يغلب على عمل المنظمات النسائية عندنا العمل من أجل حقوق المرأة المواطنة، لذا نرى أن مشاريع هذه الجمعيات تتوجه لهذه الفئة من النساء أو تتوجه للأسرة بشكل عام. وهذا ليس عيباً ولا انتقاصاً من عمل هذه الجمعيات، فهي قد عملت منذ الخمسينات في خدمة المرأة وتوعيتها وضمان حقوقها. إلا أن الحقوق لا تتجزأ، أي بمعنى آخر إن العمل للمرأة يجب ألا يقتصر على جنسية بعينها أو فئة من النساء دون غيرها. وأصبح لزاماً علينا أن ننظر إلى وضع جميع البشر الذين يعيشون بيننا سواء أكانوا بحرينيين أم لا، وأن نعمل على الحد من انتهاك حقوقهم على ضوء ما تلزمنا به شرائعنا الدينية وشرعة حقوق الإنسان الدولية.
من هنا تأتي دعوتنا لأن توسع الجمعيات النسائية عملها ليشمل محاربة استغلال المرأة بغض النظر عن جنسيتها أو مركزها الاجتماعي. وأن توسع نطاق عملها وتتبنى حقوق المرأة العاملة المهاجرة وحقوق السجينات ومحاربة الاستغلال الجنسي والاتجار بالبشر وغيرها. وحيث إن المنظمات النسائية ستقدم قريباً تقريرها البديل حول إنفاذ البحرين لاتفاقية السيداو؛ فإنني أتمنى ألا يخلو التقرير من الإشارة إلى هذه المسائل؛ لأنها حسب اعتقادي ستكون أحد المحاور الأساسية التي ستناقشها لجنة السيداو مع الحكومة والمنظمات الأهلية. وسيكون الحكم على مصداقية الجمعيات هو تبنيها لقضايا المرأة دون تمييز بسبب اللون أو الجنسية أو الديانة.
تشير الإحصائيات إلى أن العدد الإجمالي للعمالة المهاجرة في العالم تقارب من 120 مليوناً وهذا العدد مرشح للزيادة المطردة. وتشكل عاملات المنازل غالبية العمالة النسائية المهاجرة. وتأتي بلدان شرقي آسيا، وبالأخص الهند وسيريلانكا وبنغلاديش وأندونيسيا وتايلاند، على رأس الدول المصدرة للعمالة المنزلية. كما تشير الدراسات إلى أن العاملات يتعرضن لأنواع متعددة من العنف، وإلى انتهاك حقوقهن الإنسانية. وهن لا يجدن أي سند لحمايتهن في بلد إقامتهن، وتتضاعف معاناتهن بسبب انعدام أو انخفاض مستوى تعليمهن، وجهلهن بتقاليد وعادات البلد الذي يعملن فيه، مما يوقعهن في العديد من المشاكل. كما يتعرضن لانتهاك حقوقهن العمالية ويجبرن على تقبل شروط عمل مجحفة ولا يقعن تحت مظلة قوانين العمل. كما إنهن يعانين من ظروف العمل القاسية مثل ساعات العمل الطويلة، وحرمانهن من الإجازة الأسبوعية والسنوية مدفوعة الأجر، بالإضافة إلى ذلك تمارس بعض العائلات كافة ضروب التعذيب والقسوة والمعاملة المهينة كالسباب والشتم والتحقير، والعنف كالضرب والحرق والحبس والتجويع وقد يصل الأمر إلى حد القتل أحياناً.
ومن مظاهر معاناة العاملات الأجنبيات استغلال الوسطاء وأصحاب المكاتب لهن سواء في بلدهن أو في البلد المضيف، حيث تضطر العاملة إلى دفع مبالغ طائلة لهولاء الوسطاء من أجل الحصول على عمل. كما تتعرض الكثيرات إلى الاعتداءات والتحرشات الجنسية سواء من قبل الوسطاء الذين يستغلون حاجتهن للعمل أو من قبل أصحاب العمل أنفسهم. وقد يجبر البعض منهن على ممارسة البغاء لحساب رب العمل أو الكفيل.
وتتعرض الكثير من السجينات في العالم لانتهاك حقوقهن. وتدل الإحصاءات إلى انخفاض معدل الجريمة لدى النساء مقارنة بالرجال. ورغم ذلك تعاني هذه الفئة في بعض البلدان من ازدحام السجن، مما يدفع ببعضهن إلى النوم في دورات المياه. أذكر مثالاً على ذلك ما ذكرته لي إحدى الصديقات المحاميات في دولة عربية فقيرة من أن السجينات في بلادها لا يحصلن على ملابس تقي أجسادهن من الحر أو البرد. وقد يصل الأمر بهن إلى استعمال الخيش المخصص لمسح الأرض كلباس داخلي وقت الضرورة الأمر الذي يعرضهن للكثير من الأمراض التناسلية. ومن الانتهاكات المتكررة التي تتعرض لها السجينات وضعهن في عنابر مختلطة، فنرى المتهمات بالسرقة إلى جانب المتهمات بالقتل والدعارة في زنزانة واحدة، كما توضع الفتيات الصغيرات جنباً إلى جنب مع أعتى المجرمات؛ مما يعرض سلامتهن الجسدية والنفسية للخطر، كما قد يتعلمن أساليب الإجرام المختلفة.
تذكر منظمة العفو الدولية إلى أن النساء يتعرضن للتعذيب وإساءة المعاملة أثناء التوقيف أو في فترة الاعتقال قبل المحاكمة، وتوضع بعضهن في سجون انفرادية ولا يسمح لهن بالخروج للتريض، هذا عدا العنف الذي يمارس على السجينات من ضرب واهانة وأحياناً كثيرة اعتداءات على أيدي الموظفين المكلفين بإنفاذ القانون، مما يتعارض مع حقوق الإنسان ومع القواعد الدولية لسلوك موظفي الشرطة التي أقرتها الأمم المتحدة والتي تنص على أن جميع الأشخاص الذين يمارسون صلاحيات الشرطة يجب أن يحترموا الكرامة الإنسانية ويحموها.
لقد أنشئت جمعية متخصصة للدفاع عن العمالة الوافدة بما في ذلك النساء، وأرى أن على الجمعيات النسائية والإتحاد النسائي تنسيق مواقفها مع تلك الجمعية ومع جمعيات حقوق الإنسان التي تعمل لحماية العمالة الوافدة، وأن تبني قضايا العاملات الوافدات من جهة العمل على وقف أي انتهاك لحقوقهن. وهذا يتطلب رسم استراتيجية وخطة طويلة الأمد تتضمن توعية جميع فئات المجتمع حول حقوق الإنسان وحقوق المرأة بشكل عام، وعدم التمييز بين النساء بسبب الجنسية أو الديانة أو العرق. ويكون من المفيد جمع المعلومات والقيام بالدراسات الميدانية لمعرفة وضعية هذه الفئة من العاملات وغيرها من النساء الأكثر عرضة لانتهاك حقوقهن. وهذا يستلزم تعاون الجهات الحكومية مع الجهات الأهلية وإتاحة المعلومات للجمعيات وعدم حجب الحقائق المتعلقة بهذا الموضوع عنها.