ـ( من الحضارة العيلامية الى عام 1925 )ــــ
لقد جاء في الجزء الأول حول تاريخ الاحواز السياسي لمحة قصيرة عن تاريخ هذا البلد العربي المحتل منذ 20 من ابريل عام 1925 الى يومنا هذا و الذي تفاجأ بصمت عربي لامثيل له في كل الادوار و الازمنة : ـــ
ذكرت بان اسست الحضارة العيلامية ومن ثم شكلت
حكومات عربية ممتددة الى مئات السنين على ارض الاحواز المحتلة منها حكومة المشعشعيين و الذي امتد حكمها الى 500 عام وسأوضح للقارىء العزيز تاريخ كل من الحكومات الاحوازية ما قبل الاحتلال في الاحواز...ولاشك أن عنصر التاريخ من احد أهم عناصر إثبات حق الادعاء و كما هو معلوم فأن التاريخ هو ما يسجله الزمن من أحداث على ظهر الواقع, ولما كان لكل شعب من شعوب العالم تاريخ يسجل تطوره وإنجازاته الحضارية والثقافية التي تثبت وجوده وتعطيه حق السيادة على نفسه وأرضه التي هي الرحم الذي حمله و الموضع الذي عاش فيه وبناء عليه حضارته, فأن شعبنا العربي الأحوازي يمتلك تاريخا عريقا يثبت وبالدليل القاطع أن هذا الشعب ذو أرضا وحضارة وثقافة مستقلة تماما عن كل ما يمت للدولة الفارسية بصلة وهذا ما أكدته وتؤكده الوقائع التاريخية والجغرافية والاجتماعية الثابتة.
أن الأحواز من الناحية الجغرافية هي تلك المنطقة الواقعة في الجنوب الشرقي من الدولة العراقية والجنوب الغربي من الدولة الإيرانية وتقع على خط العرض( 57/29) الى( 00/33 ) درجة شمالا وعلى خط الطول( 48/ 51 ) شرقا وبالجنوب منها يقع الخليج العربي وتشكل سلسلة جبال زغاروس الممتدة من بحيرة أرومية شمالا إلى ميناء بندر عباس جنوبا الحد الجغرافي الطبيعي الفاصل بينها وبين الهضبة الإيرانية أو ما يعرف ببلاد فارس, حيث لعب هذا الفاصل الجغرافي دورا مهما في تباين لغات وثقافات وحضارات الأمم والشعوب التي عاشت شرقه وغربه وقد بقيت هذه الأمم تعيش هذا التباين في ما بينها طبقا لاختلاف بيئتها الجغرافية التي اتسمت بالجبال والمرتفعات لدى الفرس الآريين والسهول والصحاري لدى العرب الساميين, ومما لاشك فيه أن لاختلاف البيئة الجغرافية دورا مؤثرا في طبيعة سكانها من جميع النواحي الاجتماعية وهذا ما نجده واضح أمامنا على ارض الأحواز حيث تختلف الحضارة والثقافة والعادات والتقاليد بين الأحوازيين العرب والإيرانيين الفرس الوافدين من خلف الجبال إلى ارض الأحواز هذه المنطقة التي عرفت تاريخيا بعيلام الدولة السامية التي أسست أول حضارة على ارض الأحواز قبل أن تطأها هجمات الغزاة الآريين من اخمينيين وفرثيين وساسانيين الذين جعلوا من الأحواز منطلقان لغزو حضارات بلاد الرافدين, وبلاد الشام ومصر, واليمن وغيرها.
وهنا سوف نضع هذه المقدمة التاريخية بين أيديكم ليتم الفرز بين الحق التاريخي الذي يثبت شرعية مطالب شعبنا وبين الواقع سياسي الذي فرضته مصالح الدول الاستعمارية في مطلع القرن الماضي وهو واقعا فرض على شعبنا العربي الأحوازي نتيجة اختلاف موازيين القوى انذاك, ولهذا فأن الادعاء بملكية أي منطقة جغـرافية لا يجوز أن يستند على فترات مـن الاحتلالات العـسكرية والاحتـواء السياسي لها, وإنما يجب تتبع أصول المجتمع الـذي عاش فيهــا, وعـناصر الحضارة والصلات الحضارية التي أوجدها وتعامـل بهـا وهـذا ما يمكننا تأكيده بالنسبة لمنطقة الأحواز لتوفر الأدلة العلمية والتاريخية التي تدحض الادعاء الفارسي وتدين اغتصابه لها, فالأحواز منطقـة عربية قديما وحاضرا وقد مـرت في ذات المراحل التاريخية التي مر بها العـراق و الجزيرة العربية وقد ساهمت مساهمة فعالة في حضارة عموم المنطقة المتميزة عـن سائر المناطق الحضاريـة الأخرى بتقدمها وفعاليته وبتأثيرها المباشر وغـير المباشر على ســير التطور البشري, ويطلعنا تاريخ المنطقة الموغـل في القدم أن أصل تسمية العيلاميين حسب الروايات المتعددة أنهـم ينتسبون إلى ابن لسام بن نوح يدعى عيلام وروايـة أخرى تـقـول إن السوريين أطلقوا عليهم اسم"ايلامنو" وتعـني الأقوام الشرقية.. ولكن كل الروايات تــؤكد إن العيلاميين هم أقوام سامية جزرية الأصل والمنشأ وقد اتخذ العيلاميين من مدينة السوس(الشوش حاليا) عاصمة لهم و كثيرا ما سميت بلاد عيلام ب(سوسيانا) وتكاد حضارة العيلاميين تختلط بالحضارات الأكدية والسومرية والكلـدانية والآشورية والبابلية ولاشك في ذلك لان الترابط وثيق بين كل هذه الحضارات لأنها تقع في بقعة جغـرافية واحدة تفصلها عن الحضارات و السلالات الأخرى موانع طبيعية كالجبال والبحار, والحضارة العيلامية التي نشأت في سوسيانا تخضع فـي قوانينها وأنظمتها إلى ذات القوانين البابلية والآشورية وغيرها من الحضارات العراقية وتحمل ذات المسميات أيضا وليس بأدل على ذلك وجود التسميات المماثلة أو المشابة للمدن في عيلام وبلاد الرافدين ومثال على ذلك نجد أن العيلاميين أطلقوا اسم أبو شهر على احد مدنهم الساحلية في الوقت الذي كان السومريين يطلق اسم أبو شهرين على احد مدنهم أيضا وهناك مدن عديدة أخرى تماثلت أسمائها مثل الصويرة و صيمره وهناك أمثلة عديدة أخرى, إضافة إلى ذلك إن التنقيبات التي جرت في مدينة السوس إضافة إلى اكتشفاها لمسلة حمورابي فإنها عثرت أيضا على الكثير من الآثار الآشورية وغيرها من أثار الحضارات العراقية القديمة كما أن الثقافات التي عمت عيلام هي ذات الثقافات التي اختصت بها أقوام حضارات وادي الرافدين, سوأ من حيث الكتابة المسمارية والتفاهم باللغة المتشابهة إلى حد بعيد أو العادات والتقاليد المتماثلة, كما أن أقدم سلالة عيلامية وهي سلالة كانت خاضعة لسلالة لكش العراقية وقد خضعت المنطقة لسيطرة سلالات وأقوام وادي الرافدين لمدد طويلة من الزمن فحكمها الاكد يون من عام 3500 ق.م الى2100 ق. م, والبابليون من عام 2094 ق.م الى800 ق.م والآشوريون من عـام 800 ق.م إلى 612 ق.م والكلدانيون والميديون من عام 600 ق. م إلى عام 550.ق.م ثـم خضعت المنطقة لسيطرة الأقوام الفارسيــة التي غزت المنطقة فحكمها (الاخمينيـون) من عــام 550 ق. م إلى 336 ق.م. الذين دامت سيطرتهم قرابة 214سنة حتى جاء الاسكندر المقدوني فطردهم إلى خلف الجبال وفي عهد سميت المنطقة بالاحواز ثم تلاه السلوقيون فحكموها من عام 312 ق. م. إلى 135 ق.م. ثم عادوا الفرس مرة أخرى وسيطر عليها الفرثيون من 135 ق. م إلى عام 226 ميلادية ثم سيطرت عليها سلالة أخرى وهي الساسانية (226م- 637 م) حكمتها قرابة 411 عام والملاحظ أن الإمبراطورية الفارسية لم تستطع إخضاع الأحواز إخضاعا تاما بسبب الثورات المستمرة فيه الأمر الذي كان يفرض عليها توجيه حملات عسكرية لمواجهة هذه الثورات حتى اقتنعت المملكة الساسانية بصعوبة حكم العرب بالمطلق كما إنها عجزت عن فرض الديانة الزرادشتية في المنطقة لذلك سمحت لهم بإنشاء امارات تتمتع باستقلال ذاتي.. وانتهت السيطرة الفارسية بعودة الوجه العربي للمنطقة بعـد معركتي الفتح الإسلامي فـي القادسيـة والمدائن وذلك في عام 17 هـ, وابتـــداء بعام 38 هـ صارت المنطقة ساحة لحـرب الخـوارج وأصبحت تابعة لولاية البصرة أيام حكم الأمويين وصارت المنطقة في عهد العباسيين (132 هـ - 156 هـ) ولايـة مستقلة عين عليها ولاة من العرب وفي بادي الأمر عانت مــن حالة عدم الاستقرار في مناحي الحياة السياسية والاقتصادية إلا إنها سرعــان ما أصبحت بفضل اهتمام الخلفاء العباسيين بمنطقة جنوب العراق والخليج العربي احد المراكز الهامة في تجارة العباسيين, واهم المصادر التي تمول الخزينة وتلبي حاجات البلاط العباسي. بيد أن ضعف الدولة العباسية أدى إلى بروز الخلافات بين صفوفها وشق الولاة عصا الطاعـة عليها ومن هنا فقد كثرت الاضطرابات والفتن وعانت الأحواز الكثير من ويلات الحروب الداخلية وصارت تتأرجح بين الاستقلال تارة وبين التبعية الأجنبية تارة وبين الخلاف فــي ضمها كولاية تارة أخرى حتى عام (613 هـ - 1258م) حيث سقوط الدولة العباسية على يد المغول.
وكان في أواخر زمن الدولة العباسية نشأت عدة امارات عربية في الأحواز كانت أقوها إمارة بني أسد وقبيلة بني أسد العربية كانت في المنطقة منذ القدم (ولازالت) تستوطن الحويزة التي حازها دبيس بن عفيف الاسدي أيام الطالع بالله العباسي وقد أ سس بنوأسد إمارة مستقـلـة اتخذت مدينة الاحوازعاصمة لها, وكانت الإمارة ذات نفوذ واسع ونتيجة لهذا النفوذ الواسع كان قد حدث اختلاف بين البويهيين والإمارة الاسدية تطور الخلاف إلى حروب دامية (1012 م - 405هـ) أدت إلى ضعف قبضة الإمارة الاسدية على المنطقة مما هيأ الساحة إلى قيام إمارات عربية أخرى في المنطقة منها إمارة بني عامر, وآل كثير, و خفاجـة' بعد ذلك دانت المنطقة لحكم المغول لغاية عام 844هـ حيث قيام الدولة المشعشعية.
ــــ دولة المشعشعين العربية من عام 844هـ – 1446م ــــ
تأسست الدولة المشعشعية في الأحواز على يد شخصية عربية تعود في نسلها إلى الإمام علي بن أبي طالب ويـدعى محمد بن فلاح المشعشعي حيث تمكن بمساعـدة بعض قبائل المنطقة من تأسيس إمارة عربية في الحويزة سرعان ما تحولت إلى الدولة المشعشعية واتسعت هذه الدولة وأصبحت أقوى دولة في المنطقة وشمل نفوذها في فترات قوتها مناطــق واسعة وحكمت علي رقعة كبيرة شملت في جنوب وغرب ايران وجنوب شرق العراق وشمال شبه الجزيرة العربية وضربت النقود باسم المشعشعيين عام(914هـ –1516م) و هذا بالطبع أكبر دليل على استقلا ل الدولة المشعشعية مع وجـود قوتين كبيرتين هما الدولة الصفوية والدولة العثمانية وحافظ المشعشعيون على استقلالهم وسيادتهم الكاملة نحو سبعون عاما, منذ ظهور محمد بن فلاح في عام 840 ق وحتى سقوط الدولة المشعشعية علي يد الشاه إسماعيل الصفوي عام 914 ق حيث سميت الأحواز بعد ذلك - بعربستان ــ تحكمها الأسرة المشعشعية في إطار الاستقلال الداخلي تحت سلطة الحكم الصفوي, وفي عام 1103هـ ــ 1690 م قامت إمارة لقبيلة كعب البوناصر إلى جوار إمارة المشعشعين, حكمت مناطق واسعة من الأحواز حكما مستقلا عن كل من الدولتين الفارسية والعثمانية, وكان مركز هذه الإمارة مدينة الفلاحية بالقرب من مدينة الدورق التاريخية وقد دخلت هذه الإمارة في حروب عديدة مع الفرس والأتراك والبريطانيين دفاعا عن سيادتها واستقلالها وقد تمكن فرع من هذه الأسرة ويدعى كعب البوكاسب أن يؤسس له إمارة في مدينة المحمرة وتمكن آخر أمرائها الشيخ خزعل من إخضاع كامل الأحواز تحت سلطته بعد إسقاط إمارة المشعشعين التي استمرت قرابة خمسة قرون متوالية قضتها بين استقلال كامل واستقلال ذاتي.
ـــ( إمارة كعب البوكاسب )ـــــ
وهم عائلة من العوائل التي حكمت إمارة كعب السابقة ولكن في عام (1248 هـ 1832م) استغل جابر بن مردوا ألكعبي ضعف أمراء كعـب آلبو ناصر بجانب دعم الفـرس له فمال أليهم حتى اطمأن إلية حكام فارس فأعانوه في تشكيل أمارته في المحمرة على إن يكون لهم عونا في هذه المنطقة التي طالما راودهم حلم السيطرة الكلية عليها فأصدر الملــك القاجاري ناصر الــدين شاه عام (1272 هـ –1857م) مرسوما يعترف بالأستقلا ل الذاتـــي للإمارة تحت حكم آل مرداو وكان المرسوم الشاهنشاهي ينص على مايلي :
ـ( مرسوم شاهنشاهي )ـ مؤرخ في عام 1857 م : ـــــ
1- تكون إمارة عر بستان إلى الحاج جابر بن مرداو ولأبنائه من بعده.
2- تبقى الجمارك تحت سيطرة الدولة الفارسية ويديرها أميرعر بستان.
3- يقيم في المحمرة مندوب الحكومة الفارسية ليمثلها لدى أمير عر بستان وتنحصر مهمته بالأمور لتجارية.
4- يكون علم الإمارة نفس علم الدولة الفارسية.
5- تكون النقود المتداولة في الإقليم نفس النقود الفارسية.
6- - شؤون عربستان الخارجية منوط بوزارة الخارجية الفارسية.
7- - يتعهد أمير عربستان بنجدة الدولة الفارسية في حال اشتباكها في حرب مع أي دولة أخرى.
وقد جاء هذا القرار الفارسي عقب اتفاقية ارض روم الثانية التي عقدت في 31/5/1848م بين الدولتين القاجارية و العثمانية والتي تم بموجبها ضم مدينة المحمرة مركز إمارة عربستان – الأحواز- والعديد من المناطق الأحوازية الأخرى إلى سلطة الدولة القاجارية التي لم تتمكن من فرض أي سلطة حقيقية لها على الأحواز وكان اعترافها الرسمي بالاستقلال الداخلي للإمارة حدث فريد من نوعه في ما يتعلق بتعامل الدولة القاجاري مع أقاليم ومناطق القوميات الإيرانية المتعددة التي كانت تدار بإشراف مباشر من قبل الحكومة المركزية وهذا دليل أخر على أن الأحواز منطقة لها خصوصيتها الجغرافية والقومية والتاريخية التي تميزها عن جميع مناطق الشعوب والقوميات الأخرى التي تعيش تحت النفوذ المباشر للدولة الإيرانية وهذا التمايز قد أكده العديد من الرحالة والمؤرخين الذين زارو المنطقة ودرسوا أوضاعها, وقد استمرت إمارة المحمرة تمارس سيادتها عـلى أرضها وشعبها مـا يقارب المئة عام (1832-1925) لم يكن للدولة الإيرانية أي سلطة حقيقية عليها وما الاتفاقيات التي عقدها أمراء (عربستان ) الأحواز مع الدول الأجنبية إلا دليل على استقلاليتهم, ونذكر من هذه الاتفاقيات أولا:اتفاقية الملاحة في نهر كارون سنة1888م بين أمير الأحواز من طرف والدولتين القاجارية والبريطانية من طرف آخر, ثانيا: اتفاقية إنشاء وكالة القنصلية البريطانية في المحمرة مركز الإمارة وفي مدينة الأحواز, ثالثا: اتفاقية مايو أيار سنة 1909م التي تم إبرامها بين الدولة البريطانية والأمير خزعل والتي تقرر بموجبها إنشاء معمل تكرير النفط في مدينة عبادان وهناك الكثير من الاتفاقيات التي تم عقدها بين أمراء الأحواز - عربستان - ودول أجنبية أخرى بعيدا عن تدخل الدولة الفارسية من بينها اتفاقية شط العرب بين بريطانيا وأمير الأحواز من جهة والدولة العثمانية من جهة أخرى وذلك في تموز سنة 1913م وهذا ما يؤكد كما أسلفنا على الاستقلال والسيادة التي كانت تحضى به أمارة الأحواز أو ما كان يطلق عليها بأمارة عربستان قبل اجتياح الدولة القاجارية لها عام 1924م وإنهاء الحكم العربي فيها على يد رئيس الوزراء ووزير الدفاع انذاك الجنرال رضا بهلوي في نيسان عام 1925م.
ومن هنا فان اغتصاب الأحواز وضمها للدولة الفارسية لا يستند لأي مشروعية تاريخية أو قانون دولي وإنما هو أمر قائم على منطق حق القوة الناتج عن احتلال عسكري, وكما هو معلوم فأن الاحتلال مهما طال أمده لا يلغي ملكية الشعب لأرضه ولا يسقط حقه في المطالبة بإعادة سيادته المغتصبة, خصوصا وأن القوانين الدولية قد أقرت لشعوب المغتصبة بمبدأ حق تقرير مصيرها بنفسها كما أقرت لها بشرعية كافة الوسائل التي تنتهج في سبيل تحقيق هذه الغاية, ولهذا فأن نضال شعبنا العربي الأحوازي من اجل طرد الاغتصاب الفارسي يرتكز على عدالة و شرعية كاملة مدعومة بحقائق جغرافية وتاريخية واجتماعية ووقائع وأحداث سياسية تمثل الكثير منها بالسيادة والاستقلال الذي حضي به شعبنا عبر مراحل متعددة من تاريخه الطويل.
ـــ( الإمارات العربية في ساحل الأحواز )ــــ
لقد مرت الجهات الجنوبية الساحلية من الأحواز بنفس المراحل التي مرت بها الأقسام الشمالية بيد أن هذه المنطقة كانت أكثر استقرارا من الأخرى, فكانت تنزح إليها بعض البيوتات والقبائل العربية من الشمال وتقطنها, كما أن بعض القبائـل العربية نزحت إلى بلاد فارس وسكنتها وذلك نتيجة للحروب و التطاحنات العشائـرية وقد أنشأت القبائل العربية على الساحل حضارات مكملة لحضارات الشمال.
أن التاريخ الواضح لتأسيس الأمـارات العربية في المنطقة الجنوبية الساحلية يعود إلى بدايـة القرن السادس عشر الميلادي, أي إبان أول استعمار أوروبي لمنطقة الخليج العـربي, حيث تآزرت كثير من العشائـر لتّكون إمارات ساهمت مساهمة فعالـة في صد الهجـوم الأجنبي على المنطقة, أما اشهر هذه الأمارات وأهمها في الساحل:
ــــ( إمـارة القواسم )ــــــ
القواسم من القبائل العربية التي فرضت سيطرتها على جانبي الخليج ردحا مـن الزمن, وأرهبت أساطيل الدول الأوروبية الغازية, ولإمارة القواسم مـواقـف خالدة في الدفاع عن الأرض العربية بوجه البرتغاليين والإنجليز, كما صدوا كثير من هجمات الفرس في محاولتهم للسيطرة على المنطقة العربية وقد تعاون أسطول القواسم في منتصف القرن الثامن عشر الميـلادي مع أسطول أمارة كعب آلبو ناصر, كما أن الإنجليز تحالفوا مع العثمانيــين في محاولة لدحر القوا سم ولكــن دون جدوى, وتعتبر ( ميناء لنجة) مركزا لأمارتهم¸وقد امتد نفوذهــم ليشمل غالبية الجزر الواقعة بيــــن الساحلين وخاصة جزيـرة (قاسم) التي سميت باسمهم وتعتبر اكبر جزيـرة في الخليج العربي, ويعتبر الأمير خليفة ألقاسمي من اشهر أمراء القوا سم ولكن قوات الغزو الفارسي بقيادة (ميرزا احمد خان) تمكنت في عهد الأمير محمد بن خليفة ألقاسمي من السيطرة بالقوة على إمارة القواسم, ونكلت بأبناء المنطقة العـرب, فلاذ الكثيـر منهـم بإخوانهم وأبناء عمومتهم العرب في الساحـل الغربي .
ــــ( إمارة الــنـــصور )ـــــ
وهم من العرب الاقحاح, وقد تحالفوا مـع بنو تميـم, وبنو مالك و آلحرم, ليشكلوا إمارة عربية قويـة تواجه هــجمات الغـزو الأجنبي للأراضي العربية, وتعتبر مدنية القابندية مركز الإمارة, وفي عهد الأمير مذكور جبارة النصوري الذي عاصر العهد القاجاري, كانت الأمارة قـد فــرضت سيطـرتها عـلى مساحات واسعة من الخليج, وبلغـت أوج عظمتها كأمارة عربية قوية واسعة, ومن الجدير بالذكر أن إمارة النصور وحلفائها لم تعدو ألان كيانا قبليا عـربيا يشترك فـي العـادات والتقاليـد و المناسبات وذلك بعد إن سيطرة القوات الإنجليزية الغازيـة لتحتل ساحل الأحواز الجنوبي مثل مـا احتلت عموم الشمال وسلمتها لفارس لقاء ضمانة مصالحها في عموم (إيران).
ــــ( إمارة آل علي )ـــــ
وقـد لعبت هذه الأمارة دورا كبيرا في تاريخ المنطقة, ففي عام 1820 م شاركت في غارة على السفن و الأساطيل البحريـة الأوروبية في الخليج العربي مما أدى إلى تشكيل قوة بحريـة موحدة مـن البريطانيين والهنود والعثمانيين لمهاجمة مقر الأمارة, ولكن جيش الأمارة العـــربية تمكن مـن دحر القوات المتحالفة وانتصر عليها, وتعــتبر جزيــرة (قـيس) ذات التاريــخ العربي العريـق والمجاورة لها, ونخل الأمير, والرستمي, وأبو عسكر, وديـوان العـــرب من أهم مراكز هذه الأمارة, ومن الشخصيات الهامة فــي تاريخ هـذه الأمارة هـو الأمير محمد بن حسن المتوفى عــام (1311 هـ-1893م) وكان شجاعا وزعيما قويا للأ مارة وقـد تحالف مع آل على, آل بشر الذيـن يسكنون (الطاحونة) ومن اشهـر رجالاتهم الشيخ محمد بن رحمة البشري. وقد انتهت هذه الإمارة وذلك بعـد إن جهزت بـريطانيا عام 1821م حملة قوية من بومباي وهــجمت مــع حلفائها على مقر الأمارة وقــد دافع مقاتلو الإمارة دفاعا مستميتا عن إمارتهم ولكن دون جدوى ونقل كثيرمن رجالات آل علي وحلفائهم إلى بومباي أسرى وسلمت بريطانيا هذه الأماكن لفارس .
ــــ( إمارة المراز يق )ــــ
والمراز يق من القبائـل العربية الكبيرة المنتشرة على ضفتي الخليج ومركز أمارتهم في مرفـأ الحسينية وكذلك في مسلـّم" ومـن رجالات الأمـارة القدماء الأقوياء الأمير احمد بن راشد المرزوقي و أخوه الأمير عبدالله, وقد حكما الأمارة سوية عـام 1887 م. وقد ساهمت هذه الأمارة في الدفاع عـن الأراضي العربية ضد الغزو الأجنبي, بيد أنها لاقت ذات المصير الذي لاقته إمارات الساحل الأحوازي الأخرى.
ـــــ( إمارة بنو حماد )ــــ
وهم بطن من قبيلة لواتيه العربية و متواجدين على طرفي ساحل الخليج, أسسوا إمارتهم بشكل قوي على يد الأمير عبد الله بن محمد الحما دي عام 1863م, واهم مراكز هذه الإمارة العربية النخيلة والمكاحيل و القلعة وهي من المناطق التاريخية وقد ساهمت هذه الإمارة في صد هجمات الغزاة الأجانب, كما كانت بينها وبين آل علي حروبا وتطاحنات عديدة.
ــــ( إمارة العبادلة )ــــــ
ومركز إمارتهم بين الجبلين والعرمكي والرميلة ومن اشهر رجالات الإمارة, الأمير عبد الله بن محمد العبدلي وكان رجلا أديبا شاعرا فاضلا لدى كل القبائل العربية, ويتبع إمارة العبادلة آل ملا سعيد وآل رميزان وآل بوناصر, بيد أنه بين العبادلة وبنوحماد ضغائن وحروب وتطاحنات عشائرية, كما حدثت حروب بين إمارة العبادلة وبين حاكم شيراز الفارسي المدعو ( قوام الملك) وذلك في عام (1338هـ - 1919م ) وقد مارس النظام البهلوي شتى ضروب الاضطهاد لحمل أبنائها على الهجرة إلى الساحل الغربي من الخليج العربي. وبجانب الإمارات السالفة الذكر كانت هناك على الساحل مشايخ عديدة لبني كعب والسودان وبني لام كما هو الحال في الشمال حيث مشايخ بنو طرف وآل كثير والعديد من القبائل العربية الأخرى, ومن أهم الأسباب التي أدت إلى سقوط الجانب الساحلي من الأحواز هو تعدد الإمارات و التطاحنات فيما بينها الأمر الذي أدى إلى ضعفها وتقهقرها أمام قوات الغزو الأوروبي حيث تمكنت هذه القوات من السيطرة على الإمارات واحدة بعد الأخرى وقد خضعت للسيطرة الإنجليزية فترة من الزمن إلى إن ساومت عليها بريطانيا وسلمتها لقمة سائغة لفارس لقاء بعض الامتيازات البترولية, ولكن في فترة متأخرة عنها في الشمال.
ــــــــ( الغزو الأوروبي )ـــــــ
بدأ الغزو الأوروبي بصورة فعلية عام 1507م, حين تمكن الأسطول البرتغالي بقيادة الفونسو البوكيورك من تثبيت كيانه في مداخل الخليج العربي وقد تنافس الأوروبيون فيما بينهم على نهب خيرات المنطقة والاستيلاء على مواقعها الاستراتيجية ولعبت إمارات ساحل الأحواز الجنوبي إلى جانب إمارة كعب آل بوناصر في الساحل الشمالي دورا بارزا في صد هجمات الغزاة الأوروبيين لفترة طويلة من الزمن, كما لعبت شركة الهند الشرقية (البريطانية ) والأسطول الحربي البريطاني دورا خطيرا في التنافس والسيطرة على المنطقة وقد مهد الإنجليز لفارس لتدخل في الخليج العربي في عام 1602م, ولتحارب إلى جانبهم ضد البرتغاليين الذين تم دحرهم – بعد ذلك – نهائيا من منطقة الخليج العربي عام 1622م كما تمكن الهولنديون والفرنسيون من دخول الميدان ليزاحموا بقية الأوروبيين الآخرين, وقد حاول البريطانيون تنسيق الأمور مع الغزاة الجدد عام 1756م, ولكن لم يمض على ذلك عامان (أي في عام 1758م) حتى تمكن الفرنسيون من دحر البريطانيون في ميناء (بندر عباس).وفي عام 1763م اتفق البريطانيون مع حاكم أبو شهر العربي سعدون بن ناصر آل مذكور واتخذوا من أبو شهر مركزا لهم ومقرا للمقـيم السياسي البريطاني في منطقة الخليج العربي ممثلا عن الحاكم البريطاني في بومباي الهند, وتمكن البريطانيون من الإستيلا ء على ساحلي الخليج العربي, وفي عام 1904م تم الاتفاق نهائيا بين فرنسا وبريطانيا على أهم القضايا الخاصة باقتسام المنطقة وهكذا شهدت نهاية القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين ذروة الانتصارات لصالح الاستعمار البريطاني في منطقة الأحواز والخليج العربي خاصة, وقد قام الإنجليز بعد استيلائهم على الأحواز بمساومة فارس عليها لقاء ضمان مصالحهم واستثماراتهم النفطية.
ـــــــ( الاحتلال العسكري الفارسي الغاشم )ـــــ
بعد التكالب بين الدول الاستعمارية على خيرات المنطقة ومواقعها الاستراتيجية ولكونها بجانب ذلك موردا للمواد الغذائية وأسواقا رائجة للصناعة الأوروبية صارت الأمور في صالح الاستعمار البريطاني, خاصة مع تدفق النفط في المنطقة, ولهذا سعت البريطاني من أجل الاستحواذ على هذه الإمارة بشكل فعال أن تقيم تحالفا بينها وبين الشيخ خزعل الأمر الذي جعلها تتعهد للشيخ خزعل بحماية حكمه من أي اعتداء أجنبي, ولكن في نهاية الأمر تنحت بريطانيا جانبا و مهدت الطريق أمام رضا خان بهلوي للاحتيال على الأمير خزعل للتمكن من أسره واحتلال المنطقة عسكريا في ليلة 19 على من20نيسان 1925 م وكانت هذه هي بداية الهيمنة الإيرانية على الأحواز, ولكن الشعب العربي الأحوازي واجه سلطات الاغتصاب الفارسي بثورات وانتفاضات عديدة للتحرر من هذه الهيمنة , وبعد عام 1958م قامت هناك تنظيمات اتخذت لها مسميات متنوعة ولكنها عجزت عن التقدم بخطوات ثابتة إلى الإمام فهوت نتيجة لكثرة الأخطاء وانعدام الانضباط وشدت القمع التي تمارسه قوات الاغتصاب الفارسي إضافة إلى غياب الدعم اللازم من الجهات العربية والدولية, وتشكلت في الخارج تنظيمات سعت إلى عرض القضية الأحوازية وشرح معانات الشعب العربي الأحوازي للرأي العام العربي والعالمي وقد أحرزت القضية شيئاْ من التقدم في الخارج خاصة أن هذه الحركات أجرت اتصالات عديدة مع القوى العربية القومية لشرح إبعاد القضية ولكنها هي الأخرى عجزت عن الاستمرار نتيجة للضغوط الكثيرة التي تعرضت لها جراء التحولات السياسية التي شهدتها المنطقة العربية وإيران عامة, ورغم كل هذه العوامل إلا إن الساحة الأحوازية لم تخلو يوما من وجود حركة نضالية إلا ان هذه الحركات بقيت تتعرض لنفس العوامل التي تعرضت لها سابقاتها وهكذا بقي الشعب العربي الأحوازي يعاني من سياسية الاضطهاد والتمييز العنصري الذي تمارسه ضده سلطات الاغتصاب الفارسي محروم من ابسط حقوقه الإنسانية والقومية.
ـــــ( المصادر)ــــــــــــ :
1- الأحواز– علي نعمة الحلو.
2- حقيقة في الوضع في عربستان – عبدالله السلمي.
3- الخليج العربي - نشرة تصدرها وزارة الإعلام العراقية.
4- إمارة المشعشعيين – جاسم حسن شبر.
5- إمارة بني أسد – الاسدي.
6- التاريخ السياسي لإمارة عربستان العربية – د. مصطفى عبد القادر النجار.
7- مجلة كلية الآداب جامعة البصرة –ص35 رضا الهاشمي.
8- من وثائق خاصة بوزارة الدفاع الإيرانية.
9- كتاب صهوة اعداد ابووسام الاحوازي .