يعيش المواطن الأمريكي العادي حالة ذهول ففي الوقت الذي تحاصره المخاوف والشكوك من تداعيات الأزمة المالية التي تعصف بالاقتصاد الأمريكي كأكبر اقتصاد في العالم يتحدث المرشحون لمنصب الرئاسة عن أرقاما الفلكية بخصوص التبرعات المخصصة لتمويل الحملة الانتخابية.
وتتسم الحملات الانتخابية للرئاسة الأمريكية بارتفاع تكاليفها لذا يسعى المرشح لمنصب رئيس البلاد أن يجمع مئات الملايين من الدولارات لحملة انتخابية موجهة نحو دولة فيها أكثر من 100 مليون ناخب، ويحظر القانون الأمريكي على الأجانب تقديم تبرعات لتمويل الحملات الانتخابية الأمريكية، ويفرض القانون على من ينتهك هذا الحظر غرامة مالية وعقوبة جنائية تصل إلى الحبس.
ويحدد القانون الفدرالي كيف يجمع المرشحون وبعض حلفائهم السياسيين الأموال، ومن أي جهات، وحجم تلك الأموال حيث يجب أن تأتي كافة التبرعات إلى المرشحين الفدراليين إمّا من أفراد أو لجان مسجلة لدى وكالة الانتخابات الفدرالية، ويُمنع تلقي تبرعات مباشرة من شركات مساهمة أو اتحادات عمالية، رغم انه يحق لهذه الهيئات أن ترعى لجان عمل سياسية تقوم بجمع التبرعات من الأفراد.
لكل قاعدة استثناء
وعلى الرغم من ذلك فأن لكل قاعدة استثناء ، فما هو محظور على المواطنين الأجانب غير الحاصلين على البطاقة الخضراء مسموح به للشركات الأجنبية، شريطة أن يكون لهذه الشركات شركة تابعة لها في أمريكا، عندها يحق للشركة الفرع أن تشكل لجنة رسمية تدعى Political Action Committee (PAC)، ويكون بإمكان هذه اللجنة تقديم تبرعات للمرشحين في الانتخابات سواء المحلية أو الفيدرالية.
وبفضل هذا الاستثناء تشارك الشركات الأجنبية، وبخاصة الأوروبية، في تمويل الحملات الانتخابية لكلا المرشحين باراك أوباما وجون ماكين في الانتخابات الرئاسية الحالية، وتحرص الشركات المانحة على تقسيم تبرعاتها بالتساوي بين المرشحين الديموقراطي والجمهوري، حيث أن هذه هي الطريقة الفضلى التي تضمن تحقيق الهدف الذي يسعى إليه جميع المانحين، وهو التأثير على القرارات السياسية المستقبلية لصالحها، بصرف النظر عن من سيكون سيد البيت الأبيض بدءا من العام القادم.
ونقل موقع التلفزيون الألماني (دويتشه فيله) عن مركز السياسات المسئولة، وهو مركز أبحاث مستقل يراقب التبرعات المقدمة في الحملات الانتخابية ويقدم بيانات بها محدثة أولا بأول أن قيمة التبرعات التي قدمتها شركات أجنبية وصلت حتى اليوم إلى 11.4 مليون دولار، قُسمت بالتساوي عمليا بين المرشحين.
الشركات الأوروبية في الصدارة
ووفقا للمركز قدمت الشركات الأوروبية نصيب الأسد من هذه التبرعات، حيث وصل مجموع التبرعات التي قدمتها شركات تقع مقارها في أوروبا على 10.3 مليون دولار، تليها شركات تقع مقارها الرئيسية في شمال أمريكا (كندا والمكسيك) بمجموع 569 ألف دولار، ثم الشركات الآسيوية التي وصل مجموع تبرعاتها إلى 365 ألف دولار.
ومن جانبها حظيت الشركات البريطانية بالمركز الأول من بين الشركات الأوروبية المانحة، حيث وصل مجموع تبرعاتها إلى 3.6 ملايين دولار، تليها الشركات السويسرية بمجموع 2.5 مليون دولار، أما الشركات الألمانية فوصل مجموع تبرعاتها لتمويل الحملات الانتخابية الأمريكية 1.4 مليون دولار.
كما أوضحت بيانات المركز أن أكبر مانح هي الشركة الهولندية الاستشارية KPMG وذلك عبر الشركة التابعة لها في أمريكا، يليها البنك السويسري UBS ثم عملاقة صناعة الأدوية جلاكسو سميث كلاين.
أرقام فلكية
أوباما وماكين .. من يفوز؟
وفي الوقت الذي تأتي فيه الانتخابات الرئاسية مصحوبة بالفشل الذريع لإدارة بوش الجمهورية والفوضى العارمة التي تسبب فيها على مدى الأعوام الثمانية السابقة والتي اختتمت بالأزمة الأكبر والأسوأ في تاريخ الاقتصاد العالمي منذ ثلاثنيات القرن العشرين، تطالعنا الصحف والمجلات بأرقام فلكية بخصوص التبرعات المخصصة لتمويل الحملة الانتخابية الرئاسية، حيث يدفع هذا الإنفاق الباذخ من الطرفين ـ ماكين وأوباما ـ المواطن الأمريكي العادي للتساؤل: أين هي الأزمة المالية؟ مادامت خزائن الجمهوريين والديمقراطيين عامرة بالدولارات؟
وبلغ حجم التكاليف المعلنة لهذه الحملة ما يناهز 530 مليون دولار وهو رقم يمثل فقط 15% من جملة تكلفة الحملة الحقيقية: الرقم المعلن ليس إلا قيمة ما صرفه الحزبان رسميا ولا دخل لبقية الناخبين ومصروفاتهم في الرقم.
حملة ماكين
قبل مرشح الحزب الجمهوري جون ماكين المساعدة الحكومية متهما منافسه بالتراجع عن وعد سابق له بقبولها، الأمر الذي وضع حجم الأموال التي سيضخها الجمهوريون في حملتهم الانتخابية دون سقف الـ84 مليون دولار.
مع التذكير بأن بوسع ماكين الاستفادة من 150 مليون دولار جمعها الجمهوري الشهر الماضي من مؤيديه، بحسب ما ذكره الموقع الإلكتروني لمؤسسة أوبن سيكرتس التي تراقب التمويل الانتخابي لكلا الحزبين.
يُذكر أن ماكين ومرشحه لمنصب نائب الرئيس سارة بالين ترأسا قبل أيام عشاء بأحد فنادق مانهاتن، بلغت كلفة التذكرة الواحدة ما بين ألف و25 ألف دولار للراغبين بالجلوس على نفس الطاولة التي يجلس عليها المرشحان والتقاط الصور التذكارية معهما.
وفي ختام هذا الحفل، جمع الجمهوري مبلغا كبيرا من المال تراوح ما بين تسعة وعشرة ملايين دولار وفقا لتصريحات القائمين على الحفل، وكان ماكين أنفق خلال الشهر الماضي ما يصل 37 مليون دولار ولا يزال لديه بالبنك 47 مليونا أخرى.
حملة أوباما
وعلى الطرف الآخر، تؤكد أوبن سيكرتس على موقعها الإلكتروني أن لدى حملة أوباما الانتخابية رصيدا مصرفيا ضخما يصل 141 مليون دولار، وفقا لتقارير محاسبية صادرة نهاية الشهر الماضي.
وأنفق أوباما على حملته الانتخابية بولاية أنديانا أكثر من ستمائة ألف دولار على شكل إعلانات تلفزيونية خلال الفترة ما بين 28 سبتمبر الماضي و4 أكتوبر مقابل 180 ألفا أنفقها منافسه بنفس الولاية ونفس الفترة.
أما في ولاية أوهايو التي صوتت بقوة للرئيس جورج بوش بانتخابات 2004، فقد أنفق أوباما أكثر من مليوني دولار مقابل 1.7 مليونا لماكين خلال الفترة ذاتها.
وفي ولايات فلوريدا وفرجينيا وبنسلفانيا أنفق أوباما أكثر مليوني دولار، بالإضافة إلى 1.2 مليون في شمال كارولاينا الولاية التي لم تصوت لصالح أي مرشح ديمقراطي لمنصب الرئيس منذ العام 1964
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)