قهوتنا على الانترنت
ابحث عن :  
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة
النتائج 1 إلى 10 من 16
  1. #1
    تاريخ التسجيل
    16 - 11 - 2007
    ساكن في
    دنيا فانية
    المشاركات
    24,705
    النوع : انثيJordan

    افتراضي محمد حسنين هيكل

    حياته

    محمد حسنين هيكل أحد أبرز الصحفيين العرب والمصريين في القرن العشرين ( مواليد 23 سبتمبر 1923 في القاهرة[1] ). وربما يكون من الصحفيين العرب القلائل الذين شهدوا و شاركوا في صياغة السياسة العربية، خصوصا في مصر.
    ولقد عاصرت حياته الصحفية والسياسية عهد الملكية المصرية ثم عهد الثورة بقيادة جمال عبدالناصر حيث أصبح أحد أقرب الصحفيين المقربين له، ثم عهد أنور السادات رغم أنه أختلف معه كثيرا فيما بعد، والان أصبح هيكل مراقبا عاما ومنظرا أساسيا لنهج الحكومات العربية المتعددة التي ربطته بكثير من زعمائها صداقات وعلاقات عمل ، مع اختلافه مع الرئيس المصرى الحالى محمد حسنى مبارك.
    ويصف بعض المعاديين لهيكل بكثرة النسيان وتبديل الاحداث ويرون ان ما يجري في وصف الوقائع التاريخ ناتج عن اصابته بالمرض وليس رغبة بالتزوير.



    تاريخه المهنى


    • التحق بجريدة "الإيجبشيان جازيت" في 8 فبراير 1942 .
    • عضو شرف في مركز دراسات الوحدة العربية .


    مرحلة الأهرام


    • سنة 1956م/ 1957م عرض عليه مجلس إدارة الأهرام رئاسة مجلسها ورئاسة تحريرها معا، واعتذر في المرة الأولى، وقبل في المرة الثانية، وظل رئيساً لتحرير جريدة الأهرام 17 سنة، وفى تلك الفترة وصلت الأهرام إلى أن تصبح واحدة من الصحف العشرة الأولى في العالم.
    • ظهر أول مقال له في جريدة الأهرام تحت عنوان " بصراحة " يوم 10 أغسطس 1957 بعنوان " السر الحقيقي في مشكلة عُمان " . و كان آخر مقال له يوم 1 فبراير 1974 بعنوان " الظلال .. و البريق " .
    • رأس محمد حسنين هيكل مجلس إدارة مؤسسةاخبار اليوم(الجريدة و المؤسسةالصحفية) و مجلة روزاليوسف كذلك في مرحلة الستينات.
    • كما أنشأ هيكل مجموعة المراكز المتخصصة للأهرام: مركز الدراسات السياسية والاستراتيجية ـ مركز الدراسات الصحفية ـ مركز توثيق تاريخ مصر المعاصر.


    • عام 1970م عين وزيراً للإرشاد القومى، ولأن الرئيس جمال عبد الناصر ـ وقد ربطت بينه وبين هيكل صداقة نادرة في التاريخ بين رجل دولة وبين صحفى ـ يعرف تمسكه بمهنة الصحافة، فإن المرسوم الذى عينه وزيراً للإرشاد القومى نص في نفس الوقت على استمراره في عمله الصحفى كرئيس لتحرير الأهرام.


    • بعد حرب أكتوبر 1973م اختلف مع الرئيس أنور السادات حول التعامل مع النتائج السياسية لحرب أكتوبر، واتخذ الرئيس قراراً بتعيينه مستشاراً، واعتذر عن قبول المنصب وتفرغ للكتابة، وكان كل ما يكتبه ينشر خارج مصر وهو يعيش داخلها، وكان من نتيجة كتاباته أن اعتقله الرئيس السادات ضمن اعتقالات 3 سبتمبر 1981م.


    مؤلفات هيكل العربية

    يمكن تقسيم مؤلفات هيكل ( العربية و هي : ثلاثة و خمسون كتابا ) لعدة مجموعات، و لكن أسهلها هو حسب العصور التي ظهرت بها :



    • عصر الملك فاروق

    • ( كتاب واحد : إيران فوق بركان ) .

    • عصر الرئيس جمال عبد الناصر ( سبعة كتب ) هم :

    • 1 - العقد النفسية التي تحكم الشرق الأوسط .
    • 2- نظرة إلى مشاكلنا الداخلية على ضوء ما يسمونه ... "أزمة المثقفين"
    • . 3- ما الذي جرى في سوريا .
    • 4- يا صاحب الجلالة .
    • 5- خبايا السويس .
    • 6 - الاستعمار لعبته الملك .
    • 7- نحن ... و أمريكا .




    • عصر الرئيس أنور السادات ( اثنى عشر كتابا )
    • هم :
    • 1- عبد الناصر و العالم .
    • 2 - أحاديث في آسيا- موعد مع الشمس .
    • 3 - الطريق إلى رمضان .
    • 4 - لمصر .. لا لعبد الناصر .
    • 5 - قصة السويس آخر المعارك في عصر العمالقة .
    • 6 - الحل و الحرب .
    • 7 - حديث المبادرة . 8
    • - حكاية العرب و السوفييت .
    • 9 - وقائع تحقيق سياسي أمام المدعي الاشتراكي .
    • 10 - السلام المستحيل و الديمقراطية الغائبة - رسائل إلى صديق هناك .
    • 11 - آفاق الثمانينات .
    • 12 - مدافع آية الله - قصة إيران و الثورة .



    • عصر الرئيس حسني مبارك ( ثلاثة و ثلاثون كتابا ) هم

    • : 1 - عند مفترق الطرق - حرب أكتوبر .. ماذا حدث فيها ... و ماذا حدث بعدها !
    • . 2 - خريف الغضب - قصة بداية و نهاية عصر أنور السادات .
    • 3 - بين الصحافة و السياسة - قصة ( و وثائق ) معركة غريبة في الحرب الخفية !
    • . 4 - زيارة جديدة للتاريخ .
    • 5 - حرب الثلاثين سنة - ملفات السويس .
    • 6 - أحاديث في العاصفة .
    • 7 - حرب الثلاثين سنة - 1967 الجزء الأول : سنوات الغليان .
    • 8 - الزلزال السوفييتي .
    • 9 - حرب الثلاثين سنة - 1967 الانفجار
    • . 10 - حرب الخليج أوهام القوة و النصر .
    • 11 - أكتوبر 73 السلاح و السياسة
    • . 12 - اتفاق غزة - أريحا أولا السلام المحاصر بين حقائق اللحظة و حقائق التاريخ
    • . 13 - أقباط مصر ليسوا أقلية رسالة إلى رئيس تحرير جريدة الوفد
    • . 14 - مصر و القرن الواحد و العشرون - ورقة في حوار
    • . 15 - 1995 باب مصر إلى القرن الواحد و العشرين .
    • 16 - أزمة العرب و مستقبلهم .

    17 - المفاوضات السرية بين العرب و إسرائيل - الأسطورة و الإمبراطورية و الدولة اليهودية

    • . 18 - المفاوضات السرية بين العرب و إسرائيل - عواصف الحرب و عواصف السلام .
    • 19 - المفاوضات السرية بين العرب و إسرائيل سلام الأوهام أوسلو - ما قبلها و ما بعدها
    • . 20 - المقالات اليابانية .
    • 21 - الخليج العربى .. مكشوف تداعيات تفجيرات نووية في شبه القارة الهندية .
    • 22 - العروش و الجيوش كذلك انفجر الصراع في فلسطين قراءة في يوميات الحرب .
    • 23 - بصراحة : أكثر من 700 مقال من يناير 1957 - يونيو 1990 ( 5 مجلدات من القطع الكبير ) . 24 - حرب من نوع جديد .
    • 25 - العروش و الجيوش 2 - أزمة العروش و صدمة الجيوش قراءة متصلة في يوميات الحرب ( فلسطين 1948 ) .
    • 26 - كلام في السياسة قضايا و رجال : وجهات نظر ( مع بدايات القرن الواحد و العشرين ) .
    • 27 - كلام في السياسة عام من الأزمات ! 2000 - 2001 .
    • 28 - كلام في السياسة نهايات طرق : العربى التائه 2001 .
    • 29 - كلام في السياسة الزمن الأمريكى : من نيويورك إلى كابول .
    • 30 - سقوط نظام ! لماذا كانت ثورة يوليو 1952 لازمة ؟ .
    • 31 - الإمبراطورية الأمريكية و الإغارة على العراق .
    • 32 - استئذان في الانصراف رجاء و دعاء .. و تقرير ختامى .
    • 33 - المقالات المحجوبة ( نشرت في جريدة المصري اليوم ) .


    يتبع

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    16 - 11 - 2007
    ساكن في
    دنيا فانية
    المشاركات
    24,705
    النوع : انثيJordan

    افتراضي

    شخص واحد تعرف كل شيء عن منطقة الشرق الأوسط لو التقيته"..
    لم يكن هنري كسينجر وزير خارجية الولايات المتحدة الأسبق مبالغا حين قال تلك الكلمات قاصدا محمد حسنين هيكل.
    فهيكل -الذي لا يتحدث عنه كثيرون إلا باستخدام اسمه الرباعي "الأستاذ محمد حسنين هيكل"- يحتفظ في رأسه بخريطة كاملة للمنطقة بها كل تفاصيلها، ويحتفظ في أوراقه ودفاتره بما لا يحتفظ به غيره من وثائق، بها أغلب ألغاز المنطقة القديمة والجديدة، ومفاتيح للعديد من خزائن الأسرار.




    كيف تحقق له كل ذلك؟


    التقليب في الأوراق يكشف كيف حقق هيكل نجاحه الذي جعله صانعا للأحداث وليس مجرد متابع لها أو محلل لأسبابها بعد أن تقع.لم يكن مولده مختلفا عن مولد الملايين من البشر، فقد كان كل شيء عاديا بل أقل من عادي وقت مجيء هذا الطفل للحياة في الثالث والعشرين من سبتمبر عام 1923 بحي الحسين. صحيح أن الأب تاجر الحبوب قد فرح بعض الشيء، لكن فرحته كانت عادية، تليق بمولود من الزوجة الثانية لرجل تعود أصوله إلى ديروط بمحافظة أسيوط.أحلام هيكل الطفل كانت ككل أحلام الأطفال في سنه، كان يحلم أن يصبح طبيبا، لكن ظروفه لم تسمح له بغير الدراسة في مدرسة التجارة المتوسطة، وهكذا لم ينل من أصبح ملء السمع والبصر(ولا يزال) تعليما جامعيا، وتلك نقطة في صالحه ولا تنقص من قدره كما تصور خصومه.لم يستسلم هيكل لمؤهله المتوسط؛ فقد قرر أن يتغلب عليه بدراسته في القسم الأوروبي بالجامعة الأمريكية، وخلال فترة دراسته تعرف على "سكوت واطسون" الصحفي المعروف وقتئذ بالإيجيبشان جازيت، والذي استطاع عن طريقه أن يلتحق بالجريدة في الثامن من فبراير 1942، صحفيا تحت التمرين بقسم المحليات وكانت مهمته جمع أخبار الحوادث!.وكان هيكل وقتها في التاسعة عشرة من عمره، ووقتها أيضا كانت الحرب العالمية الثانية قد اشتعلت، وكان من قدر مصر أن تخوض رغما عنها حربا لا ناقة لها فيها ولا جمل.في ذلك الوقت كانت الإيجيبشان جازيت هي المطبوعة الأجنبية الأولى في مصر، وكان من يكتبون فيها ملء السمع والبصر، منهم مثلا جورج أرويل ولورانس داريل ووايف كوري ابنة مير كوري مكتشفة اليورانيوم، أما رئيس تحريرها فكان كاتبا لا يقل قدرا عن هؤلاء هو هارولد إيرل.


    مع بنات الليل بدأت نجوميته







    لم يكن الطريق ممهدا للوصول للقمة


    مع قضايا بنات الليل بدأ ظهور نجم هيكل

    ففيما كان هيكل يطرق أبواب مهنة الصحافة صحفيا صغيرا بـ"إيجيبشان جازيت"، مهمته جمع أخبار الجريمة، أصدر عبد الحميد حقي وزير الشئون الاجتماعية وقتها قرارا يقضي بإلغاء البغاء الرسمي، وسبب هذا القرار كان إصابة عدد من جنود الحلفاء بالأمراض التي انتقلت إليهم من فتيات الليل، فكان أن اتفق الإنجليز وحكومة الوفد على إصدار القرار الذي أثار الجنود كما أثار فتيات الليل، كان الجميع يعرفون رأي الجنود الذين لم تكن تعنيهم الأمراض، وقد جاءوا إلى الحرب أي إلى الموت، لكن أحدا لم يكن يعرف رأي فتيات الليل، وتلك كانت مهمة الصحفي الصغير محمد حسنين هيكل.
    كان تكليف الجريدة له هو أن يلتقي بفتيات الليل ويحصل من كل منهن على صورة يضعها على استمارة الاستفتاء التي وضعتها الجريدة وطبعت منها 500 نسخة، كان على هيكل أن يملأ خمسها، وهو ما نجح فيه بجدارة.وهي القصة التي حكاها هيكل بنفسه في العدد رقم 546 من مجلة آخر ساعة، فكتب ما نصه: "كنت أقضي فترة التمرين في "إيجيبشان جازيت"، وذات يوم جاءني سكرتير تحرير الجريدة وقال لي: إن الحكومة تفكر في إلغاء البغاء الرسمي وإن الجرائد كلها تكتب في هذا الموضوع دون أن تحاول واحدة منها أن تأخذ رأي أصحاب الشأن الأول، وهم البغايا أنفسهن.. وطلب مني يومها أن أقوم بسؤال مائة بغي عن رأيهن في الموضوع، قائلا: إنه سيكون دليلا على مقدرتي الصحفية إذا تمكنت من استفتاء مائة بغي.. وكانت مهمة شاقة.. ولكن المسألة كانت مسألة امتحان.وذهبت إلى الحي الذي تستطيع أن تشتري فيه كل شيء، ودخلت أول بيت وأنا أفكر في الصيغة التي ألقي بها السؤال، ولكن يبدو أنني لم أوفق في اختيار الصيغة لأنني خرجت من البيت الأول مشيعا بسباب وصل إلى أجدادي حتى عهد الملك مينا، وحاولت..، وحاولت..، ولكن على غير فائدة، وأخيرا أدركت عقم المحاولة، وبدأت أفكر بهدوء، وأحسست أن ثقتي في نفسي بدأت تفارقني، والتفت فإذا مقهى قريب مني فذهبت إليه لأستريح وأفكر، وفي أثناء جلوسي لاحظت وجود سيدة متقدمة في السن كان جميع من في المقهى ينادونها بـ"المعلمة"، باحترام قل أن يكون له مثيل، ووثبت في ذهني فكرة، فتقدمت من السيدة وشرحت لها كل مهمتي، وأثبت لها أن مستقبلي كله يتوقف على معاونتها لي، وفكرت السيدة قليلا ثم قالت لي: اقعد، وقعدت.بعد لحظات نادت بعض النساء، وعقد الجميع مؤتمرا لبحث المسألة، وجلست أنتظر النتيجة، وفجأة صاحت إحداهن: نادوا عباس، ومرت فترة ثم حضر شاب سمع المسألة ثم تقدم مني قائلا: "معاك كرنيه"، ولم يكن معي "كرنيه" ولا خلافه، ولم يقتنع عباس، ولكن المعلمة اقتنعت قائلة: "ده باين عليه ابن ناس"، وهززت رأسي مؤكدا أنني "ابن ناس" جدا، فبدأت ترسل في طلب النساء من المنازل حتى أتاحت لي الفرصة أن أسأل مائة امرأة وأنا جالس في مكاني أشرب القهوة على حساب المعلمة.

    روزاليوسف تدعوه إلى مائدتها

    وبعد نجاح هيكل في المهمة الصعبة التي وكِلت إليه، كانت النقلة الأهم في حياته حين وقع عليه الاختيار ليذهب إلى "العلمين" التي شهدت أشرس معارك الحرب العالمية الثانية، ليصف بقلمه وقائع تلك المعارك.ومن الحرب في العلمين إلى الحرب في مالطا إلى استقلال باريس تنقل هيكل لتردد الألسنة اسمه، ليفاجأ وهو يتناول غداءه ذات مرة -بمطعم "الباريزيانا"- بالسيدة فاطمة اليوسف صاحبة مجلة روزاليوسف تدعوه إلى مائدتها، ثم إلى مجلتها، ليصبح هيكل عام 1944 صحفيا في مجلة روزاليوسف التي كانت بوابة تعارفه على محمد التابعي، ومن ثم الانتقال للعمل معه في مجلة آخر ساعة التي عمل بها في آخر عامين للتابعي بها، قبل أن يشتريها منه مصطفى وعلي أمين، وعلى صفحات آخر ساعة كتب هيكل 13 أغسطس 1947 ما جعله حديث مصر كلها، ونقصد تحقيقه المصور عن "خط الصعيد"، ولم ينته عام 1947 حتى اخترق هيكل وباء الكوليرا ليكتب تحقيقا عن قرية "القرين" التي لم يكن أحد يجرؤ على الاقتراب منها، وهكذا كان طبيعيا أن يحصل الصحفي الشاب محمد حسنين هيكل عن جدارة على جائزة فاروق، أرفع الجوائز الصحفية بمصر في ذلك الوقت، وكان انتقاله للعمل بجريدة أخبار اليوم التي شهدت صفحاتها -بدءا من 1947 ولمدة خمس سنوات تالية- انفرادات هيكل، من تغطيته لحرب فلسطين إلى انقلابات سوريا، ومن ثورة محمد مصدق في إيران إلى صراع الويسكي والحبرة في تركيا، ومن اغتيال الملك عبد الله في القدس إلى اغتيال رياض الصلح في عمان واغتيال حسني الزعيم في دمشق.وفي 18 يونيو 1952 فوجئ قراء مجلة آخر ساعة بعلي أمين -وكان وقتها رئيسا لتحريرها- يخصص مقاله للحديث عن هيكل، وينهيه بأنه قرر أن يقدم استقالته ويقدم للقراء في الوقت نفسه هيكل رئيسا للتحرير، وهكذا أصبح هيكل رئيسا لتحرير آخر ساعة، ولم يكن تجاوز بعد التاسعة والعشرين.

    هيكل والسلطة والأهرام!

    وقامت الثورة ليزداد نجم هيكل لمعانا، فاقترب من جمال عبد الناصر ليصبح بعد فترة المتحدث الرسمي باسم حركة الضباط الأحرار، وليكون أحد صناع تاريخ مصر بعد ثورة يوليو، وصاحب البصمة الواضحة في تاريخ مصر، وفي تاريخ الصحافة المصرية والعربية، والذي أعطى صحيفة الأهرام شكلها الحالي لتصبح أكبر المؤسسات الصحفية في العالم العربي.وفي الأهرام كان مجد هيكل وكان مقاله المعنون له بـ "بصراحة" الذي كانت الجماهير العربية تنتظره صباح الجمعة على أحر من الجمر، وفي سبيل البقاء على رأس الأهرام رفض هيكل الوزارة لأكثر من مرة، حتى اضطر لقبول وزارة الإرشاد (الثقافة والإعلام) قبيل وفاة عبد الناصر، وحين اشتُرط ألا يجمع بينها وبين الأهرام تركها غير آسف عليها بمجرد وفاة عبد الناصر، ورفض بعد ذلك أي منصب مهما كان كبيرا طالما سيبعده عن الأهرام.وبعد وفاة ناصر وانتقال السلطة إلى السادات الذي سانده هيكل للتغلب على من أسماهم بمراكز القوى، رغم أن هيكل في النصف الثاني من السبعينيات كان خارج دوائر النفوذ؛ حيث أبعد بقرار رئاسي من الأهرام، فإنه لم ينته صحفيا كما توقع كثيرون وقتها، بل زادت نجوميته مخترقا الحواجز والقيود التي فرضتها عليه القيادة السياسية، ليصبح واحدا من أهم 11 صحفيا في العالم، تترجم كتبه إلى 31 لغة.لقد قيل إن هيكل سيعتزل، وقيل إنه يناور، وقيل إنه لم يعد لديه ما يقوله، وأيا ما كان الأمر وأيا ما كانت صورة هيكل في نظر المتشيعين له أو المتربصين به، فإن هيكل -رغم أخطائه- حالة صحفية يصعب تكرارها.
    التعديل الأخير تم بواسطة طيف عابر ; 2 - 12 - 2008 الساعة 11:59 AM

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    16 - 11 - 2007
    ساكن في
    دنيا فانية
    المشاركات
    24,705
    النوع : انثيJordan

    افتراضي

    هيكل.. ثمانون عاما في قلب الأزمات
    مع عبد الناصر.. ثنائية التابع والمتبوع!



    هيكل وناصر توأمة لن تتكرر

    في 23 سبتمبر 2003 يبلغ هيكل 80 عاما بحصيلة غزيرة من المقالات يصعب حصرها وبعدد كبير من
    الكتب السياسية المتنوعة في معالجاتها ما بين التأريخ والتحليل السياسي والتوثيق للأحداث والشخصيات، معظمها تقريبا يتعلق بالفترة ما بين أوائل الخمسينيات وأوائل الثمانينيات التي كان فيها هيكل قريبا من عبد الناصر والسادات من بعده وتوفرت له فيها معلومات ووثائق وصلات وعلاقات أتاحت له معينا من مادة للكتابة عنها وتحليلها وقراءتها وإعادة قراءتها في ضوء مستجدات من المعلومات. عكف عليها هيكل بدأب شديد واكتنز منها ما اكتنز لنفسه وحجب منها ما حجب انتظارا للحظة مواتية، وغلفها بأسلوبه الأدبي الرشيق وانتقالاته السلسلة ليحفر اسمه في عقول كثيرين من قرائه، وبعد خروجه من السلطة (أي خروجه من الأهرام ومن رفقة العمل مع السادات كلية أواخر 1974) ظل هيكل حريصا على إنعاش خزين معلوماته بالجديد من الوثائق في الخارج وتحديدا ما يفرج عنه من أرشيف الأجهزة الرسمية في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا وبالجديد من الكتب والمقالات التي تنشر في الخارج وتتعلق بموضوعات اهتمامه عن مصر والمنطقة العربية.
    ناصر.. القيد الذي حرص هيكل ألا يكسره

    وإذا كان هيكل قد أطل بوجه الناقد على الأحوال السياسية في الداخل والمحلل لأحوال الخارج وخاصة أمريكا وإسرائيل والعرب خلال السنوات الثلاثين الأخيرة تقريبا فإن الملمح العام للصورة الذهنية عنه ظل علاقته الخاصة بعبد الناصر وارتباط اسمه بالرجل وهي العلاقة التي حرص هيكل لزمن طويل على ألا يفسدها بنقد أو بمراجعة لتاريخ عبد الناصر وقراراته من النوع الذي قد يؤدي لإسقاط ظلاله على الصورة المضيئة لعبد الناصر ولهيكل بالتبعية، وظل هيكل إما مدافعا عن كل الأخطاء أو متجنبا الحديث عنها إيثارا لسلامة صورته، وإذا كان الأمر ليس على هذا النحو فهل يا ترى كان هيكل أو ما زال مؤمنا ومخلصا لمجمل الأفكار التي تبناها عبد الناصر؟ وما سر الاقتراب بينهما طوال تلك الفترة منذ الثورة في 1952 وحتى الوفاة في 1970؟ ولماذا لم يفترقا أو تحدث بينهما قطيعة ثم خصومة لدودة كما حدث بين هيكل والسادات في منتصف السبعينيات؟
    محاولة الإجابة تحتاج إلى تساؤل أساسي هو: هل كان لدى هيكل في بداياته أو قبل تعارفه بعبد الناصر أفكار أو اهتداءات عامة تجعل الرجلين متقاربين إلى الدرجة التي بدت بعد ذلك؟ الحقيقة أن كتابات هيكل المنشورة قبل يوليو 1952 لم تكن تظهر على الإطلاق أن لصاحبها توجها سياسيا محددا أو رؤية فكرية معينة، بل إنها كانت في غالبها بعيدة عن الشأن السياسي المحلي المباشر، ولم يكن هيكل معروفا ككاتب سياسي (منغمس في الشأن الداخلي بمفهوم ذلك الزمان) مثلما كان حال الآخرين، وحتى ما ذكره عن تعارفه مع عبد الناصر قبل الثورة وحوارات دارت بينهما لم تكن تكشف عن حوار بين عقلين ورؤيتين متقاربتين أو متباعدتين، وإنما كان موضوعها مجرد تحليل لمواقف الأطراف الفاعلة في الحياة السياسية (الإنجليز والقصر والوفد).
    بداية مجهولة لعلاقة ناصر بهيكل

    (هذا على الرغم من أن قصة التعارف التي ذكرها هيكل عقب حرب 1948 كلها محل شك بناء على أكثر من شهادة، من بينها شهادة جلال ندا أحد الضباط الأحرار الذين شاركوا في حرب 1948 وعمل في جريدة الأخبار بعد إصابته فيها تحت رئاسة مصطفى أمين وتعرف إلى هيكل وقتها والذي قال -والعهدة عليه- إنه كان وهيكل في منزل محمد نجيب في 18 يوليو 1952 وحضر عبد الناصر وعبد الحكيم عامر ويوسف صديق وانتحى بهم نجيب في إحدى الغرف، وسأل هيكل رفيقه الضابط السابق جلال ندا: مَنْ يكون هؤلاء؟ فأجابه. وبعد أن خرج الثلاثة من الغرفة عرف ندا كلا من عبد الناصر وهيكل ببعضهما البعض؛ وذلك ينفي كل ما جاء على لسان هيكل في مقاله بالأهرام 11 فبراير 1971 عن حوارات وتعارف بعد حرب 1948 وأن ناصر زاره في مكتبه في الأخبار قبل الثورة طلبا لنسخة من كتابه "إيران فوق بركان"... إلى آخره من روايته التي اعتبرها ندا في مقال منشور في الأخبار محض اختلاق وادعاء).
    ومن الطريف أيضا أن هيكل كتب في "روزاليوسف" 17 فبراير 1944 وفي 11 مايو 1944 مقالين بعنوان "إنه الفاروق" و"في يوم عيدك يا مولاي" لم يجد الكاتب عادل حمودة -أحد حواري هيكل- ما يعتذر به عنها في كتابه "هيكل-الحياة.. الحرب.. الحب" سوى القول "وعندما نقرأ المقالين لا يجوز أن نحاسب صاحبهما بأثر رجعي" وكتب هيكل أيضا في مجلة اسمها "الجيل" عدة مقالات أخرى قبل الثورة كان عنوانها "هيا بنا إلى القصر الملكي" وربما تكفي العناوين للتدليل على المحتوى الذي لا يتعدى رسم صورة وردية لحسن أخلاق الملك والأمراء والأميرات من أبناء الأسرة المالكة وعهدها بما يوحي بأن هيكل لم يكن أبدا مختلفا معه! ووفقا لتقرير رسمي موقع باسم حكمدار مصر بتاريخ 16 فبراير 1948 بناء على طلب إدارة المطبوعات للتحري عن متقدم بطلب انضمام لنقابة الصحفيين اعتبر محمد حسنين هيكل الذي يزاول مهنة التحرير بدار أخبار اليوم منذ ثلاث سنوات تقريبا حسن السير والسلوك وليس له لون سياسي.
    هيكل لم يكن ثوريا بل مغامرا


    هيكل المغامر تفوق على أساتذته

    الحقيقة أن هيكل سعى للاقتراب من السلطة
    الجديدة ممثلة في شخصين أساسين هما عبد الناصر ومحمد نجيب ووفق مع الأول ولم يوفق مع الثاني، فحسب خطاب مرسل من محمد نجيب إلى إحسان عبد القدوس رئيس تحرير ورئيس مجلس إدارة أخبار اليوم عام 1972 ردا على ما اعتبره قدحا من هيكل في شخصه حين أشار إليه في مقال بالأهرام بتعبير "أشباح الماضي" قال نجيب إن نقد هيكل له لا يستند لأسباب سياسية، وإنما لأسباب شخصية فقد ذهب هيكل إلى بيته عدة مرات يطلب حوارا صحفيا وتركه نجيب مع الحرس ورفض مقابلته بناء على نصيحة من المخابرات الحربية "بعدم الجلوس مع شخص يتعامل مع وكالة المخابرات المركزية الأمريكية ولأنه كان يتقاضى مقابل إعلانات من عبود باشا في صحيفة آخر ساعة وأخبار اليوم". وكذلك ذهب هيكل وألح على باب عبد الناصر فينقل محسن عبد الخالق أحد أعضاء تنظيم الضباط الأحرار عن عبد الناصر في بدايات الثورة قوله: "كان يجلس في المكتب الملحق بمكتبي صباحا وظهرا ومساء وضايقني هذا الإلحاح وذات يوم اتجهت إليه مباشرة وسألته ماذا تريد؟ فأجاب: مجرد حديث معك" ووافق عبد الناصر وبعد دردشة وحوار انصرف هيكل، وفي المساء عاد إلى مكتب عبد الناصر يستأذنه في أن يقرأ الحوار بعد أن كتبه، وكان تعليق عبد الناصر لمحسن عبد الخالق بعد ذلك "هيكل استطاع أن يقرأ -حتى- أفكاري التي كنت أتمنى أن أبوح بها".
    وما فعله هيكل في الحالتين يتسق تماما مع شخصه وطموحه وذكائه (ولا يتسق بالضرورة مع أفكاره فلم يكن هيكل في ذلك ثوريا أو مفكرا، وإنما صحفيا مغامرا صاحب قلم رشيق لا أكثر) ولا يتسق مع آخرين رفضوا أداء هذا الدور دور "صحفي السلطة" من نجوم الصحافة في ذلك العهد الذين كانوا يتعاملون تعامل الند وكانت لديهم أفكارهم ومواقفهم التي يختلفون فيها مع عبد الناصر والنظام الجديد، وكانوا مستعدين أيضا لدفع ثمن الخلاف سواء كان تهميشا أو إغلاقا أو رفتا أو حتى سجنا، بينما لم يكن هيكل كذلك، وربما أن تلك السمة إلى جانب موهبته في التعبير عن عبد الناصر حتى إنه قال: إن"هيكل ساكن في رأسي" كانت مفتاح العلاقة فيما كان آخرون من الكتاب والصحفيين البارزين يتصادمون معه.

    هيكل وعبد الناصر توأم ملتصق

    وعلى الرغم من أن الفترة بين 1952 و1970 كانت حافلة بالأحداث والمجريات التي تحتمل الخلاف حتى بين توأم ملتصق لهما نفس مشارب المعارف والأفكار ما لم يكن أحدهما تابعا والآخر متبوعا.. من منا يذكر موقفا اختلف فيه هيكل مع عبد الناصر اختلافا مبدئيا أو جذريا -بعيدا عن مقال كتبه هيكل هنا أو هناك أثار زوبعة أو مشكلة في بلد عربي مثل مقاليه بخصوص السودان عقب انقلاب عبود، وبخصوص الجزائر عقب انقلاب بومدين واللذين يوحيان ربما أن عبد الناصر لم يكن يتدخل فيما يكتبه ما دام لا يختلف أو يتصادم معه وأن هيكل يتحرك في كتابته في إطار هامش يستشعره عن بعد وقد يخونه التقدير ذات مرة، ولكنه يضبط نفسه وفق رؤية الرئيس في معظم الأحوال.. المرة الوحيدة التي بدا فيها هيكل مختلفا مع عبد الناصر اعترف هيكل أن موقفه كان شخصيا لرغبته في استكمال مشروعه لتطوير الأهرام عندما تعارض ذلك مع فكرة مشروع ناصر لتأميم الصحافة وتوصل معه هيكل إلى حل وسط. وليس مطلوبا أن يستل هيكل مسدسا ليصوبه إلى رأس صاحبه ما لم يوافقه رأيه، ولكن لا يحق له أن يقول إنه دافع ضد تأميم الصحافة حرصا على المهنة بكل ما يملك، فهو لم يكن يملك شجاعة الرفض الكامل أو حتى الحجة الوجيهة التي يقنع بها عبد الناصر (كما قال هو فعلا إن منطق ناصر كان يغلبه).
    ويبدو أننا نطلب شيئا مستحيلا لو ظللنا نفترض أن هيكل كان من أهل المواقف الذين يستميتون دفاعا عنها.. فها هو ذا النظام يصطدم مع التيارين الإسلامي والشيوعي ويرتكب خطيئة الحبس والتعذيب (بعد أن غيب ديموقراطية لم يكن راضيا عنها نتيجة لفساد الأحزاب والحياة السياسية عموما وربما كان لديه الحق في ذلك، لكنه لم يحل محلها تنظيما سياسيا حقيقيا وصراعا سياسيا حيويا وتقاسما للسلطات وفصلا كاملا بينها -ولم ينتبه إلا بعد وقع الهزيمة المريرة في 1967 إلى "ضرورة تحرير الناس من الخوف" على كل المستويات.. ها هو ذا النظام يعتقل ويعذب ولا يتحدث هيكل، وليته صمت وإنما سطر مجموعة من المقالات حولها بعد ذلك كتابا عن أزمة المثقفين يدينهم فيها، ويبرر موقف السلطة ويبرر حظوة أهل الثقة على حساب أهل الخبرة.
    التعديل الأخير تم بواسطة طيف عابر ; 2 - 12 - 2008 الساعة 11:54 AM

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    16 - 11 - 2007
    ساكن في
    دنيا فانية
    المشاركات
    24,705
    النوع : انثيJordan

    افتراضي

    مع السادات.. ربيع الرضا وخريف الغضب!
    يوم وفاة عبد الناصر (28 سبتمبر 1970) لم يكن هيكل في حاجة إلى أن يذهب للسادات كما ذهب قبل ثمانية عشر عاما إلى مكتب عبد الناصر، يطلب حوارا وتعارفا وعرضا بتقديم خدماته كصحفي؛ فقد كان الرجلان (السادات وهيكل) على قدم المساواة مع آخرين في منزل عبد الناصر المسجى جسدا بلا روح.
    في تلك اللحظات الحرجة بدا للجميع أنهم في حاجة شديدة لعبورها معا، وعندما أعلن هيكل رغبته في الاستقالة انفجر سامي شرف مدير مكتب عبد الناصر ووزير شئون رئاسة الجمهورية بحميمية قائلا لهيكل: "إما أن نبقى جميعا أو نخرج جميعا"، ولا يخلو ذلك الموقف من دلالة مهمة؛ فقد أصبح سامي شرف فيما بعد ضمن من سموا "جماعة مايو" أو "مراكز القوى" طرفا في خصومة مع السادات وهيكل، واتهم الأخير بأنه تعدى فور اعتقاله وبموافقة السادات على وثائق خاصة لا يعرف أحد عنها شيئا سواه والراحل ناصر.

    علاقة بدأت بالتملق وانتهت بالإهانة
    وعلى الرغم من أن موقف هيكل تجاه الطرفين المتصارعين على السلطة (السادات من جانب، وجماعة مايو من جانب آخر) ظل غامضا حتى إبريل 1971 كان طبيعيا أن يكتب هيكل في 21 و28 مايو و26 نوفمبر من العام نفسه بعد ما أسماه "السادات ثورة التصحيح"، وهي مقالات تشيد بالسادات على نحو مدهش لمن سبق أن قرأ كتاب "خريف الغضب" لهيكل، ثم استعاد تلك المقالات التي جاء فيها "كان السادات هائلا في هذه الساعة الحاسمة من التاريخ بأكثر مما يستطيع أن يتصور أحد.. كانت قراراته مزيجا مدهشا من الهدوء والحسم.. هذه المرحلة هي التي ستجعل من أنور السادات -بإذن الله- قائدا تاريخيا لشعبه وأمته؛ لأن القيادة التاريخية مرتبة أعلى بكثير من الرئاسة مهما كان وصفها".
    فلماذا تحولت الصداقة التي استمرت حتى خروج هيكل في 1975 من الأهرام ومن دوره كفاعل في الحياة السياسية في مصر إلى خصومة لدودة؟ ولماذا بلغ حنق السادات من هيكل منتهاه في سبتمبر 1981؛ فشن هجوما عنيفا على هيكل (لا رائحة فيه للصداقة القديمة) أمام كاميرات التليفزيون، واتهمه خلاله بخمسة اتهامات: أنه ملحد وأنه اعترف (للسادات) بذلك، وأنه صديق للملوك والرؤساء في العالم العربي وخارجه وهذا يجعل منه مركز قوة، وأنه كون ثروة من عائد كتبه التي هاجم فيها مصر، وأنه أعطى للعالم صورة مشوهة عنها، وأنه كان يرتب مع فؤاد سراج الدين لإصدار جريدة تنطق بلسان الوفد؟

    ظلال من الشك حول علاقة هيكل والسادات
    وإحقاقا للحق يبدو موقف السادات من هيكل أقرب للتشويه بل والتجريح منه إلى الأحكام الموضوعية؛ فاتهاماته له مردود عليها ببساطة بالسؤال التالي: لماذا أبقى عليه قريبا منه جدا لمدة خمس سنوات كاملة؟!
    والأمر نفسه فعله هيكل أيضا حين سعى لقتل السادات ميتا، وتدنى في انتقاده له -والأمثلة كثيرة في كتابه "خريف الغضب"- إلى حد إرجاع تصرفات السادات إلى سوء أصيل في تركيبته النفسية، واستند هيكل إلى أن إحساس السادات بلون بشرته الأسود (ولنلاحظ استخدام هيكل لتعبير "الأسود" وليس "الأسمر" أو "الداكن" أو حتى "المائل للسمرة"، وهو من العارفين تماما بالفروق الإيحائية بين المترادفات ووقعها في الأذن والنفس) كان سببا في ميله للحصول على عطف الناس وفهمهم واستعداده لتقديم أي شيء في سبيل الحصول على قبولهم ورضاهم، ووصل الأمر بهيكل إلى حد الإيحاء بأن السادات تلقى شيكا بمبلغ 35 ألف دولار من لاجئ سياسي عربي إلى مصر هو الشيخ المبارك الصباح، وعلم به عبد الناصر، وأودع في ملفات الرئاسة والمخابرات.
    والحقيقة أن تحليل هيكل لشخصية السادات وعرضه لدوره في الحياة السياسية ما قبل الثورة وحتى وفاته في أكتوبر 1981 يبدو معيبا علميا إلى حد بعيد، وفيه من التعسف ما يؤكد انحرافه عن الموضوعية، وأن دافعه تجاوز انتقاد خلافات سياسية إلى النيل والانتقام من شخص السادات. فهيكل لا يجيب مثلا على سؤال: كيف لا يعترض على قرار عبد لناصر -حسب روايته هو- تعيين شخص مرتشٍ (السادات) في منصب نائب الرئيس قبل سفره إلى المغرب في ديسمبر 1969؟ بل وكيف يدعم وبقوة صعوده إلى موقع الرئيس فيما بعد ويشارك في تثبيته رئيسا؟!
    هيكل يفسر غموض علاقته بالسادات

    هيكل والسادات صراع لم ينته

    ولقد ظلت رواية هيكل لأسباب القطيعة مع السادات إلى وقت قريب -وربما إلى الآن- هي الأكثر رواجا، وهو أرجعها إلى خلاف حول عدة نقاط هي:
    أولا- الطريقة التي عالج بها مظاهرات الطلبة أواخر 1971؛ إذ كان يرى أن العنف ليس وسيلة الحوار مع الشباب (ويبدو ذلك متناقضا مع موقف هيكل الذي كاد أن يكون تبريرا لموقف عبد الناصر من الشيوعيين والإسلاميين في الستينيات حين كتب ما أسماه أزمة المثقفين).
    ثانيا- معالجة السادات لموضوع الفتنة الطائفية؛ حيث كان يرى السادات تفجير المشكلة، وكان يرى هيكل ضرورة علاجها بحذر لأسبابها وعوارضها وجذورها (وربما كان هيكل محقا في ذلك).
    ثالثا- مسألة الوحدة مع ليبيا، وكان يناصرها هيكل بقوة ويراها مختلفة عن تجربة الوحدة مع سوريا بسبب عنصر الاتصال الجغرافي والسكاني إلى جانب تكامل ثروة ليبيا السائلة، وتكاملها مع الإمكانيات البشرية والطاقة الإنتاجية المصرية (وربما أن قراءة الآراء المنشورة حديثا لهيكل عن الزعيم الليبي تشي بأن إدارة علاقة بمستوى الوحدة السياسية في ظل قيادة القذافي -كما يصوره هيكل- قد ترقى إلى نوع من الألعاب الطفولية).
    رابعا- طريقة السادات في إجراء اتصالات خفية مع أمريكا عن طريق قناة اتصال خاصة، واعتذار هيكل عن إجراء مفاوضات سرية مع كيسنجر على أساس أن الموقف التفاوضي وقتها لم يكن قويا في تقديره، وأن هدف التفاوض ليس واضحا أمامه (وهذه مسألة خلافية شارك آخرون هيكل في موقفه منها، وإن كان وجه الاختلاف على طبيعة الشخص الذي اختاره السادات ليكون قناة اتصال).
    خامسا- قرار السادات نقل ثمانين صحفيا بينهم أحمد بهاء الدين ويوسف إدريس ولويس عوض ومكرم محمد أحمد وآخرون، واعتذر هيكل عن تنفيذ القرار فيما يتعلق بصحفيي وكتاب الأهرام، ووضع استقالته أمام الرئيس السادات (وهو موقف يحسب لهيكل لا عليه، ولكن هل كان ذلك موقف هيكل عند التنكيل بكثير من الصحفيين والكتاب رفتا ثم سجنا وتعذيبا أيام عبد الناصر؟ وهل الفارق بين الموقف وعدم الموقف هو إحساس هيكل أنه يدافع عن آخر معاقله "الأهرام" التي كانت مشروعه ومفتاح سلطته وتأثيره، ولظنه أنه يمكنه مواجهة السادات؟).
    سادسا- (والذي جاء في هذا السياق متأخرا ليس نتيجة الترتيب حسب الأهمية، وإنما حسب التسلسل الزمني للخلافات) الإدارة السياسية لحرب أكتوبر، وكان هيكل يرى نتائج الحرب تضيع واحدة بعد الأخرى، وراح يكتب رأيه بشكل لا لبس فيه في مجموعة مقالات جُمعت بعد ذلك في كتاب "عند مفترق الطرق"، وبعدها كتب تحت عنوان "أسلوب التفاوض المصري" أواخر ديسمبر 1973 مما أثار حفيظة السادات عليه (ويبدو هيكل محقا تماما فيما ذهب إليه ومعه آخرون عارضوا ورفضوا، ومنهم من خرج من الصف. فالسادات كان مستعدا للذهاب بعيدا من أجل حل يعيد الأرض).
    السادات رفض أن يكون هيكل صانع قرار
    أما رواية السادات للخلاف فلا يتوفر منها الكثير بحكم أنه كان رئيس الدولة، ومن الصعب أن يكتب قصة خلافه مع هيكل وما جاء منها -على لسان هيكل أيضا- "أنه لم يعد صحفيا بل أصبح سياسيا، وعليه أن يترك الصحافة إلى السياسة، وليس من حقه كصحفي أن يناقش القرار السياسي؛ فتلك مسئولية الرئاسة".
    ويمكن صياغة رواية السادات على نحو أقرب إلى المنطق بأنه كان يعرف أن هيكل كان يريد من جهاز الدولة دور الصحفي المؤثر كلية في الساحة الإعلامية من خلال موقعه في الأهرام، وهي من أقوى الساحات، إضافة إلى قرب شديد من هرم السلطة يؤثر من خلاله في مجريات الأحداث السياسية دون أن يحاسبه أحد.
    والثابت إذن أن خلاقات في الرأي حدثت بين الرجلين، ولو كان هيكل قد قيم الموقف على أساس أنه رئيس تحرير "في السلطة"، وما دام قد اختلف معها فيمكنه أن يخرج منها بهدوء، وأن يمارس الكتابة ناقدا إياها مثلما فعل بعد ذلك بمقالاته في الصحف العربية والأجنبية والكتب في الفترة من 1975 وحتى وفاة السادات. ولو كان هذا الموقف قد حدث في عهد الناصر ما استطاع هيكل أن يبقى في الصحيفة الرسمية الأولى كاتبا معارضا، ولكنه ظن أن السادات ربما لا يستطيع إزاحته أو قد لا يجرؤ عليها، أو قد يتراجع ويرضخ لآرائه؛ لذلك أصر على أن يخوض المعركة للنهاية دون أن يترك المكان.
    وهذه النظرة تقريبا كانت دافعا -بين دوافع أخرى وطنية أو غير وطنية- وراء قبول من كانوا في السلطة لحظة وفاة عبد الناصر (والذين كانوا حريصين على تأمين أنفسهم بقوة ما؛ سواء الجيش أو الداخلية أو التنظيم السياسي أو الأهرام) تولي السادات منصب الرئيس بافتراض أنه شخص ضعيف الجانب؛ مما يضمن لهم فرصة الاستمرار إلى جواره أو إزاحته عندما تحين الفرصة مثلما حاولت جماعة مايو وفشلت، فيما حاول هيكل فرض آرائه على السادات ولم يكن لينجح.
    التعديل الأخير تم بواسطة طيف عابر ; 2 - 12 - 2008 الساعة 12:06 PM

  5. #5
    تاريخ التسجيل
    16 - 11 - 2007
    ساكن في
    دنيا فانية
    المشاركات
    24,705
    النوع : انثيJordan

    افتراضي

    هيكل.. تراجيديا الفرعون والكاهن



    الفرعون والكاهن

    لا بد أن مؤرخي الأجيال القادمة سيحتارون طويلا إذا ما عَنَّ لأحدهم أن يقيم الأدوار التي لعبها "محمد حسنين هيكل" على مسرح الصحافة والسياسة المصرية والعربية.. إذ المؤكد أنهم سيضلون الطريق إلى "هيكل" بين جبال من التفاصيل وتلال من الأكاذيب، ومتاهات من أدوات المكياج.
    ومشكلة البحث عن "هيكل" أن فصل الذروة في عمره، كان مضيئا بشكل يعمي عن الرؤية.. ففي تلك السنوات الثماني عشرة التي انتهت في 28 سبتمبر 1970 - كان هيكل ملء السمع والبصر، لا يغادر الخشبة، ولا تخطئه أعين المتفرجين.. لا تكف تليفونات مكتبه عن الرنين، ولا تخلو غرفة سكرتيرته الشهيرة "نوال المحلاوي" من الزائرين: ملوك ورؤساء جمهوريات وساسة ووزراء ومناضلين وسفراء وكتاب ومفكرين وطالبي حاجات ينتظر بعضهم بالساعات، بلا ملل ولا شكوى بل ويمتنعون باختيارهم عن التدخين؛ لأنه يضايق "نوال المحلاوي".
    كان باختصار تحت كل أضواء الدنيا، كما يليق برجل كان يوصف -آنذاك- بأنه أقوى رجل في مصر بل في الشرق الأوسط. ولعل الوهج الزائد عن الحد، الذي كان يشع منه وحوله، في تلك السنوات العجيبة - هو الذي جعل أكثر الفصول إضاءة في عمره، أكثرها غموضا وأحفلها بالظلال ومناطق العتمة.

    كواليس هيكل

    وليست أصول صنعة التاريخ هي وحدها التي ستفرض على هؤلاء المؤرخين المساكين العودة إلى الفصل التمهيدي الذي سبق دخول "هيكل" إلى خشبة المسرح في 23 يوليو 1952 وهو فصل استغرق عشر سنوات بدأت في عام 1942، كان "هيكل" خلالها مجرد صحفي بين صحفيين استهل حياته الصحفية وهو في التاسعة عشرة محررا عسكريا في "الإجبشيان جازيت"، ثم انتقل منها بعد عامين ليعمل في آخر ساعة. وبعد عامين آخرين وفي عام 1946 يشتري أولاد أمين - التوأمان "علي" و"مصطفى" المجلة من أستاذهم محمد التابعي فينتقل الثلاثة التابعي وآخر تلامذته هيكل والمجلة إلى دار أخبار اليوم وهناك يستقر هيكل صحفيا بين صحفيين لا هو أشهرهم ولا هو أخملهم، لكنه كان بالقطع أذكاهم!
    تلك عودة لا مفر منها للماضي سيقود المؤرخين إليها فضلا عن أصول الصنعة الأمل في العثور على قبس من نور يضيء عتامة أحداث سنوات الذروة، وهو أمل لا بد أن يقود هؤلاء المؤرخين التعساء إلى فصل الختام الذي انطفأت بعده أضواء المسرح، وأنوار الصالة ولم يبق سوى تصفيق بعض المتفرجين، وصفير الآخرين وصمت الأغلبية التي عودتها المحن أن تداوي بالنسيان كل الجراح!

    صداقة الكاهن مع الفرعون الشجيع


    ومن سوء حظ هؤلاء المؤرخين أن حظ هيكل قد دفعه إلى المسرح ليلعب البطولتين الأولى والثانية، في مسرحية واحدة، تنتمي لزمن واحد فكان "الجان بريمييه" في الصحافة "وصديق الشجيع" في السياسة.
    وما إن أسدل الستار على المسرحية، حتى اختلف الناس على الزمن ذاته. فقال الكارهون وطالبو الدم شائنين: هذا زمن الرعب النقي والقهر المصفى، وقال الوالهون غراما: بل زمن العظمة التي لم تلد ولم تولد.. وفي ضجيج المناظرة ضاعت أصوات خافتة، اغتصب أصحابها نصف ابتسامة.. وذرفوا الدمع من عين واحدة، وقالوا:
    - إنه زمن عبد الناصر، آخر الفراعنة الأفذاذ، ذلك الذي كان عظيم المجد والأخطاء، وليس "هيكل" سوى كاهن تعس الحظ، مات فرعونه قبل الأوان، وتركه وحيدا بين جدران المعبد، وقد انفض المرنمون وهرب المصلون، وتغير اتجاه طوابير الذين جاءوا يوفون بالنذور، ولم يبق سوى الكاهن الأعظم يطلق البخور، ويتلو التعاويذ، وينشر الوثائق، ويعد أسانيد الدفاع.. فسبحان الذي بيده الملك، يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء ويعز من يشاء ويذل من يشاء بيده الخير وهو على كل شيء قدير!
    وهكذا يتعقد الطريق إلى هيكل وتكثر فخاخه، وتتداخل الحدود بين معالمه وعوالمه.. مع أن هيكل كظاهرة تاريخية، ليس أكثر من تنويع على ثنائية مصرية شهيرة وكثيرة التكرار - هي ثنائية الفرعون والكاهن فهكذا كان حظنا، أو هكذا كانت عبقرية المكان الذي نحتله على خريطة الدنيا أن يحكمنا دائما فرعون قد يأتي فيملؤها عدلا ونورا أو يأتي فيملؤها ظلما وجورا لكنه في كل الأحوال معبود بقوة القهر أو قوة الحب أو قوة النهر الذي فرض علينا دائما أن نخضع لقوة مركزية جبارة، تحفظ الاستقرار وتنظم تدفق المياه في ملايين من قنوات الري التي تخرج منه، حتى لا يجتاحنا الفيضان أو يقتلنا الجفاف، لذلك كان منطقيا ألا يستغني الفرعون عن كاهن يعطي الروح لقوة القهر وقوة الحب، ويبشر ويفسر ويزين ويدافع ويهاجم ويحشد المصلين في بهو المعبد.
    وهكذا كان عبد الله النديم كاهن أحمد عرابي وترجمانه إلى قلوب الناس وكان بسيطا كزعيمه، ومخلصا وسيئ الحظ مثله!
    وكان عباس العقاد هو الكاتب الجبار للزعيم الجبار سعد زغلول يدافع عنه، ويشن الغارات على أعدائه، ويطلق نيران قلمه الجبار عليهم فتتناثر جثثهم على صفحات الصحف.
    وكان محمد التابعي هو صحفي مصطفى النحاس حارب إلى جواره بالمانشيت والخبر والمقال القصير والتعليق الساخر!وكان هيكل كما قال هو نفسه آخر تلامذة محمد التابعي.

    هيكل في مدرسة التابعي

    وخلال السنوات التي قضاها مع التابعي ثم مع أولاد أمين كان يراقب بذكائه المشع قوانين لعبة الفرعون والكاهن يدرسها عن قرب، ويحللها بعمق ويحفظها ظهرا عن قلب، وكان محمد التابعي قد لقن تلامذته أن الصحفي يمكن أن يكون صاحب جلالة حقيقية، وملكا يملك ويحكم دون أن يغادر مقعد رئيس التحرير؛ لأن الصحافة صاحبة جلالة فعلية، فطالما أن الفرعون لا يستغني عن الكاهن، ولا يعيش دونه، فمن واجب الصحفي أن يرتقي بمهمته ومهنته من مجرد نشر الأخبار إلى المشاركة في صنعها، ومن حقه أن يكون طرفا في تخليق الحدث، الذي ستقع على عاتقه مهمة تزيينه أمام الناس، أو تفسيره لهم، وذلك ما كان يفعله التابعي المعجباني، المفتون بذاته، الذي يعرف قيمة وتأثير وسحر كهانته، فكان يشارك في تشكيل الوزارات وفي حل الأزمات وفي تدبير الانقلابات.
    وحين انتقل هيكل إلى أخبار اليوم وعرف صاحبيها علي ومصطفى أمين وجد نفسه قريبا إلى الجيل السابق عليه من تلامذة "التابعي"، وعاين عن قرب عالم الكهانة. وعرف صورة منها في فتوتها.. فقد كان "أولاد أمين" هم نجوم ذلك الزمن. كان علي ومصطفى أمين يمرحان في أبهاء القصر الملكي، ويصادقان الحاشية، ويتصلان بالوزراء. ويستقبلان السفراء والزعماء، ويعرفان أسرار المفاوضات ويحملان الرسائل بين أبطال المسرحية ويطلعان على ما يجري في غرف النوم وما يدور بين الفراعين من صراع على اللحم والدم والعواطف ويطلقان البخور بين أعمدة الهيكل.
    وربما يُدهش كثيرون لأن هذا الفصل التمهيدي من عمره قد انتهى، وهو مجرد عضو منتسب في نادي الكهانة، فانتصرت ثورة يوليو وهو لا يعرف من فراعين "العهد البائد" سوى اثنين أو ثلاثة من فراعين الدرجة الثانية، كان بينهم "علي الشمسي باشا" و"نجيب الهلالي باشا" لعله تعفف العاجز المغلوب على أمره، ففي تلك السنوات كان المعبد مزدحما بديناصورات الكهان: أولاد أمين وأولاد أبو الفتح وفارس نمر وفكري أباظة وكريم ثابت، وكان الصراع محتدما بين ديناصورات الفراعين: الملك فاروق والسفير البريطاني ومصطفى النحاس وأحزاب الأقلية.
    ولأن "هيكل لم يكن يوما أحمق فإنه لم يقتحم الحلبة، ليصارع على مرتبة الكاهن الأعظم ربما لأنه أدرك بواقعية أنه يكاد يخلو من كل الأسلحة التي تؤهله لخوض الحرب فهو لم يولد كأولاد أمين في بيت سعد زغلول، ولم يتعلم في جامعة جورج تاون وجامعة شيفلد كما تعلما، ولم تحمله الملكة الوالدة و"تهشكه"، وهو شرف ناله التوأمان وهما رضيعان ولم ينله هيكل فكل مؤهلاته أنه ابن أسرة مستورة، تنتمي للشرائح الدنيا من الطبقة الوسطى، وكل شهاداته هو دبلوم التجارة المتوسطة ودبلوم في القانون والإعلان، حصل عليه بالمراسلة، من أحد المعاهد الأجنبية، ودرس سنتين بقسم الدراسات الاقتصادية بمدارس الليسيه الفرنسية، ولعله لم يقتحم الحلبة أيامها ليحصل على مكانة الكاهن الأعظم؛ لأنه أدرك أن عرش الفرعون الأعظم خالٍ، وكان معنى ذلك أن الصراع الذي يدور على موقع الكاهن الأعظم هو مجرد حماقة أما معناه الأعمق طبقا لقوانين التاريخ المصري فهو أن قمر الزمن قد أوشك أن يدخل في المحاق وقد كان.

    هيكل يتربع على عرش الكهانة

    هوى قمر الزمن الماضي ليطمره المحاق، وزحف الفراعين الشائخون يتوكئون على عكاكيزهم وفي معيتهم زحف شيوخ وشباب الكاهن وقبلة الكل معبد الفرعون الجديد، في ذلك المبنى الذي ما يزال إلى الآن يحمل اسم مجلس قيادة الثورة، وشعار الجميع مات الملك عاش الضباط الأحرار، وبينهم كان هيكل أصغرهم سنا، وأكثرهم ذكاء وطموحا وأبعدهم عن شبهات هؤلاء الضباط الشبان الخشنة الوجوه والملابس والكلمات؛ ولأنه كان مجرد عضو منتسب في نادي كهان الزمن المنهار، فإن الشبهات التي أحاطت بدار أخبار اليوم مركز الكهانة الرئيسي للفرعون المخلوع لم تلحقه مع أنه كان أحد كواكبها اللامعين، وفي اليوم الثاني للثورة، كان كبيرا الكهنة مصطفى وعلي أمين يعتقلان بسبب وشاية لم يتثبت منها أحد، وكان هيكل يذهب في صحبة الأستاذ التابعي ليتوسط للإفراج عنهما، ومع أن المياه قد عادت إلى مجاريها، وساد الوئام بين الفراعنة الجدد وبين أخبار اليوم وكهانها، إلا أن الشبهات التي أحاطت بالكاهنين الكبيرين كانت مؤشرا على أن فراعنة الزمن القادم، ينظرون بريبة إلى كهنة الزمن المنهار.
    سبحانك اللهم.. "تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهَارِ وَتُولِجُ النَّهَارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الَمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَن تَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ".
    سقطت معظم الحواجز التي كانت تقف بين "هيكل" وبين عرش الكهانة، الذي أصبح الآن - 1952 - خاليا!
    كان الفراعين الجدد أولاد عائلات مستورة مثله، ولم يكن أحدهم قد نال شرف "تهشيك" الملكة الوالدة!
    وكان الكهنة القدامى قد خرجوا من السباق بعد أن قعد بهم الروماتيزم وقيدتهم الشبهات، فلم يتحركوا من مكانهم على الخشبة!
    وكان الزمن القادم يبحث عن كاهنه وشاعره ومغنيه!
    أما المنافسون الحقيقيون، فقد كانوا الفرسان الذين شاغبوا على الزمن القديم، وشنوا الغارة ضده، وكان بينهم ثلاثة على الأقل، يعرفون كثيرين من أعضاء مجلس قيادة الثورة معرفة وثيقة إبان سنوات الإعداد لها ويصادقون "عبد الناصر" و"عبد الحكيم عامر" و"صلاح سالم" والآخرين. لمع من بينهم، في العامين السابقين على الثورة "إحسان عبد القدوس"، صاحب معركة "الأسلحة الفاسدة"، و"أحمد أبو الفتح" بطل معركة قوانين تقييد حرية الصحافة، و"حلمي سلام" صاحب الحملة على فساد إدارة الجيش.
    ذلك سباق لم يكن لهيكل مكان فيه، فقد قامت الثورة وتقارير القلم المخصص تقول عنه إنه "بلا لون سياسي". ومع أنه قد عمل في "الإجبشيان جازيت" ذات الصلة التاريخية بدار المندوب السامي البريطاني، وفي "آخر ساعة" المجلة الوفدية المتشددة، ثم في "أخبار اليوم" جريدة القصر، فإنه دخل هذه الصحف كلها وخرج منها وقد حافظ على "نقائه السياسي" فظل بلا "لون"!
    والغريب أن هذا السباق انتهى فجأة، بعد عامين فقط من قيام الثورة، إذا بهيكل الذي لم يشغب على العهد القديم، ولم يصنف بين الثائرين عليه، يفوز بمنصب الكاهن الأعظم، أما "أحمد أبو الفتح" فقد أغلقت جريدته "المصري" وهاجر ليعيش في المنفى عشرين عاما، وتحطمت ذراع وضلوع "إحسان عبد القدوس" إبان تلقيه لدروس في الكهانة في إحدى زنازين السجن الحربي. وكان "حلمي سلام" يلهث هناك في آخر الطابور، حتى جاء اليوم الذي قادته فيه الرغبة في الانتصار على "هيكل" إلى حماقة سارت بذكرها الركبان!
    في تلك السنة -1954- أثبت الفراعين الجدد أنهم "أولاد آمون" حقا، فإنهم يفضلون هؤلاء الذين بلا لون؛ لأنهم سيخلقون لونهم الخاص من ناحية، ولأنهم - وهذا هو الأهم - لا يريدون شغبا يفسد عليهم الاستقرار الذي يريدونه، لصنع مصر التي يريدون!

    مرحلة الوهج في حياة هيكل

    وهكذا بدأت سنوات المجد التي كان وهج هيكل خلالها يكاد يعمي الأبصار، واحتل الفتى الريفي القادم من "باسوس" أقرب مكان إلى القمة.. وتخلق لأول مرة، وبشكل يكاد يكون مثاليا، حلم محمد التابعي في أن يصبح الصحفي صاحب جلالة حقيقية.. فجلس "هيكل" - آخر تلامذته - على مقعد بجوار عرش الفرعون الذي جاء من قرية "بني مر" ليملأها عدلا ونورا بعدما ملئت ظلما وجورا!
    لم يحصل "هيكل" على كرسي الكهانة بالصدفة، بل تطبيقا لقوانين التاريخ.. ولأن عبد الناصر لم يكن فرعونا تافها فإن كاهنه كان مقتدرا وذكيا وموهوبا بالفطرة، ورث كل علوم الكهانة من عصر "مينا" فلم يبدد ما ورثه، بل أضاف إليه وطوره، وعصرنه.. ولا بد أن الذي ساعده على الإتقان إحساسه الصادق أن كهانته كانت - في الأغلب الأعم - تدافع عن قضايا معظمها حق وعدل، وسوف يمضي زمن أطول مما يقدر أكثرنا تفاؤلا، قبل أن تتكرر ثنائية "الفرعون" و"الكاهن"، بهذا المستوى الرفيع، ذلك أن "هيكل" لم يمارس دوره بمنطق الكهنة المأجورين، بل بروح العشاق المفتونين، فسخر كل مواهبه في خدمة الفرعون الذي جاء من هناك -حيث الكل في واحد- يصوغ له الخطب والرسائل ويؤلف له كتابا في الفلسفة وميثاقا في العمل الوطني وبيانا في 30 مارس، ويقرأ عليه الكتب وبرقيات وكالات الأنباء ويلخص له الصحف والإذاعات ويسفر بينه وبين ساسة العالم ودبلوماسييه وصحفييه ومناضليه وأفاقيه ويخرج له قراراته الكبرى، بشكل يعجز عنه أكثر المخرجين المسرحيين اقتدارا، ويكتب عنه وله، كل أسبوع "ترانيم يوم الجمعة"، فيزود المريدين بنشيد يترنمون به في هيكل المعبود، وينحت له تلك الكلمات الإسفنجية التي تمتص دموع الكوارث وترفع من لعلعة زغاريد الانتصار، فهو الذي سمى كارثة الانفصال "نكسة"، وهو الذي أطلق الاسم ذاته على هزيمة يونيو 1967، وهو صاحب التعبير الشهير الذي نشر على لسان المشير "عبد الحكيم عامر" قبل الكارثة بأيام: نحن نملك أكبر قوة ضاربة ورادعة في الشرق الأوسط.

    العاشقان.. عبد الناصر وهيكل

    ويقبل الليل، فلا ينام "هيكل" بل يظل قابعا بجوار التليفون الأبيض الذي يصل بينهما، فإذا رن جرسه الموسيقي.. بدأت مساورة الليل بين الاثنين.. وتواصلت الساعات، كما يفعل الرومانسيون من العشاق.
    ولعل "هيكل" هو الوحيد ممن كانوا حول عبد الناصر، الذي ظل نجمه يعلو في اطراد ولعله الوحيد الذي نجا من آثار المعارك الدموية التي كانت تدور في كواليس القصور وبين مراكز القوى ومديري المكاتب، مع أن كل الذين كانوا حول عبد الناصر، كانوا يحسدون هيكل على مكانته لديه ويكرهونه لذلك، ويرفضون بدرجة من التعالي، فكرة أن يكون هذا الصحفي المدني، أكثر قربا لعبد الناصر منهم! وكان ما يرفضونه، هو أحد أسباب تمسك عبد الناصر بهيكل، إذ كان أقرب ما يكون لوجه مدني لثورة 23 يوليو، أمام الذين لا يستريحون -أو لا يثقون- في الانقلابات العسكرية.. ثم إنه كان نافذة أرحب على العقلية المدنية التي تفتقدها الأجهزة الحساسة المعاونة لعبد الناصر، وبهذه العقلية المدنية، وبقربه من عبد الناصر استطاع "هيكل" أن يوقف كثيرا من المهازل أو المظالم والكوارث، واستطاع -وهذا هو الأهم- أن يثبت أن المجتمع المدني المصري ما زال قادرا على أن يقود بحكمة، ويدير برشد لذلك خاض ببسالة معركة تجديد "شباب الأهرام" فلم ينجح خلال فترة رئاسته لتحريرها "1957 - 1974" في وقف خسارتها فحسب، بل نقلها إلى الربح ثم الازدهار، ورفع توزيعها من مائة ألف نسخة عام 1958 إلى 420 ألف نسخة عام 1974.
    الأهرام سفينة نوح

    في تلك السنوات جعل "هيكل" من "الأهرام" أشبه بسفينة نوح، وحشد فيها ألمع ما في الوطن من عقول ومواهب وكفاءات وآراء، وأضفى على العاملين بها بعض حصانته، ومنحهم -على مسئوليته- جانبا من الترخيص الممنوح له، فعبروا بشيء من الحرية، وفي أحوال ليست كثيرة عن آرائهم، حتى تحولت إلى مركز عصري للكهانة يزدحم بالعلماء والأدباء والمفكرين والفنانين وأصحاب المذاهب ومن كل صنف زوجين اثنين.
    لكنها رغم كل ذلك، ظلت -كسفينة نوح- جزيرة صغيرة تائهة بين أمواج عالية كالجبال تحاصرها من كل الجهات.
    "هيكل" لم يكن يستطيع - في ظل موازين القوى التي كانت تحيط به - أن يفعل أكثر مما فعل، ولعله أيضا لم يكن يريد!
    والواقع أن "هيكل" لم يكن يوما من هؤلاء الشباب الطائشين الذين يتوهمون أن الواقع يمكن أن تغيره مظاهرة، أو تعيد تشكيلة خلية ثورية، وكان هذا أحد أسباب بقائه بلا لون سياسي حتى قامت الثورة، مع أن اللعب بالبالونات السياسية الملونة، كان الموضة السائدة في مصر الأربعينيات... وبين جيله من الصحفيين والكتاب... إذ كان من ذلك النوع الذي يؤمن أن التأثير في القمة أضمن وأسهل وأكثر إدراكا للهدف، من الاعتماد على تلك الكتل من الجماهير غير الواعية، التي لا تعرف ما تريد، والتي صعب الاطمئنان إليها، أما وقد جلس على مقعد الكاهن الأعظم، وأصبح أقرب ما يكون إلى التأثير في هذه القمة، فقد اكتفى بذلك. وبعد أن مات عبد الناصر قال "هيكل": إن العلاقة بينهما كانت علاقة حوار مستمر، لكنه لم يقل إن دائرة الحوار الكهربائية كانت مغلقة عليهما.. ولعلهما كانا الوحيدين اللذين يتحاوران في ذلك الزمن البعيد المجيد!

    الكاهن بعد موت فرعونه


    وقد خرج فيما بعد بنظرية تقول إن عبد الناصر لم يكن في حاجة إلى حزب يعتمد عليه، وينظم جيوش المريدين الذين تدفقوا بعشرات الملايين إلى حضرته، إذ كان لديه هذا الحزب ممثلا في أجهزة إعلامه القوية التي كانت تقوم بما يقوم به الحزب، وتلك قمة كهانة هيكل، فالشعوب في رأيه خلقت لتسمع وتقرأ، لا لتتكلم أو تكتب، والكاهن هو "حزب" الزعيم أو هو "شعب" الفرعون.. أما عبارات ومصطلحات.. مثل "الشعب المعلم" و"الشعب القائد" و"إرادة شعبنا" -وهي بالنسبة له أمر لا يرد- التي صاغها "هيكل" وألقاها عبد الناصر فلم تكن سوى دليل على تفوق "هيكل" في كتابة الإنشاء!
    وهكذا تحولت العلاقة بين الفرعون والكاهن إلى صداقة عميقة، واندماج فعلي، وكانت الكهانة المقتدرة قد صنعت من الانتصارات التي توالت في سنوات المد، أساطير أحاطت رأس الفرعون بأكاليل الأزهار، وفي نهاية ذلك الزمن الذي بدا وكأن الفرعون قد دمج نفسه في الكاهن، وأن الاثنين قد دمجا الوطن فيهما، وأن الذي جاء من هناك حيث الكل في واحد، قد انتهى إلى هناك، حيث الكل -أيضا- في واحد! وكانت النكسة تزحف -كالقدر- بخطى حثيثة لتهدم المعبد على رءوس الجميع.

    وجاء اليوم الذي مات فيه عبد الناصر قبل الأوان:


    خلا المعبد من الفرعون القوي القادر المعبود، انفض سامر المريدين وصمتت أصوات المرنمين، وبقي الكاهن وحيدا تحيط به عواصف من كراهية كل الذين أحفظتهم مكانته من الفرعون الراحل. وفي ذكرى الأربعين لوفاة الفرعون -وهي تقليد فرعوني- كتب "هيكل" مقاله الشهير "عبد الناصر ليس أسطورة" الذي حكم فيه بأن الزعيم الخالد - هكذا كان "عبد الناصر" يسمى رسميا أيامها - كان واحدا من البشر، وليس أسطورة وأنه لم يترك معبدًا ولم يعين للمعبد كهنة.
    وكان المقال واحدا من ذرى كهانة "هيكل" المقتدرة أراد أن يضرب به ثلاثة عصافير بحجر واحد، فينزع من مجموعة "علي صبري" فضلا كانت قد نسبته لنفسها بزعمها أنها تضم تلاميذ عبد الناصر ومريديه والأمناء على رسالته، ويرضي السادات الذي كان هذا الزعيم في جانب منه، يستهدف التقليل من مكانته، وأخيرا فإن المقال ينكر حق الكهانة على غيره ليحتفظ به لنفسه!

    وأدمن الكهانة

    والواقع أن "هيكل كان قد أدمن الكهانة، لذلك راهن على أنور السادات رغم أنه كان أكثر الناس علما بأن المسافة شاسعة بين الفرعون والمتفرعن. ولم يكن أمامه مفر من أن يفعل ذلك، فقد كانت عواصف الكراهية التي يحركها علي صبري وجماعته، توشك أن تقتلعه، أما السادات الذي كان طوال عهد عبد الناصر كامنا بين أعواد الذرة، كأولاد الليل يتفرج على صراع السلطة، فلم يكن بينهما ما يدعوه للخوف منه!
    وكانت كهانة "هيكل" المدربة، هي التي اقترحت على "السادات" أن يختار قضية الحريات العامة والشخصية، والاعتقالات الكيفية وغير القانونية، والفصل عن غير الطريق التأديبي، والتصنت على التليفونات ـ موضوعا للصراع مع "علي صري" ومجموعته الذي تفجر في 15 مايو 1971، بينما كان "السادات" يريد أن يعلن السبب الحقيقي للصراع، وهو سعي المجموعة لمشاركته في السلطة، ورفضها لاستئثاره بها منفردا وتحفظها وشكها في محاولاته للتقرب مع أمريكا.
    وهكذا أنقذت كهانة "هيكل" المحترفة "السادات" من حماقته التي كانت كفيلة بأن يتصدى الناس له، ويرفضوه، واختار له هدفا وشعارا، قربه - في بداية عهده - من قلوبهم.. وكشف عن أنه كان يعلم طوال الوقت أن مشكلة نظام "عبد الناصر" مع الملايين الذين أحبوه ومنحوه ثقتهم كانت هي الحريات الديمقراطية!
    وفيما بعد أنقذ "هيكل" السادات من مطب آخر، إذ كان هو الذي أشار عليه، بعد أن فشلت الجولة الأولى من مباحثات الاشتباك الثاني في مارس 1975، بأن يفتح قناة السويس للملاحة البحرية، وأن يختار يوم 5 يونيو موعدا لذلك الافتتاح، ليمحو عار هزيمة 1967، ويحول يومها من يوم للحداد العام إلى عيد لفتح القناة رغم علمه بأن إغلاق القناة كان آخر أوراق الضغط التي كان السادات يملكها بعد أن تبددت الثمار السياسية لنصر أكتوبر بسبب اندفاعه الأحمق لجني أي ثمار!
    وفي المرتين أثبت "هيكل" أن احتراف الكهانة يمكن أن يحولها إلى هدف في ذاتها وأن الكاهن قد يبدأ مبشرا بقضية.. وينتهي إلى ممارسة الكهانة في خدمة أي هدف.. إذ كان أول من يعلم أن "السادات" هو آخر إنسان في العالم، يمكن أن يكون صورة من "عبد الناصر".

    مصارعة السادات

    لكن "هيكل" لم يهنأ طويلا بالقرب من السادات، فقد كان الرجل الذي ظل منزويا ومجهولا وبلا مكانة طوال عهد عبد الناصر، يريد أن يثأر لسنوات الإهمال المتعمد، التي كان فيها "هيكل" أقوى منه نفوذا وأعلى منه مكانة، بل كان يلجأ إليه أحيانا ليحل له مشاكله.. وكان يطمح أن يكون آخر الفراعنة، ولذلك أراد كهنة لم يرتبطوا في وجدان الناس بأحد سواه وخاصة بـ "عبد الناصر".
    ورفض "هيكل" بعناد كل محاولات السادات لتطويعه، أو مساواته بغيره من الكتاب والصحفيين، أو نقله من مركز كهانته في "الأهرام" إلى حيث يصبح وزيرا من الوزراء، أو نائبا لرئيسهم، أو مستشارا للرئيس فقد كان يدرك بذكائه وخبرته، أن تلك كلها مناصب أقل أهمية وتأثيرا لذلك طالب بما سماه في روايته لما دار بينه وبين السادات حول هذا الموضوع بـ"مكان ومكانة الصديق" أي بمنصب الكاهن الأعظم، ذلك الدور الذي عشقه وأتقنه وبرع فيه، وحفر بسببه اسمه على أحجار التاريخ.
    وجاء رفض السادات لشروط "هيكل" ليفض الاشتباك بين الرجلين. فانتقل "هيكل" خطوة بعد خطوة إلى صف المعارضين للسادات.

    وترك في ذمة التاريخ سؤالين:


    الأول: هل كان "هيكل" سيدافع عن توجهات "السادات" السياسية لو أنه أشركه معه في إخراجها، واحتفظ له بمكان ومكانة الصديق، أي بمنصب كبير كهان الهيكل؟!
    والاحتمال الأرجح أنه كان سيفعل!
    والثاني هو: هل كان مصير السادات سيختلف عن المصير الذي انتهى إليه بالفعل، لو أنه احتفظ بهيكل كاهنا لمعبده؟!
    والإجابة بالقطع نعم!

    وجرت في النهر مياه كثيرة:

    في 3 سبتمبر 1981... وجد "هيكل" نفسه سجينا في إحدى زنازين سجن الاستقبال بمنطقة سجون طره الواقعة جنوب العاصمة المصرية!
    حدث الذي لم يكن أحد يتخيله أو يتوقعه.. ووجد "هيكل" إلى جواره، في الزنزانة بعض الذين نازعهم ونازعوه سدانة المعبد، ممن كانوا يسمون آنذاك بـ"مراكز القوى".
    وفي 28 سبتمبر 1981، اعتذر "هيكل" عن الحديث في احتفال كنا -على سبيل التحديث- قد قررنا إقامته في ذكرى وفاة "عبد الناصر" واختفى في زنزانته، وقال لي أحد الذين يشاركونه سكناها من زملائنا المعتقلين: إنه أخفى وجهه تحت غطائه واندفع في بكاء حار!
    وفي 6 أكتوبر 1981 سمعنا خبر مقتل السادات... ورغم المشاعر المتعددة التي ناوشتنا بعد سماعه، فقد كان "هيكل" هو الوحيد الذي أغلق عليه باب زنزانته، واندفع مرة أخرى في بكاء عنيف!
    وكان صوت جميل يأتي من بعيد، يتلو قول الله عز وجل: "قل اللهم مالك الملك تؤتي الملك من تشاء وتنزع الملك ممن تشاء وتعز من تشاء وتذل من تشاء بيدك الخير إنك على كل شيء قدير".


    التعديل الأخير تم بواسطة طيف عابر ; 2 - 12 - 2008 الساعة 12:16 PM

  6. #6

  7. #7
    تاريخ التسجيل
    29 - 12 - 2008
    ساكن في
    الدقهلية
    المشاركات
    2,633
    مقالات المدونة
    12
    النوع : ذكر Egypt الفريق المفضل  : الاهلي

    افتراضي

    تحية الى وزيرة اعلام المنتدى
    اشكرك
    من يستطيع ان يلخص هيكل
    لابد ان يكون بقدر هيكل
    وانت سما بقدره واكثر
    تصفحت القليل
    ساعود للاستفادة
    لك كل الشكر







    والله يامصر من شرقك لغربك
    قلبى هواك وحبك

    البحث على جميع مواضيع العضو hadede

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    16 - 11 - 2007
    ساكن في
    دنيا فانية
    المشاركات
    24,705
    النوع : انثيJordan

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة jewel_lowis مشاهدة المشاركة

    شكرا كتير
    يبارك بقلبك
    يسلمووووووووووووووو

  9. #9
    تاريخ التسجيل
    16 - 11 - 2007
    ساكن في
    دنيا فانية
    المشاركات
    24,705
    النوع : انثيJordan

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة hadede مشاهدة المشاركة
    تحية الى وزيرة اعلام المنتدى
    اشكرك
    من يستطيع ان يلخص هيكل
    لابد ان يكون بقدر هيكل
    وانت سما بقدره واكثر
    تصفحت القليل
    ساعود للاستفادة
    لك كل الشكر

    ربي يسلم قلبك ويبارك بعمرك يا رب
    انا على طول بصراحة بحب اقرأله او اتابعه على الجزيرة
    واتمنى ان اكون يوماً ما بمستوى تفكيره وتحليله للامور
    تسلم حديدي
    الف شكر على الكلام الطيب

  10. #10
    تاريخ التسجيل
    29 - 12 - 2008
    ساكن في
    الدقهلية
    المشاركات
    2,633
    مقالات المدونة
    12
    النوع : ذكر Egypt الفريق المفضل  : الاهلي

    افتراضي

    اتمنى ان تكتبى عن الرئيس محمد نجيب
    حقيقى انا قريت كتابه زمان واسمه كنت رئيسا
    للجمهورية يعنى الاسم قريب من ذلك
    بطلب منك هذا الطلب لان عجبنى جدا ما تكتبييه
    عن العمالقة
    بحكم سنى كنت بقرا ايضا لهيكل ويعجبنى اسلوبه
    اكرر شكرى على ابداعاتك
    تقبلى مرورى وتحياتى







    والله يامصر من شرقك لغربك
    قلبى هواك وحبك

    البحث على جميع مواضيع العضو hadede

 

 
صفحة 1 من 2 12 الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. مشاركات: 15
    آخر مشاركة: 1 - 11 - 2011, 12:18 PM
  2. مشاركات: 3
    آخر مشاركة: 23 - 2 - 2011, 05:47 PM
  3. وفاة مايكل جاكسون(صورة مايكل داخل الاسعاف)
    بواسطة ملكة القلوب في المنتدى صور
    مشاركات: 24
    آخر مشاركة: 28 - 10 - 2010, 04:24 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • مش هتقدر تضيف مواضيع جديده
  • مش هتقدر ترد على المواضيع
  • مش هتقدر ترفع ملفات
  • مش هتقدر تعدل مشاركاتك
  •  
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات مصراوي كافيه 2010 ©