هناك اعتقاد اجتماعي سائد بأن عالم المال والاقتصاد هو عالم الرجال، وأن دور النساء فيه لا يتعدى تقديم الخدمات المساعدة كالسكرتارية والأعمال الحسابية والمكتبية والإدارية، وربما أعمال النظافة، وإذا تجرأت امرأة ودخلت هذا العالم كمستثمرة قيادية فإنها لا تسلم من شائعات تتهمها باستغلال أنوثتها في تسيير أعمالها، وإذا لم تسمح درجة أنوثتها بهذا الاتهام فإنها توصف بالاسترجال.
اتضح من دراسة أجريت في مصر عن المتعاملين في البورصة أن 81% من العينة كانوا رجالا و19% فقط كانوا من النساء، وهذا لا يعني أن تلك النسبة هي نسبة الرجال والنساء المتعاملين في البورصة المصرية، فعينة الدراسة كانت عبارة عن 99 مستثمرا فقط، ولكن عموما تحجم النساء عن التعامل في البورصة مقارنة بالرجال في مصر والعالم العربي وحتى في كثير من الدول الغربية، فقد أجري بحث في عدد كبير من الدول للمقارنة بين الرجال والنساء من حيث الثقة في عملية الاستثمار فوجد أن 80% من الرجال لديهم الثقة مقارنة بـ29% من النساء.. وفي أمريكا يختلف الأمر حيث إن 50% من مديرات الاستثمار هن من النساء.
طالع:
ومن الناحية العلمية فإن النساء لديهن قدرة عالية على الحدس (التنبؤ من خلال الإحساس الداخلي)، ولديهن قدرة على الربط بين العوامل المتعددة وعلى تكوين رؤية تكاملية للأحداث، كما أن لديهن قدرة عالية على رؤية التفاصيل الصغيرة في جوانب الإنفاق، تلك المميزات التي أهلت المرأة للإمساك بمصروف البيت أفضل من الرجل في معظم البيوت.
أفضل شخصية
ولأنه موضوع هام يشغلنا كمتخصصين في العلوم النفسية ويشغل العاملين في البورصة، فقد أجريت أبحاث في هذا الشأن في أكثر من مركز بحثي؛ هدفها البحث عن خصائص الأشخاص المرشحين للنجاح في هذا المجال، وكانت النتائج كالتالي:
1 – شخص لديه وعي موضوعي بذاته، بمعنى أنه يدرك جيدا نقاط قوته وضعفه.
2 – لديه القدرة على قيادة نفسه واتخاذ قراراته بشكل مستقل بعد تجميع المعلومات من كل المصادر المتاحة.
3 – لديه القدرة على رصد وضبط مشاعره.
4 – لديه القدرة على رصد ومنع السلوك الهادم للذات.
5 – يتعامل مع السوق وهو في حالة ارتياح.
6 – يسعى دائما نحو النجاح، ويعرف كيف يحققه.
7 – يعرف جيدا متى يستفيد من نصائح الآخرين ومتى يهملها أو يحذر منها.
8 - غير قابل للإيحاء بسهولة.
9 – يستطيع التحكم في مشاعره وانفعالاته أثناء فترات اضطراب السوق (الثبات وقت الاضطراب).
10 – يستطيع أن يواصل عمله تحت الضغط.
11 – لديه مهارة اتخاذ القرار المناسب في الوقت المناسب.
وقد ذهب عالمان نفسيان هما "لو" و"ريبين" (L0 and Repin 2005) إلى أن أهم صفة في المستثمر هي "الثبات الانفعالي" وقت اهتزازات السوق، وقد قام هذان العالمان باستخدام قياسات نفسية وفسيولوجية لرصد معدل ضربات القلب، وضغط الدم ورطوبة الجلد لعدد من المستثمرين أثناء ممارستهم لعملهم في البورصة، فوجدوا أن المستثمرين الناجحين ذوي الخبرة العالية لا تحدث لهم تغيرات كبيرة في استجاباتهم النفسية والفسيولوجية حتى وهم يتلقون أخبارا مفاجئة أو غير سارة.
وقام عالم نفس آخر هو "أو كريفي ورفاقه" (O’Creevy et al 2004) بدراسة على 118 مستثمر أوروبي محترف، ووجد أن المستثمر الناجح يميل لأن يكون شخصا انطوائيا لديه قدر عال من الثبات الانفعالي ولديه عقل متفتح على الخبرات الجديدة.
وقام "أوبرشنر" (Oberchner 2004) بإرسال استبيان إلى 600 مستثمر محترف في أوروبا ، أجاب 54% منهم على الاستبيان بالكامل، وكان عبارة عن 23 خاصية من الخصائص المفترضة للمستثمر الناجح، واتضح من رأي المستثمرين أن أهم 5 خصائص هي:
1 – سرعة الاستجابة (أو بالأدق قصر زمن رد الفعل)(Quick Reaction Time)
2 – الانضباط (Discipline)
3 – الخبرة (Experience)
4 – التركيز (Concentration)
5 – مقاومة الضغوط (Stress Resistance)
ومن خلال معالجات أخرى للاستبيان اتضح أن أهم خاصية للنجاح في البورصة هي: التعاون المنضبط (Disciplined Cooperation).
فحين يتعرض مبنى كبير لزلزال أو حريق يشعر المقيمون فيه بالفزع الشديد فيتدافعون في الطرقات وعلى السلم ونحو "الأسانسير" ، ونتيجة هذا التدافع يموت الكثيرون أو يصابون، ليس بسبب الزلزال أو الحريق؛ ولكن بسبب التزاحم الشديد، فيسقط بعضهم تحت الأقدام ويزداد حجم الكارثة.
نفس الشيء يحدث في تعاملات البورصة حين يحدث هبوط حاد فيندفع عدد كبير من المستثمرين وخاصة الهواة منهم إلى البيع السريع والعشوائي فتهبط الأسعار أكثر فيثير هذا مزيدا من الهلع لدى نفس المستثمرين أو لدى مستثمرين آخرين، وهكذا يزداد التدهور بسبب حالة الهلع وسلوك التدافع ، ولو استمر هذا الأمر لانهارت البورصة تماما، ولكن الذي يوقف الانهيار هو وقوف المحترفين ، ذوي القدرة على السيطرة على انفعالاتهم وأفكارهم، حيث يعرفون أن هذا الانهيار مؤقت بالضرورة، وأنه سيصحبه ارتفاع قريب حين يفرغ الخائفون والمضطربون انفعاليا من بيع أسهمهم، وحين ينتبه المغامرون فيبدءون في الشراء في هذه الظروف انتظارا للصعود المتوقع.
إذن فهبوط البورصة حدث معتاد ومفهوم اقتصاديا، أما انهيار البورصة فهو حدث نفسي بالأساس سببه سلوك التدافع الناتج عن حالات الهلع التي يصاب بها الهواة وأنصاف المحترفين.
سلوك المخاطرة
وقد اتضح أن 66% من المستثمرين في البورصة المصرية لا يميلون إلى المخاطرة، ويفضلون التعامل في المناطق الآمنة، وأن 54% منهم يبدون مترددين في اتخاذ قرارات سريعة، وقد تسبب هذا –حسب قولهم– في خسارات كثيرة، وأن أكثر فترات كانوا يترددون فيها هي تلك التي تتبع الخسارة أو المكسب.
وهذه النتائج مختلفة عن نتائج الأبحاث في الغرب، حيث تبين أن 97% من المستثمرين هناك حين يتعرضون لخسارة يبدءون في البيع دون تردد، فهم يعطون قيمة أعلى للقدرة على اتخاذ القرار الحاسم ولا يحبذون الانتظار أو التردد، وربما ترجع هذه الفروق إلى عوامل ثقافية.
والمخاطرة قد تبدو سلوكا سلبيا في الحياة بشكل عام، ولكنها قد تكون مطلوبة في البورصة، بل قد لا يخلو قرار في البورصة من قدر من المخاطرة، ونحن نفرق هنا بين المخاطرة العشوائية التي ترتكز على مشاعر وانطباعات شخصية، والمخاطرة المحسوبة التي ترتكز على القدر المتاح من المعلومات والتوقعات مهما كان صغيرا.
وعلى العكس من ذلك قد يكون التردد سببا لضياع الكثير من الفرص المهمة في استثمارات البورصة، والمحك هنا هو الخبرة والمهارة التي تحدد متى يقدم الشخص ومتى يتردد، والوقت المطلوب لهذا وذاك.
قلق × قلق
وفي بحث أجراه كاتب المقال بالتعاون مع د. "وائل أبو هندي" و"داليا الشيمي" على 99 من المتعاملين في البورصة المصرية والمشاركين في مؤتمر عن البورصة عقد في القاهرة بتاريخ 11/5/2006 م كانت النتائج كالتالي:
كانت أكثر فئة عمرية في العينة هي 25-35 سنة ، وهذا متوقع حيث إن الاستثمار في البورصة هو نوع جديد من الاستثمار يقبل عليه الشباب، ويهابه كبار السن الذين يفضلون الأنماط التقليدية في الاستثمار.
وقد أقر 63% من المتعاملين في البورصة أنهم مروا بحالات قلق شديدة في حالات الهبوط الحاد في البورصة، وهذا مفهوم ومتوقع، أما المفاجأة فكانت أن 57% من المستثمرين ذكروا أنهم مروا بحالات قلق أيضا عند حصولهم على مكاسب كبيرة أو مفاجئة، أي أن المكسب والخسارة يصحبهما حالة قلق، فالعبرة هنا بالتقلبات والمفاجآت.
وأفاد 68% من أفراد العينة أن تعاملهم في البورصة قد أثر بالسلب على حياتهم الاجتماعية، وقال 64% أن تقلبات البورصة أثرت بالسلب على حالتهم الصحية العامة، ولهذا فهم يعتقدون أن غير المتعاملين في البورصة أسعد حظا؛ لأنهم –في نظرهم– يعيشون حياة مستقرة نفسيا وعائليا واجتماعيا.
وهذه الاضطرابات النفسية والاجتماعية أثرت على قدراتهم في مواصلة أعمالهم في رأي 79% منهم، وعقب أي هبوط شديد في البورصة فإن 100% قد عانوا مشاكل عائلية ومشاكل صحية، و97% عانوا اضطرابات في النوم، و84% شعروا بالإحباط مع الرغبة في بدء جولة جديدة من التعاملات.
وبناء على هذه المعاناة فإن 89% من المتعاملين مع البورصة لا يحبون أن يعمل أبناؤهم في هذا المجال.
ومن ناحية اتخاذ القرارات فقد ذكر 83% من أفراد عينة البحث أن قراراتهم تأثرت بحالتهم النفسية، واتضح أن القرارات في البورصة ليست دائما منطقية أو قائمة على حسابات وتحاليل حيث ذكر 53% من المشاركين في البحث أنهم يعتمدون على أحاسيسهم الداخلية في قراراتهم، وذكر 53% أيضا أنهم يتأثرون بمسائل التفاؤل والتشاؤم كما يتأثرون بآراء الآخرين.
وفي أوقات الهبوط الحاد فإن 97% يقومون بالبيع أو الشراء بدون تفكير، وحوالي 61% من أفراد العينة قالوا بأنهم لا يميلون إلى المخاطرة في تعاملاتهم في البورصة، وإنما يميلون للتعاملات المضمونة نسبيا، بينما أكد 54% من المشاركين أنهم ترددوا في اتخاذ قرارات مهمة وأن ترددهم أدى إلى خسائر كبيرة.
ومن ناحية الاعتقاد في مسألة الحظ فإن 73% من المستثمرين قيد البحث يشعرون أنهم غير محظوظين.
رعاية نفسية
بعد أن بثت وكالات الأنباء أخبار انتحار عدد غير قليل من المتعاملين في البورصة بعد الانهيار الأخير في أكتوبر2008 م ، ووقوع كثيرين آخرين في براثن الاضطرابات النفسية والعائلية والاجتماعية، أصبح من الضروري مراعاة الحالة النفسية للمتعاملين في البورصة، على أساس أنهم فئة يعانون من تقلبات السوق بشكل يؤثر في حالتهم النفسية إلى الدرجة التي يمكن أن تدفعهم للتخلص من حياتهم حتى في البلاد التي تقل فيها معدلات الانتحار مثل مصر.
وفيما يلي بعض الخطوط العريضة لرعاية هذه الفئة من الناس:
أولا: من الضروري أن يعرف المتعاملون في البورصة المفاهيم الأساسية المتصلة بها والمؤثرة على حالتهم النفسية مثل:
1 – الصعود والهبوط ليس حدثا استثنائيا في البورصة، بل هو من طبيعتها الأساسية.
2 – الهبوط في البورصة مهما كان حادا فهو لا يعني الانهيار.
3 – الخسارة في البورصة غالبا مؤقتة.
4 – الاستثمار في البورصة عملية طويلة المدى فلا يؤثر فيه بعض مراحل الهبوط.
5 – إذا كنت ممن يبحثون عن الأمان فمن الأفضل توزيع استثماراتك على أكثر من مجال حتى تكون المخاطرة محسوبة ومحدودة، فإذا اهتزت بعض المجالات أو بعض الأسهم عوضتها مجالات أو أسهم أخرى.
ثانيا: إتاحة التقييم النفسي للمستثمرين القابلين للتوتر والواقعين تحت الضغوط، ويتم هذا من خلال:
1 – المقابلة الإكلينيكية مع متخصص في الطب النفسي.
2 – إجراء بعض الاختبارات النفسية، خاصة تلك التي تقيس درجة القلق أو الاكتئاب أو الاضطرابات النفس-جسمية.
3 – إجراء بعض الفحوصات النفس-فسيولوجية لتقييم الاستجابات الانفعالية لتغيرات السوق، مثل متابعة معدل ضربات القلب وضغط الدم ودرجة التوصيل الكهربية في الجلد، ورصد نشاط المخ الكهربي أو الكيميائي أثناء ممارسة النشاط الذهني في التعامل مع البورصة.
ثالثا: الدعم النفسي والاجتماعي خاصة في أوقات الضغوط، ويتحقق ذلك بما يلي:
1 – وجود شبكة دعم عائلية واجتماعية قوية.
2 – إتاحة الفرصة للاستشارات النفسية لدى متخصصين نفسيين خبراء في مشكلات التعامل مع البورصة.
3 – جلسات علاج نفسي فردي (تدعيمي غالبا).
4 – تكوين مجموعات مساعدة ذاتية (Self Help Groups) يشارك فيها المتعاملين في البورصة، ويعلن عن موعد ومكان اجتماعاتها في كل مدينة، ويتناقش أعضاؤها في المشكلات التي تواجههم، ويتبادلون الخبرات في كيفية مواجهة تلك المشكلات.
رابعا: الدعم الإلكتروني، وذلك عن طريق مواقع على الإنترنت تقدم المشورة والدعم.
خامسا: عقد دورات وورش عمل للتدريب على كيفية التعامل مع المشكلات النفسية المصاحبة لتقلبات البورصة، ويمكن أن تتم هذه الدورات بشكل مباشر أو على الإنترنت من خلال E-training
سادسا: الدعم الديني: والذي يتمثل في رؤية المكسب والخسارة من منظور أوسع، وتأكيد الطمأنينة على الرزق، واللجوء إلى الله في أوقات الأزمات بالدعاء مع الالتزام ببرنامج من العبادات، وإخراج الزكاة لتطهير المال وإنمائه، والتبرع للأعمال الخيرية وخدمة المجتمع، وتحري الحلال والحرام في المعاملات المالية، كل ذلك يخفف من حدة الشره نحو المال، ويحمي النفس من الانهيار تحت تأثير التقلبات المالية، ويعطي للإنسان معنى أوسع للحياة.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)