الطريق الى جينيف
نادر بكار

أغلب الظن أن الولايات المتحدة منفردة أو ضمن تحالف محدود ستوجه ضربة جوية خاطفة محدودة النطاق منتقاة الأهداف تستغرق ساعات معدودات تهدف بالأساس إلي تحجيم قدرة نظام بشار علي الحسم باستخدام الأسلحة غير التقليدية‏.‏

تحرك يهدف إلي تقليم الأظافر لا بتر الأطراف لأنه وبحسب وجهة النظر الأمريكية التي تأرجحت كثيرا طيلة عامين منذ بدء اندلاع الثورة السورية فإن ثمة تجاوزا للخطوط الحمراء قد حدث باستخدام السلاح الكيماوي في المنطقة بغض النظر عن المتسبب في ذلك... ولعل هذه الخطوط الحمراء يتفهمها الكبار بمن فيهم الروس والصينيون لذا فالمتوقع أن يغض هؤلاء الطرف طالما كانت الضربة محدودة ومعروفة آثارها سلفا.
وهنا نصل إلي الهدف الأصلي من وراء الضربة الأمريكية; فبغض النظر عن المسئولية الأخلاقية التي يزعمها الغرب بقيادة الولايات المتحدة تجاه أطفال وأبرياء عزل تجتاحهم الغازات السامة فإن بشار قد كسر حاجز السجال الذي أقره ضمنيا المعسكران الغربي والشرقي إزاء الوضع في سوريا; وتعجل الحسم لصالحه أيا كانت الوسيلة المستخدمة; ولذلك فإن الفرصة صارت مواتية أمام المعسكر الغربي ليرد علي مروق بشار ويكسب نقطة جديدة في الصراع الأممي يعقبها علي الفور دعوته روسيا والصين إلي جولة سياسية جديدة من جولات جنيف... وهذا تحديدا ما ألمح إليه أوباما وصرح به كاميرون خلال الأسبوع المنصرم.
والسؤال الحيوي الذي يعنينا من المنظورين المصري والعربي; هل نحن مقتنعون بزوال شرعية الأسد بعد مائة ألف شهيد سقطوا علي يديه ونختلف فقط في الوسائل أم أننا في اللحظة الراهنة سنقع في أسر تصورات نمطية وقوالب فكرية جاهزة بعيدة عن ديناميكية المشهد السوري وتعقيداته ؟
فالنظرة الآنية إلي المشهد السوري لن تفيد اللهم إلا لمن يفضلون التفسير بالنظريات المتشنجة فقط; إذ لابد لنا من عودة سريعة بالذاكرة إلي الوراء لنستوعب التداعي المنطقي للأحداث التي قادتنا إلي التعقيد الراهن; فالبداية كانت انتقالا طبيعيا لحمي الربيع العربي إلي الشعب السوري فانطلق آنذاك في تظاهرات سلمية يطلب تماما كأشقائه الحق في الخلاص من نظام ديكتاتوري جثم علي صدره عقودا متطاولة.
فكان السحق والذبح من الوريد إلي الوريد بانتظار عشرات آلالاف المدنيين العزل وبأبشع الطرق وأكثرها وحشية علي يد جيش النظام الأسدي الذي لم يلبث أن انشق عنه تدريجيا وحدات ضخمة من الضباط والجنود احتفظوا ببقية من انسانية وفطرة أبت عليهم الانخراط في تطهير عرقي كهذا; ومن ثم كونوا بعد ذلك العامود الفقري والقوة الضاربة للجيش السوري الحر المضطر اضطرارا للدفاع عن شعبه الأعزل ضد آلة قتل تحصد الأرواح بلا هوادة.
نعم يتفهم الكثيرون أن دخول تنظيم تكفيري متطرف علي الخط ممثلا لفكر القاعدة ليقاتل ضمن صفوف الثوار قد أربك حسابات الجميع; وأعطي ذريعة ولو واهية لنظام بشار ليعزف بها علي وتر مواجهة الإرهاب فيبتز بذلك العالم الحر فيضطر إلي تجاهل جرائم حرب ترتكب صباح مساء بدم بارد... وللأسف هكذا دائما هو تنظيم القاعدة ما أتي علي ديار إلا وخلفها خربة ولا تضامن مع قضية إلا ولوثها ونفر العقلاء منها; لكن هذا لا يعطي شرعية لنظام بشار إلا عند عديمي الضمير ومزدوجي المعايير فقط.
قيام سوريا النظام والدولة وليس الشعب بدور المقاومة والممانعة أسطورة تهاوت عند العقلاء ربما من توقيت حرب أكتوبر37; ولم تعد إلا غطاء يبرر به النظام الفاشي وجوده وأسباب استمراره; ويرفض به تداول السلطة والانتخابات الحرة بزعم لا صوت يعلو فوق صوت المقاومة.
سوريا البعث مختلفة تماما عن العراق البعثي لو أردنا إيغالا في عمق نظرية القومية العربية لذا لابد من تفهم ضرورة كسر أو علي الأقل التوازن مع الهلال الفارسي الممتد من طهران شرقا إلي دمشق غربا آسرا في طريقه لبنان طافقا يعبث بأمنه ومطوقا السعودية من الشمال بعد أن انضوي العراق بأسره تحت جناحه. يمكننا أن نوازن بين تخوف مشروع من الاستباحة الغربية للعمق السوري- مع الأخذ في الاعتبار الاستباحة الإيرانية والروسية الكاملة- وبين حرص علي إنهاء معاناة الشعب السوري المنكوب التي تتطلب بالضرورة الخلاص من بشار ونظامه.