- خاتمة في أن هدي السلف في الاتباع ومجانبة الابتداع :
لا يخفى على كل من كان هدفه التمسك بآداب شريعة الإسلام أن الخير كله في اتباع السلف وأن الشر في ابتداع الخالفين ، فمن ثم لما لم ينقل عن القرون المشهود لها بالخير أن نساءهم يزرن المقابر تيقنًا يقينًا لا يساوره شك أنهم فهموا المنع من الشارع من غير قيد ، ومن المعلوم أيضًا لما هم عليه من قوة التمسك بالسنة والولوع بها ومن الورع وحب التسابق إلى الخير وتبليغ ما جاء عن المصطفى عليه الصلاة والسلام ، أنه لو كانت زيارة النساء خيًرا لسبقونا إليها ولنقل عنهم جوازها كما نقل عنهم منعها على لسان رسول الله صلى الله عليه وسلم .
وقد قال الأول : والحق أبلج لا تزيغ سبيله . والحق يعرفه ذوو الألباب ، فلنفعل كما فعلوا وليسعنا ما وسعهم من الاستغناء بما أحل الله عما حرمه فما أحسن الاقتصار على الطريقة المأثورة عن سلف هذه الأمة ، فإنهم كانوا أعلم بشريعة الله وأقوى تعظيمًا لأوامره وأوامر رسوله من سائر الأمم ، ومن ظن أن في قدرته وإمكانه أن يفوقهم في تعظيم أوامره فقد خاب ظنه ورجع بخفي حنين فوالله ( لو أنفق أحدنا مثل أحدٍ ذهبًا لما بلغ مد واحد منهم ولا نصيفه ) كما ورد عنه ذلك عليه الصلاة والسلام ، ويذكر أن الإمام مالكًا رحمه الله كثيرًا ما ينشد : وخير أمور الدين ما كان سنة . وشر الأمور المحدثات البدائع ، فما من بدعة تحدث في الإسلام إلا ويرفع في مقابلتها سنة من سنن الهدى ، وحسبك في وجوب الاتباع والتحذير من الابتداع ما رواه المقدسي في " المختارة " أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ( إن الله حجب التوبة عن كل صاحب بدعة حتى يدع بدعته ) .
وساق الشاطبي في " الاعتصام " من حديث : ( المدينة حرم ما بين عير إلى ثور من أحدث فيها حدثًا أو آوى محدثًا فعليه لعنة الله والملائكة والناس أجمعين لا يقبل الله منه يوم القيامة صرفًا ولا عدلاً ) . وهذا الحديث في سياق العموم فيشمل كل حدث أحدث فيها مما ينافي الشرع ، والبدع من أقبح الحدث وهو وإن كان مختصًا بالمدينة فغيرها أيضًا يدخل في المعنى .
ويروى عن أبي أويس الخولاني أنه قال : ( لأن أرى في المسجد نارًا لا أستطيع إطفاءها أحب إلي من أن أرى فيه بدعة لا أستطيع تغييرها ) .
وقال عبد الله بن مسعود رضي الله عنه : ( اتبعوا ولا تبتدعوا فقد كفيتم وعليكم بالأمر العتيق ) .
وكان السلف يقولون : ( احذروا من الناس صنفين : صاحب فتنة فتنهُ هواه ، وصاحب دنيا أعجبته دنياه ) .
وقال أبو عمير عيسى بن محمد النحاس في صفة الإمام أحمد رحمه الله : ( عن الدنيا ما كان أصبره وبالماضين ما كان أشبهه وبالصالحين ما كان ألحقه ، أتته البدع فنفاها والدنيا فأباها ، وخصه الله بنصرة دينه والقيام بحفظ سنته ورضيه لإقامة حجته ونصر كلامه حين عجز عنه الناس ) .
ويروى عن الإمام مالك رحمه الله : ( لا يصلح آخر هذه الأمة إلا بما صلح به أولها فما لم يكن يومئذٍ دينًا لا يكون اليوم دينًا ) .
وإلى هنا انتهى ما أردنا جمعه . وكان ذلك في مدينة الرسول صلى الله عليه وسلم جعلها الله آمنة مطمئنة وسائر بلاد المسلمين .
والحمد لله الذي بتوفيقه تتم الصالحات . وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم .
وكتبه : فضيلة العلامة المحدث حماد بن محمد الأنصاري
رحمه الله رحمة واسعة
نسقته وضبطته على ما نشر في " مجلة الجامعة الإسلامية "