على باب العيد.. تدق الأيادى..
الكل ينصت بقلبه لهمس السعادة الغائبة.
الكبار قبل الصغار «نفسهم يفرحوا»
على باب العيد غلبت الدموع «ليلى» لأن ابنها الكبير «غايب» وحشتها ضحكته ولمتها وسط عياله ساعة صلاة العيد..
وعلى بابه أيضاً.. تقف «صفية» باكية وهى تفتح كيس نقودها الخالى..لأن جوزها «ماقبضش لسه» والعيال نفسهم فى اللحمة!!
ومحروس «كان نفسه يعيد مع ولاده الأربعة فى شقة بدل عشة بناها اسفل الطريق الدائرى.. وياسر «شيال القصب» ولا ألف عيد «هيعوضه» عن حضن أمه وفطاره مع اخوته على «الطبلية» فى البلد..
أما عبير فستملأ الدنيا صراخاً.. لأن أباها لن يمنحها العيدية.. زي كل سنة بعد أن رفض صاحب الشركة منحه راتبه الا فى موعده.. بعد العيد!!
العيد فرحة.. وأجمل فرحة.. لكن الكثيرين منا لن تتاح لهم فرحة الأعياد..
فالسعادة مرتبطة بـ«الفلوس» ويكذب من يدعى أن «الجائع» سعيد.. أو أن خالى الجيب «فرحان».
كنت أبحث عن بشائر السعادة فى وجوه الناس قبيل العيد بساعات..لكننى وجدت الحزن يملأ الوجه ويقاسم الكثيرين عيشتهم.. البعض يبكى «بجد» البعض «يصرخ فعلاً»..
هناك موظف لن يحصل على راتبه إلا بعد العيد وبعد العيد.. ما يتفتلش كحك» كما يقول المثل الشعبى..
«محمد مصطفى» موظف بعقد فى «السجل المدنى» يحتاج ان يشترى «2» كيلو لحم لتصنع «أم العيال الفتة» لكن «القبض للمعينين فقط» ومادون ذلك فعليه ان ينتظر.. وإن شا الله ما اكل لحمة».
صحيح أن مصالح كثيرة فى الدولة صرفت المرتبات قبل العيد لكن ذلك لا ينطبق على الجميع..وحتى من ينطبق عليه فسيواجه كارثة.. بعد ان تذهب «السكرة وتأتى الفكرة».. أى ان من فرح بالمرتب يوم 22 من الشهر فعليه ان ينتظر اطول شهر فى السنة بعد العيد كما تقول حنان «موظفة بالتربية والتعليم» فهى لا تفرح بالقبض المبكر وكله هيضيع فى اللحمة والعيديات لتعود لمصاريف الدروس والأكل والشرب بعد ان ضاع معظم المرتب فى «يوم».لكن الأمر كان مختلفاً لدى الحج مصطفى «موظف على المعاش لأنه سيحصل على راتبه يوم «10» فى شهر «11» أى بعد العيد..وهذا يعنى انه لن يستطيع ان يعطي العيدية لأحفاده كما تعود.. أما أكثر ما يضايق عم حسن عامل نظافة مؤقت انه لن يستطيع ان يسعد عبير ابنته الوحيدة التي انجبها بعد انتظار «14» عاماً.. فهو لن يحصل على «مكافأته» الا بعد العيد يعنى لا عيدية ولا فستان جديد لنور عينه عبير!!
أم رحمة لا يشغلها ان الحاجة فى السوق «نار» لا أن أرخص كيلو لحم بـ «55» جنيهاً لكن همها أكبر من ان تزيله فرحة العيد وأى عيد سيسعد أسرة مكونة من أب تعيس و«4» أبناء «مشردين فى الشارع» وأم أكلها المرض من شدة الحزن.
كنت أسأل الزوج «محمد محروس» عن تدبير احتياجات العيد فيما كان يعد كوباً من الشاى لأحد سائقى الميكروباص.. أمام «نصبة شاي صنعها أسفل الكوبرى الدائرى بالوراق.. لم ينطق الزوج الشاب بكلمة.. قبل ان يخرج اربعة من الأطفال «زى الورد» من عشة «خيش وصفيح» خرجوا جميعاً وكل منهم يثنى ظهره لتفادي عرق خشب فى سقف العشة او قطعة صفيح صدئة فى جوانبها انطلق الكلام من الأب اشبه بصراخ مكتوم.. مين ليه نفس يعيد.. بقالى سنتين فى الشارع كنت عايش مستور فى بيتى فى «طناش» لحد ما الحكومة قالت «ازالة وما فيش بديل» ودخت على الحى والمحافظة وعيالى فى الشارع لا مدارس ولا غيره بناكل ونشرب من بيع الشاى تحت الكوبرى والشتا علي الأبواب أروح فين بعيالي؟!
ياسر وكريم شابان يبدو على ملامحهما اثر من الصعيد البعيد.. جاء الصديقان من زمن، كريم يمضى فترة الجيش بمدينة ناصر.. وهو الآن إجازة «10» أيام.. لم ينزل البلد.. فضل أن يعمل ليأتى بمصاريف اخوته الصغار، أما ياسر.. فيحمل القصب على كتفه يضعه فى السيارة تمهيداً لنقله لمحلات العصير.. وقلب كريم «عصير للهموم ترى الحزن يكسو وجهه وبشرته السمراء».
«أبويا عيان وأمى فى البلد هتموت علشان مش هعيد معاها..كنت ألبس الجلابية البيضا وأروح اصلى وأرجع أحضنها وأديها العيدية ونقعد سوى ع الطبلية ناكل أحلى فتة»!
السنة دى مافيش.
وما المانع ان تسافر مازال أمامك فرصة؟
أسافر ازاى.. التذكرة بـ«50 جنيه.. ويا دوب اليومين على قد الأكل والسكن.. العيد مالوش طعم بعيد عن أمى»!
ضم الشابان حزم القصب كأن كلاً منهما يدارى همه أو يدفنه فى قلبه. كى لا يضعف صاحبه..صحيح أحلى ما فى العيد «لمة الأهل فإذا تفرق الأهل.. كيف يسعد الناس بالأعياد»؟!.
كانت تحمل شيئاً ما فوق رأسها.. «غير الهم» وكانت تحمل فى قلبها حزناً فاض عن قدرتها فبكت بمجرد ان بدأت كلامى.
كل سنة وانت طيبة ياحاجة.. وعيد سعيد... سعيد ازاى.. وابنى بعيد عنى.. ده الكبير بتاعى أول من رأت عينى».
خير ياست فيه ايه.. بتبكى ليه؟
ابنى سامى محبوس ظلم فى خناقة.. والله كان بيحوش عن صاحبه.. خدوهم كلهم عاطل فى باطل.
معلهش ربنا يرجعوا بالسلامة..
لم تستطع ليلى مقاومة احزانها رغم انها كانت تحاول أن تشترى أى شىء لأبناء سامى «أحفادها» لأنهم سيقضون العيد بعيداً عن أبيهم.
هَمْ غياب «سامى» هو السبب الأوحد لحزن ليلى.. فزوجها العجوز معاشه 380 جنيها «ولسه ميعاد القبض».. كان موظفا فى الحكومة وقام بتسوية معاشه.. لكنه الآن غير قادر على عمل بديل لأن المرض تمكن منه..وتواجه الأسرة الآن مأزقاً حقيقياً كيف نشترى أى شىء من لوازم العيد كيف تستطيع الجدة المسكينة ادخال السرور الى بيتها الذى عشش فيه البؤس.. ربما تستطيع تكبيرات العيد فى الصباح الباكر ان ترسى سفن احزانها على شاطئ الأمان ويلهمها الله الصبر على فراق حبيبها..لكن كيف ستطعم الأطفال؟!
كانت على الرصيف المقابل للسوق قد استطاعت ان تصنع لها مقعداً من الحجارة الملقاة فى الشارع وضعت يدها على خدها واخرجت كيس نقودها وأفرغتها فى وسط جلبابها لم ينزل شىء.. انفقت ثلاثين جنيهاً على كرنبة وشوية طماطم وخضرة محشى وكيلو أرز.
الطبيخ استطاعت تدبيره.، لكن الأهم فيه اللحمة؟! سألت نفسها اتصلت بزوجها بعد أن نهضت بسرعة وتوجهت للكشك على الرصيف بجوارها.. ليأتى الصوت من زوجها «لسه ياصفية مافيش قبض.. اتصرفى».
كانت قد حجزت كيلو لحمة لدى الجزار بالسوق على امل ان يعود زوجها بالقبض..لكن خاب أملها.. ودمعت عين الزوجة «الغلبانة» الوقت ضيق جداً.. ومافيش فرصة اتصرف ولازم العيال تاكل لحمة فى العيد.. كيف؟!
معاش عم «محمود» يكفيه والحمد لله لكن شيئاً كان يخفيه يجعله حزيناً.. فالمعاش يوم «4» لا يمكن ان يبكر عن هذا التاريخ.. المشكلة التى تحزن «المحارب القديم» انه حارب فى أكتوبر.. ولا يشعر انه «مكروم» لانه يحصل على مكافأة «50» جنيها فقط كل سنة يصرفها من بعد الثورة، كانت من قبل غير مقررة له هناك ايضاً «عائد الكويت» الذى يرى انه من حق امثاله ممن خدموا فى الحرب لكن لا يصرف له أيضاً.. يقول المحارب القديم أنا مصرى ولى حقوق فى وطنى يجب ان احصل عليها حتى أشعر بالسعادة الحقيقية فضياع الحقوق أقوى شىء يهزم الفرح داخل الإنسان.
الأرزقية ومن هم على باب الله «كثيرون» فى بلدنا هؤلاء لا ينتظرون راتبا يأتى آخر شهر أو اول الشهر الذى يليه.. هؤلاء.. إذا لم يعملوا..ماتوا من الجوع هم ومن يعولوا..
ولأن اشياء كثيرة تغيرت بعد الثورة فإن كثيراً من هؤلاء لا يرون منذ عامين الا «وقف الحال» وقلة الرزق وضيق ذات اليد مثل ياسين بائع «على باب الله» كما يصف نفسه فهو يأتى يومياً على عربته الكارو من صفط بالجيزة يبيع ما تيسر له.. يجوب الشوارع ليعود لخمسة ابناء أصر على تعليمهم جميعاً وهو يعانى مثل عموم المصريين من مصاريف المدارس والدروس الخصوصية «الاجبارية» ومافيش دخل..حتى لوضحينا باللقمة.. احياناً لا نجد ثمنها فبماذا نضحى؟!
افهم من كده ان مافيش لحمة السنة دى ياعم ياسين والله يابنتى بقينا نقف فى طوابير الدبح بعد الصلاة.. مدينا أدينا للمسلمين.. ما كلنا اخوات ناس كتير بتدبح فى الدقى و«الحتت الحلوة اللى يلف فيها قالولى ابقى تعالى ياعم ياسين وخد لحمة للعيال».
نظر الرجل الى الأرض ثم رفعها الى السماء نفسى ادبح زى الناس دى وأطعم الغلابة وسألنى: تفتكرى هييجي يوم علي الغلبان اللى زيى يقدر يدبح؟! كله على الله ياعم ياسين.. ماتشيلش هم وخليها على الله.
قبل ان ينتصف النهار جمعت «بهية» ماتبقى من بضاعتها كانت قد فرشت بعض حزم الجرجير فى السوق..و«جبرت» كان آخر يوم لها فى السوق لتبدأ اجازة العيد.
اذا حزمت كل اوعيتها فى «شوال» وحملتها فوق رأسها وفى يدها الأخرى اشترت «2» كيلو«جوانح» من الفرارجى جارها فى السوق لن تطبخ بهية اليوم بل ستنتظر حتى يصلى أولادها وزوجها صلاة العيد لتصنع له حبتين رقاق على مرقة «جوانح الفراخ» وكانت قد اشترت «ربع كيلو لحمة مفرومة» من الجزار.
كان نفسى اشترى اللحمة لكنى والله كان كل اللى معايا «30» جنيه مافضلش غير اجرة المواصلات عبرت الشارع لتسير الى سيارة ميكروباص.. وفاتتها فغضبت «أصلي» تعبانة قوى.. ورجلى شيلاني بالعافية صاحية من النجمة.. لكن كله يهون علشان العيال سألتها عن زوجها.. فقالت «الراجل عيان» كان فلاح بيشتغل بالأجرة.. يعنى عافيته والفاس رأس ماله لكن..«رقد» حتى العلاج بنجيبوا بالعافية..
زنقة عيد
زنقة عيد.. هذه الجملة سمعتها من كثيرين قابلتهم..لكن ما قاله لى عبدالقادر حسن عامل بالشهر العقارى.. كان مختلفاً نوعاً إذ قال «كل الأيام بقت زنقة مش على قد العيد واردف الرجل «يعنى كان الواحد يدبر حاله يدخل جمعية يشيل قرشين على جنب.. دلوقتى بتستلف من نص الشهر.. يبقى هتعمل ايه فى العيد وقالوا اللحمة هترخص.. والثورة قامت علشان الفقرا يعيشوا صح..طب الفقرا هيموتوا من الجوع.. ازاى الحال بقى؟
يعنى أنا اعتبر موظف محترم بـ300 جنيه وعندى «3» عيال منهم واحد فى الجامعة وأخوه فى الثانوية العامة أعلمهم ولا اشترى «3» كيلو لحمة فى العيد.. ونغنى طول الشهر «ظلموه».
أيا دمعه مقيده باغلال الكبرياء...افتقدتك ..
ففقدت احساسى بكل الاشياء...يا صديقتــى فى لحظــات الحزن والشقــاء ...اشتقـت اليكـــى ..
اشتقـت الى البكــــاء ...البحث على جميع مواضيع العضو Young DeviL
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)