تحب قطعة بازل وقطبي المغناطيس أم دوللي؟


عمرو خطب رشا أخت صاحبه خطوبة تقليدية.. فهو يعرف أخاها جيداً ويعرف أسرتها وسيرتهم الحسنة ويعرف أنها جميلة.. إذن، ما المانع؟ وتمَّت الخطوبة على بركة الله


بعد الخطوبة بشهر
عمرو بدأ يقع في حب رشا ويتحدث مع والدته عن مميزاتها وشخصيتها وأسلوبها في الحياة: باحب طريقتها المنظمة في الكلام، وباحب شخصيتها الراسية الهادئة، مختلفة عني هي في النقطة دي.. أنا روش وباهزر كتير.. ولاّ يا ماما لما تحس إني متضايق ولاّ مقريف.. تفضل ورايا لحد ما تجيبني.. أنا اللي باغلّب بلد لحد ما أنطق وأقول مالي لو متضايق
ويا للعجب.. للصدفة البحتة تكون رشا في نفس الوقت قاعدة مع والدتها وتتكلم عن عمرو الذي لم تقع في حبه.. إنما فقط متقبلاه مبدئياً
تتكلم رشا والنرف عالي عندها وتحرك يديها حركات عصبية قصيرة: ياماما ده بيهزر وبيضحك كتير.. وفيه أمور بياخدها بضحك وهي مش كده.. كان نفسي أرتبط بواحد هادي وراسي.. وبعدين مش قرأ ـنجيب محفوظ ولا بيحب يوسف السباعي.. فيه حد مش يحب يوسف السباعي؟؟! ومش بيحب تامر حسني وبيقول عليه إنه فشنك.. وكمان بيحب النور الأصفر وأنا باحب النور الأبيض ومش عارفة هنعمل اللمبات في شقتنا بيضاء ولا صفراء.. وبيحب الكاروهات واللون الأسود، والملح والسكر زيادة في الأكل.. مش كفاية دمه السكر زيادة.. هو ناقص؟
ولما مامتها نظرت لها نظرة استغراب وعتاب، تهدأ رشا قليلاً ويلين صوتها وتكمل: بس ده مش هيخليني أنكر إنه صحيح لما بيتناقش معايا بيقدر يفهمني ويقنعني. ودلوقتي أحيانا بيفهمني من غير كلام، يعني أقدر أقول إنه بيحسّ بيّ... بس برضه
وترجع لحدتها وتململها في الكلام
*******
ألا يفكر الكثيرون والكثيرات من (المخاطيب) بنفس الطريقة.. بنفس طريقة رشا.. وهي إنه لازم، ولا بد، ويجب، ويتحتم أن يكون الطرف الثاني مطابقاً له في كل شيء.. في كل كل شيء؟؟
طيب.. نريد أن نتناقش سوياً، مع بعض سوا، في هذا الأسلوب من التفكير... يصح.. أم لا؟ وفي أي الأمور يجوز وفي أيها لا يجووووووز؟




*******
هل الطيور على أشكالها تقع؟
الأول أريد أن أتفق معكم أننا سنركز جداً لأن المفردات التي سأستخدمها يوجد بينها فروق غير ملحوظة إذا لم ندقق فيها
وهي التطابق، والتشابه
طبعاً كلنا متفقون أنه لا بد أن يكون هناك نسبة من التوافق بين الاثنين لكي تمضي الحياة بينهما في سلام وحب. لكن التوافق هنا لا يعني بالضرورة التطابق التام في أصغر وأكبر التفاصيل. بالعكس، ألا نشاهد اثنين مخطوبين أو متزوجين ومختلفين تماماً بل ممكن نلاحظ تناقضات بينهما؟! ومع ذلك الحياة بينهما تمشي بأمان وسلام والأمور مستقرة وعلى ما يرام
التوافق معناه أن يكون بينهما تآلف وانسجام على نحو وافٍ وكافٍ حسب ما تقتضيه حياتهما معاً. ولو مضيت أكثر في توضيح المفهوم واستخدمت فيه الألوان، سنكتشف أن التوافق يوجد بين ألوان مختلفة، ويتحقق تماماً في درجة معينة من درجاتها. فهناك درجة معينة من اللون الروز تتوافق مع درجة معينة أخرى من اللون الأزرق. لكن هذا التوافق لا يعني أبداً أن الأزرق تخلى عن لونه وأصبح لونه روز
مش صح كده؟
من هنا -من هذه النقطة بالتحديد- أقدر أنطلق وأقول إن التوافق بين الاثنين لا يشترط فيه أن يكون كل واحد نسخة مكررة من الثاني بدون أي اختلاف. بل سأكرر وأقول إنه ممكن جداً يتحقق التوافق بين اثنين مختلفين
*******
زي البازل وقطبي المغناطيس



بجانب إن عمرو ظريف وخفيف فهو سريع التأثر وسهل أن يفهم خطأ، حتى لو الكلام هزار وغير جاد فهو يتأثر ويأخذ كل ما يقال على أنه ضده.. أما رشا فهي تزن الأمور قبل ما يكون لها رد فعل، وبالها طويل وتستطيع أن تجد أعذاراً لتصرفات الناس
تتصل رشا بـعمرو بعدما رجع من الشغل لتطمئن على أحواله. يرد عليها بصوت مختنق وتعرف منه أن أحد زملائه وهو يتكلم قال ضاحكاً وهو يمسح على رأسه للخلف بحركة سينمائية مفتعلة: عمرو فاضل له بس شعرة.. وضحك كل زملائه.. يتجنن عمرو ويأخذ على خاطره من كلامهم ويتركهم
ولما حكى لرشا نكتشف أن هذا اليوم كان عسيراً في الشغل وفيه زميل جديد لعمرو لا يفهم أي شيء ومتعين بواسطة رتبة أركان حرب.. وأنه غير مؤهل للعمل معهم، فهو متعجرف وسليط. وتم تكليف عمرو بتعليمه من الألف للياء دون زيادة في مرتّبه أو تعويض عن الأوقات الإضافية التي يقضيها ليقوم بشغله هو.. وساعتها، تترفق به رشا وتقول له: زميلك مش يقصد يجرحك.. وضحكهم كان تعاطف معاك ياحبيبي.. كان قصده إنك خلاص مش قادر تستحمل وبرج من دماغك هيطير بسبب واسطة أركان حرب.. مش يقصدوا زي ما إنت فهمت إنك بدأت تصلع
احتمال إن نسبة كبيرة منكم لما تقرأ هذا الكلام سترفض فكرة الاختلاف تماماً. ومن المؤكد أن السؤال الذي سيأتي في بالكم –خصوصاً الناس اللي لسه على البر ولم ترتبط أو تخطب- هو: كيف لا يشترط في التوافق بين الاثنين أن يكون كل واحد نسخة مكررة من الثاني؟
*******
طيب، فاكرين لعبة البازل؟
فاكرينها طبعاً...
كان علينا أن نركب القطع بطريقة ما حتى نكمل الصورة المرسومة على العلبة. هل كانت كل القطع تشبه بعضها؟؟ بالطبع لا.. وإلا كانت النتيجة أننا نصنع لوحة كبيرة مكونة من موتيف واحد أو تكوين واحد متكرر بشكل ممل قد يؤذي العين
السؤال الثاني.. هل كانت حوافّ كل قطعة تشبه الثانية... يعني هل لا بد أن تكون كل قطعة فيها ثقب وذراعان أو ثقبان وذراع؟
بالطبع لا..
وبما أنكم –وأنا معاكم- فاكرين البازل، فبالتأكيد فاكرين درس العلوم في سنة رابعة ابتدائي. كان عن الجاذبية والمغناطيس الذي كان يشبه الأستيكة التي تمسح القلم الجاف؛ مقسم لونه أزرق وأحمر. الأحمر هو القطب الموجب، والأزرق هو القطب السالب. يومها أنا حاولت بكل قوتي ساعتها أن ألصق القطب السالب في القطب السالب من قطعة مغناطيس ثانية. والنتيجة أنني لما ضغطت بيدي الصغيريتن وقتها، طار المغناطيس ووقع على الأرض.. وكان الدرس المستفاد من التجربة أن القطبين المتشابهين لا يتجاذبان
العلاقة بين الاثنين مثل العلاقة الناشئة بين قطع البازل، والقطب السالب والقطب الموجب في المغناطيس. لن تركب القطع في بعضها إن كانت كلها برأسين وذراع أو رأس وذراعين. ولن تكون الصورة الجميلة الموجودة على الغلاف إذا كانت كل قطعة تشبه الثانية في لونها أو ما هو مرسوم عليها. ولن يتجاذب ولن يتفاعل الطرفان إذا كان كل واحد ما هو إلا النعجة دوللي من الثاني.. أقصد مستنسخا من الثاني
المقادير


*******
المقادير


أما السؤال التالي.. فهو: كيف سيتحقق هذا التوافق مع وجود الاختلاف؟
يتحقق التوافق بطريقة طبيعية وتلقائية مع وجود اختلافات بسيطة في الطبائع والشخصيات، بدليل أن الكثير منا لديه أصدقاء مقربون ومختلفون معه. ويتحقق التوافق أكثر مع وجود الحب؛ لأن كل واحد سيحب الثاني كما هو حتى لو كان مختلفا عنه.. فممكن جداً أن تشترط البنت قبل الارتباط والحب أن يكون فارس أحلامها هادئاً ورزيناً ورومانسياً مثلما فعلت رشا.. ثم يكون نصيبها مع واحد دمه خفيف، ويحب الضحك والسخرية، وكبيرُه في الرومانسية أن يقول لها: وحشتيني.. لما تسافر أمريكا وهذا لن يحدث
وتجد نفسها بدأت تتخلى عن فكرتها عن فارس أحلامها وتحب خطيبها كما هو.. بل قد يصل حبها إلى أنها تسخر من نفسها –ما هي خلاص اتعلمت السخرية والضحك منه!- لأنها في يوم ما فكرت أن يكون شريك حياتها شخصاً مختلفاً عنه
ولا ننسى أن فكرة تلاقي النفوس التي لا نتدخل فيها وهي بيد الله سبحانه، من الأسباب الرئيسية التي توجـد التوافق والألفة مع الاختلاف. والرسول -صلى الله عليه وسلم- قال ذلك بوضوح في حديث جميل: الأرواحُ جنودٌ مُجنَّدة ما تعارف منها ائتلف، وما تنَافرَ منها اختلف
وخدوا بالكم.. فأنا أتكلم عن الاختلافات الشخصية التي لا تمسّ المبادئ والقيم.. اختلافات لا تسبب خلافات إذا لم نقف عندها. فلا يأتي أحد يقول لي: أنا ارتبطت بواحد بخيل، ومش راضي يصلي، وكدّاب
*******
فتح عينك، تاكل ملبن

من خوفي أن يظل واحد منكم غير مقتنع بوجود الاختلاف بين الاثنين.. ولكي أكون عملت كل ما بوسعي.. سنتخيل سوياً لو أن كل واحد ما هو إلا استنساخ من الثاني. أنا سأسأل وكل واحد يتخيل مع حاله ويفكر: ماذا لو كل واحد استنساخ من الثاني.. ماذا سيحدث؟
كيف سيكون الحوار بينهما والأخذ والعطاء وهو يعلم ماذا ستقول هي وكيف تتصرف؟
ماذا لو كانت رشا مثل عمرو وتأخذ كل كلام على أنه ضدها، واستقبلت ما حدث مع خطيبها في الشغل بنفس طريقته، أليست النتيجة أن يكبر الموضوع ويتفاقم وممكن يصل لحد الخناق مع زميله مما يؤثر على سمعته في الشغل؟
طيب..
لو هو مشاغب ويُحدِث ضوضاء وهي مثله تماماً مشاغبة، وكان متضايقاً في يوم ومحتاج من يفضفض معه ويريحه ويهدئ أعصابه.. هل ستكون هي الشخص الذي يلجأ له؟
لو هي تميل للانطوائية وتخجل من التجمعات، ولو كان هو مثلها تماماً كيف ستكون حياتهما بدون معارف وأصحاب؟
لو هو لا يعطي للمشاعر حقها ويتعامل معها كأشياء وأرقام، وهي مثله تماماً جامدة، وفي يوم من الأيام احتاج أحدهما لطبطبة أو احتواء والسوبر ماركت لا تبيع تلك المنتجات، أين سيجدانها؟
لو هو سلبي وهي متواكلة -معنى آخر للسلبية- فمن سيتخذ لهما قراراتهما ومن سيخطط لحياتهما؟
لو هي غير طموحة وهو كذلك؛ راضي بالوظيفة الميري وعلى العرب السلام، من الذي سيعمل ليطور حياتهما ويحركها حتى لا تظل محلك سر؟
لو هو شخصية ناعمة وغير حازمة وهي أكثر نعومة منه، كيف ستكون تربيتهما لأولادهما والتربية تحتاج إلى حزم وشدة؟! هل هناك أمل أن يكون الأولاد شيئا آخر غير المتسيبين؟!
كيف تتّسق حياتهما وكل واحد يعرف أن الثاني مثله تماماً ويستطيع أن يعرف كل كلمة، كل حركة، كل فكرة، كل شيء سيفعله قبل أن يفعله؟
كيف تتّسق الحياة وكل واحد لا يجد ما ينقصه ويحتاجه عند الثاني؛ لأن الثاني ببساطة مفتقد لتلك الجوانب والخصال أيضاً؟
تخيلوا حياة -إن جاز التعبير- بهذا المنظر، هل سيكون لها طعم؟؟
ولأنه احتمال يكون بعضكم غمض عينه ليتخيل، ولأني أعتقد أن الإجابة على الأسئلة لن يكون فيها أي ملبن، فالأفضل أن أقول لكم كما في في أوبريت الليلة الكبيرة العبقري: فتح عينك تاكل ملبن
*******