السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
بسم الله الرحمن الرحيم
والصلاة والسلام على أشرف المرسلين وسيد الخلق أجمعين
صلى الله عليه وسلم
أما بعد
فريد هذا المجتمع المسلم من نوعه ، حيث ربى أفراده على أن يكون كل واحد منهم وحدة متكاملة ، أو لبنة متراصة إلى جوار لبنات أخرى فى هذا الصرح العظيم ، وذلك منذ نشأة الجيل الأول تحت ظلال الهدى النبوى ، فكانت أولى صيحاته قوله صلى الله عليه وسلم :
(* لأن يهدى الله بك رجلاً واحداً خير لك من حمر النعم *) " متفق عليه"
فمنذ هذه اللحظة حمل كل فرد منهم فكر الإسلام وعقيدته الخالصة فى عقله ، وإيمانه بربه فى قلبه ، فكان كل واحد منهم أمةً وحده .
كما قال صلى الله عليه وسلم : عن أبى عبيدة بن الجراح : (* يبعث أمةً وحده *) وهذا خالد فى ساحة المعركة أمة وحده , وهذا عبدالرحمن بن عوف فى الإقتصاد أمةً وحده ، وهذا عمر بن الخطاب فى العدل أمةً وحده ، و مصعب بن عمير فى الدعوة أمةً وحده ، وكثير وكثير ، ولقد صدقوا حين قالوا :(* لصوت القعقاع فى المعركة بألف رجل *) .
فكان كل منهم فرداً بنفسه ، لكنه يعمل عمل أمة بإيجابيته التى نمت فى قلبه وترعرعت فى فكره ، ليعمل أحدهم وكأن ليس من حوله أحد يعمل غيره ، ويريد أن يبدأ البناء بنفسه ، وينهيه بنفسه .
وهذا ما كان يراه عمر بن الخطاب فى جيشه ، حينما قال : (* كان يعجبنى فى القائد أن تنظر إليه تحسبه جندياً , ويعجبنى فى الجندى أن تنظر إليه تحسبه قائداً *) .
فقادوا هذه الدنيا وأحسنوا فيها البناء ، فلم يستصغر أحد منهم نفسه أو ما يفعل ، فهموا قوله صلى الله عليه وسلم : (* بلغوا عنى ولو آية *) "أخرجه البخارى"
ولم يقف عملهم وعطائهم عند حد , بل إلى آخر أنفاس يلتقطونها .فهذا أبوأيوب الأنصارى يستشهد عند أبواب القسطنطينية وعمره ثمانون عاماً ، ثم وهو يموت لا ينقطع عطاؤه ، بل يبلغهم حديثاً قد سمعه من النبى صلى الله عليه وسلم (* إن قامت القيامة وفى يد أحدكم فسيلة فليغرسها*)"أخرجه أحمد"
هذا ما ألفناه من المجتمع المسلم فى مختلف عصوره ، أن كل فرد فيه لبنة فى بناء ، يشد من جواره ويؤازره ، ليقوى هذا البناء فى كل المجالات ، لينظر كل واحد منهم إلى هذا الصرح العظيم ، ويقول : ما أجمل البناء !
وما أعظمه!.
وفى تواضع وفى إخلاص ... لا يرضى على نفسه هذه الحياة التى ارتضاها كل من كفر بالله
(* إِنَّ اللَّهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِن تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ وَيَأْكُلُونَ كَمَا تَأْكُلُ الْأَنْعَامُ وَالنَّارُ مَثْوًى لَّهُمْ *)
" محمد : 12 " .
ولا يقف لينظر ما يحدث حوله ولا يفعل شيئاً لكنه يرفع شعار النبى صلى الله عليه وسلم : (* المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا *) " متفق عليه "
فهذا ابن الهيثم فى مجاله يؤازر ابن النفيس ، ويتكامل كل منهم مع ابن رشد ، ويشد أحدهم من عضد الآخر ، ليرتفع الصرح .
ولكن فى زمن اختلطت فيه الغايات ، وتكاثرت فيه الأهداف, وكاد الصرح أن يتهدم , فمن يعيد البناء .....؟؟!!!
أين تلك اللبنة البناءة فى هذا الصرح الكبير .....؟؟!!!.
فلتكن أنت . . . .
إنها ... فردية التكليف
يقول الله عز وجل (*وَكُلَّ إِنسَانٍ أَلْزَمْنَاهُ طَآئِرَهُ فِي عُنُقِهِ وَنُخْرِجُ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كِتَاباً يَلْقَاهُ مَنشُوراً {13} اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيباً {14} *)
فكل واحد منا سيسأل يوم القيامة بمفرده عن أربع , منها : عن عمره فيم أفناه ؟ لذلك فلا يصح لأحد منا أن يقول : أنا أفعل كما يفعل الناس .
ولا تقل : ماذا أفعل بمفردى..؟!
فهذا مصعب بن عمير رضى الله عنه, كان فرداً ، ولكن بهمته وذاتيته كان سبباً فى إسلام أهل المدينة جميعاً ، ألم يكن مصعب فرداً ، غير بإيجابيته وهمته وجه التاريخ بدعوته لأهل المدينة ؟!.
وكما قيل (* عمل رجل فى ألف رجل ، خير من قول ألف رجل فى رجل *).
فأين همتك لتكون مصعب هذا العصر ؟!.
فلا تستصغر نفسك ، فإن هذه النفس التى تحملها بين جنبيك إن حملتها على نشر الخير بين الناس تفعل الأفاعيل ، وذلك فى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم:
(*نضر الله امرأ سمع منا حديثا فحفظه حتى يبلنه، فرب حامل فقه إلى من هو أفقه منه، ورب حامل فقه ليس بفقيه*)
إن هذا الفراغ الكبير فى ذات كل منا - من فلااغ وقت ، وفراغ إيمان ، وفراغ فكر - إنما يحتاج منا إلى إيجابية خاصة نحو النفس ، لتحملها إلى من يرتقى بها إلى حد التميز ، ليقود ذلك إلى سؤال يسأل للنفس :
كيف يربى كل منا نفسه على الإيجابية... ؟!.
عليها فلتتربَّ
فلتسارع ، ولتبحث عن موضع لبنة ، تضع نفسك فيه فى ركب المجتمع، ولا ترضَبهذه اللبتة البعيدة ، بل كن فى بوابة هذا الصرح ، يعبر من تحتها الناس ، ينظرون إليها ويقولون : ما أجملها! ما أعظمها! .
وكل هذا يحتاج منا لتربية على الذاتية للنفس . . .
نحو الله ، ونحو المجتمع ، ونحو النفس .
للأمانة
منقول
ليعم النفع