الــــــــــزاد

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه أجمعين .
أما بعد..أحبتي في الله ..

أن الحج هو رحلة العمر بلا منازع ، و أن الأذكياء وحدهم هم الذين أعدوا الزاد المناسب لها ، واستعانوا به على مشاق هذه الرحلة الإيمانية ، و صدق الخالق عز و جل إذ يقول : ﴿ { وَ تَزَوَّدُواْ فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُوْلِي الأَلْبَابِ } ﴾ ( البقرة :197 ) .

و قد أهدانا الإمام علي بن أبي طالب ( ع ) تفسيرا مكثفا للتقوى ؛ فوصفها بأنها "الخوف من الجليل والعمل بالتنزيل والرضا بالقليل والاستعداد ليوم الرحيل" . و لعل هذا هو أول ما يجب على الحاج فعله بعد إخلاص النية في الحج ، فليستعد لارتداء لباس التقوى ، و يسعى بعقله و حواسه لامتلاك هذا اللباس بكل ما أوتي من قوة ، و أن يتدرب عليه طيلة أيام الحج ، و يدرك أن ملابس الإحرام لا تعني شيئا ، و لن تقوده إلى بغيته ما لم يلبس لباس التقوى .



و للبدء في ذلك فعليه إفراغ جعبته من حقوق الناس ، والتصالح مع الدنيا بأسرها قبل الذهاب إلى الحج ، و تنقية القلب من أية ضغائن . و يسهل ذلك ؛ عندما يتذكر الحجيج أنه لا يوجد شيء في الدنيا بأسرها يستحق أن يفقدهم ثمار الحج الدينية والدنيوية أيضا ، و أن أي غال يكون بمثابة "المهر" الرخيص للفوز بهذه المكاسب .

فيجب أن يكن الحاج فطنا ، و لا يترك الضغائن تفسد حجته ، و يتذكر قول الله عز و جل : ﴿ { وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنِ النَّاسِ وَاللهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ } ﴾ ( آل عمران : 134 ) ، وليتأكد أنه سيربح غاليا : الفوز بمحبة الخالق عز و جل بمسامحة الجميع ، والتخلص من الحمل الزائد المتمثل في احتضانه لمشاعر الكراهية أو الغضب أو الغيظ ممن ضايقوه ، واستنشاق روعة التوكل والتسليم والرضا الحقيقي



وصدق ابن القيم ـ رحمه الله ـ إذ يقول : " الرضا هو مستراح العابدين ، و جنة الله في الأرض ، و من لم يذقه في الدنيا لم يتذوقه في الآخرة" . و علينا بالمسارعة ليس لتذوق الرضا فقط ؛ بل والتلذذ باجتراره ـ على مهل ـ لننال المكاسب الجمة في الدين والدنيا . و لنساعد أنفسنا مع مسامحة من قاموا بأذيتنا ؛ علينا تذكر أن ما أصابنا لم يكن ليخطئنا ، و ما أخطأنا لم يكن ليصيبنا .