استحباب التهنئة بالبنت
لما كانت البشارة تسر العبد وتفرحه، أستحب للمسلم أن يبادر على مسرة أخيه وإعلامه بما يفرحه، ولا فرق في التهنئة بالولد عن البنت.
قال صالح بن أحمد بن حنبل: «كان أبي إذا ولد له ابنة كان يقول: الأنبياء كانوا آباء بنات».
وقال أبو بكر ابن المنذر في الأوسط: روينا عن الحسن البصري ~ أن رجلاً جاء إليه وعنده رجل قد ولد له غلام، فقال له: يهنئك الفارس، فقال الحسن ~: وما يدريك فارس هو أم حمار! قال: فكيف نقول؟ قال الحسن البصري: قل: بورك في الموهوب، وشكرت الواهب، وبلغ أشده، ورزقت بره([1]).
وقال أحد الأدباء لرجل ولدت له بنت: بارك الله لك في الابنة المستفادة، وجعلها لكم زيناً وأجراً لكم عليها خيراً، فلا تكرهوهن فإنهن الأمهات والأخوات والعمات والخالات، ومنهن الصالحات القانتات الحافظات للغيب بما حفظ الله.
ونسوق حواراً لطيفاً بين صحابيين جليلين هما معاوية ابن أبي سفيان وعمرو بن العاص {، دخل عمرو بن العاص > على معاوية بن أبي سفيان > وعنده ابنته عائشة، فقال عمرو: من هذه يا أمير المؤمنين؟ قال معاوية: هذه تفاحة القلب، فقال عمرو: انبذها عنك، فقال معاوية: ولم؟ قال عمرو: فو الله إنهن ليلدن الأعداء، ويقربن البعداء، ويورثن الضغائن، فقال معاوية: لا تقل ذلك يا عمرو! فو الله ما مرَّض المرضى، ولا ندب الموتى ولا أعان على الأحزان مثلهن، ولا بر الأحياء مثلهن، قال عمرو: ما أعلمك إلا حببَّتهن إليَّ، دخلت عليك يا معاوية وما على الأرض شيء أبغض إليَّ منهن، وإني لأخرج من عندك وما عليها شيء أحب إليَّ منهن.
ومن اللطائف الأخرى كان رجل يسمى أبا حمزة الضبي تزوج بامرأة فأنجب منها إناثاً ولم تنجب ذكوراً، فتزوج بأخرى فأنجب منها ذكوراً فسول له عقله أن يهجر أم البنات فهجرها، وذات يوم رأته أم البنات فقالت له:
*
ويظل في البيت الذي يلينا
غضبان ألا نلد البنينا
*
تا الله ما دلك في أيدينا
فنحن كالأرض لزارعينا
*
ننبت ما قد زرعوه فينا
ومن اللطائف: كان لأعرابي امرأتان فولدت إحداهما جارية والأخرى غلاماً، فرقصت أم الغلام ولدها يوماً وقالت معيرة ضرتها – يعني جارتها –:
*
أنقذني العالم من الجواري
من كل شوهاء كشن بالي
*
لا تدفع الضيم عن العيالي
فسمعتها ضرتها – يعني جارتها – فأقبلت ترقص ابنتها، وتقول:
*
تغسل رأسي وتكون الغالية
وترفع الساقط من خماريه
*
حتى إذا بلغت ثمانية
أزرتها بنقبة يمانيه
*
وانكحتها مروان أو معاوية
أصهار صدق ومهور غالية
قال: فسمعها مروان فتزوجها على مئة ألف مثقال، وقال: إن أمها لجديرة ألا يكذب ظنها... ولا يخان عهدها... فقال معاوية: لولا مروان سبقنا إليها لأضعفنا لها المهر، ولكن لا تحرم الصلة، فبعث لها بمئتي ألف درهم.
وقال آخر في حرصه على بنياته وعدم السفر عنهن:
*
حططن من بعض إلى بعض
لكان لي مضطرب واسع في
*
الأرض ذات الطول والعرض
([1]) انظر: تحفة الودود بأحكام المولود، ص (28).