مولد النبي
أجمل ما يقال عن معجزات النبي بعد بعثته أنه كان بلا معجزة سوي تحرير العقل‏,‏ وبلا خوارق سوي إطلاق الفكر‏,‏ وبلا دليل غير كلمات الله‏.‏

لقد دعا عيسي بن مريم إلي المساواة والأخوة والحب‏,‏ أما محمد بن عبد الله صلي الله عليه وسلم فدعا إلي تحقيق المساواة والأخوة والحب بين المؤمنين في أثناء حياته وبعدها‏.‏

وعلي حين أحيا عيسي ابن مريم الموتي وأخرجهم من قبورهم‏,‏ أحيا محمد بن عبدالله صلي الله عليه سلم الأحياء من موتهم الذي لا يدركونه‏,‏ وذلك اقسي أنواع الموت وأخرجهم من ظلمة الجهل إلي طمأنينة العلم‏,‏ ومن خبل الشرك والكفر إلي عالم التوحيد‏.‏

ولقد كان سليمان نبيا وملكا يشتغل الجن في خدمته ويطيرون آلاف الأميال لاحضار عروش اعدائه كي ينبهروا بقدرته‏,‏ فيسلموا أما محمد صلي الله عليه وسلم فكان يشتغل في خدمة الإسلام بدرجة جندي بسيط ووديع‏,‏ وكان يعلم أنه لو غفل عن دعوته لحظة أو استسلم جسده لإعياء الكفاح المتصل‏,‏ فقد ضاعت فرصته في نشر الاسلام وتبليغ أمثالي وامثالك من عباد الله ما أراد الله أن يعرفوه عن جلاله ورحمته‏.‏

وفي لحظات الهول الكبري في معاركه كان وقت الصلاة يجيء فيصلي الجيش المقاتل‏,‏ ولاتنزل الملائكة لتحميه أثناء الصلاة‏,‏ أو تمنع السهام عن ظهره اثناء سجوده‏,‏ وإنما علي الجيش المحارب أن يحمي نفسه بنفسه‏,‏ فليصلي الجيش المؤمن بالتناوب‏..‏

جزء يصلي وجزء يقوم بمهمة الحراسة‏.‏
قال تعالي في سورة النساء وإذا كنت فيهم فأقمت لهم الصلاة فلتقم طائفة منهم معك وليأخذوا أسلحتهم فإذا سجدوا فليكونوا من ورائكم ولتأت طائفة أخري لم يصلوا فليصلوا معك وليأخذوا حذرهم وأسلحتهم‏...‏ ود الذين كفروا لو تغفلون عن أسلحتكم‏.‏ وأمتعتكم فيميلون عليكم ميلة واحدة‏.‏

انتهي الأمر ولم يعد مع الجيش ملائكة لحمايته ونصره‏...‏
هذا عهد الرشد العقلي‏..‏ عهد عناء الأنبياء والمؤمنين‏,‏ وعلي قدر العناء في تبليغ الإسلام يكون الجزاء‏.‏

ولقد كان العهد بالانبياء قبل محمد صلي الله عليه وسلم أن يقدموا معجزاتهم لقومهم عند بدء الدعوة ليصدقهم القول فيما جاءوا به‏,‏ أما محمد بن عبد الله صلي الله عليه وسلم فلم يقدم لقومه غير شخصيته وحده وصدقه وحده‏.‏

قال الحق في سورة الأحزاب إن الله وملائكته يصلون علي النبي يا أيها الذين آمنوا صلوا عليه وسلموا تسليما‏.‏