" لن يفعل يا رغد.. لن يفعل "
رفعت يدي و أمسكت بذراعي سامر و صحت :
" كيف تتركه يذهب ؟ ماذا إن أصابه مكروه ؟ الحق به سامر أرجوك "
سامر قال بضيق :
" ألم أفعل ؟ لا جدوى من ذلك .. أنا أعرفه "
هززت رأسي باعتراض شديد و صرخت :
" كلا .. كلا كلا ... "
نظر إلي باستغراب ...
قال :
" رغد ! ؟ "
قلت بانفعال :
" سأذهب معه "
ذهل سامر ، و قال :
" ماذا ؟؟ "
صحت :
" سأذهب معه ... لا أريد البقاء هنا .. لا أريد البقاء هنا.. لماذا ذهب و تركني .. لماذا ؟ "
سامر أمسك بذراعي بقوة و بذهول قال و هو يحدّق بي :
" تذهبين معه .. و تتركيني ؟؟ "
ابتلعت لساني و لم أنطق بأي كلمة ... سامر كان يحملق بي بحدة .. نظرات فاحصة مدققة مدركة مستنتجة .. قارئة لما اعترى وجهي من تعبيرات صارخة ...
" رغد ... تتركيني من أجله ؟؟ أليس كذلك ؟؟ "
صعقت .. و توقف قلبي عن الخفقان ... و لم أشعر بالدنيا من حولي سوى عيني سامر اللاسعتين .. و يديه القابضتين علي بعنف ..
قال :
" تكلمي يا رغد ؟؟ أهذا هو السبب ؟؟ "
لم أجبه ..
بدأ يهزني بقوة .. و آلمني كثيرا ...
" رغد تكلّمي ... قولي ما تخفينه .. اعترفي هيا "
" دعني سامر "
لكنه هزني بعنف أقوى و بحدة صاح بوجهي :
" تكلمي يا رغد هيا..ماذا لديك؟ انطقي بسرعة..لماذا قررت ِ التخلص مني؟ قولي هيا؟ "
فقد ت السيطرة على نفسي و صرخت :
" لأنني لا أحبك .. لا أحبك يا سامر .. هل ارتحت الآن ؟ "
سامر دار بي حتى رطمني بالباب .. و هتف صارخا :
" .. وليد ؟؟ "
تفجّرت لحظتها و صرخت بأعلى صوتي مطلقة سراح ما حبسته في صدري عنوة :
" نعم أحبه.. أحبه هو .. أحبه هو .. أحبه هو .. هو .. هو "
بعد هذا الانفجار .. و الذي خرج من صدري دون شعور و إدراك .. و وعي ، وعيت على الواقع بصفعتين قويتين تلقيتهما من كف سامر الثائر..
أفقت فجأة فرأيت نفسي أقف مسنودة إلى الباب .. و دموعي تجري كشلال ضخم.. و سامر يقف أمامي كأسد ثائر ... يكاد يفترسني ...
لم أدرك أنني أفصحت عمّا في قلبي إلا بعد حين ...
توقفت أنفاسي .. في حالة من الذهول مما أنا فيه ...
كالجمرة المتقدة كان وجه سامر محمرا متوهجا .. و كانت يداه توشكان على الانقضاض علي ...
قال :
" لقد كنت ُ أحمقا إذ لم أعر شكوكي اهتماما يومها ... كم كنت ُ غبيا ... لقد كنتِ تحبينه كل ذلك الوقت و تستغفلينني ؟ "
لم أستطع النطق بأي كلمة ..
تابع هو :
" نعم .. فأنت ِ ركضتِ نحوه هو يوم كنا عند الشاطئ.. و تركتني أنا واقفا كالأبله جواره تماما.. "
ثم أطبق علي ّ بيديه و قال :
" لهذا تريدين التخلص مني ؟؟ لن تفعلي هذا بي يا رغد.. لن أسمح لك ِ بهذا أبدا "
و سحبني بعنف .. و سار بي يجرني إلى غرفتي ، و دفع بي بقوة نحو السرير ... فارتطمت به بآهة ...
زمجر :
" لن أسمح لكما بذلك .. أتفهمين ؟؟ أبدا يا رغد "
و خرج من الغرفة و هو يصفع بالباب ...
~ ~ ~ ~ ~ ~
حينما وصلت ُ إلى المزرعة.. كان ذلك قبيل أذان الفجر...
دفعت مبلغا كنتُ أنا الأحوج إليه إلى السائق الذي أوصلني... و أخذتُ أعد ما تبقى لدي من جديد...
لزمت المسجد لحين ارتفاع الشمس في صدر السماء... و ناجيت ُ الله طويلا .. شاكيا له حالي و باثا إليه همومي و سائلا إياه الرحمة و اللطف ...
ذهبت إلى المزرعة بعد ذلك و استقبلني العم الطيب و ابنة أخته استقبالا حافلا ... و علمت ُ منهما أن السيدة ليندا عادت إلى المستشفى من جديد ، في نوبة جديدة ...
كلما تذكرت أنني كنت السبب في المرض التي اعترى قلب هذه السيدة كرهت ُ نفسي أكثر .. و شعرت بمسؤولية أكبر تجاهها و تجاه المزرعة و من فيها...
قمنا بزيارتها مساء ذلك اليوم.. ففرحت هي بزيارتي و طلبت مني مساعدة أخيها و ابنتها في العناية بالمزرعة ..
عملت بجد و اجتهاد في الأيام التي تلت .. و لم أتصل بأهلي إلا اليوم ..
كان العم و أروى قد ذهبا لزيارة السيدة ليندا ، وأنا بقيت في المنزل وحيدا ...
تحدّث سامر إلي و طمأنني على أحوالهم ، و أخبرني أنه و رغد ، كما نوّار و دانة سيحتفلون بزواجهم بعد ليلتين...
أقفلت ُ السماعة ، و حاولت ُ منع رأسي من التفكير في أي شيء...
فبعد اللقاء الحميم الذي جمعهما في المزرعة أول وصوله ، فقدت ُ أي اهتمام يذكر بشأن عرقلة هذا الزواج .. سواء ً كان برضا من رغد أو باضطرار منها..
أنى لها أن تجد الزوج الأنسب ؟؟
و كيف أسمح لنفسي بالتفكير بها .. و ما أنا إلا رجل فقير معدم .. لا يملك مأوى و لا قوتا ؟
و إن عشت ألف سنة بعد ، لن أنسى نظرة الازدراء التي رمتني بها يوم كنا في المزرعة ...
صدقت َ يا سامر
رغد لا تستحق الزواج من مجرم قاتل .. فقير معدم .. وحيد منبوذ مثلي ..
عاد العم و أروى من المستشفى فرأياني شاردا سارحا تائها في أفكاري ...
كما رأيا الدمعة التي هربت من مقلتي ..
رأيت في عينيهما القلق .. و سألاني عما إذا كان شيء ما قد حصل ، فأجبتهما :
" لا شيء "
الفتاة ذهبت إلى المطبخ أما العجوز فعاد يسألني :
" ما بك يا بني ؟ تبدو في غاية الحزن ؟؟ "
قلت :
" و هل ترى في حالي ما يدعو للسرور أيها العم ؟ إنني في أسوأ حال "
" قل الحمد لله يا ولدي.. "
" الحمد لله "
تنهدت ، ثم قلت بمرارة ...
" إلى متى سيظل حالي هكذا ؟؟ لسوف أبحث عن عمل من جديد .. إنني بحاجة للمال .. لتكوين نفسي و بناء مستقبلي "
" ماذا عن .. العمل معنا ؟؟ "
نظرت إلى الرجل العجوز نظرة امتنان و قلت :
" لكن إلى متى ..؟؟ إنني تائه ! بلا بيت و لا أهل ... "
" و نحن ؟؟ "
" أنتم .. عائلتي حتما و لكن .. "
و صمت ...
العم قال :
" و لكن لا يربطنا نسب أو دم .. "
لم أعلّق ، قال :
" مشكلة سهلة الحل "
نظرت إليه بحيرة ...
ابتسم العجوز و قال :
" إن كنت تريد لها هذا الحل "
قلت :
" عفوا ؟؟ "
العم إلياس أمسك بيدي و ظهر الجد على تعبيرات وجهه و قال :
" أزوّجك ابنة أختي ! "
تملّكني الذهول و المفاجأة .. رمقته بنظرة بلهاء غير واعية لحقائق الأمور ..
" ماذا ؟ "
أجاب العم :
" إذا كنت ترى ذلك طبعا ... مثلما نراه نحن .. "
تلك الليلة لم تسمح لي الفكرة هذه بالنوم.. خرجت من غرفتي أحمل علبة سجائري التي اشتريتها مؤخرا... و التي عدت استهلكها بشراهة .. سرت متجولا في المزرعة في تفكير عميق ...
قضيت وقتا في الخارج ، و لما عدت .. لمحت أروى جالسة على عتبات المنزل ...
لما رأتني نهضت واقفة ... و ألقت علي التحية ..
ارتبكت.. و رددت باضطراب ..
قالت و هي تنظر إلى السيجارة في يدي :
" ألم تقلع عن التدخين ؟؟ "
" أأ .. صعب .. "
قالت :
" أنت تضر بصحتك ! لا تستحق هذه التافهة الاهتمام ! "
تنهّدت .. و نظرت إلى السماء ثم قلت :
" لا شيء في حياتي يستحق الاهتمام ... و لا حتى أنا "
" أنت مخطئ ! "
و ندمت على مقولتي هذه !
و رأيت نظرات الاهتمام في عينيها ...
غضضت بصري و قلت :
" بعد إذنك .. سأعود إلى غرفتي "
و خطوت بضع خطوات مبتعدا ، و أنا أحس بها تراقبني ...
التفت للوراء فوجدتها بالفعل تراقبني ... و تبتسم !
لا أعرف من أين استمددت هذه الجرأة و الجنون لأسألها :
" آنسة أروى .. "
" نعم ؟"