العقدة النفسية وطبيعتها :
1ـ معنى العقدة وخصائصها :
العقدة Complex في التحليل هي مجموعة من التصورات والأفكار ذات قيمة وجدانية انفعالية قوية لا شعورية جزئيا أو كليا 0 وتتكون من خلال النمو الطفلية والعلاقة بالموضوع Object Relation ، ويرى فرويد أن كلمة عقدة ، هي كلمة سهلة الاستعمال ولا يمكن الاستغناء عنها لتجميع بعض الحقائق النفسية في إطار وصفي 0 وبالرغم من أن البعض ينسب هذا المصطلح ليونغ ومدرسة زوريخ ، إلا أن فرويد استخدمه في مراحل سابقة لتعرفه على يونغ ، ولكن يونغ قدم أساسا تجريبيا استحسنه فرويد ، وأشار إلى أن من المألوف إطلاق كلمة ( عقدة ) على هذا المحتوى من التصورات القادرة على التأثير بالنسبة للاستجابة التي تمثل مثيرا في التداعي 0
• تعريف العقدة :
هي لا شعورية جزئيا أو كليا وتتكون من مجموعة مركبة من الأفكار والذكريات المشحونة انفعاليا بشدة ، نتيجة لوضع أو موقف معين 0
والعقدة هي رد فعل انفعالي سلوكي مشحون انفعاليا نحو موقف معين 0 وللسلوك العقدي ميزتان أساسيتان وهما :
1ـ إنه سلوك مفرط يتجاوز الحد ، أي أنه سلوك مغال يثيره في البداية شيء تافه جدا ، فمن كان مصابا بعقدة الاستبعاد ، يقول الشخص لنفسه : أنا مستبعد ، سيستجيب استجابة شديدة وبصورة انفعالية قوية لاستبعاد الغير استبعادا عنيفا ، لمجرد كون الأسلوب الذي واجهه لا يتصف بالسرور والتقبل الإيجابي الذي كان يتوقعه 0 ومثله يقال عند الشخص المصاب بعقدة الإخفاق ، فأي خطأ أو فشل صغير يعتبرها كارثية 0
2ـ إنه سلوك قوالب جامدة ، رتيب متكرر ، ولو أن محتوى ردود الفعل يتغير حسب الظروف 0 فالشاغل الرئيسي لمن لديه عقدة التفوق أن يكون متفوقا 0
• أنواع العقد النفسية :
للعقد النفسية أنواع وهي :
1ـ العقد النفسية السوية :
ويكون ظهور هذا النوع من العقد على شكل ظاهر خلال الحياة اليومية ، ومثاله عن العقد الذكرية : الرجل يهتم بالسلطة والجاه والكسب المادي 0 والعقد الأنثوية : اهتمام المرأة بالجمال ، والأمومة ، والأسرة 0
2ـ العقد النفسية العرضية :
وتبدو على شكل اهتمامات ، وغالبا ما تكون أسرارا مكبوتة ومكروهة من قبل الشخص نفسه وكثيرا ما تبدو من خلال العصبية 0
3ـ العقد النفسية الدائمة المرضية : وتظهر عند المصابين بالاضطرابات النفسية ، وخاصة العصابية منها 0 فالمصاب بالهستيريا عنده عقدة نفسية دائما تجاه الموقف الضاغط والخبرة الأخيرة الانفعالية التي حدثت بعدها أعراضه المرضية مباشرة 0 وتظهر العقدة عند المصابين بجنون العظمة والاضطهاد ( البارانويا ) 0
• كيف تتكون العقدة النفسية ؟ :
إن ما يمر به الفرد من أحداث ماضية وخبرات خلال حياته ، وخصوصا المبكرة منها تلعب دورا رئيسيا في نشوء العقد النفسية 0
أولا ـ التجارب البارزة :
وهي تحسس الفرد لنوع معين من الأحداث المثيرة التي يمر بها والانفعالات المرافقة وأشكال السلوك ، وكيفية إدراك الشخص للموقف أو الحدث مع ما يرافقه من تفسيرات وتصورات حيث تتجمع كلها وتثبت وتقترن بالوضع أو الموقف 0 وتتشكل العقدة من خلال هذه التجارب عبر مراحل متفاوتة ومتدرجة ، تبدأ من الإشراط البسيط مرورا بتموين المزاج والطبع حتى التجارب البارزة في مراحل النمو اللاحقة لتصل إلى الاضطرابات 0
• أهم التجارب البارزة التي تولد العقد النفسية ما يلي :
1ـ الصدمات النفسية : وخصوصا الانفصالية ( انفصال الطفل عن أهله ، حرمانه ) ، وهناك الصدمات المرتبطة بالضغوط النفسية مثل : وفاة قريب ، خسارة ، وصدمة الاغتصاب عند المراهقات 0
2ـ المناخات النفسية : وخصوصا التي تسبب الاضطرابات مثل : معاناة الغيرة الخفية بين الأخوة والأخوات ، وعدم القدرة على التعبير عن النفس ، والتدليل الزائد للطفل 0 هذه التجارب البارزة تصبح مركز قوة وتولد المفهوم المزيف عند الفرد بحيث يدور حوله مجموعة كاملة من السلوكيات والانفعالات والعلاقات 0
ثانيا ـ الفترات الحساسة :
وهي كثيرة في حياة الفرد ، ومنها الفترة المتعلقة بتدريبه على الإخراج والنظافة والتي تقع بين الشهرين ( 16ــ 18 ) ، والفترة الحساسة لعلاقة الطفل بالأم وشعوره بغيابها 0 والفروق التشريحية بين الجنسين التي تقع حوالي الرابعة من عمر الطفل حيث يكون للأثمية المرتبطة بها أقصى مفعولها في هذه الفترة 0 والفترة الحساسة لعواطف الدونية في سن السادسة تقريبا ، وهو عمر يدرك الطفل نفسه فيه على أنه ( صغير ) ويعاني من الضعف ، ثم شعوره بتفاوته عن الآخرين ، أي شعوره بأنه ليس كالآخرين 0
ويضاف إلى ذلك الآليات الدفاعية ( التي شرحتها في الفصل السابق ) ، حيث تتبع نظاما زمنيا من حيث النضج وإمكانية عملها وظيفيا 0 إن هذه العناصر والخبرات والأساليب الدفاعية توضح لنا كيف تتكون العقد 0
• الوسائل الدفاعية التي تعمل في تكوين العقد :
1ـ التعويض : عندما يكون عند الشخص ضعف نفسي أو جسمي فإنه يحاول التعويض عنه 0
2ـ التعويض المفرط : وهو يظهر بشكل عكسي للنقص الموجود عند الشخص 0 ومثاله : الذي يسير ليلا بخطى واثقة وهو يصفر ، في حين أنه في الواقع خائف جدا 0 وكذلك التكبر وادعاء المرء بمزايا لا يملكها ، في هو يرغب في أن ينقذ نفسه 0
3ـ التصعيد : حيث تنقل العقدة من مجال غير مقبول إلى آخر مقبول 0 مثل : تصعيد عقدة التخريب ، إلى اختصاص المتفجرات ، وصناعة الألغام ، وصناعة الأدوات الحربية 0 وكذلك تصعيد العقدة الجنسية إلى شعر غزلي 0
4ـ التبرير : حيث ينفي الشخص عقدته ، ويتبع تبريرات منطقية في ذلك 0
• أنواع العقد النفسية :
هناك عدد كبير من العقد ، البعض منها تسمى ( عقد كبيرة ) وبعضها تسمى ( عقد صغيرة ) وهي ما يلي :
1ـ عقدة التخلي : وهي عقدة الإحباط الانفعالي ، وعقدة الاستبعاد والنبذ ، حيث يقول الشخص المصاب بها : لا أحد يحبني ، ولا يرغب بي أحد ، وتخلى عني 00 إنني منبوذ 0 ويشعر أنه مهمل 0 هذا الشخص يتصف بما يُسمى بـ( الشراهة الانفعالية ) التي يصعب إرضاؤها 0 هذه الشراهة مرتبطة بالحاجة إلى الأمن والحماية 0 والواقع أن هذا الأمن المنشود ضمن تبعية شبه مطلقة ، كتبعية الرضيع للأم 0
2ـ عقدة قابيل ( المنافسة الأخوية ) : وتبدو في أشكال من السلوك العدواني 0 مصدره الأساسي الغيرة بين الأخوة ، وفي سن الرشد غيرة عدوانية إزاء كل شخص يحتمل أن يفوز لأنها تقود للترقي 0
3ـ عقدة الذنب : وتظهر عند الشخص الذي إذا ما ارتكب أي خطأ أو قام بأي فعل مهما كان بسيطا ، يفسره على أنه كارثة وخطير 0
4ـ عقدة الأثمة : وتظهر عند الأفراد الذين يعيشون بصورة دائمة ضرب الشعور بالخطيئة والخشية من فعل الشر وفي خزي أنفسهم ، ويتميز بأن وجدانه الأخلاقي رتيب ومطلق ( يجهل نسبية الأخطاء ) ، وسادي ( تأديبي ومعذب لا يستمع ) 0 والأنا عنده عرضة لمراقبة هذه السلطة الأخلاقية ، والآخرون يمثلون قضاة في نظرتهم إليه 0
5ـ عقدة التفوق : ويظهر الشخص بأنه على ثقة كبيرة بنفسه ولديه الثقافة والمعارف ، والنظر إلى الآخرين بدونية 0
6ـ عقدة الدونية : حيث الشخص على يقين بأنه ليس على مستوى ، وأنه عاجز وأنه عرضة للسخرية من قبل الآخرين 0
7ـ عقدة ديانا : وهي ما يسميه ( أدلر ) الاحتجاف الرجولي لدى المرأة والهروب من الأنوثة ، إنه دفاع الأنا ضد الأنوثة ورفض الأمومة 0
8ـ عقد الخصاء وعقدة أوديب وعقدة إلكترا وقد تحدثت عنها في فصل سابق ، عندما تكلمت عن نظريات الشخصية عند فرويد 0
9ـ عقدة اللون : وهذه اكتشفتها عند بعض الأشخاص فهم يكرهون لونا معينا ، قد يكون اللون الأسود ، أو الأحمر أو أي لون وتجدهم يكرهون حتى الإناء ذا اللون الأسود أو الأحمر أو غيره من الألوان 0 وفي مرة كنت مع أحد الأشخاص ضيوفا عند آخرين ، وقدموا لنا الشاي فرفض شرب الشاي ، وعند سؤالي له عن سبب ذلك رغم أنه من محبي شرب الشاي ، فأجاب : إنهم قدموا الشاي في ( الإبريق ) البرادي الأسود 0
(جزء من فصل من رسالة الدكتوراه) والتي كانت بعنوان : الإنسان وصحته النفسية بين الإسلام وعلم الصحة النفسية 0