كم عشتُ أسألُ: أين وجهُ بلادي
أين النخيلُ وأين دفءُ الوادي
لاشيء يبدو في السَّماءِ أمامَنا
غيرُ الظلام ِوصورةِ الجلاد
هو لا يغيبُ عن العيون ِكأنه
قدرٌٌ.. كيوم ِ البعثِ والميلادِ
قَدْ عِشْتُ أصْرُخُ بَينَكُمْ وأنَادي
أبْنِي قصُورًا مِنْ تِلال ِ رَمَادِ
أهْفـُو لأرْض ٍلا تُساومُ فَرْحَتِي
لا تَسْتِبيحُ كَرَامَتِي .. وَعِنَادِي
أشْتاقُ أطفالا ً كَحَبَّاتِ النَّدَي
يتَرَاقصُونَ مَعَ الصَّبَاح ِالنـَادِي
أهْفُو لأيَّام ٍتَوَارَي سِحْرُهَا
صَخَبِ الجِيادِ.. وَفرْحَةِ الأعْيادِ
اشْتَقْتُ يوْمًا أنْ تَعُودَ بِلادِي
غابَتْ وَغِبْنَا .. وَانْتهَتْ ببعَادِي
فِي كُلِّ نَجْم ٍ ضَلَّ حُلمٌ ضَائِعٌ
وَسَحَابَة ٌ لَبسَتْ ثيَابَ حِدَادِ
وَعَلَي الْمَدَي أسْرَابُ طَيرٍ رَاحِلٍ
نَسِي الغِنَاءَ فصَارَ سِْربَ جَرَادِ
هَذِي بِلادٌ تَاجَرَتْ فِي عِرْضِهَا
وَتَفـَرَّقَتْ شِيعًا بكُلِّ مَزَادِ
لَمْ يبْقَ مِنْ صَخَبِ الِجيادِ سِوَي الأسَي
تَاريخُ هَذِي الأرْضِ بَعْضُ جِيادِ
فِي كُلِّ رُكْن ٍمِنْ رُبُوع بِلادِي
تَبْدُو أمَامِي صُورَة ُالجَلاّدِ
لَمَحُوهُ مِنْ زَمَن ٍ يضَاجِعُ أرْضَهَا
حَمَلَتْ سِفَاحًا فَاسْتبَاحَ الوَادِي
لَمْ يبْقَ غَيرُ صُرَاخ ِ أمْسٍ رَاحِلٍ
وَمَقَابِر ٍ سَئِمَتْ مِنَ الأجْدَادِ
وَعِصَابَةٍ سَرَقَتْ نَزيفَ عُيُونِنَا
بِالقَهْر ِ والتَّدْليِس ِ.. والأحْقَادِ
مَا عَادَ فِيهَا ضَوْءُ نَجْم ٍ شَاردٍ
مَا عَادَ فِيها صَوْتُ طَير ٍشَادِ
تَمْضِي بِنَا الأحْزَانُ سَاخِرَة ًبِنَا
وَتَزُورُنَا دَوْمًا بِلا مِيعَادِ
شَيءُ تَكَسَّرَ فِي عُيونِي بَعْدَمَا
ضَاقَ الزَّمَانُ بِثَوْرَتِي وَعِنَادِي
أحْبَبْتُهَا حَتَّي الثُّمَالَة َ بَينَمَا
بَاعَتْ صِبَاهَا الغَضَّ للأوْغَادِ
لَمْ يبْقَ فِيها غَيرُ صُبْح ٍكَاذِبٍ
وَصُرَاخ ِأرْض ٍفي لَظي اسْتِعْبَادِ
لا تَسْألوُنِي عَنْ دُمُوع بِلادِي
عَنْ حُزْنِهَا فِي لحْظةِ اسْتِشْهَادِي
فِي كُلِّ شِبْرٍٍ مِنْ ثَرَاهَا صَرْخَةٌ
كَانَتْ تُهَرْولُ خَلْفَنَا وتُنَادِي
الأفْقُ يصْغُرُ، والسَّمَاءُ كَئِيبَة
خَلْفَ الغُيوم ِأرَي جِبَالَ سَوَادِ
تَتَلاطَمُ الأمْوَاجُ فَوْقَ رُؤُوسِنَا
والرَّيحُ تُلْقِي للصُّخُورِ ِعَتَادِي
نَامَتْ عَلَي الأفُق البَعِيدِ مَلامحٌ
وَتَجَمَّدَتْ بَينَ الصَّقِيِع أيَادِ
وَرَفَعْتُ كـَفِّي قَدْ يرَانِي عَاِبرٌ
فرَأيتُ أمِّي فِي ثِيَابِ حِدَادِ
أجْسَادُنَا كَانَتْ تُعَانِقُ بَعْضَهَا
كَوَدَاع ِ أحْبَابٍ بِلا مِيعَادِ
البَحْرُ لَمْ يرْحَمْ بَرَاءَة َعُمْرنَا
تَتَزاحَمُ الأجْسَادُ .. فِي الأجْسَادِ
حَتَّي الشَّهَادَة ُرَاوَغَتْنِي لَحْظَةً
وَاستيقَظَتْ فجْرًا أضَاءَ فـُؤَادي
هَذا قَمِيصِي فِيهِ وَجْهُ بُنَيتِي
وَدُعَاءُ أمي .."كِيسُ" مِلْح ٍزَادِي
رُدُّوا إلى أمِّي القَمِيصَ فَقَدْ رَأتْ
مَالا أرَى منْ غُرْبَتِي وَمُرَادِي
وَطَنٌ بَخِيلٌ بَاعَني في غفلةٍ
حِينَ اشْترتْهُ عِصَابَة ُالإفْسَادِ
شَاهَدْتُ مِنْ خَلْفِ الحُدُودِ مَوَاكِبًا
للجُوع ِتصْرُخُ فِي حِمَي الأسْيادِ
كَانَتْ حُشُودُ المَوْتِ تـَمْرَحُ حَوْلَنَا
وَالْعُمْرُ يبْكِي .. وَالْحَنِينُ ينَادِي
مَا بَينَ عُمْر ٍ فَرَّ مِنِّي هَاربًا
وَحِكايةٍ يزْهُو بهَا أوْلادِي
عَنْ عَاشِق ٍهَجَرَ البـِلادَ وأهْلَهَا
وَمَضي وَرَاءَ المَال ِوالأمْجَادِ
كُلُّ الحِكَايةِ أنَّهَا ضَاقـَتْ بِنَا
وَاسْتَسْلَمَتَ لِلِّصِّ والقَوَّادِ
في لَحْظَةٍ سَكَنَ الوُجُودُ تَنَاثَرَتْ
حَوْلِي مَرَايا المَوْتِ والمِيَلادِ
قَدْ كَانَ آخِرَ مَا لَمَحْتُ عَلَي الْمَدَي
وَالنبْضُ يخْبوُ .. صُورَة ُالجَلاّدِ
قَدْ كَانَ يضْحَكُ وَالعِصَابَة ُحَوْلَهُ
وَعَلي امْتِدَادِ النَّهْر يبْكِي الوَادِي
وَصَرَخْتُ ..وَالْكَلِمَاتُ تهْرَبُ مِنْ فَمِي
هَذِي بِلادٌ .. لمْ تَعُدْ كَبِلادِي
..................................................