلي سدة الحكم؟

2- إذا كنت قد أفرجت عن كافة من اعتقلوا في الثورة، فأين ضباط 8 ابريل يا سيادة الرئيس؟ لماذا هم قابعون في غياهب سجون العسكر؟ وهل مساندة الوطن جريمة تستحق السجن؟ وهل تعتبرهم جزءا من الثوار الذين أشدت بهم؟ أم تعتبرهم خطرا علي المؤسسة العسكرية التي تمدد نفوذك داخلها يوما بعد يوم؟

3- كرمت رجال مبارك وقادة الفترة "الانتقامية" ومنحتهم أعلي الأوسمة، فهل يمكنك أن تفسر لنا من قتل شباب مصر وبأي رصاص أصيبوا؟ هل يمكنك أن تخبرنا من أطلق الرصاص علي شباب مصر في محمد محمود ومسرح البالون وماسبيرو ومجلس الوزراء وإستاد بورسعيد؟ هل منح من أردوهم الأوسمة والنياشين من العدل يا سيادة الرئيس المؤمن ؟ هل ترك القصاص من الإيمان؟

4- هل أعدت محاكمة مبارك يا سيادة الرئيس أم تراوغ بإضافة محاضر أخري من المحافظات التي لم يسبق ضم أوراقها للقضية الأولي للهروب من وعدك بإعادة محاكمته هو وقتلة المتظاهرين؟

5- هل يحق لنا سيادة الرئيس أن نتساءل عن الصفة التي دعوتم بها عبود الزمر إلي الاحتفالية؟ وهل اعتقدتم أن المصريين سيرحبون بوجود إرهابي سبق الحكم عليه بتهم متعلقة بنشاط إرهابي، وأحد المخططين لإغتيال الرئيس الأسبق محمد أنور السادات بالمنصة في احتفالات 6 أكتوبر سنة 1981 والتي أعقبها بيومين قيام جماعته الإرهابية باحتلال أسيوط وقتل ما يزيد عن المائة والثلاثين من رجال الشرطة؟ وهل تعتقد أن ذلك لا يعد بمثابة اعتذار تقدمه الدولة عن عقابه في السابق علي ما ارتكبه من إرهاب؟ وهل يوجد تكريم أكثر من جلوسه للاحتفال بانتصار السادات بعد أن قتلوه؟

6- سيادة الرئيس قد ذكرت عدة نقاط خاصة بمخطط المائة يوم المزعومة وأنت علي يقين تام أن الزمن الذي حددته لنفسك ليس إلا وسيلة مسبقة لتأجيل الحديث عن قراراتك منذ توليتم الرئاسة، ولخلق حائط صد يروج له أنصارك من الإخوان والبسطاء لانتظار المائة يوم لغلق الطريق في وجه كل من يقدم لكم انتقادا يخص قرار ما، فمائة يوم لا تكفي أي إنسان لحل مشاكل دولة بحجم مصر ورثت ميراثا كبيرا من السلبيات، لذلك وجب علي سيادتك أن تصارح المصريين بالحقيقة بدلا من سرد انجازات تراها آنت وجماعتك التي ملأ أعضاؤها إستاد القاهرة، فبدلا من تقدير جزافي لإنجازات عهدكم الميمون بـ 75 بالمائة من الهدف المنشود، ألم تري انه كان عليكم ذكر النسب الحقيقية ومصارحة الشعب المصري بالحقيقة كاملة بدلا من تخديره بالحديث المرسل؟

7- سيادة الرئيس، تحدثت عن القمامة التي لا نري في سبيل القضاء عليها حتى الآن أي نوع من الانجازات، فالقاهرة والجيزة اتخذتهما مثالا علي تجربتك الرائدة، فهل تسمح لي أن أذكرك أن القاهرة والجيزة علي وجه الخصوص، وغيرهما من محافظات مصر مازالت تعج بالقمامة التي تملأ شوارعها، فماذا حققت؟ وهل تستطيع تغيير رؤساء الأحياء الذين جاءوا من القوات المسلحة إلي المناصب التي لا يستحقها أي منهم، أتستبدلهم برجال أكفاء لديهم القدرة علي تقديم الخدمات للمواطنين لمساعدتك علي تحقيق هدف برنامجك المتعلق بالقمامة؟ أم مازلت تتمسك بالعسكريين الذين اعتادوا الجلوس بمكاتب مكيفة ويتنقلون في سيارات مكيفة بينما يسهر علي خدمتهم جيش من عساكر خدمة المكاتب؟ فكما نعلم وتعلم سيادتك كلما علت الرتبة العسكرية، كلما قل المجهود وكثر عدد الخدم.

يا سيادة الرئيس، إن كنت لا تري أكوام القمامة التي تسد الشوارع، ولا تعلم شيئا عن ممارسات رؤساء الأحياء من العسكر الذين يعلمون تمام العلم أن هذه المناصب منحت لهم علي سبيل التكريم فالذنب ذنبكم.

8- هل تعتقد يا سيادة الرئيس أن المنظومة الأمنية ببقاياها الفاسدة من عهد العادلي ومبارك والتي اعتادت علي الممارسات غير الأخلاقية يمكنها أن تعيد الأمن إلي شعب مصر بالطريقة التي تصون كرامتهم؟ هل تعتقد أن مفهوم رجل الشرطة الذي ينظر للمصري علي انه "نفاية" قد تغير؟ هل تعتقد أن رجال الشرطة قد توقفوا عن الممارسات الحيوانية في حق أبناء الشعب المصري؟ هل تعتقد أنهم توقفوا عن التربح والابتزاز المعلن؟

9- لدينا ما يقدر بسبعة آلاف مصر من حاملي الماجستير والدكتوراه بلا عمل، أي يحمل كل منهم لقب "عاطل" بعد كل هذه الأعوام من الدراسة والاجتهاد، فهل تعلم عنهم شيئا يا سيادة الرئيس؟ وان كنت تعلم ماذا يدور بذهنك من أجلهم؟

10- سيدي الرئيس آنت مخطئ كل الخطأ إذا ما تصورت ان مشكلة إضراب الأطباء تتعلق بمعدل دخلهم فقط، فأطباء مصر يحملون رسالة قيمة، ومعظمهم يريد ان يستفيد بها كل مرضي مصر، لكن كيف ومستوي المستشفيات الحكومية اقل ما يقال عنه أنه يشبه "حظائر" الحيوانات؟ وماذا تقول إذا علمت ان طائرات الإسعاف الطائر لا طائل منها، فما فائدة نقل المصاب بسرعة الطائرة طالما ظلت المستشفيات تعاني من الإهمال والخراب الذي ضرب أركانها وطال معداتها، فهل تعلم ان هذه المستشفيات أصبحت وسيلة فعالة لنقل الأمراض لا للشفاء منها؟

11- يا سيادة الرئيس أين الحد الأدنى والاقصي؟ ولماذا يعيش المصريون تحت الصفر؟ هل ذلك نتيجة لاستمرار تدفق ملايين الأموال الحكومية إلي جيوب مستشاري الوزارات الذين لا يقدمون ولا يؤخرون؟

12- هل تعلم يا سيادة الرئيس ان رغيف الخبز التي تتحدث عنه لا يصلح لإطعام الدجاج المنزلي، أو لإثمان حظيرة من البط؟ وهل تعلم ان شعب مصر بالرغم من كل ذلك يتناوله ويتبع ذلك بحمد الله والثناء عليه؟

13- هل تعلم يا سيادة الرئيس أن المصريين يزاحمون ألموتي في مساكن الإمام الشافعي؟ وهل تعتقد انه يوجد بينهم من يهتم لمعرف المكان الذي تقيم به؟ وإذا ما كان تمليك أم إيجار؟ فهل يمنعك القانون من الإقامة بأحد قصور الرئاسة؟ وهل يمكن لأحد أن يوجه لك اللوم إذا أقمت بأحدها؟ فماذا قصدت من ذكر هذه النقطة بالتحديد وما مناسبتها سوي التقرب من الناس بحيلة ذكية يهلل لها أتباع سيادتكم من الإخوان لخداع البسطاء.

14- تحدثت عن فائدة القروض البسيطة والشروط المتساهلة والسماح طويل الأجل في سدادها، وتساءلت أين الربا؟ فاسمح لنا ان نقول لك إذا كنت يا سيادة الرئيس ستحلل الربا فهذا شأنك، وان كنت تبرر الحصول علي قرض يثقل هاماتنا ويضع قرار مصر واقتصادها بيد البنك الدولي ومن يتحكمون به من خلف الستار فهذا شأننا، فلا تخدعنا بالشعارات الواهية ودعنا نقرر إذا ما كنا نريد قروضا تسحق كرامتنا كما سحقها مبارك من قبلك أم لا، فهل تستطيع أن تقول للقرض الذي حللته بصفتك الرئيس أو بصفتك مفتي الديار لا؟

15- حققت 85 % من اكتفاء البوتاجاز، فهل تخبرنا إلي أين يذهب الغاز المصري؟ وهل تخبرنا لماذا بلغ سعر أنبوب البوتاجاز في بعض المحافظات ما يقارب الثمانون جنيها؟ يا سيادة الرئيس، هل من جواب؟

16- أين موارد مصر؟ وأين أموالها المهربة؟ وماذا فعلتم لإعادتها حتى الآن؟

يا سيادة الرئيس، هذه البلاد ليست كما تعتقد، فمصر ليست "عزبة" وأهلها ليسوا عبيدا لدي أحد، قد ينخدعون في البداية، ثم يثورون، ثم يعودون فينخدعون ثانية، لكن النهاية دوما ما تكون ثورة تطيح بمن يقف بينهم وبين أحلامهم بالعيش والحرية والكرامة، فلا تكرر علي أسماعنا شعارات رنانة، وأرقاما لا يفقهها أكثر من نصف شعبها، ولا تقنع نفسك انك إذا ما اقترن اسمك كرئيس للجمهورية بصورة أحد أولياء الله الصالحين ستصبح بمأمن عن ثورة شعب مصر إذا ما أدركوا انك لا تحقق طموحاتهم، سيادة الرئيس.

سيادة الرئيس لقد انتخبك الشعب المصري رئيسا للجمهورية، فحرر نفسك من عباءة الإخوان واجعل لنفسك شخصية مستقلة تضعك في مصاف الرؤساء العظماء أصحاب الفكر والكلمة الحرة، ولا تجعل من نفسك أداة بيد مكتب الإرشاد فلا بيعة لمرشدهم عليك، فالولاء يجب ان يكون لمصر وحدها، فأوقف يد الإخوان التي تعيث في مصر يمينا ويسارا، واجعل لكل منهم خطا يتوقف عنده ولا يتعداه انطلاقا من اعتمادهم علي ما حصلت عليه، ولتكن لك العبرة في مبارك وجماعته التي فاقت جماعتك قوة ومكرا.

هاني الفرماوي
[email protected]