بارك الله فيك
وجزاك الله خيرا
![]()
من الأهداف النبيلة في الدين الإسلامي . وقاية الشر من نزعات البشر بتوضيح أضراره والتحذير منه ، ودعوة من اِنسَابَ في تيارات الرذيلة والشر والكذب إلى صراط الفضيلة ، والصدق ، والاستقامة لتكوين الشخصية القوية المُثلىَ صاحبة الخُلق القويم التي سَمَتْ عن النقائص ، وطهرت النفس عن الأدناس والصغائر ، فحظيت برضوان الله ، وبتزكية النفس ، وتهذيبها ، وبتكريم الناس .
ومن الرذائل التي نهانا عنها الدين ، الكذب بشتى مظاهره . وصوره ، وأشكاله ، فهو جماع كل شر ، وأساس كل ذم ، لسوء عاقبته ، وخبث نتائجه ، لأنه يُحدث القطيعة والبغضاء والعداوة والقلق ، وبه يتصدع بنيان المجتمع ، ويُخل بسير الأمور ويُسقط صاحبه من عيون الناس ، فلا يصدقونه في قول ، ولا يثقون به في عمل . ويفقد ثقة الناس به في معاملاته أو في تجارته ، أو في وظيفته إن كان موظفا . وإن كان جنديا يُتَهم بالخيانة لأن الخيانة صفة من صفات الكذب ، فلا يُصَدق ، ولا يُمنَح الثقة لا في السلم ولا في الحرب ، وربما طُرِدَ من الخدمة العسكرية ، لأن الخدمة وحمل السلاح شرف والشرف لا يلتقي مع الكذب قال سبحانه ] إِنَّ اللَّهَ لاَ يَهْدِي مَنْ هُوَ مُسْرِفٌ كَذَّابٌ [ ( غافر : 28 ) ، وقال أيضاً : ] إِنَّمَا يَفْتَرِي الكَذِبَ الَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ [ ( النحل : 105 ) وقال نبينا محمد صلى الله عليه وسلم : " دع ما يُرِيبك إلى ما لا يُرِيبك " فإن الكذب ريبة والصدق طمأنينة .
استدعى أحد القادة الفرنسيين . جنديا وأمره أن يذهب إلى المحكمة العسكرية ، ليدلى بشهادة كاذبة ضد أحد الضباط ، تمهيدا لإدانته وطرده من الخدمة ، فما كان من الجندي إلا أن خلع سلاحه وملابسه العسكرية ، وأتجه إلى المحكمة بملابس مدنية رثة . ولما سُئِلَ عن ذلك قال ؟ كيف أكذب وأنا أحمل الشرف العسكري ، والشرف لا يتلاءم مع الكذب . وقال أحد الحكماء ( الكذاب لص . فاللص يسرق مالك ، والكذاب يسرق عقلك ) ...
والكذاب لص مُهان ، ومُتقلب خَوان ، وهيهات أن تجني من الشوك العنب ، فالرسول صلى الله عليه وسلم يقول " تحروا الصدق وإن رأيتم أن فيه الهلكة ، فإن فيه النجاة ، وتجنبوا الكذب وإن رأيتم أن فيه النجاة ، فإن فيه الهلكة " والكذب هو الإخبار عن الشيء بخلاف ما هو عليه إذ لا يجد الكذاب صدقاً يُستَعذب ، ولا كلاماً يُستَظرف فيفضل الكذب بما فيه من مهانة النفس ، ودناءة الهمة . يقول نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام " إياكم والكذب ، فإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار وما يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يُكتب عند الله كذابا " ...
ويقول الكاتب الأديب ( الجاحظ ) " لم يكذب أحد قط إلا لصغر نفسه عنده " والكذب بادرة سيئة يلقيها السخيف من الرجال . لقصد التشفي من عدوه أو من محسوده أو ممن ظهر عليه ، فيوسعه بقبائح يخترعها عليه وينسبها إليه ، فيجمع بين الكذب ، والضرر . ولذلك يرد الشرع شهادة العدو على عدوه ، كما رد عمر بن الخطاب رضي الله عنه شهادة رجل وُصِفَ بالكذب والتزوير .
والكذاب قد ألِفَ الكَذب وترسّخَ في نفسه ، واعتاد عليه ، فصار طبعاً من طباعه ، ونزعة من نزعاته ، فصعب عليه مُجانبة الكذب ، وقال لقمان الحكيم : الكذب داء لا يزيله إلا الموت ومن مظاهر الكذب :
1 - الخيانة :
وهي أشر أنواع الكذب التي لا تضر بصاحبها فحسب ، وإنما تنتقل عدواها إلى سائر أفراد المجتمع حيث الخراب والدمار والفوضى ، وعصيان أوامر الدين . وقد نهانا الله سبحانه عن الخيانة بقوله ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ [ ( الأنفال : 27 ) ويقول ] إِنَّ اللَّهَ لاَ يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّاناً أَثِيماً [ ( النساء : 107 ) .
2 - خلف الوعد :
وهو كذلك كذب مكروه ، يدل على الشخصية الضعيفة ويسبب الكثير من الأضرار ، كفقدان الثقة ، وإضاعة الوقت سُدىَ ، وغرس الأحقاد ، وهو من صفات المنافقين الذين يقولون ما لا يفعلون ، فسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم يقول : " آية المنافق ثلاث إذا حدَثَ كذب ، وإذا وَعَدَ أخلف وإذا أؤتُمِنَ خان " .
3 - شهادة الزور :
وهي من ضروب الكذب المحرمة في الإسلام ، ومن أخطر المثالب التي تفضي إلى المنازعات وإضاعة الحقوق ، ونشر الفوضى ، والخصام ، والحقد بين الناس ، فالله سبحانه يأمرنا باجتناب شهادة الزور بقوله ( فَاجْتَنِبُوا الرِّجْسَ مِنَ الأَوْثَانِ وَاجْتَنِبُوا قَوْلَ الزُّورِ ) ( الحج : 30 ) كما أن البهتان سِمَة من سمات الزور ، وهو النيل من الإنسان ، أما بشرفه وعمله ، وأما بدينه وكرامته ، قال سبحانه ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَن تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ [ ( الحجرات : 6 ) .
4 - الغيبة والنميمة والافتراء :
هي من أقبح القبائح التي حرمها الإسلام وهي أيضاً من بواطن الكذب لما تعقبه من أضرار نفسية ، واجتماعية لبعدها عن الصواب والعلم والتحري عن الحقيقة ، والصدق في نقل الأخبار . قال سبحانه وتعالى (وَلاَ تُطِعْ كُلَّ حَلاَّفٍ مَّهِينٍ * هَمَّازٍ مَّشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِّلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ) ( القلم : 10 - 13 ) فالإسلام ذلك الدين القيم العام لجميع البشر الشامل لشتى مطالب الروح والجسد . قد دعا إلى كل خير وصدق ، ونهى عن كل شر وكذب لأن الكذب رذيلة يُقَوض بناء المجتمع ويُصَدع أركانه ، وينشر في أركانه العداوة والبغضاء ، والإنسان بطبيعته ضعيف بنفسيته وملكاته ، غريب في أطواره وتراكيبه . لذلك تتنازع فيه عوامل الخير والشر ، وكثيراً ما ينساق إلى أحد هذه العوامل بدوافع داخلية أو مؤثرات خارجية .
ومن الأهداف السامية في الإسلام وقاية الإنسان من نزعات الشر ، ببيان ضرره والتحذير منه ، والأخذ بيد المتورطين فيه إلى ما فيه استقامتهم وإسعادهم ، وتوجيههم إلى طرق الخير المتعددة وطرق البر والإحسان .
فالاستقامة إذن : من الأسباب المتينة في السمو الروحي ، والرقي الأدبي للفرد والمجتمع ، إذا ما وُجِدت في قوم فإنها قادرة على إصلاح حالهم ومعاشهم واستقرارهم ، وسلامتهم ، أما إذا انعدمت في جماعة فإنهم بلا شك سيتورطون في أعمالهم الخاصة والعامة ويسيطر عليهم القلق والاضطراب ، والنزاع في سبيل غاياتهم الدنيوية وبالتالي تفضي إلى تفككهم وإنحلالهم والقضاء عليهم .
وإن القرآن الكريم قد وعد ذوي الاستقامة بحسن الثواب ، وعظيم الأجر في الدنيا و الآخرة ، بقوله تعالى : ( إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ المَلائِكَةُ أَلاَّ تَخَافُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ )( فصلت : 30 ) .
فهل هناك سعادة روحية ونفسية تفوق هذه السعادة ، وهذا الشعور الطيب الذي يستهوي النفوس ، ويؤثر في أعماق الأفئدة من خلال تلاوة هذه الآية الكريمة وتدبر معانيها ، روي عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا قال أوصني يا رسول الله ، فأجابه بهذه الجملة الموجزة الجامعة لمعنى الاستقامة " قل آمنت بالله ثم استقم " .
وإن النفس البشرية لأمّارة بالسوء إلا ما رحم ربي ، وخاصة في هذا العصر الذي طغت فيه المادة على الروح ، وتنوعت فيه وجوه الإغراء والفساد المستوردة من الغرب في أجهزة سينمائية وتلفزيونية ، وفي كتب وصحف ومجلات وصور شباب وشابات . يتجسد فيهم التخنث والإنحلال ، والرذيلة ، وليس على المسلم الواعي المدرك للقيم الدينية والعقلية سوى تطهير نفسه من الأدران والدنس ، والسمو بها عن النقائص ، وتزكيتها من الكذب ، والخيانة وقول الزور ، ومن اللغو والفسق ، والفجور والبهتان ، والتنابز بالألقاب ، وما إلى ذلك من المعايب المشينة ، التي تهبط بصاحبها إلى منزلة الرعاع والسوقة ، والمنحلين ، ويترفع عن كل ما يثلم دينه وخلقه ، وكيانه ، ويجاهد نفسه ، ويرغمها على الصلاح والاستقامة تلك هي اللبنة الأولى يتكون منها المجتمع ويقوم عليها ، والتي عني الإسلام بها عناية تامة لخير أُمة أُخرجت للناس . تأمر بالمعروف وتنهى عن المنكر . قال نبينا عليه أفضل الصلاة والسلام لقوم عادوا من الجهاد : " مرحبا بكم ، قدِمتُم من الجهاد الأصغر إلى الجهاد الأكبر قيل : يا رسول الله وما الجهاد الأكبر ؟ فقال : جهاد النفس " .
وإن في التهذيب الإسلامي ما يغنينا عن كل مستورد . إنه الإيمان ، ثم الاستقامة ، إنه أساس القواعد السليمة والاستقرار الدائم ، والتربية المثالية الجامعة لفضائل الحكمة ، والقوة والشجاعة ، والعفة ، والكرامة ، والعدالة . إنه القرآن الكريم الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ، ولا من خلفه ، تنزيل من حكيم حميد ، نعم إنه القرآن الذي ينهى عن الكذب وعن اللمز ، وهو أن ترمي إنساناً بالعيب في حضوره أو في غيابه . كأن تصفه بالبخل أو الدناءة أو الفقر ، أو الخيانة ونحو ذلك كما أن التنابز بالألقاب ، وهو التراشق بالأوصاف الذميمة ، والأسماء القبيحة التي يقصد بها الإهانة والسخرية ، بقصد أن يتحول اللفظ إلى لقب سيئ يشتهر به المنبوذ ، ويطلق عليه بدل اسمه الحقيقي ، فالرسول عليه الصلاة و السلام ، نهى عن ذلك بقوله : " أدعُ أخاك بأحب الأسماء إليه " وقوله : " المسلم أخو المسلم لا يحقره ، ولا يخذله ، ولا يظلمه " فكل هذه الأوصاف القبيحة التي أشرنا إليها سخيفة ولا يجب التندر بها .
ولا يجوز أيضاً سوء الظن بالناس وهو أن تتجه في فهم أقوالهم ، وأفعالهم إتجاهاً سيئاً من غير حجة أو برهان تؤيد ما ذهبت إليه ، وكذلك التجسس عليهم لمعرفة أسرارهم ، وعيوبهم ، وما يخفىَ من شئونهم الخاصة .
وهناك الغيبة والنميمة ، والإساءة إلى إنسان غائب بكلام ذميم ، أو محاكات فعل من أفعاله ، للزراية به ، أو نقل الكلام من شخص لآخر بقصد التشفي من أحدهما . كل هذه الخصال المذمومة تولد الضغائن والأحقاد والتفرقة بين الناس قال سبحانه : ( يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيراً مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلاَ تَجَسَّسُوا وَلاَ يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضاً أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتاً فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ [ ( الحجرات : 12 ) كما قال ] يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْراً مِّنْهُمْ وَلاَ نِسَاءٌ مِّن نِّسَاءٍ عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْراً مِّنْهُنَّ وَلاَ تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلاَ تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ )
( الحجرات : 11 ) .
فهل بعد هذه الآيات الكريمة من مُستعتب ، أو شيء آخر نتعظ به ونؤمن به ، كدواء ناجح لعللنا ، وأمراضنا كلا . لأن الله سبحانه وتعالى يقول ( وَنُنَزِّلُ مِنَ القُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ ) ( الإسراء : 82 ) .
قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه : " من قرأ القرآن ولم ينتفع به ، كان كمن يرعى غنماً لا ينتفع بلحمها ولبنها وأشعارها " وجيء برجل مذنب إلى عمر بن عبد العزيز رضي الله عنه فقال له : أتقرأ القرآن ؟ قال الرجل : نعم ، قال عمر : أتعي ما تقرأ ؟ قال : نعم ، فقال عمر : كذِبت يا هذا ، إن الذي يقرأ القرآن لا يكذب ولا يظلم ، ولا يلعن نفسه . قم فأصلح نفسك ويقصد عمر رضي الله عنه أن الرجل إذا قرأ ( أَلاَ لَعْنَةُ اللَّهِ عَلَى الظَّالِمِينَ ) (هود : 18) وهو ظالم ، أو قرأ
(إِنَّ اللَّهَ لَعَنَ الكَافِرِينَ وَأَعَدَّ لَهُمْ سَعِيراً )( الأحزاب : 64 ) أو قرأ ( سَيَعْلَمُونَ غَداً مَّنِ الكَذَّابُ الأَشِرُ ) ( القمر : 26 ) وهو كذاب فإن القرآن يلعنه ، والقارئ يلعن نفسه أيضاً ، وملائكة الرحمن تؤمّن عليه ( آمين آمين ) .
والواقع أن الكثير منّا قد وقع في هذا الخطأ العظيم ، وتورط في مخالفة القرآن الكريم . فإن لله وإنا إليه راجعون ، والواجب علينا أن نتدبر كلام الله ونتفهم معانيه ، ومراميه ، ونزجر أنفسنا وننهاها عن التمادي في الكذب والخيانة وكلام الزور ، والفسق ، والبهتان ، والغيبة ، والنميمة ، والحسد ، والعصيان ، وأكل الحرام ، وما إلى ذلك من الأفعال القبيحة التي نهانا عنها كتابنا ، وديننا ، ونبينا . فهل نحن منتهون ؟
بارك الله فيك
وجزاك الله خيرا
![]()
التعديل الأخير تم بواسطة mona roshdi ; 13 - 2 - 2009 الساعة 11:51 PM
جزاك الله كل خير طبعا الكذب والخيانة من اكبر الآفات التى تدمر المجتمعات تسلم ايديكى
عندما تحزن او تصادفك مشكلة قول فقط لا اله الا الله محمدا رسول الله
وان شاء الله سيزول هذا الحزن او هذه المشكلةالبحث على جميع مواضيع العضو الفرعون الصغير
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)