استميحكم عذرا لاعادة نشرها فقط للاطلاع وتقبلوا مني فائق الشكر والتقدير
اولا الحورية الصغيرة
ثانيا البندقيةلاول مرة ومنذ زمن بعيد استيقضت قبل صوت المنبه واذابي لم انزعج كان حتى يوم امس حين يرن .. ينتابني شعور صاخب حيث يتوقف كل شئ ويمتزج ظلام الغرفة بضياء الصباح المخترق من ستائر النافذة
فيقذفني هذا الصوت خارج فراشي
محاولة اسكات هذا الشئ الذي اعتادت امي ان تضعه بعيدا عن يدي .
اخذت حقيبتي المدرسية بعد ان تناولت الافطار وكان مميزا هذه المرة بل ان
كل شئ احسه مميز هذا الصباح.
كانت صديقتي تنتظرني عند الباب كالعادة – ونحن نتهيأ للذهاب الى المدرسة – لاول
مرة انتبه الى صوت العصافير وهي تزقزق على شجرة تناثرت اطرافها وتدلت
اغصانهاعلى جدار بيت جارتنا العجوز الوحيدة والتي اعتادت ان تقف عند باب
دارها كل صباح تنظر الينا ونحن نذهب الى المدرسة .
كنت اخاف منها كثيرا ولم اسلم عليها من قبل ابدا ولكن اليوم ابتسمت في وجهي وقالت
صباح الخير ايتها الحورية -- الجميلة ابتسمت لها --.
تقدمنا في المسيربأتجاه المدرسة – وصلنا الى الشارع العام وانا وصديقتي
نتهامس في مواضيع المذاكرة لهذا اليوم ولم تزعجنا اصوات السيارات المارة
مثل كل مرة بل كأنها لم تصل الى مسامعي ..
في هذه الاثناء وفجأة حدث دوي كبير – ترآى لي مشهد المنبه في كل صباح
وتركز في نظري شئ اشبه بطائر اسود يتجه نحوي – وصوت المنبه لا زال يرن
في اذني وهذا الشئ يقترب بسرعة هائلة ويدي لا تصل الى المنبه لاسكاته
والاصوات الصاخبة تعلو اكثر واكثر وصوت المنبه يعلو معها – ونظري
لازال متسمرا صوب ذلك الشئ الاسود المتجه نحوي .
وفجأة سكت كل شئ
المنبه – الصخب – اصوات السيارات – لحظة هدوء لم اشهد لها مثيل
واذا بي اجد نفسي اسقط ببطء في ظلام تزداد كثافته شيأ فشيأ حتى
وصلت الى عتمة شديدة ورهيبة – سمعت بعدها صرخات عالية وكثيرة
وكلام لم افهمه يتردد بتكرار – ايضا لم افهمه.
ثم اشرق نور جميل وكأنه اشراقة شمس مفاجئ في منتضف الليل
استيقضت - - وجدت نفسي ممدة على الارض والى جانبي صديقتي
جالسة تصرخ وتبكي وتستغيث وكان قميصها الابيض قد تلطخ بالدم
فحملها رجل بسرعة واخذها بعيدا
ثم نظرت حولي فـأذا بالناس تحيط بي من كل جانب –
نهضت ووقفت على قدمي والناس من حولي – لازالوا في مكانهم
نظرت الى ما ينظرون اليه واذا بي اجد نفسي ممددة على الارض وجسدي
غارق بدماء قد صبغت بلونها الاحمر كل ملابسي والارض من حولي
صوبت بنظري الى الشارع فوجدت دخانا ونارا تشتعل في سيارات
كثيرة والناس منشغلة بأطفائها
لكني سليمة !! هكذا اجد نفسي – اكثر اشراقا واكثر بهاءا وملابسي لم
يصلها شئ .
ولكن تلك الممددة على الارض والنائمة على دمائها هي انا ايضا - -
بل انا سليمة وواقفة مع الناس - - شئ كالحلم لم افهمه بعد .
كان بالجانب الاخر اطفال ونساء وشيوخ وبنات وبنين - - يشع من
خلالهم نور بهي – يلوحون لي بأيديهم وينادونني بأسمي نور-- نوراسعدني ذلك فذهبت اليهم بسرعة فأخذوني معهم وهم يرحبون مستبشرين
ويسبحون بحمد الله ويهللون بعظمة الخالق البارئ المصور
كانت صورهم جميلة وطلعتهم بهية – وايضا وجدت نفسي اجمل وابهى
وانا اذهب معهم في طريق وكأني امشي ورجلي لم تطئ ارضا تدوسها بل
وكأني اطير كفراشة في حديقة خضراء رياضها غناء
وذا بي اسمع صوت امي تصرخ آلمني صريخها فالتفت خلفي فوجدتها
تفترش الارض قرب جسدي الممدد هناك وتصرخ بأسمي
حاولت ان اذهب اليها لاقول لها انا هنا انا سليمة ها انا ذا لكنهم منعوني
فذهبت معهم في نورهم وبهائهم ولكن ظل بي شئ من الحزن على امي
البندقيةرن جرس الهاتف فهرع اليه عبد السلام ورفع السماعة , كانابنه عادل في الطرف الاخر فقال له بابا نجحت وطلعت الاول وماعليك الا ان تأتي بالهدية التي واعدتني بهاضحك عبد السلام بصوت عالي وقال له تهانينا يا بني وسأتيلك بها ان شاء الله , رجع عبد السلام الى طاولته ساكت لم يتفوهبشئ -- سأله زميله ما بك يا ابا عادل الم تفرح بنجاح ابنك وانتتنتظر هذا الخبر مذ ُ الصباح قال بل انا فرحان جدا فهو انهىمرحلة الابتدائية وهو من الاوائل ولكني قلق بعض الشئ فهويريد هديته بندقية من تلك التي يلعب بها ابن الجيران وانتسمعت ببعض الحوادث التي وقعت مع جنود الاحتلال الامريكيحين قتلوا بعض الاطفال بينما كانوا يلعبون ببنادقهم – متوهمينبأنهم عدو محتمل .قال له زميله والله صحيح سمعت بتلك الحوادث ولكن ماذا ستفعلوانت وعدتهقال عبد السلام سأشتريها له واحاول ان اعطيه بعض الارشاداتفطبطب زميله على كتف عبد السلام وانصرف الى عملهدخل عبد السلام الى محل اللعب بعد ان خرج من عمله واشترىلعادل تلك البندقية فركب الباص عائدا الى بيته وفي الطريقتوقف الباص في شارع قد غص بمركبات متوقفة فقال السائقالطريق مقطوع يا اخوان وهناك جنود امريكان ربما ليبطلوامفعول عبوة ناسفة في الطريق فاننا سنتأخرفعلا ً تأخروا لعدة ساعات وكان الجو حار جدا وصيف بغدادقاس ٍ على اهلها مثل قساوة ظرفهاأتعبه الانتظار وارهقه وطلب من زوجته بعد وصوله ان يستريحقليلا ً وطلب منها ان لا تقول لعادل عن الهدية بل يريد ان يجعلهاله مفاجئةاستلقى عبد السلام على سريره ووضع علبة الهدية بجوارهوإستسلم لنوم عميقفتح عادل باب غرفة ابيه بعد ان احتج لدى امه عن سبب عدماستقبال ابيه حين وصل من العمل واخبرها بأنه ذاهب ليسلمعليه ويسأله عن الهدية , فوجد اباه نائم وبجانبه علبة الهديةفقال في نفسه انها البندقية فأخذها وهو مسرور دون ان يوقضاباه وذهب الى غرفته وفتح العلبة واخرج البندقية وخرج الىالشرفة التي تطل على الشارع وهو ينادي بصوت اقرب الى الصراخ على صديقه وجاره ليشاركه باللعب فوافق صاحبه وذهبلجلب بندقيته وفي هذه الاثناء مرت دورية للجيش الامريكي منشارعهم فصوب عادل بندقيته عليهم قاصدا ً اللعب معهمفأذا بأحدهم يطلق الرصاص عليه فأرادوه قتيلا ونزل الجنودمن مدرعاتهم ودخلوا بيت عبد السلام فكسروا الباب ودخلوا الىغرفة عادل , وعلى صوت كسر الباب وصرخات الجنود سقطتام عادل مغشية عليها قبل ان تعلم بموت ابنها – استيقظ فجأة ًعبد السلام فهرع الى غرفة عادل فوجدها ممتلئة ً بالجنود فصرخاين عادل فأشار له احدهم الى الشرفة فمشى بخطوات ثقيلة الىالشرفة وهو تملأه الهواجس فوجد ابنه غارقا بدمه فصرخ وهويقول لا لا وبأمتداد صرخاته امسك برقبة احد الجنود واراد انيقذفه من الشرفة فسقط معهوصدى صراخه يحيط به وهو في طريقه الى ارض وقبل انيرتطم بها تراءت له صورة ابنه بأبتسامته المعهودة التىطالما احيت به روح الامل بيوم غد ٍ جديدوبأرتطامه بالارض استفاق وهو يهذي بين ذراع زوجته وهوممد على الارض قرب السريروبيده علبة الهدية ( البندقية )وتقول له زوجته بسم الله الرحمن الرحيمما بك يا ابا عادل قال عبد السلام الحمد لله - سوف اسحب منمدخراتنا نقودا ً واشتري لعادل جهاز حاسوب بدل هذه البندقيةاللعينة فعرفت زوجدته ما حدث له وقالت سيستمتع بالحاسوباكثر ولكن ماذا ستفعل بهذه العلبةقال لها سأخفيها لحين جلاء الاحتلال حينها سأعطيها له يلعببها حتى ولو بالشارع فتنفست زوجته الصعداء وقالت ان شاءالله وقال لها وهو يتنهد ( ان شاء الله )