الذين كانت أعينهم في غطاء عن ذكري وكانوا لا يستطيعون سمعاً"101")
أي: على أبصارهم غشاوة تمنعهم إدراك الرؤية، ليس هذا وفقط، بل:
{وكانوا لا يستطيعون سمعاً "101"}
(سورة الكهف)
والمراد هنا السمع الذي يستفيد منه السامع، سمع العبرة والعظة، وإلا فآذانهم موجودة وصالحة للسمع، ويسمعون بها، لكنه سماع لا فائدة منه؛ لأنهم ينفرون من سماع الحق ومن سماع الموعظة ويسدون دونها آذانهم، فهم في الخير أذن من طين، وأذن من عجين كما نقول.
أما المؤمنون فيقول الحق تبارك وتعالى فيهم:
{وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا من الحق "83"}
(سورة المائدة)
إذن: فكراهية أولئك للمسموع جعلتهم كأنهم لا سمع لهم، كما نقول نحن في لغتنا العامية: (أنت مطنش عني)، يعني لا تريد أن تسمع، ومن أقوال أهل الفكاهة: قال الرجل لصاحبه: فيك من يكتم السر؟ قال: نعم، قال: أعطني مائة جنيه، قال: كأني لم أسمع. ولذلك حكى القرآن عن كفار مكة قولهم:
{لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه لعلكم تغلبون "26"}
(سورة فصلت)
يعني: شوشوا عليه، ولا تعطوا الناس فرصة لسماعه، ولو أنهم علموا أن القرآن لا يؤثر في سامعه ما قالوا هذا، لكنهم بأذنهم العربية وملكتهم الفصيحة يعلمون جيداً أن القرآن له تأثير في سامعه تأثيراً يملك جوانب نفسه، ولابد أنه سيعرف أنه معجز، وأنه غير قول البشر، وحتماً سيدعوه هذا إلى الإيمان بأن هذا الكلام كلام الله، وأن محمداً رسول الله؛ لذلك قال بعضهم لبعض محذراً:
{لا تسمعوا لهذا القرآن والغوا فيه .. "26"}
(سورة فصلت)
وفي آية أخرى يقول الحق تبارك وتعالى:
{ويل لكل أفاك أثيم "7" يسمع آيات الله تتلى عليه ثم يصر مستكبرا كأن لم يسمعها فبشره بعذاب أليم "8"}
(سورة الجاثية)
وقد يتعدى الأمر مجرد السماع إلى منع الكلام كما جاء في قوله تعالى:
{ألم يأتكم نبأ الذين من قبلكم قوم نوح وعاد وثمود والذين من بعدهم لا يعلمهم إلا الله جاءتهم رسلهم بالبينات فردوا أيديهم في أفواههم .. "9"}
(سورة إبراهيم)
فليس الأمر منع الاستماع، بل أيضاً منع الكلام، فربما تصل كلمة إلى آذانهم وهم في حالة انتباه فتؤثر فيهم، أي منعوهم الكلام كما يقال: اسكت، أو أغلق فمك.
ثم يقول الحق سبحانه: