قال الطفل حين سأله الضيف عن اسمه:
اسمي (الشيطان)، هكذا تدعوني أمي، أما أمي فاسمها (الغبية)، هكذا يدعوها أبي، وأبي اسمه (الشرير)، هكذا تقول لنا أمي!
قد يبدو هذا مضحكاً، لكن البيوت التي لا يعيش فيها الحب، تتحوَّل إلى مساكن للشياطين، وللجهل وللشرور ..
نعم.. للبيوت أسرار.. وللبيوت جدران تختفي وراءها هذه الأسرار .
وعلى لسان هذا الطفل البريء.. تكشَّفت يوماً لضيف زائر صورة من تلك الصور الممنوعة في بيت مضيفه.. وتحطَّمت جدران.. فالناس– عادة– لا يخرجون من وراء هذه الجدران بنفس الصورة أو الشكل الذي يعيشونه في البيت، بل يضيفون ويحذفون.. ويلوِّنون ويشكِّلون صورهم، لتقترب– حسب الطاقة والإمكانات– من الصورة المثالية في أذهانهم التي يريدون أن يراهم الناس عليها... لكن أشياء كثيرة تكشف عن الحقائق الدفينة والمموَّهة، وتظهر الصورة الحقيقية التي يسترها عن الناس..
وأما أولئك المراهقون من الإناث بشكل خاص، فإنهن سيلجأن في بيوت كهذه إلى أول حضن يوحي لهن بالدفء والحب والعاطفة المفقودة... التي تخدع فتبدو الكلمات المنمَّقة والمختارة.. تبدو كما يتمنَّينها ويتخيَّلنها بأنها (الحب)... الذي سيتعبن ويكددن من أجل أن يحظين به... متمثلاً ببيت الأحلام... الأمنية التي يشترك بها كل البشر..
بيوت يسكنها الحب.. هذا هو حلمي الدائم للناس، كل الناس.. ليس في هذا العام بل في كل عام.. وليس لأبناء بلدنا فقط، بل لكل عربي يسكن في القدس وفي غزة وفي بغداد... الذين تتهدَّم بيوتهم على رؤوسهم ورؤوس أولادهم وعائلاتهم.. فيفقدون بثوانٍ ماحاولوا بناءه خلال سنين طويلة... ولكن
ليست البيوت كما يقولون ويشيعون.. هي الأماكن التي نضع فيها ممتلكاتنا، ونأوي إليها في المساء.. بل هي المسرح الذي تجري عليه أعظم حوادث الحياة... الولادة والموت.. الفرح والحزن.... هي مهد الطفولة، واستراحة الشيخوخة..
وفي هذه الأيام التي ضاقت فيها الدنيا على من فيها من البشر.. وفي ظل الأزمات الاقتصادية.. والتي يعيشها الجميع .. وفي ظل حصار مر وقاسٍ يعيشه آخرون... وفي ظل ندرة الفرح.. وندرة الأمل.. وندرة الوفرة.. أصبح تأسيس بيت أمراً شبه مستحيل..
وفي خضمِّ وزحمة البحث والجري وراء هذه الغاية، نسي الكثيرون القيمة الروحية للبيت، وطغى المعنى المادي على مفاهيم وأمنيات الناس.. أي أنَّ البيت (بيت الأحلام) أصبح في عقولنا جدراناً.. وأساساً اسمنتياً.. وأثاثاً وستائر حريرية.. وأدوات كهربائية ..
ولكن مهما اختلفت صورة البيت المادية من واحد إلى آخر، لكنه للجميع مأوى ومكان.. له باب يغلق بعد الدخول.. له حرمته.. إنه مكان مقدس وغالٍ.. إنه الوطن الصغير... ولن يسمح الواحد منا لغاصب أن يغتصبه، ولن يرضى لسارق أن يسرقه.. وسيبذل الغالي والرخيص.. سيبذل الحياة من أجل الدفاع عنه..
ويبقى الحب.. وحرارة الحب.. هو الأساس، وهو ما يبني البيت السعيد.. بيت الأحلام والذكريات الجميلة.. الذي لا يستطيع أن يهدمه شيء.. ولا قذيفة من محتلٍّ غاصب... (حتى ولو تهدَّمت كلُّ جدرانه)!