انتبهت إلى أنني لم أحمل محفظتي معي.. وكنت قد تركتها على المنضدة في غرفتي منذ البارحة.. وقد حملت فيه مبلغا ماليا لأعطيه لرغد لتنفق منه أثناء إقامتها في بيت خالتها...
تركت رغد في السيارة وذهبت لإحضار المحفظة.. وفيما أنا في الغرفة أتتني أروى..
كانت تتحاشاني نهائيا منذ قدومنا.. عدا عن خصامها لي منذ أيام..
وكانت أخر مرة تحدثنا فيها ولو قليلا هي ليلة حفلة عشاء رغد.. والتي لم تدع لي المجال لأي حديث معها بعدها... وبدوري لم أتعمد ملاحقتها أو الضغط عليها.. أردت أن نأخذ هدنة ليومين أو ثلاثة.. نتنفس الصعداء ونسترخي في المزرعة.. ثم نعود لمناقشة أمورنا من جديد...
عندما رأيتها وقفت برهة ولم أتكلم..
"إذن.. ذاهبان الآن؟"
بادرت هي بالسؤال فأجبت:
"نعم".
ظهر عليها التوتر ثم قالت:
"وهل ستمكث هناك؟"
أجبت:
"سأبقى لبعض الوقت, ثم أذهب إلى شقيقي.."
سألت:
"ومتى ستعود؟"
أجبت:
"غدا مساء على الأرجح.. أريد قضاء بعض الوقت مع شقيقي فنحن لم نلتق منذ فترة".
ظهر مزيد من التوتر على وجه أروى..
سألتها:
"أهناك شيء؟"
سارت أروى نحوي حتى صارت أمامي..
قالت:
"وليد أنا... أنا..."
ولم تتم إنها مترددة.
"ما الأمر؟"
تشجعت قليلا وقالت:
"أنا.. أعتقد أنك لا يمكن أن تقتل شخصا دون سبب قوي جدا.."
وصمتت..
أدهشني كلامها بادئ ذي بدء... فأنا لم أتوقع أن يبدأ الحديث بيننا بهذا الموضوع بالذات بين كل المواضيع العالقة, والأكثر أهمية.. لكن الواضح أنه أول ما يشغل تفكير أروى..
تابعت:
"أخبرني خالي.. بأن أبي رحمه الله.. كان يقول عن عمار إنه شخصا سيئا..
وأن عمي عاطف رحمه الله قد أخفق في تربيته.. وأنه أي أبي.. كان يشعر بالعر منه".
حبست نفسي لئلا أتفوه بسيل منجرف من الشتائم..سئ فقط؟ أنت لا تعرفين من كان ابن عمك الذي تتحرقين شوقا لمعرفة سبب قتلي إياه.. وكأنه ضحية بريئة..
تابعت:
"حسنا.. أنا لن أسألك عن السبب ثانية.. واخف عني ما تريد إخفاءه بالنسبة لموضوع عمار... لكننا يجب أن نتناقش بموضوع رغد".
أثارني ذكر رغد.. فقلت بلهفة:
"رغد؟"
أروى أكدت:
"نعم رغد... الوقت غير مناسب الآن.."
أقلقتني جملتها في وقت كنت أنا فيه قلق ما يكفي ويزيد... خصوصا مع حالة رغد الجديدة اليوم.. وخطر ببالي أنهما - أي رغد وأروى- ربما تشاجرتا معا من جديد..
فعدت أسأل:
"ماذا عن رغد؟"
ألقت علي أروى نظرة قوية التعبير ثم أجابت:
"الحديث يطول.. وأنت على وشك المغادرة".
فنظرت إلى ساعة يدي ثم قلت مستسلما:
"حسنا.. عندما أعود غدا.. نتحدث".
وفي رأسي فكرة تقليص فترة الهدنة, بما أن أروى قد بادرت بالحديث معي..
أروى أخذت تحرك رأسها اعتراضا ثم إذا بها تقول:
"أرجوك أن.. تبقى مع شقيقك بضعة أيام".
فوجئت بطلبها.. الذي جاء عكس استنتاجاتي.. ولما رأت تعبيرات الدهشة على وجهي قالت مبررة:
"أريد ألا نتقابل لبعض الوقت.. لا تسئ فهمي.. من الأفضل أن نرخي أعصابنا حتى نفكر بهدوء.."
أصابني طلبها بجرح.. ولكني تظاهرت بعدم التأثر وقلت:
"فهمت.."
وتذكرت آنذاك أنني كنت قد وعدت عمي بمرافقته في مشوار مهم يوم الغد بشأن المزرعة..
"إذن سأعتذر لخالك عن العودة.. وأحمل بعض الحاجيات".
وذهبت للبحث عنه ووجدته في المطبخ يساعد الخالة ليندا في تنظيف السمك..
أخبرته بأنني سأقضي بضعة أيام مع شقيقي واعتذرت عن مرافقته.. وودعته هو والخالة بوجه مبتسم..
عدت بعدها إلى غرفتي وحملت حقيبتي الصغيرة التي أتيت بها إلى الجنوب وفيها بعض ملابسي وحاجياتي... وأعدت الأشياء التي كنت قد استخرجتها منها.. وبينما أنا مشغول بها سمعت صوت أروى تناديني..
"وليد".
عندما التفت إليها رأيتها واقفة عند الباب ووجهها يبدو حزينا وممتقعا.. ولمحت دمعة تنساب من عينها..
سألت بقلق:
"ما بك الآن؟؟"
وكان جوابها بأن أقبلت نحوي.. ووضعت رأسها في حضني وطوقتني بذراعيها بحرارة..
**********************
تأخر وليد!
قال إنه نسي شيئا وسيعود في الحال.. وتركني جالسة في السيارة والتي لم يشغل محركها ولا مكيفها!
شعرت بالحر والاختناق ففتحت باب السيارة أتنفس الهواء الطلق.. وبعد دقائق داهمني الشعور بالقلق.. لماذا تأخر وليد؟؟
خرجت من السيارة واستخرجت عكازي منها وذهبت كي أتفقده..
ذهبت مباشرة نحو غرفته ورأيت الباب مفتوحا.. ولم يكن علي إلا أن ألقي نظرة عن بعد عبر فتحه حتى أرى حبيب قلبي يعانق أكثر فتاة كرهتها في حياتي.. على الإطلاق..
الصورة أعشت عيني.. وخدرت أصابعي.. ومزقت بقية أربطة مفاصلي فتفككت وانفصمت مفصلا مفصلا..
انسحبت أجر أطرافي جرا وأتخبط في سيري حتى بلغت الباب الرئيسي وخرجت إلى الشمس دون أن أرى شيئا..
شعرت بالعتمة تلون كل ما حولي.. وبمفاصلي المنفصمة تخر هاوية..
أمسكت بالباب أنشد دعمه لكنه أرجحني معه.. وحتى عكازي.. خانني في آخر لحظة وسلمني أسيرة الوقوع أرضا..
ربما رق الحجر لحالي؟ لم أشعر بأي ألم.. أو ربما البنج الذي سببته الصدمة لي أتلفت أعصابي الحسية.. فما عدت أشعر بأي شيء.. أي شيء..
ثوان وإذا بالباب يتحرك ومن خلفه يطل الرجل الطويل.. العملاق الذي أحبه..
والذي رغم كل السواد.. والظلام والعتمة.. استطعت رؤيته.. والذي فور رؤيتي له تدفق النزيف من قلبي مجتاحا كل المشاعر..
كان يتكلم.. لكنني لم أسمعه.. ثم رأيته يجلس على العتبة قربي ويمد يده إلى عكازي.. ويقربه مني..
ماذا يقول هذا الرجل؟؟ ماذا يطلب مني؟؟ هل يريد أن أقف؟ ألا يرى مفاصلي مفككة؟؟ ألا يرى عضلاتي مشلولة؟؟ ألا يرى الدماء تغرق جسدي؟؟ ألا ترى كل ذلك يا وليد؟؟ ألا ترى كل ذلك؟؟
أسنتدت رأسي إلى الجدار.. وأغمضت عيني.. وتمنيت ألا أفتحهما بعد الآن أبدا..
*****************************
تتمه
********************
"رغد ماذا جرى لك؟"
قلت ذلك ومددت يدي تلقائيا إلى وجه رغد وضربته بخفة... فقد كانت نغمضة العينين وكأنها ستفقد وعيها.. ولي معها سابق مواقف..
فتحت رغد عينيها ونظرت إلي مباشرة.
قلت مفزوعا:
"أأنت بخير؟؟"
نظرت رغد من حولها أولا وكأنها تستفيق من نوم أو إغماءة.. بدا على وجهها التيه والضيعان..ثم نظرت إلي وكأنها ليست واثقة ممن أكون.. ثم وضعت يدها على جبينها كأنها تسترجع الذاكرة..
وأخيرا قالت:
"تعثرت بالعتبة".
قلت بلهفة:
"سلامتك.. هل أصبت؟"
فحركت رأسها نفيا..
مددت يدي لأساعدها على النهوض:
"قومي بنا إلى السيارة".
لكن رغد لم تقم بل أسنتدت مرفقها إلى رجلها ورست برأسها على كفها اليسرى وقالت:
"انتظر قليلا.."
وظهر عليها الإعياء.. ما فجر سيول قلقي المتكدسة منذ الظهيرة.. قلت:
"رغد.. يبدو عليك الإعياء.. أخبريني بصدق.. هل أنت بخير؟ هل تشعرين بدوار؟"
أومأت رغد بنعم, لكنني لم أطمئن.. قلت:
"لا تبيدين كذلك.. أراهن أنك لم تسمعي كلامي, ولم تأكلي شيئا.. أليس كذلك؟"
ولم ترد.. فتأكدت من شكوكي وقلت بغضب ممززوج بالقلق:
"متى تتوقفين عن هذا العناد...؟ هل يجب أن تكرري ما حصل وتجففي دمائي من القلق عليك؟ جسمك أضعف من أن يتحمل عنادك.. رأفة بنفسك وبي.. لقد أهلكتني".
ولم أنتبه لقسوة كلماتي إلا حين رأيت وجه رغد يلتفت إلي ويكفهر ويصفر.. بعدها قلت بنبرة ألطف:
"سوف لن نغادر وأنت بهذه الحالة".
هنا اعترضت رغد وقالت"
"كلا أرجوك.. أنا بخير الآن".
قلت مناقضا ادعائها:
"لا لست بخير.. أرى هذا بوضوح".
قالت مصرة:
"أنا بخير.. صدقني.. تعثرت بهذه العتبة لا أكثر.. دعنا نذهب الآن".
ثم أمسكت بالعكازونهضت واقفة لتثبت لي أنها على ما يرام.. لكني أعرف أنها ليست كذلك.. إنها تلتهم أنفاسها النهاما وتتحرك ببطء.. ويطغى الشحوب على وجهها..
قلت:
"دعينا ندخل إلى الداخل.. ستتناولين وجبة كبيرة وتنالين قسطا من الراحة قبل أن نغادر".
رغد استماتت معترضة:
"رجاء وليد... دعنا ننصرف الآن".
لم أصدقها وبقيت مصرا على موقفي, وهي مصرة على عنادها...
"لن نتحرك خطوة واحدة وأنت بهذا الشكل.. ماذا إن انهرت علي في الطريق؟؟ واضح من لونك أنك مرهقة. ستدخلين الآن إلى المنزل وتأكلين بعض الطعام ماذا وإلا فأنني سأؤجل الرحلة إلى الغد".
وأمسكت بيدها بلطف أحثها على السير نحو الداخل غير أنها سحبتها وقالت ببعض العصبية:
"قلت لك لا أريد شيئا من هذا المكان.. ألا تفهم؟؟"
حينها أدركت موقفها.. فقلت:
"في هذه الحالة... إذن.. سنمر بأحد المطاعم قبل المغادرة".
ولم تملك رغد إلا أن تنصاع للأمر.. سرنا عائدين إلى السيارة ببطء وحذر.. وهي بعكازها.. وأنا بحقيبة سفري.. جنبا إلى جنب.. وخطوة بخطوة.. كنت خاش عليها أن يداهمها الدوار كما في المرة السابقة, لا قدر الله...
فتحت الباب الأمامي وطلبت منها الجلوس.. على المقعد المجاور لمقعدي... لتبقى على مقربة مني.. وتحت ناظري مباشرة..
وانطلقنا بعون الله...
توقفت عند أحد المطاعم واشتريت لها وجبة كبيرة أجبرتها على تناولها عن آخرها..
وأعترف بأنني كنت صارما معها.. فأعرف أن جسدها النحيل لا يحتمل الجوع الطويل..
وبعد تجربتي الأخيرة معها في منزلنا الكبير... لن أسمح لها التهاون بشأن الطعام...
طوال المشوار.. رغد كانت صامتة صمتا مغلقا.. أنا غير مرتاح من حالها اليوم ولكنها لم تشأ إخباري بشيء... والله الأعلم.. بم تفكر الآن...
أما أنا, فإلى جانب تفكيري بها كنت أفكر بقلق في عائلة خالتها وما سيقولونه عن إصابتها... وسرعان ما ثبت لي أن مخاوفي في محلها...
أم حسام, وبمجرد أن رأت الصغيرة تدخل المنزل بالعكاز.. لطمت على وجهها وصرخت:
"ابنتي.. ويلاه".
وأقبلت مسرعة مولولة.. وضمت الفتاة إلى حضنها وبدأت بالنواح..
ورغد سرعان ما انفجرت بكاء عميقا على صدر خالتها مما زاد الأمر دراما واشتعالا...
أردت أن أتكلم.. أن أسلم.. وأوضح الأمرفقلت:
"خالتي".
ولم أكد أتم الكلمة حتى رأيت أم حسام ترفع رأسها وتنظر إلي وقد توهج وجهها احمرارا وفاضت الدموع من عينيها وتطاير الغضب من بؤبؤيها وإذا بها تصرخ:
"ماذا فعلت بالفتاة أيها المتوحش؟ لا بارك الله فيك ولا في اللحظة التي تركت ابنتي فيها تحت رحمتك أيها المجرم القاتل".
ذهلت... صعقت.. ووقف شعر رأسي من كلامها الجنوني... ألجم لساني من الهول... حاولت النطق بأي شيء.. فإذا بها تمطرني بدعوات شريرة مزلزلة...
"لا بارك الله فيك... لا وفقك الله في شي... حطم الله قلبك كما حطمت قلبي على ابنة أختي".
صرخت:
"رغد".
مستنجدا.. قولي شيئا! تظن خالتك أنني كسرت عظامك وعن عمد... قولي شيئا يا رغد.. أوضحي لهم... لكن رغد لم تتكلم.. حتى أنها لم تنظر إلي..
التفت من حولي فرأيت أعين بقية أفراد العائلة تحملق بي والشرر يتطاير منها.. ما هذا؟؟ أكلكم تظنون أنني كسرت عظامها؟؟ هل تعنون هذا؟؟
فجأة سمعت صوت حسام يقول بحدة:
"ماذا فعلت بها؟".
أجابت أم حسام منفعلة:
"ألا ترى؟ كسر عظامها كسر الله عظامه ودكها دكا".
أبو حسام تدخل ها هنا وقال:
"رويدك يا أم حسام هداك الله... دعينا نسمع منه ما حصل".
والتفت إلي وقال:
"هيا بنا إلى الداخل".
ووقفت مكاني مذهولا من موقف أم حسام المهاجم بعنف دون استيضاح الأمور... ومن موقف رغد الصامتة وكأنها تؤيد خالتها في هجومها اللاذع ضدي...
نظرت إلى رغد شاعرا بالخذلان.. كيف تدعيهم يظنون بي هكذا ثم لا تدافعين عني ولا بكلمة ولا إيماءة واحدة؟؟
أم حسام سارت مسندة لرغد التي خطت بعكازها مبتعدة عني... دون أن تلقي علي أي نظرة...
قال أبو حسام:
"تفضلوا جميعا".
بقيت واقفا متسمرا في مكاني يحول ذهولي من كلام أم حسام دون حراكي, فالتفت أبو حسام إلي ومد يده نحوي وقال:
"تفضل وليد".
وسرنا جميعا نحو المدخل... يسبقنا نواح أم حسام...
الطريق بين بوابة السور الخارجي للمنزل والباب الداخلي له طويل لحد ما.. يتخلل حديقة المنزل الأمامية...
قطعنا المسافة صامتين إلا عن ولولة أم حسام التي أحدثت في قلبي صدعا بالغا...
عندما وصلنا إلى باب المنزل قلت قاصدا تنبيهها:
"انتبهوا... إنها لا تستطيع صعود الدرجات".
وتقدمت بقصد مد يد العون إلا أن أم حسام زجرتني بقسوة:
"دع الفتاة لي".
فابتعدت والعرق يتصبب مني حرجا..
واقتربت ابنتة خالة رغد الكبرى ومع والدتها ساعدت رغد على الصعود...
قادني أبو حسام إلى غرفة الضيوف وأحسن ضيافتي.. أما حسام فقد كنت أشعر بألسنة النار تندلع من عينيه وهو يراقبني بتربص...
أخيرا شرحت لهما ما حصل وبينت أنه كان حادثا عرصيا.. غير أن ذلك لم يخفف وطء المصيبة على حسام الذي قال معقبا:
"ولماذا لم تبلغنا عن الحادث منذ البداية؟ إلا إذا كان هناك ما تريد إخفاءه أو تحريفه".
أبو حسام زجر ابنه..والأخير رمقني بنظرة ملؤها الشك والنقمة..
قلت:
" أحرف ماذا؟؟"
رد وهو يقوم واقفا:
"سأعرف هذا من رغد".
وغادر الغرفة...
************************
الانهيار الذي ألم بي لدى رؤية خالتي لم يكن بسبب رجلي ويدي.. بل بسبب الصورة الأخيرة التي لا تزال مبثوثة أما عيني.. للخطيبين المتعانقين بكل حمية وانسجام.. والتي لم تفلح رؤية خالتي وعائلتها في محوها عن بصري ذلك اليوم..
أجرى معي أقاربي تحقيقا مطولا عن إصابتي وشرحت لهم تفاصيلها وأوضحت لهم أنه لا علاقة لوليد بالحادث وأن اللوم كله يقع على الشقراء..
لم أكن أرى غيرها في عيني.. وأردت أن أحرق صورتها بأي شكل.. وبالغت في التعبير عن غضبي منها ومما حل بي بسببها..
أما خالتي فقد كانت تضع باللوم على نفسها لأنها سمحت لي بالذهاب إلى المدينة الساحلية بعيدا عن عنايتها...
وبعد أن استوعب أهلي الأمر وهدأت مشاعر غضبهم الأولية أخذت أسرد لهم بعض أخباري وأخبار الجامعة وحياتي اليومية في المنزل الكبير..
وأخبرتهم كيف كان وليد يعتني بي... ويعاملني بكل لطف ومودة.. وكيف بقي مرابطا إلى جانبي فترة مكوثي في المستشفى.. وأشياء كثيرة كان وليد يقدمها لي بكل سخاء.. لم أشعر بافتقادها إلا الآن..
والحديث عن وليد لم يعجب حسام الذي قال منفعلا:
"أنت طيبة يا رغد... ولن تحكمي على ذلك المتوحش إلا بالطيب!"
قلت مدافعة:
"لماذا تنعته بالمتوحش يا حسام؟؟"
قال:
"هل نسيت كيف هاجمني ذلك اليوم؟ وكيف لطم شقيقه بقسوة أمام عيني يوم كنا في بيتكم يا رغد؟ وكيف جرك من يدك رغما عنك وأجبرك على السفر معه إلى الجنوب. إنه متوحش وهمجي كسائر المجرمين الــ.."
غضبت كثيرا وقلت مندفعة مقاطعة:
"لا تنعته بهذا.. لا أقبل منك... كيف تجرؤ؟؟"
والجملة ضايقت حسام فانسحب من الغرفة التي كنا نجلس فيها..
حل الصمت على الأجواء.. ثم تكلمت نهلة قائلة:
"لا تكوني قاسية عليه يا رغد! إنه غاضب لأجلك".
وأضافت سارة:
""يحبك كثيرا".
التفت إلى هذه الأخيرة فرأيتها تبتسم ابتسامة شديدة الغباء.. كعادتها.. تجاهلتها وجملتها كما تجاهلتها خالتي ونهلة..
خالتي قالت بعد ذلك:
"على كل يا رغد.. ها قد عدت ولن أدعك تغادرين ثانية".
ألتفت إلى خالتي نظرة متوجسة فقابلتني بنظرة شديدة الإصرار وقالت:
"إلى هنا ويكفي..سنحل هذه المسألة جذريا اليوم قبل الغد".
ورأيتها تضبط حجابها وتتجه نحو الباب فقلت بقلق:
"إلى أين خالتي؟"
قالت بحزم:
"سأذهب لأتحدث مع وليد.."
وخرجت مباشرة وتبعتها سارة دون ترك فرصة لي لأي ردة فعل...
نظرت إلى نهلة في توتر وقلت:
"ماذا ستفعل؟؟"
أجابت نهلة:
"لا أعرف!ربما ستتشاجر مع ابن عمك!"
قلت مستهجنة:
"لماذا كلكم متحاملون على وليد؟ قلت لكم إنه ليس مذنبا في شي".
قالت نهلة:
"تدافعين عنه لأنك تحبينه يا رغد..لكنه في الواقع رجل متسلط وقاسٍ ومكابر.. إننا جميعا في هذا المنزل لا نرتاح له..."
قلت بعصبية:
"إنكم جميعا لا تعرفون شيئا..تصدرون حكما ظالما على شخص لم تعاشروه... أرجوك يا نهلة الحفي بخالتي واطلبي منها الحضور إلى هنا فورا".
لم تتحرك نهلة فقلت:
"هيا يجب أن أعرف أولا ما الذي تخطط له"ز
ولم تتحرك نهلة بالسرعة المطلوبة.. غادرت الغرفة, وعادت بعد دقيقتين.. وما إن رأيتها بادرتها بالسؤال:
"هل لحقت بها؟"
قالت:
"نعم, وهي الآن في غرفة الضيوف".
صحت بعصبية:
"تبا! ولماذا لم توقفيها؟ لا بد أنها الآن تتشاجر مع وليد".
نظرت إلي نهلة نظرة استنكار ثم قالت:
"لا تخافي على مشاعر ابن عمك!... إنه ليس هنا".
قلت مستغربة:
"ليس هنا؟؟"
قالت:
"غادر منذ زمن.. يبدو أنه قد رحل فور إنهاء فنجان قهوته!"