قهوتنا على الانترنت
ابحث عن :  
النتائج 1 إلى 4 من 4
  1. افتراضي لغتنا العربية .. 3 ... متجدد

    1) كيف حفظ القرآن الكريم اللغة العربية منطوقة مسموعة ؟

    يتجلى هذا الحفظ في ثلاثة ميادين رئيسة:

    أ ـ حفظ القرآن الكريم مادة اللغة العربية :

    عرفنا أن اللغة العربية بلغت القمة قبل الإسلام وحينما كادت تنزل عنها شاء الله تعالى أن ينزل فيها الكتاب العزيز الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه تنزيل من حكيم حميد، فمنعها من النزول عن قمتها وارتقى بها إلى رفيع الدرجات وأرحب الآفاق، وكيف حدث هذا؟

    حينما خرج العرب من جزيرتهم احتكوا بغير العرب كما أن الأعاجم الذين دخلوا في دين الله تعالى أفواجا غصت بهم المدن الإسلامية وكثر احتكاك النشء بهؤلاء الأعاجم مما عجل بتسرب اللحن إلى العامة والخاصة في المدن ابتداء بعاصمتي الإسلام الأوليين مكة المكرمة والمدينة المنورة، وقد ظهر في نهاية القرن الأول الهجري مبدأ تنقية اللغة من اللحن. وكانت البادية سليمة معافاة من اللحن، وكان أي أعرابي في القرن الثاني من الهجرة حكما عدلا في أي خلاف لغوي ينشأ بين العلماء، وفي القرن الثالث الهجري تسرب اللحن إلى البادية وأخذ علماء اللغة الذين حذقوها عن الكتب يتصيدون أخطاء الأعراب.

    وفي القرن الرابع الهجري فسد اللسان العربي كله، وحلت اللغة الفصحى المكتسبة بالتعلم محل اللغة الفصحى بالسليقة وبالفطرة، وكان هذا القرن هو الذي تم فيه تبويب اللغة تبويبا علميا منظما.

    · إن القرآن الكريم هو الذي حفظ اللغة العربية حتى حلت اللغة الفصحى المكتسبة محل اللغة الفصحى بالسليقة، تلكم اللغة الفصحى التي نستعملها حتى يوم الناس هذا وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها.

    وإن حفظ الله تعالى القرآن الكريم الذي نزل بلسان عربي مبين إلى يوم الدين معناه حفظ اللغة العربية بحفظ الله تعالى لهذا الكتاب العزيز . قال تعالى(16) ( إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون)، وبفضله تعالى تم ذلك على النحو التالي :

    · إن عناية المسلمين في فجر الإسلام بالقرآن الكريم ليس عليها من مزيد تلاوة وحفظا وتدبرا وعملا بتعاليمه، وبتعاليم السنة المظهرة المبينة للقرآن الكريم. ولما كان فهم معاني القرآن الكريم أمرا ضروريا بين ترتيل القرآن وحفظه وتدبره، ولما كان القرآن الكريم قد نزل بلغة العرب ووفق طرائقها في التعبير حقيقة ومجازا، لذا كانت العناية بلسان العرب كبيرة من قبل العلماء الذين عنوا بالقرآن الكريم، وفي مقدمة هؤلاء عبد الله بن عباس رضي الله عنهما الذي كان يكثر من الاستشهاد بكلام العرب، وبخاصة الشعر الذي كان ديوان العرب وسجل أمجادها ومفاخرها. ومن هنا كانت العناية بجمع اللغة العربية من مظانها شعرا ونثرا. حتى إذا كان من العلماء الاطمئنان إلى فهم القرآن الكريم أصبح جمع اللغة غاية في ذاته. والحقيقة أن جمع اللغة وترتيبها خدمة للقرآن الكريم كان دائما وأبدا الهدف الحقيقي والأولي الذي لازم كل المؤلفين في مجال اللغة جمعا وترتيبا وتأليفا.

    · وإليك هذا الدليل المتأخر الذي يعود إلى القرن السابع الهجري.

    إن ابن منظور (630ـ711هـ) مؤلف لسان العرب هاله انصراف المسلمين في عصره عن اللغة العربية لغة القرآن الكريم فصنف معجم لسان العرب غيرة على لغة الكتاب العزيز. وإليك بعضا مما جاء في المقدمة: "وأما بعد فإن الله سبحانه وتعالى قد كرم الإنسان وفضله بالنطق على سائر الحيوان، وشرف هذا اللسان العربي بالبيان على كل لسان وكفاه شرفا أنه به نزل القرآن ، وأنه لغة أهل الجنان … وهو المسؤول أن يعاملني فيه بالنية التي جمعته لأجلها، فإنني لم اقصد سوى حفظ أصول هذه اللغة النبوية وضبط فضلها ، إذا عليها مدار أحكام الكتاب العزيز والسنة النبوية، ولأن العالم بغوامضها يعلم ما توافق فيه النية اللسان، ويخالف فيه اللسان النية، وذلك لما رأيته قد غلب في هذا الأوان من اختلاف الألسنة والألوان، وصار النطق بالعربية من المعايب معدودا .

    وتنافس الناس في تصانيف الترجمانات في اللغة الأعجمية، وتفاصحوا في غير للغة العربية ، فجمعت هذا الكتاب في زمن أهله بغير لغته يفخرون، وصنعته كما صنع نوح الفلك وقومه منه يسخرون، وسميته لسان العرب، أرجو من كرم الله تعالى أن يرفع قدر هذا الكتاب وينفع بعلومه الزاخرة، ويصل النفع به بتناقل العلماء له في الدنيا وبنطق أهل الجنة به في الآخرة".

    وأود أن أضرب مثلا من الواقع على حفظ القرآن الكريم للغة العربية في هذا الجانب، في إمكانك أن تلقى نظرة سريعة ـ مثلا ـ على تفسير : جامع البيان في تفسير القرآن، تأليف : الإمام أبي جعفر محمد بن جرير الطبري، المتوفى سنة 310هـ كي تتبين وفرة استشهاده بالشعر الجاهلي والإسلامي.

    إن كل بيت يستشهد به الطبري لشاعر من الشعراء يعني عناية العلماء الفائقة بديوان ذلك الشاعر، وربما العناية بشعر قبيلته، وهل أن يخطر ببال أي شاعر جاهلي أن شعره سيبقى بعده لأكثر من جيل واحد أو جيلين وربما لثلاثة أجيال؟ لا. فكيف والثابت اليوم أن الأدب العربي الإسلامي أقدم الآداب الإنسانية بمقياس الفهم والاستيعاب، وليس المراد القدم الزمني .

    إن الآداب السابقة على الأدب الجاهلي زمنا هي في لغة غير اللغة التي يعبر بها أربابها اليوم أو التي سوف يعبرون بها بعد اليوم، وما لنا نذهب إلى الآداب السابقة زمنا على الأدب الجاهلي ونترك روائع الأمم الأدبية والفكرية التي تعود إلى عهد قريب، وليكن على سبيل المثال شكسبير أشهر شعراء الإنجليز الذي عاش في القرنين السادس عشر والسابع عشر الميلاديين.

    إن للشاعر لغته الخاصة به بحيث إن المتخصصين في أدبه يقولون بسبب سرعة تكور الدلالة في تلك اللغات : ليست الصعوبة مع شكسبير تكمن في استعماله ألفاظا غير مستعملة في عصرنا، لأن المعاجم المتخصصة في الشاعر تبين المعنى المراد، ولكن الصعوبة الحقيقية تكمن في الألفاظ التي لا زلنا نستعملها نحن ولكن معناها اليوم مختلف، ونظن أنا نفهمها على حقيقتها، وما السبب الذي جعل تلك اللغات تعرف جيدا موت الألفاظ والتطور السريع للدلالة؟ السبب هو عدم ارتباط أي لغة بكتاب، مقدس، بما في ذلك اللغة العبرية التي تختلف اليوم اختلافا بينا عنها في لغة العهد القديم. وما السبب الذي جعل الشعر الجاهلي معلوما لنا وربما لأطفالنا؟ لأن لغته العربية هي لغة القرآن الكريم الكتاب العزيز الذي تكفل الله تعالى بحفظه إلى يوم الدين. وفي حف الله تعالى للكتاب العزيز حفظ لكل تراث هذه اللغة وفيه الشعر الجاهلي، أو الأدب الجاهلي.

    وفي إمكانك أيضا وأنت تلقى نظرة سريعة على تفسير الطبري أن تتبين مدى عنايته باللغة وبشرح الغريب من ألفاظ القرآن الكريم، وفي إمكانك أن تتمثل كل من يفسر لفظة في غريب القرآن الكريم وقد عاد إلى أحد المعاجم اللغة العربية كي تتبين أن الطبيعة الاشتقاقية للغة العربية وجهت التأليف في المعاجم وجهات معينة بحيث يبدو في لك ترتيب المواد المعجم العلاقة الأسرية بين الألفاظ المشتقة من أصل لغوي واحد. إن في التعامل مع أي لفظة مشتقة تعاملا ضمنيا مع كل المواد المشتقة من ذلك الأصل اللغوي، وفي فهم معنى اللفظ الواحد فهما ضمنيا لكل مشتقات الأصل الواحد، وإن أقرب مثل يحضرني لتقريب المعنى المقصود المغناطيس وقدرته على جذب كل ما أمكن جذبه من نوع الحديد إليه، إن التعامل مع أي لفظة أي مادة من مواد المعجم بمثابة التعامل بالمغناطيس مع نوع الحديد، وأعني بنوع الحديد هنا سائر الألفاظ المشتقة من الأصل اللغوي الواحد.

    ولا ننسى أن التعامل مع الشطر من البيت يقود إلى التعامل مع البيت فالمقطوعة فالقصيدة فالديوان، وقل الشيء نفسه عن كل لفظة تتعامل معها بشأن سنة المصطفى(ص) المبينة للقرآن الكريم وبشأن كل موضوع تتعامل معه لغويا.

    وما معنى هذا التلاحم المعرفي بين ألفاظ اللغة العربية؟ معناه أن اللغة مستعملة، وأنها حية تلبي كل الاحتياجات ، ومن هنا كانت اللغة العربية لا تكاد تعرف موت الألفاظ الذي يجيده سائر اللغات الإنسانية، هذا إلى قدرة هذ اللغة الشريفة على تلبية كل حاجة ومواكبة كل جديد.

    وهكذا كانت اللغة العربية أغنى لغات الإنسانية ببركة هذا الكتاب العزيز، إنها حية متطورة من ناحية، وإنها لا تكاد تعرف موت الألفاظ من ناحية أخرى ومن ألطف ما يمكن الاستشهاد به دليلا على حياة هذه اللغة أن الألفاظ المرغوب عن استعمالها يكثر دورانها على الألسنة بقصد التحذير من استعمالها‍ إن كل طالب يدرس البلاغة ينبه إلى وجوب تحاشي لفظة مثل الهعخع بزنة هدهد، وهي اسم لضرب من النبت، ومثل لفظة مستشزرات التي جاءت في قول امرئ القيس في معلقته : غدائره مستشزرات إلى العلا

    والمعنى : ذوائب هذا المحبوب مرتفعات إلى أعلى.

    ولا ننسى أن اللغة العربية لبت خلال العصور كل الاحتياجات التي اقتضتها سنة التطور وبخاصة في مجال الترجمة، مما في ذلك ترجمة كتب العلم، ولا ننسى كذلك أن اللغة العربية كانت لغة العلم في العالمين العربي والإسلامي كله، الذين يتكلمون اللغة العربية والذين لا يتكلمون اللغة العربية، وبذلك قامت اللغة العربية بالدور العالمي ربما لأول مرة في تاريخ اللغات، بنجاح منقطع النظير. وإذا كانت اللغة العربية قامت في الماضي وفي ظل الظروف الصعبة آنذاك بالدور العالمي، فما أحراها أن نقوم بهذا الدور اليوم في ظل الوسائل السهلة الميسرة، وإن القرآن الكريم الذي حفظ اللغة العربية قديما هو الذي يحفظها اليوم وسيحفظها غدا بإذن الله تعالى.

    · وهكذا حفظ القرآن الكريم مادة اللغة العربية من ناحية المفردات والصيغ، مظهرا من مظاهر حفظه لهذه اللغة الشريفة من زاوية كونها منطوقة مسموعة، ويبقى وراء ذلك جانبان اثنان هما حفظ القرآن مخارج حروف اللغة العربية، وحفظ القرآن الكريم تراكيب اللغة العربية، وإن كلا من هذين الجانبين بحاجة إلى أن نقف عنده ونبين أبعاد حفظ القرآن الكريم له.



    ب ـ حفظ القرآن الكريم مخارج حروف اللغة العربية :

    فيما يتصل بحفظ القرآن الكريم مخارج أصوات الأبجدية العربية أو مخارج حروفها سبق أن ألمحنا إلى أن اللغة العربية نهضت بحروف الأبجدية السامية نهضة عظيمة، وحافظت على سائر حروفها في الوقت الذي تخلت فيه سائر اللغات السامية عن بعض الحروف ، ونعتقد أن من أسباب نهوض اللغة العربية بحروف الأبجدية السامية انعزال العرب الطويل في جزيرتهم، وكونهم أرباب الفصاحة وأئمة البيان، واعتمادهم على الإنشاء واستعمال الأذن وحاسة السمع بأكثر من القراءة واستعمال العين وحاسة البصر، وربما كان لطيفا أن نشير إلى أن اللغات السامية رتبت حروفها في هذه الكلمات الست: أبجد هوز حطي كلمن سعفص قرشت، وأن اللغة العربية تزيد بهذه الحروف التي تسمى بالروادف والتي تجمعها هاتان الكلمتان ثند ضظع، وأن الترتيب الحالي لحروف الهجاء العربية: ا، ب، ت، ث، .. الخ إنما قام به نصر بن عاصم الليثي التابعي الذي مات بالصرة سنة 89هـ ـ 708م(18) وربما كان لطيفا أيضا أن نشير إلى أن أحد عشر حرفا من الأبجدية العربية ليس لها مقابل في الأبجديات الأوروبية.



    فكيف حفظ القرآن الكريم مخارج حروف الأبجدية العربية؟

    * من المعروف أن التلقي المباشر عن الشيخ أهم شروط تلاوة القرآن الكريم، وإن من الطف ما يمكن أن يشار إليه في هذا الصدد أن أبا حيان صاحب تفسير البحر المحيط يقرر أن سلسلة الرواة بينه وبين المصطفى(ص) برواية ورش ثلاثة عشر رجلا وبينه وبين المصطفى(ص) برواية عاصم اثنا عشر رجلا. علما بأنه رحمه الله رحمة واسعة، ولد بالأندلس في سنة 654هـ، وتوفي بالقاهرة سنة 754هـ. ويعلق رحمه الله على إسناد رواية ورش(20)" ومثل هذا الإسناد عزيز الوجود بيني وبين رسول الله (ص) ثلاثة عشر رجلا. وهذا من أعلى الأسانيد التي وقعت لي" ويضيف قائلا بشأن رواية عاصم(21) : "وقد وقع لي في بعض القراءات أن بيني وبين رسول الله (ص) اثني عشر رجلا، وذلك في قراءة عاصم … وهو إسناد أعلى ما وقع لأمثالنا".

    ولماذا يشترط تلقي القرآن الكريم مباشرة عن الشيخ؟

    لأن القرآن الكريم لا تصح قراءته إلا مجودا، والتجويد يقوم على دعامتين اثنتين، إتقان نطق الحروف وإحسان معرفة الوقوف، ولا يتم شيء من ذلك ولا يتحقق إلا عن طريق التلقي المباشر عن الشيخ. وهكذا حفظ القرآن الكريم مخرج الحروف الهجاء العربية، وفي هذه اللحظة في إمكانك أن تتمثل الكرة الأرضية، وقد وصل الإسلام بفضل الله تعالى منها حيث وصل الليل والنهار، وقد انكب السملمون زرافات أو وحدانا على تجويد القرآن الكريم عن طريق إتقان مخارج الحروف وإحسان معرفة الوقوف وأعني بالوقوف معرفة الوقف والابتداء.

    وإن من أكبر نعم الله تعالى على الإنسانية اختراع أجهزة التسجيل، بحث إن الواحد يستطيع أن يصغي لتلاوة القرآن الكريم في أي وقت شاء بصوت من أحب مشاهير القراء، أجزل الله تعالى لهم المثوبة.

    إن القرآن الكريم بنزوله حفظ مخارج حروف أبجدية العربية وضمن لها الخلود لأن الله تعالى تكفل بحفظ هذه الكتاب العزيز إلى يوم الدين. وفي حفظ الله تعالى الكتاب العزيز حفظ لمخارج حروف الأبجدية العربية عن أي تغيير أو تبديل . وإن هذا الثبات في مخارج الحروف تعرفه اللغة العربية وحدها لأنها اللغة الشريفة التي أصطفاها الله تعالى بإنزال آخر كتبه أشرفها فيها.

    وسبق أن المحنا إلى أن اشترط تلقي التلميذ عن شيخه كي يجيز للتدريس والنقل عنه بعد اطمئنانه إلى صحة تلقيه وأدائه قد انسحب على سنة المصطفى(ص) وعلى كل فروع العلم ولا يخفى ما في التلقي المباشر عن الشيخ من ضمان صحة التلقي والأداء.

    ولهذا كانت هذه الدرجة أرفع الدرجات تلقي العلم في حين يأتي في آخر درجات التلقي تلقى طالب العلم عن الكتب التي يجدها أو الصحف، وتسمى هذه الطريقة المتأخرة الوجادة؛ بكسر الواو، ويسمى صاحبها الصحفي والجمع صّحفيون بضم الضاد والحاء فيهما(22).



    ج ـ حفظ القرآن الكريم تركيب اللغة العربية :

    لو أن سؤالا طرح على أي أمة من أمم الأرض : هل هناك من أمة ولد لديها علم من العلوم المتعلقة بلغتها وأدبها كاملا بحيث إن القرون التالية لا تضيف إليه شيئا جديدا ذا بال؟

    لكان الجواب بالنفي. أما لغة القرآن الكريم فإنه تفخر بأن عندها ذلك العلم الذي ولد كاملا، بحيث إن القرون التالية لم تكد تضيف إليه جديدا وربما أكثر من علم وأعنى في المقام الأول علم النحو الذي ولد كاملا في أول كتاب شامل لقواعده، وذلك في المؤلف الذي أطلق عليه الكتاب والذي وضعه إمام النحاة الخليل بن أحمد الفراهيدي 100 ـ 170هـ، الذي ولد ومات بالبصرة والذي يعد بحق إمام العربية(23).

    · وكيف تسنى لعلم النحو أو علم قواعد اللغة العربية مثلا ـ أن يولد كاملا؟ وكيف تسنى لهذه العجيبة أن تتحقق؟ تسنى لعلم النحو أن يولد كاملا بسبب ثبات حفظ الله تعالى كتابه العزيز إلى يوم الدين، ذلك الكتاب العزيز الذي كان المنبع الأول الذي استقى منه علم النحو قواعده،وفي حفظ الله تعالى الكتاب العزيز من أي تحريف حفظ لعلم النحو وثبات لقواعد اللغة العربية، ليس فقط حتى يوم الناس هذا وإنما حتى يرث الله الأرض ومن عليها.

    إن علم النحو إنما وضعت مبادئه أساسا من أجل طرد اللحن عن القرآن الكريم، ولما كان القرآن الكريم قد نزل وفق طرائق العرب في تعبيرها شعرا ونثرا، ولما كان المصطفى (ص) الرسول العربي قد أوحى الله تعالى إليه السنة المطهرة. كما أوحى القرآن الكريم، فقد كان الحديث النبوي الشريف بلسان عربي كما كان القرآن الكريم، وإن علم النحو أو علم قواعد اللغة العربية إنما استقي من القرآن الكريم وحديث المصطفى(ص) والتراث العربي. وبسبب ثبات المصدر الأول أعني القرآن الكريم ثبتت السنة المطهرة وثبت التراث إلى يوم الناس هذا، وإلى يوم الدين بإذن الله تعالى.

    ولما كان وضع النحو في كتاب سيبويه شاملا وكان الثبات من سمات النبع الذي استقى علم النحو منه مادته كان الثبات من سمات قواعد علم النحو أو قواعد اللغة العربية، ومن هنا صح القول بل تأكد بأن علم النحو ولد كاملا وأن اللغة العربية وحدها تعرف ولادة العلم الكامل. وإن ما قيل عن النحو يقال عن علم العروض، فبسبب ثبات القوالب الصوتية أو البحور الشعرية إلى يوم الناس هذا وإلى يوم الدين بإذن الله تعالى تأكد القول السابق وثبت الجواب بالإيجاب على السؤال المطروح.

    وهكذا يتبين حفظ هذا الكتاب العزيز تراكيب اللغة العربية ، ليس فقط إلى يوم الناس هذا، بل إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها بإذنه جل وعلا.





    2 ـ كيف حفظ القرآن الكريم اللغة العربية مكتوبة مسموعة؟

    نزل القرآن الكريم على النبي الأمي مفرقا حسب الحوادث ومقتضيات الأحوال خلال ثلاث وعشرين سنة، وقد تعاون كل من الصدر والسطر، الاستظهار عن ظهر القلب والكتابة على حفظه ، جاء بشأن حفظ القرآن الكريم في الصدر قوله تعالى خطابا للمصطفى(ص) وتطمينا له عليه الصلاة والسلام بتثيبت القرآن الكريم في صدره ، في سورة القيامة(25): (لا تحرك به لسانك لتعجل به . إن علينا جمعه وقرآنه، فإذا قرأناه فاتبع قرآنه، ثم إن علينا بيانه)، وجاء في سورة العنكبوت (26) قوله تعالى : (وما كنت تتلو من قبله من كتاب ولا تخطه بيمينك إذا لأرتاب المبطلون، بل هو آيات بينات في صدور الذين أوتوا العلم، وما يجحد بآياتنا إلا الظالمون).

    وكان كلما نزل علىالمصطفى (ص) شيء من القرآن أمر واحد من كتبة الوحي بتدوين ما أوحى الله تعالى به إليه ووضعه في مكانه من المصحف بناء على توجيه جبريل عليه السلام عن رب العزة، وكان للنبي (ص) زهاء أربعين كاتبا، وكان القرآن الكريم يكتب في ضوء الحديث الصحيح: أنزل القرآن على سبعة أحرف(27) ويرجح أن المراد بالسبعة الكثرة وليس العدد ذاته، كما يرجح أن المراد بالحديث التنبيه إلى إرادة الله تعالى اليسر بعباده لا العسر استجابة لدعوى المصطفى(ص) ربه أن يخفف على أمته التي لا تستطيع أن تقرأ القرآن على حرف واحد: " فقال رسول الله (ص) لجبريل : إني بعثت إلى أمة أميين فيهم الشيخ الفاني، والعجوز الكبيرة ، والغلام . قال : فمرهم فليقرءوا القرآن على سبعة أحرف. قال الترمذي : حسن صحيح". وفي لفظ : فمن قرأ بحرف منها فهو كما قرأ. وفي لفظ حذيفة بن اليمان فقلت يا جبريل : إني أرسلت إلى أمة أمية، الرجل والمرأة والغلام والجارية والشيخ الفاني الذي لم يقرأ كتابا قط. قال : إن القرآن أنزل على سبعة أحرف(28) وكان ما يكتب من القرآن يجمع في بيت المصطفى(ص) ولم يكن في الإمكان القرآن جمع القرآن بين دفتي مصحف لأن القرآن الكريم كان ينزل عليه (ص) حتى قبيل وفاته . وتنوفي (ص) والقرآن الكريم غير مجموع بين دفتي مصحف، ولكنه كان كتوبا كله، وولي أبوبكر الخلافة ، واشتد القتل في الحفاظ القرآن الكريم، يوم اليمامة، خشي عمر رضي الله عنه أن يضيع شيء القرآن الكريم بموت الحفاظ فاقترح على أبي بكر جمع القرآن الكريم بين دفتي المصحف، وشرح الله تعالى صدر أبكر لذلك فكلف زيد بن ثابت الأنصاري بجمع القرآن الكريم لأن زيدا أحد الحفاظ وأحد كتبة الوحي وصاحب لعرضة الأخيرة للقرآن الكريم على المصطفى(ص)، وتعاون زيد وعمر رضي الله عنهما على جمع القرآن وتم لهما ذلك خلال عام واحد ، ولما كان فتح اليمامة وقتل مسيلمة الكذاب سنة اثنتي عشرة للهجة(29) فذلك معناه أن جمع القرآن الكريم تم سنة اثنتي عشرة للهجرة .

    ولم يكن زيد وعمر يدونان شيئا من القرآن الكريم إلا بعد أن يشهد شاهدان بأن ما جاءا به من قرآن مكتوب دون بين يدي المصطفى (ص). وكان هذا الجمع في عهد أبي بكر رضي الله عنه على السبعة الأحرف المذكورة ، وحينما جاء النشء الجديد الذي لم يعرف الحكمة من الأحرف السبعة والذي أخذ بفضل قراءة على أخرى رغم أنها كلها من المتواتر تم في عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه لجنة رباعية يرأسها الأنصاري الخزرجي زيد بن ثابت كاتب الوحي. أما أعضاؤها الثلاثة الباقون ، فقرشيون وهم : عبد الله بن الزبير، وسعيد بن العاص، وعبد الرحمن بن الحارث بن هشام(30)، واختلفوا في عدة المصاحف التي أرسل بها عثمان إلى الآفاق فالمشهور أنها خمسة، وحبس بالمدينة واحدا(31) وأمسك لنفسه مصحفا الذي يقال له الإمام(32)، وأمر عثمان رضي الله عنه بما سوى المصحف الذي استكتبه والمصاحف التي نقلت منه وسوى المصحف التي كانت عند حفصة وردها إليها أن يحرق(33)وتم ذلك الحرف بفضل الله تعالى.

    · وهكذا يتبين أن كل المصاحف في الدنيا حتى يوم الناس هذا وإلى أن يرث الله الأرض ومن عليها بإذنه تعالى ـ أنها تكتب وفق كتابة المصحف الإمام سنة خمس وعشرين هجرية.

    · وهكذا يتبين كيف اكتسب الخط الذي كتب وفقه المصحف الإمام منزلة الرفيعة لأن هذا الخط اقترنت به القراءات المعروفة وكلها تدخل في الحرف الواحد الذي كتب به المصحف الشريف للمرة الأخيرة على عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه، وفي هذا الخط كتب التراث الإسلامي كله.

    وهكذا يتبين أن التراث العربي الإسلامي أخذ بالإسلام دين العلم يكتب وفق الطريقة آلتي يكتب بها المصحف الإمام ويستوي في ذلك التراث العربي وتراث سائر الشعوب الإسلامية التي احتضنت هذه الكتابة وكتبت فيها تراثها كي يمكن للمسلمين جميعا قراءة النسخة الواحدة من المصحف الشريف، وقراءة التراث الإسلامي كله الذي كتب في هذا الخط العثماني.

    بقي علينا أن هذا الخط العثماني كان من حيث الجوهر ثابتا لم يطرأ عليه أي تعديل . أما من حيث الشكل وحده فقد لبى هذا الخط حاجات الأمة الإسلامية فقد كان أداة مرنة في أيدي الخطاطين الفنانين من المسلمين .

    لقد كان الخط الإسلامي ولا يزال مظهرا متميزا من مظاهر فن الزخرفة الإسلامية، وكان تطور هذا الخط من حيث الشكل باهرا، وكان تطوره من زاوية كتابة المصحف الشريف فيه، وهكذا ظهرت الأنواع المختلفة من الخط كالكوفي والرقعة والنسخ والديواني والثلث وما إليها، إن كل هذه الأنواع متعلقة بالشكل وحده أما لب الخط وجوهره فلم يمسس بشيء بسبب ارتباط هذا الخط في جوهره بالمصحف الشريف، وبالقراءات، ويضاف إلى الشكل الذي راعى الناحية الجمالية، ثمة إضافة خارجية أو إضافتان خارجيتان راعتا هذه المرة المعنى بأكثر من الشكل، وهاتان الإضافتان الخارجيتان هما الإعجام بمعنى إزالة العجمة، ينقط الحروف، والضبط بالشكل.لقد أثبت الخط العثماني الثابت من حيث الجوهر المتطور من حيث الشكل أنه خير وعاء لنقل المصحف الشريف والسنة النبوية المطهرة من ناحية، والتراث الإسلامي كله، العربي وغير العربي من ناحية أخرى، وكان هذا الخط من أهم مظاهر وحدة الشعوب الإسلامية.

    ولم تخف هذه الحقيقة على أعداء هذه الأمة فأغروا بعض الشعوب الإسلامية باستبدال الذي هو أدنى أعني الحروف اللاتينية بالذي هو خير أعني الخط الإسلامي الذي كتب فيه المصحف الإمام على عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه، ثالث الخلفاء الراشدين ولا يخفى ما لهذه الجريمة من أثر سيئ على الأمة الإسلامية، فبعد أن كانوا يقرءون القرآن النسخة الواحدة من المصحف الشريف بالخط العثماني لم يعد هذا الشيء موجودا اليوم، هذا إلى قطع ما بين تلك الشعوب الإسلامية التي احتضنت الحروف اللاتينية، وبين ماضيها الإسلامي العريق، وقطع ما بين تلك الشعوب وبين الشعوب الإسلامية الأخرى التي لم يكف الأعداء عن الاستمرار في محاولة تضليلها كي تستبدل هي الأخرى الذي هو أدنى بالذي هو خير.

    وفي الوقت ذاته لا ننسى أن المسلمين الذين احتضنوا الحروف اللاتينية لا يزالون يقرأون القرآن الكريم المكتوب بالخط العثماني رغم محاولات الأعداء المستمرة المستميتة لكتابة المصحف الشريف بالحروف اللاتينية، ولرابطة العالم الإسلامي كبير الأثر في قرارها الذي اتخذته بتحريم كتابة المصحف الشريف بالحروف اللاتينية للأسباب السيئة المعروفة المترتبة على ذلك، ولأن الخط العثماني ترتبط به القراءات المختلفة التي روعي احتماله لها في أثناء كتابة المصحف الإمام على عهد عثمان بن عفان رضي الله عنه تعالى سنة خمس وعشرين هجرية.

    وهكذا يتبين كيف حفظ القرآن الكريم الكلمة العربية الإسلامية المكتوبة المقروءة.



    3 ـ كيف يحفظ القرآن الكريم اللغة العربية منطوقة وكتوبة؟

    كل أنواع الهجوم التي يشنها أعداء الإسلام والمسلمين على اللغة العربية ترجع إلى مهاجمة اللغة العربية منطوقة مسموعة في نحوها وصرفها وموسيقى شعرها ومكتوبة مقروءة في الخط العثماني الذي حمل بدقة منقطعة النظير القرآن الكريم بقراءته المتواترة المختلفة وحمل سنة المصطفى(ص) والتراث العربي الإسلامي في اللغة العربية وسائر لغات العالم الإسلامي، أما الهدف البعيد الذي يسعى إليه أعداء الإسلام فهو أن يتحقق فينا نحن المسلمين ـ لا سمح الله ـ شكوى الرسول (ص) المسلمين يوم القيامة إلى الله تعالى على نحو ما جاء في هذه الآية الكريمة من سورة الفرقان (34) : "وقال الرسول يا رب إن قومي اتخذوا هذا القرآن مهجورا" فكما اتخذ القوم التوراة والإنجيل وراءهم ظهريا ففصلوا فصلا نكدا بين الدين والدولة، هم يريدون لنا أن نفعل مثلهم وأن نضع القرآن الكريم ـ لا سمح الله ـ مثل قول الله تعالى لنا في سورة الأنبياء(35) : (لقد أنزلنا إليكم كتابا فيه ذكركم أفلا تعقلون)ومثل قوله تعالى خطابا للمصطفى(ص) ابتداء ولكل فرد من أفراد الأمة الإسلامية تبعا في سورة الزخرف(36): (فاستمسك بالذي أوحي إليك إنك على صراط مستقيم. وإنه لذكر ولقومك وسوف تسألون).والذكر بمعنى الشرف والمجد والسؤدد.

    وما أشبه هذه المؤامرات التي تحاك ضد اللغة العربية منطوقة ومكتوبة بتلك الجحور التي تقوم الأرانب بحفرها والتي تؤدي في النهاية بعد زمن قصير أو طويل إلى انهيار البناء وسقوطه على عروشه، وإنما يتجه الخصوم إلى القرآن الكريم أخيرا لأته معجزة هذا الدين الكبرى الخالدة وقد قال تعالى (37) : (يريدون أن يطفئوا نور الله بأفواههم ويأبى الله إلا أن يتم نوره ولوكره الكافرون).وقال تعالى (28)(يريدون ليطفئوا نور الله بأفواههم والله متم نوره ولو كره الكافرون).

    بحثت في أصدق الكلمات فلم أجد غير عبارة التوحيد
    أخوكم نجم النجوم

    البحث على جميع مواضيع العضو نجم النجوم

  2. افتراضي رد: لغتنا العربية .. 3 ... متجدد

    جمعت تلك الكلمات المهمة من مجلة عربية
    ولكن اردت نشرها لكي يعلم فائدة اللغة العربية
    وحتى لا يستهين الناس بها
    والفضل كل الفضل يرجع للعلماء الذين يخافون على لغتهم
    والذي قال الرسول ـ صلى الله عليه وسلم ـ :
    " العلماء ورثة الانبياء "
    وادعوا الله تبارك وتعالى ان يفقهنا في الدين ويعلمنا التأويل

    بحثت في أصدق الكلمات فلم أجد غير عبارة التوحيد
    أخوكم نجم النجوم

    البحث على جميع مواضيع العضو نجم النجوم

  3. #3
    تاريخ التسجيل
    10 - 11 - 2007
    ساكن في
    masrawycafe
    المشاركات
    1,975
    النوع : ذكر Egypt

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    13 - 4 - 2010
    ساكن في
    القاهره
    العمر
    48
    المشاركات
    32,835
    النوع : ذكر Egypt

    افتراضي


    احييك

    واصفق بشده
    لروعه وجمال
    موضوعك
    لك مني كل الاعجاب
    على المجهود وبساطه
    اسلوبك وفكرك
    تقديرى

 

 

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. لغتنا العربية ... متجدد
    بواسطة نجم النجوم في المنتدى تطوير الذات
    مشاركات: 8
    آخر مشاركة: 28 - 11 - 2011, 11:20 PM
  2. ►█◄الحياة فرص ... اغتنمها طرفة لوضع البسمة ♦♦►█◄
    بواسطة معا لنصرة ديننا في المنتدى مصراوي كافيه
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 26 - 9 - 2011, 12:25 AM
  3. ا غتنام شهر رمضان
    بواسطة احمد منتصر في المنتدى منتدى الترحيب و المناسبات
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 10 - 8 - 2011, 09:21 PM
  4. حصريااا أجمل رنات الموبايل للشهر الكريم اغتنم الفرصه وحملها
    بواسطة بتول الشرق في المنتدى منتدى النغمات الحقيقة وفديوهات الموبايل
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 22 - 8 - 2010, 04:06 PM
  5. اكبر طائرة عرغتها البشرية
    بواسطة رنيم احمد في المنتدى صور
    مشاركات: 5
    آخر مشاركة: 17 - 10 - 2008, 02:31 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • مش هتقدر تضيف مواضيع جديده
  • مش هتقدر ترد على المواضيع
  • مش هتقدر ترفع ملفات
  • مش هتقدر تعدل مشاركاتك
  •  
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات مصراوي كافيه 2010 ©