الحاكم والحمار – قصة قصيره
بقلم الكاتب الصحفي / محمود عبدالله الباز
********************************************
إحتل الإنجليز مصر في 11 يونية عام1882 وأصبحت مصر بأكملها خاضعة تحت الحكم الإنجليزي , وعين لكل بلده مصرية حاكم إنجليزي يتولى تدبير شئونها الأمنية ويكون على رأس الجيش والشرطة حين ذاك . وقصتنا هذه قصة واقعية حدثت عام 1932 بمدينة ههيا التابعة لمحافظة الشرقية . فكانت هذه البلده من ضمن البلاد التي سيطر عليها الإنجليز ويتولى شئونها الحاكم الإنجليزي ويدعى (بيكون ) الذي عرف عنه أنه جاد وصارم في تعامله , وعرف الظباط والجند داخل النقطة أن الحاكم الإنجليزي (بيكون ) يختلف عن ممن سبقه فهو لا يحتسي الخمر ولايحب السهر, وكان يبدأ عمله في تمام الساعة السادسة صباحا يجمع الضباط والجند داخل أسوار النقطة للتفتيش على مظهرهم العام وإعطائهم الأوامر وكانت أوامره للظباط والجند ألا يظلموا أحدا وأن يساعدوا المظلوم في إسترداد حقه ممن ظلمه وتعجب الضباط من تصرفات وأوامر هذا الحاكم كيف يكون محتل لأرض ليست من حقه ويطلب منهم العدل وعدم الظلم ! ومرت الأيام وعرف أهل البلده الحاكم (بيكون ) جيدا فكان يتلقى شكاوى الأهالي ويحلها لهم وكان يجوب شوارع المدينه بنفسه ليتفقد أحوالها الأمنية , وفي أحد الأيام إستيقظ الحاكم (بيكون ) مبكرا كعادته وفتح شرفة غرفته التي تعلو مكتبه وتطل على الطريق العام ليستشق الهواء العليل ويصافح نسمات الصباح الدافئة ويملي نظره بالحقول الخضراء والتي تطوق النقطة . وفجأه إلتفت (بيكون) نحو الطريق العام للبلده وإذا به يصرخ صرخة عالية أرعبت جند الحراسة المتواجدون أسفل النقطة فإنتبهوا له فأشار لهم بسرعة الجري نحو الطريق العام والقبض على رجلين من فلاحي القرية يركبون حمارا , فهرول الجند مسرعين تنفيذا لأمر الحاكم (بيكون) نحو الرجلين وبالفعل تمكنوا منهم وأقتادوهم بالحمار داخل النقطة وهم لا يعلموا ماذا فعل هذين الرجلين في الحاكم ولماذا إستثاروا غضبه بهذه الدرجة فصاح الرجلين في الجند بإنفعال شديد فقال أحدهم (لماذا تقبضون علينا ولم نفعل شيء ) إرتدى الحاكم (بيكون ) زيه مسرعا ونزل إلي مكتبه وأمر الجندي بإحضار الرجلين إلى مكتبه فأحضرهم الجندي فوقف الرجلين امام الحاكم الإنجليزي في حالة ذهول ورهبة لا توصف وينظر إليهم (بيكون) نظرة إحتقار وغضب قائلا (( أي بشر أنتم .........بماذا أوصفكم فلا أجد وصفا يليق بكم !!)) والرجلين يقفون مرتجفين فرد احدهم قائلا ((ماذا فعلنا حضرة الحاكم بيكون !!)) فرد بيكون ((أبدا لم تفعلوا شيئا غير أن ضمائركم ماتت ونسيتم ما أمركم به دينكم ........ ! )) ويقف ( بيكون ) صامتا للحظات فقال (( كيف تركبون أنتم الأثنين بأجسامكم البدينة هذه على حمار واحد وتضربونه وتطلبون منه أن يحملكم ويمشي أما تعلموا أن هذا الحيوان خلق ليحمل رجلا واحدا !!!)) نظرا الرجلين إلي بعضهما البعض بتعجب ودهشة فتابع بيكون حديثه قائلا (( أنتم من جنيتم على أنفسكم وسألقنكم درسا لن تنسوه لتتعلموا كيف تكون الرحمة بالحيوان ولتكونوا عبرة لغيركم )) وفي ذلك الأثناء وقف الضباط خارج مكتب الحاكم ( بيكون ) يستمعون له في حيرة هل فعل (بيكون ) هذه الضجة من أجل حمار !!!!! فرد أحد الرجلين المقبوض عليهم على بيكون قائلا ( حضرة الحاكم بيكون إننا نركب أنا (بيكون) من كلام الرجل وقال غاضبا ((سنوات وانتم تركبون معا ما هذه الجرأة أيها الرجل ؟ فكنت أظن أنكم فعلتم فعلتكم هذه اليوم الفقط ! ولكن هذا من حسن حظ الحمار أنك إعترفت علي نفسك وعلى صديقك البدين ! ولذلك العقاب سيكون أشد وأدهى !! )) فنادى بيكون على الجندي فأمره بأن يلقي بهذين الرجلين داخل السجن ويأخذ الحمار ويسقيه ويأكله داخل حظيرة الخيل التابعة للنقطة . خرج الجندي من مكتب بيكون ومعه المتهمين . أغلق الجندي الباب من خلفه وجلس (بيكون )على مكتبه حزينا بائسا مما رأه . فطرق أحد الضباط باب مكتب بيكون فسمح له (بيكون ) بالدخول فقال له بيكون ماذا تريد حضرة الضابط فرد عليه الضابط قائلا سيدي الحاكم ماذا سنفعل بهذين الرجلين هل سنتركم في السجن أم سنحقق معهم !! فرد عليه بيكون قائلا نحقق معهم في ماذا !! عدم الرحمة بالحيوان ليست جريمة في قانون البشر حضرة الضابط .......ولكنها جريمة في حق الإنسانية كلها فلا نستطيع أن نحاكمهم على عدم رحمتهم بالحمار !! فتعجب الضابط وأراد الضابط أن يسأل بيكون سؤالا عالقا في جوفه منذ أن أتى بيكون للنقطه ! فقال حضرة الحاكم (بيكون ) أريد أن أسألك سؤالا يعتصر تفكيري ولا اجد له تفسير لدي ؟ فقال له( بيكون ) إسأل حضرة الضابط . فرد عليه الضابط قائلا (( كيف تريد أن تنشد العدل بين الناس وعلي الحيوان ووجودكم على ارضنا وإحتلالها بالسلاح ليس به أي نوع من العدل أوالرحمة !!! )) فزع (بيكون ) من وقع السؤال عليه وصمت قليلا فرد قائلا (حضرة الضابط سؤال كهذا يكلفك الكثيرإن كان لحاكم غيري..... ومع ذلك سأرد علي سؤالك (وجودي هنا ليس إختياري ولكنه إجباري بحكم كوني جنرال إنجليزي ولكن بإستطاعتي أن أحقق العدل وأرفع الظلم عن من حولي مهما إختلفت معهم في العقائد والتقاليد هكذا تعلمت من إسلامكم ومن نبيكم محمد السماح والعفو عند المقدرة أليس كذلك ؟ ) تعجب الضابط من رد بيكون وقال له ( نعم حضرة الجنرال بيكون ) وطلب الضابط الإنصراف فامره (بيكون ) أن يفرج عن الرجلين عند دخول الليل . ويشتري منهم الحمار وأن يتركهم يرحلوا ويحذرهم من تكرار فعلتهم هذه وعلى الجند أن يبلغوا أهل البلده جميعا بأمر الحاكم (بيكون ) بأنه يمنع أن يركب رجلين علي حمار !! ,وأمر بيكون بعد ذلك أحد الجند بأن يأخذ الحمار ويبيعه في السوق أملا منه أن يشتريه رجلا يعرف العدل والرحمة !!!!!