قهوتنا على الانترنت
ابحث عن :  
النتائج 1 إلى 3 من 3
  1. #1

    افتراضي ما أجمله من رحيل ؟!

    ما أجمله من رحيل ؟!




    بدت أختي شاحبه الوجه نحيله الجسم .
    ولكنها كعادتها تقرأ القرآن الكريم .
    تبحث عنها فتجدها في مصلاها .
    راكعة ساجدة رافعه يديها إلى السماء .
    هكذا في الصباح وفي المساء وفي جوف الليل لا تفتر ولا تمل .
    كنت أحرص على قراءة المجلات الفنية والكتب ذات الطابع القصصي .
    أشاهد الدش بكثرة لدرجة أنني عُرفت به ..ومَنْ أكثر من شيء عُرف به .
    لا أؤدي واجباتي كاملة ولست منضبطة في صلواتي .
    بعد أن أغلقت الدش وقد شاهدت أفلاماً متنوعة لمدة ثلاث ساعات متواصلة .
    ها هو الأذان يرتفع من المسجد المجاور .
    عدت إلى فراشي .
    تناديني من مصلاها .
    نعم ماذا تريدين يا نورا ؟
    قالت لي بنبرة حاده : لا تنامي قبل أن تصلي الفجر .
    أوه ..بقي ساعة على صلاة الفجر وما سمعته كان الأذان الأول .
    بنبرتها الحنونة..هكذا هي حتى قبل أن يصيبها المرض الخبيث وتسقط طريحة الفراش .
    نادتني ..تعالي يا هناء بجانبي .
    لا أستطيع إطلاقاً رد طلبها .
    تشعر بصفائها وصدقها .
    لا شك طائعاً ستلبي .
    ماذا تريدين ؟ اجلسي ..
    ها قد جلست ماذا لديك ؟
    بصوت عذب رخيم قالت : ﴿ كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ الْمَوْتِ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ . سكتت هنيهة .
    ثم سألتني ..ألم تؤمني بالموت ؟
    بلى مؤمنة !.
    ألم تؤمني بأنك ستحاسبين على كل صغيرة وكبيرة ؟.
    بلى ..ولكن الله غفور رحيم ..والعمر طويل ..يا أختي .
    ألا تخافين من الموت وبغتته ؟. انظري هند أصغر منك و توفيت في حادث سيارة .. وفلانة .. وفلانة ..
    الموت لا يعرف العمر .. وليس مقياساً له ..
    أجبتها بصوت الخائف حيث مصلاها ذو ضوء خافت :
    إنني أخاف من الظلام وزدت خوفي بذكر الموت ..كيف أنام الآن ؟.
    كنت أظن أنك وافقت على السفر معنا هذه الإجازة .
    فجأة ..
    تحشرج صوتها و اهتزَّ قلبي ..
    لعلي هذه السنة أسافر سفراً بعيداً ..
    إلى مكان آخر ..
    ربما يا هناء ..
    الأعمار بيد الله .
    وانفجرت بالبكاء ..
    تفكرت في مرضها الخبيث وأنَّ الأطباء أخبروا أبي سراً أنَّ المرض ربما لن يمهلها طويلاً .
    ولكن من أخبرها بذلك ؟
    أم أنها تتوقع هذا الشيء .
    ما لك تفكرين .
    جاءني صوتها القوي هذه المرة :
    هل تعتقدين أنني أقول هذا لأنني مريضه .
    كلا ..
    ربما أكون أطول عمراً من الأصحاء .
    وأنت إلى متى ستعيشين .
    ربما عشرين سنة .
    ربما أربعين ..ثم ماذا ؟.
    لمعت يدها في الظلام وهزتها بقوة .
    لا فرق بيننا كلنا سنرحل وسنغادر هذه الدنيا إما إلى جنة وإما إلى نار .
    ألم تسمعي قول الله ﴿ فَمَن زُحْزِحَ عَنِ النَّارِ وَأُدْخِلَ الْجَنَّةَ فَقَدْ فَازَ .
    تصبحين على خير .
    هرولت مسرعه وصوتها يطرق أذني .
    هداك الله .
    لا تنسي الصلاة .
    الثامنة صباحاً .
    أسمع طرقاً على الباب .
    هذا ليس موعد استيقاظي .
    بكاء ..وأصوات ..يا إلهي ماذا جرى .


    لقد تردت حالة نورة
    وذهب بها أبي إلى المستشفى .
    إنا لله وإنا إليه راجعون .
    لا سفر هذه السنة .
    مكتوب علي البقاء هذه السنة في بيتنا .
    بعد انتظار طويل .
    عند السعة الواحدة ظهراً .
    هاتفنا أبي من المستشفى
    تستطيعون زيارتها الآن هيا بسرعه .
    أخبرتني أمي أن حديث أبي غير مطمئن وأن صوته متغير .
    عباءتي في يدي .
    أين السائق .
    ركبنا على عجل .. أين الطريق الذي كنت أذهب لأتمشى مع السائق فيه وكان يبدو قصيراً .
    ماله اليوم طويلاً .. وطويلاً جداً.
    أين ذلك الزحام المحبب إلى نفسي كي ألتفت يمنة ويسرة .
    زحام أصبح قاتلاً ومملاً.
    أمي بجواري تدعو لها .
    إنها بنت صالحة مطيعة .
    لم أرها تضيع وقتها أبداً .
    دلفنا من الباب الخارجي للمستشفى .
    هذا مريض يتأوه .
    وهذا مصاب بحادث سيارة .
    وثالث عيناه غائرتان .
    لا تدري هل هو من أهل الدنيا أم من أهل الآخره .
    منظر عجيب لم أره من قبل .
    صعدنا درجات السلم بسرعة .
    إنها في غرفة العناية المركزة .
    وسآخذكم إليها .
    ثم واصلت الممرضة : إنها بخير وطمأنت أمي أنها في تحسن بعد الغيبوبة التي حصلت لها .
    ممنوع الدخول لأكثر من شخص واحد .
    هذه غرفة العناية المركزة .
    وسط زحام الأطباء وعبر النافذة الصغيرة التي في باب الغرفة أرى عيني أختي نورة تنظر إليَّ وأمي واقفه بجوارها .
    بعد دقيقتين خرجت أمي التي لم تستطع إخفاء دموعها ..
    سمحوا لي بالدخول والسلام عليها على أن لا أتحدث معها كثيراً .
    دقيقتان كافية لك .
    كيف حالك يا نورة .
    لقد كنت بخير مساء البارحة .
    ماذا جرى لك ؟!.
    أجابتني بعد أن ضغطت على يدي : وأنا الآن ولله الحمد بخير .
    الحمد لله لكن يدك بارده .
    كنت جالسه على حافة السرير ولامست يدي ساقها .
    أبعدتها عني ..
    آسفه إذا ضايقتك .
    كلا ولكني تفكرت في قوله تعالى : ﴿ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ ، إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ عليك يا هناء بالدعاء لي فربما أستقبل عن قريب أول أيام الآخرة .
    سفري بعيد وزادي قليل ..سقطت دمعه من عيني بعد أن سمعت ما قالت وبكيت .
    لم أع أين أنا .
    استمرت عيناي في البكاء .
    أصبح أبي خائفاً علي أكثر من نورة .
    لم يتعودوا مني هذا البكاء والانطواء في غرفتي .
    مع غروب شمس ذلك اليوم الحزين .
    ساد صمت طويل في بيتنا .
    دخلت عليَّ ابنة خالتي .
    ثم ابنة عمتي .
    أحداث سريعة ..كثر القادمون ..اختلطت الأصوات ..شيء واحد عرفته ..
    ( نورة ماتت) لم أعد أميز من جاء .
    ولا أعرف ماذا قالوا .
    يالله ..
    أين أنا وماذا يجري ؟
    عجزت حتى عن البكاء .
    فيما بعد أخبروني أن أبي أخذ بيدي لوداع أختي الوداع الأخير .
    وأني قبّلتها .
    لم أعد أتذكر إلا شيئاً واحداً .
    حين نظرت إليها مسجاة على فراش الموت .
    تذكرت قولها ﴿ وَالْتَفَّتِ السَّاقُ بِالسَّاقِ عرفت حقيقة أن ﴿ إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمَسَاقُ لم أعرف أنني عدت إلى مصلاها إلا تلك الليلة..
    وحينها تذكرت من قاسمتني رحم أمي فنحن توأمان .
    تذكرت من شاركتني همومي .
    تذكرت من نفَّست عني كربتي .
    من دعت لي بالهداية .
    من ذرفت دموعها ليالي طويلة وهي تحدثني عن الموت ، والحساب .الله المستعان.
    هذه أول ليلة لها في قبرها .
    اللهم ارحمها ونوّر لها قبرها .
    هذا هو مصحفها .
    وهذه سجادتها ..وهذا .. وهذا ..
    بل هذا هو الفستان الوردي الذي قالت لي سأخبئه لزواجي .
    تذكرتها وبكيت ، وبكيت على أيامي الضائعة .
    بكيت بكاءً متواصلاً .
    ودعوت الله أن يرحمني ويتوب علي ويعفو عني .
    دعوت الله أن يثبتها في قبرها كما كانت تحب أن تدعو .
    فجأة سألت نفسي ماذا لو كنت أنا الميتة ؟
    ما مصيري ؟
    لم أبحث عن الإجابة من الخوف الذي أصابني .
    بكيت بحرقة ..الله أكبر ..الله أكبر ..
    ها هو أذان الفجر قد ارتفع .
    ولكن ما أعذبه هذه المرة أحسست بطمأنينة وراحة وأنا أردد ما يقوله المؤذن .
    لففت ردائي وقمت واقفه أصلي صلاة الفجر .
    صليت صلاة مودع .
    كما صلتها أختي من قبل وكانت آخر صلاة لها .
    ( إذا أصبحت لا أنتظر المساء . وإذا أمسيت لا أنتظر الصباح )* .







  2. #2

    افتراضي

    جزاك الله كل خير
    استغفر الله الذي لا إله إلا هو الحي القيوم واتوب اليه
    البحث على جميع مواضيع العضو haboosh

  3. #3

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة haboosh مشاهدة المشاركة
    جزاك الله كل خير

 

 

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • مش هتقدر تضيف مواضيع جديده
  • مش هتقدر ترد على المواضيع
  • مش هتقدر ترفع ملفات
  • مش هتقدر تعدل مشاركاتك
  •  
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات مصراوي كافيه 2010 ©