الأمية الثقافية
لئن كانت الأمية الأبجدية تعني عدم القدرة على القراءة والكتابة، فإن الأمية الثقافية تعني ـ في بعض تعريفاتها وتجلياتها عزوف المتعلمين عن تثقيف أنفسهم، بإعراضهم عن ممارسة القراءة كسلوك حياتي، يواظبون على فعله دون توقف، لأن من ثمرات القراءة الحرة وفوائدها توسيع آفاق المعرفة، ونقل القارئ إلى عوالم ممتدة في التاريخ، متباعدة في الجغرافيا، غنية بالعلم والفكر والثقافة.
.....
فالقراءة عند الشعوب المتحضرة، "عادة" تدمن على ممارستها، كباقي عاداتها اليومية، من نوم وأكل وشرب..، فهي ليست "هواية" كما هي في عرف الكثيرين منا، يكشف التقرير العربي الأول للتنمية الثقافية الصادر سنة 2008 عن مؤسسة الفكر العربي، أن العدد الإجمالي لمنشورات الوطن العربي من الكتب خلال 2007 بلغ 27809 بنسبة كتاب لكل 11950مواطنا، مقابل كتاب واحد لكل 491 مواطنا في بريطانيا، وكتاب واحد لكل 713 مواطنا في اسبانيا، أي أن نصيب المواطن العربي4% من نصيب الإنجليزي، و5%من نصيب الإسباني!.
.....
أمام هكذا أرقام، أليس من الملح التساؤل عن أسباب هذا التدهور المزري في الحالة الثقافية العربية؟ وما هي أسباب انتشار وفشو ظاهرة الأمية الثقافية في مجتمعاتنا العربية؟ ومن هي الجهات المعنية بملاحقة هذه الظاهرة ومحاصرتها؟ وما هي السبل الكفيلة بتحقيق ذلك؟.
...
وجود الظاهرة وتعريفها
في تحديد معالم تعريفية لظاهرة "الأمية الثقافية"، يقول الدكتور توفيق شومر - أستاذ الفلسفة، رئيس قسم العلوم الإنسانية والاجتماعية بجامعة فيلادلفيا الخاصة: "يمكن تعريف الأمية الثقافية بأنها عدم قدرة الفرد على معرفة معلومات عامة لا ترتبط بشكل مباشر أو غير مباشر بالمادة الدراسية التي يدرسها أو بالمعلومات التي يتلقاها من خلال المدرسة أو المؤسسات التعليمية الأخرى، ولكي يصنّف الفرد بأنه أمي من الناحية الثقافية فهو الفرد الذي لا تتجاوز معرفته تلك المعرفة المتحصلة من الثقافة التراثية للمجتمع التي يتربى معها. يضيف الدكتور شومر مؤكدا على أننا في الساحة الثقافية العربية نواجه جهلا حتى على مستوى معرفة التراث العربي لذلك فنحن نعاني من أمية أكبر.
من جانبه يتفق علي البتيري ـ الكاتب والشاعر، (الرئيس السابق للحملة الوطنية لتشجيع القراءة) ـ مع التوصيف السابق المؤكد لوجود الأمية الثقافية في مجتمعاتنا العربية، منبها على أنها أشد خطرا، وأكثر صعوبة من الأمية الأبجدية، لأن الثانية مكشوفة ظاهرة، أما الأولى فهي نفسية يصعب الاعتراف بها، أو الإقرار بوجودها.
أما محمد البلبيسي ـ عضو مجلس إدارة اتحاد الناشرين العرب، والمدير التنفيذي لدار المنهل ناشرون وموزعون ـ فيرى أن الموضوع نسبي، فمن كان سقفه الثقافي عاليا، فإنه لا يتردد في تسمية ذلك ووصفه بالأمية الثقافية، أما من كان دون ذلك فقد لا يوافق على وصفها بالظاهرة، مشيرا إلى أنه يشعر من وجهة نظره الخاصة بِأن ثمة ضعفا عاما في الحالة الثقافية، ولكنه قد لا يسمي ذلك أمية ثقافية.
أتمنى المشاركة من الجميـــــــــــــــع