إهداء
إهدي هذه القصة لصديقة قديمة عزيزة طال غيابي عنها
وقد إشتقت لطيفها المعبق بالنسمات العطرة .. اهديها
لـ "طيف عابر"


المسجد الجديد
في بلدتنا كلهم يعتبرون الشيخ سلمان غريب .. كلامه غريب .. مشيته غريبة .. ضحكته المصطنعة التي تخرج دائماً بحساب غريبه .. شكله بالجلباب الأبيض القصير الذي يكشف عن كلسون أبيض تحته ، ولحيته البيضاء الطويلة جداً غريب .. كل شئ في الشيخ سلمان غريب .. حتي مجيئه إلي بلدتنا كان حدث غريب تناقلوه بشتي الصور والأشكال منها الحقيقي ومنها المزيف ..

قالوا أن الشيخ سلمان جاء إلي بلدتنا منذ عدة أشهر ومعه ثلاثة شباب يرتدون نفس زيه ولهم لحي طويلة مثله ، وكأنه زي رسمي .. وسألوا الأربعة عن مسجد القرية .. فدلهم محمدين صاحب حانوت الخردوات علي الزاوية الصغيرة الموجودة علي أول طريق المقابر .. فقالوا له أنهم يريدون مسجد لا زاوية .. وتعجب عم محمدين من أمرهم لإنه بعقليته المحدودة لم يكن يفهم نواياهم .. لماذا يريدون مسجد إذا كانوا يريدون الصلاة والزاوية تفي بالغرض ؟! .. ودلهم في نهاية الأمر علي مسجد يبعد عنهم مسافة كبيرة .. وعندما ذهبوا إلي المسجد مصحوبين بالنظرات المندهشة أستوقف الشيخ سلمان الناس بعد صلاة العصر ، وقال لهم أنه جاء لقريتهم ليدعوهم إلي الإسلام .. وأدهشهم كلامه ، فقال له عم منصور السباك الوحيد في قريتنا يلفت نظره لشئ هام :
ــ نحن مسلمين وموحدين بالله يا شيخ .
لكن الشيخ سلمان أصر علي موقفه وقال لهم أنه جاء لهم يزيدهم من علمه ويفقههم في دينهم .. وفرحوا لوجود هذا الرجل الصالح بينهم ، وأنستهم الفرحة أن يسألوه من أين جاء ، أو أين تلقي علمه هذا .. إنه رجل مسلم وقور متدين وهذا يكفي !

والناس في قريتنا فعلاً يحتاجون لمن يفقههم في دينهم ، فهم ليس لهم أحد يسأونه عن الدين إلا أحمد بنداري الشاب خريج جامعة الأزهر الذي يخجل كبارهم عندما يسألونه عن أمر ما في الدين لأنه أصغر منهم في السن .. لكن الشيخ سلمان رجل كبير ووقور .. علامات الإيمان والتقوي تظهر علي وجهه ..

وسألهم الشيخ سلمان في اليوم التالي بعد خطبة قصيرة ألقاها عليهم في المسجد بعد صلاة العصر :
ــ كام مسجد يوجد في بلدتكم ؟
وأجابه علي عويضه غفير العمدة :
ــ مسجدان وزاوية يا مولانا .
أحدهم كان هذا المسجد الصغير الذي يصلي فيه ، وهو لا يتسع لأكثر من مائة فرض ، وفي صلاة الجمعة تفرش الشوارع أمام المسجد بالحصير .. فبشرهم الشيخ سلمان بأنه سيقيم لهم مسجد جديد وكبير عند الأرض الواسعة التي يقام فيها المولد ، وفرحوا .. ودعوا له بالصحة وطول العمر .. وبدأوا يتوافدون علي منذل الشيخ سلمان .. هذا يسأله عن الزكاة .. وهذا يسأله عن صوم الأيام البيض .. وهذه تساله عن شكل الحجاب الذي فرضه الشرع .. كلهم وثقوا في الشيخ سلمان بسرعة مزهلة ، فهو رجل طيب لا خوف منه ولا ضرر ، جاء ليعلمهم أصول دينهم

ومرت الأيام والشهور .. وأعلن لهم الشيخ سلمان أن المسجد الجديد قد تم بناءه والحمد لله .. وصلاة الجمعة القادمة ستكون صلاتهم الأولي فيه .. والمفاجأة التي قالها الشيخ سلمان وأسعدتهم جميعاً أن المسجد به دور ثاني للنساء ..

وخرجوا من ديارهم في يوم الجمعة فرحين مستبشرين .. ووقفوا يصلوا خلف الشيخ سلمان في المسجد الجديد .. بعد أن خطب فيهم خطبة الجمعة .. وقفوا يصلون خلفه .. يصلون خلف الغريب !

(تمت)

إقرأها علي مدونت عيساويات إضغط هنا