صندوق الدنيا
بقلم : أحمـد بهجـت


العدل والرحمة
اقتضي كمال عدل الله ورحمته عدم ترتيب نعم الدنيا علي حق التوحيد‏..‏ فهذه النعم تساق إلي الكافرين والمؤمنين‏,‏ وتساق إلي العصاة والجاحدين‏..‏ وتساق إلي جميع الخلق بلا استثناء‏.‏

ولو أن الله تعالي قصر نعمه في الدنيا علي المؤمنين الموحدين‏..‏ ومنع الهواء والماء والطعام عن الكافرين‏..‏ لوجد الناس أنفسهم مجبرين علي الإيمان مقهورين علي التوحيد‏.‏

والله أكبر من أن يجبر أحدا علي توحيده أو عبادته‏..‏ لا يقبل الله إلا إيمانا ينبع من إرادة حرة‏..‏ لا إكراه عليها ولا ضغط‏.‏

وإذا كانت رحمة الله قد اقتضت أن يسوق نعمه للمؤمنين والكافرين في الدنيا‏..‏ فإن عدل الله تعالي قد اقتضي أن يختص نعمه في الآخرة بالمؤمنين ويحجزها عن الكافرين‏.‏

وإذا كان الله يسوق لعباده نعما لا متناهية‏..‏ فإنه لا يريد من عباده رزقا في مقابل رزقه لهم‏..‏ ولا يريد نعما في مقابل نعمه لهم‏..‏ ولا يريد أن يطعموه سبحانه كما يطعمهم‏.‏

وما خلقت الجن والإنس إلا ليعبدون‏,‏ ما أريد منهم من رزق وما أريد أن يطعمون‏,‏ إن الله هو الرزاق ذو القوة المتين‏.‏

أي لطف وإحسان أن يكون حق الله علي عباده هو التوحيد فقط‏,‏ لو أضفنا لمعرفتنا أن الله سبحانه وتعالي لا يناله من توحيد الموحدين شيء‏,‏ ولا تزيده عبادة العابدين شيئا ولا ينقص كفر الكافرين من ملكه شيئا‏..‏ لو عرفنا ذلك لأدركنا أن الله لا يريد من حقه علي العباد إلا رحمة العباد وزيادة الإحسان إليه‏.‏

أي حسرة علي العباد أن يشركوا بالله‏..‏

إن الشرك هو اعتداء الإنسان علي حق الله الأساسي علي العباد‏..‏ وهو اعتداء يتصدي له القرآن الكريم بالبيان والشرح في أكثر من موضع‏.‏

ولقد حدثنا الله تعالي أن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء‏.‏