قهوتنا على الانترنت
ابحث عن :  
النتائج 1 إلى 4 من 4

الموضوع: أيام .. بسيمة

  1. #1

    افتراضي أيام .. بسيمة


    مقدمة للكاتب


    هذه صورة من الحياة ... عشتها وانفعلت بها ... فأصبحت جزء من نفسى ... وقطعة من كيانى ... إنها نبضات قلوب عاشت طهر الحب ... وانحدرت إلى هاوية الخطيئة ... إنها مجموعة من الومضات والخلجات ... من الأحاسيس والمشاعر ... جمعتها من نفوس حائرة لا تعرف موقعها من الحياة ... شربت كأسها الحلوة ... وكأسها المرة ... انغمست فى الخطيئة ... ثم ارتدت إلى الفضيلة ... تهفو إلى الحرية ، وتسعى إلى العبودية ... تثور على التقاليد ... ولكنها تعيش فى ظلها راضية مرضية

    إنها لمحات من الحياة بكل ما تزخر به من متناقضات ... من سعادة وشقاء ... ضحكات ودموع ... خير وشر ... حب وكراهية ... أمل ويأس ... قلق واستقرار

    إنها صور مختلفة من الصراعات التى تدور داخل النفوس ، بين العقل والقلب ... الطهر والرذيلة ... المبادىء والخطيئة ... القناعة والجشع

    إنها صراعات بين الملاك والشيطان ... أحيانا ينتصر الملاك ... وأحيانا ينتصر الشيطان

    ********

    مضى على رحيلها عشرون عاما كاملة .. ولكن خيالها لم يفارقه لحظة .. يراها فى يقظته وأحلامه .. تودعه فى الصبح بابتسامة .. وتستقبله فى المساء بقبلة


    أيام .. بسيمة


    دخل عبد الستار منزله وقد بدا وجهه شاحبا منهكا .. وعلى أقرب مقعد صادفه فى الصالة الصغيرة التى لا تزيد مساحتها على مترين فى ثلاثة أمتار ألقى بجسده النحيل .. ومال برأسه على المسند فاهتز المقعد من تحته بشدة .. وصدرت عنه أصواتا تشبه الأنين .. وكأنه أراد أن يعبر عن تذمره واستيائه احتجاجا على ثقل الحمل الذى فوقه

    إن عمر هذا المقعد جاوز ثلاثين عاما ، لقد ظل طوال هذه السنين فى خدمة أسرة عبد الستار ، عاصر أولاد الخمسة وهم ما زالوا فى سن الشياطين .. لقد كانوا يقفزون عليه بأحذيتهم .. ويركلونه بأرجلهم .. وفى بعض الأحيان يلقون به فى الأرض .. ومع ذلك ظل صامدا .. يقف على أرجله الأربع .. لقد صنع أيام الرخص .. وهذا هو سبب قدرته على التحمل والصمود طوال هذه المدة

    لقد شهد فى هذا المنزل المتواضع أحلى وأقسى الأيام .. شهد الأفراح والمآتم .. الضحكات والأنات .. الصحة والمرض .. السعادة والشقاء .. الحنان والقسوة .. شهد أيضا أياماً كلها رخاء وأياماً كلها عناء .. شهد عبد الستار وهو يودع زوجته الوداع الأخير وهى مازالت فى ريعان الشباب وسن الزهور .. كانت نعم الزوجة الوفية الطيبة .. كانت سنده فى هذه الحياة .. لقد تزوجها يتيما فصارت له الزوجة والأم والأب .. أغنته عن الأحباء والأهل والأصدقاء .. ملأت عليه حياته .. وجعلته يشعر وكأنه أغنى رجل فى العالم رغم دخله الضئيل

    شهد هذا الكرسى سكان حارة المغربلين وهم يجلسون حول فراشها وهى مريضة يدعون الله لها بالشفاء .. لقد كانت الجارة الحانية الودود لجميع أهل الحارة .. كان يوم فراقها مأتماً فى الحى كله ، الحزن ملأ القلوب .. ولوعة الفراق سيطرت على النفوس

    وأغمض عبد الستار عينيه وسرح بخاطره مستعرضا ماضيه الطويل .. وعاد بذاكرته إلى الوراء ثلاثين عاماً .. هى عمر هذا الكرسى الذى يجلس عليه .. إنه إحدى قطع الأثاث التى شملها جهاز زوجته بسيمة .. ياليتها كانت إلى جواره الآن تخفف آمه .. وتمسح عنه همومه

    لقد مضى على رحيلها عشرون عاماً كاملة .. ومع ذلك فإن خيالها لا يفارقه لحظة .. إنه يراها فى يقظته وأحلامه .. يراها كل صباح وهى تودعه بابتسامته الرقيقة وهو ذاهب إلى عمله .. يراها وهى تستقبله عند عودته بقبلة وضعت فيها كل ما تملك من حنان وحب وشوق .. يراها فى طعامه .. فكم أكل من صنع يديها أشهرأنواع الأطعمة وألذها .. إنه الآن لا يشعر بمذاق لأى شىء يدخل فمه بعد أن تركته بسيمة .. ولكن ماذا يفعل سوى أن يسلم أمره لله

    وأفاق عبد الستار فجأة على صوت جرس الباب .. انتفض واقفاً على قدميه وهو يتمتم بصوت يخالجه الكسل والفزع : بسم الله الرحمن الرحيم .. بسم الله الرحمن الرحيم .. وفتح الباب فإذا بابنته الحبيبة منى تطوقه بذراعيها .. إنها كل ما بقى له من هذه الدنيا .. إنها صورة طبق الأصل من أمها .. ملامحها .. قوامها .. ابتسامتها ..حنانها .. واستمهلها عند الباب لحظة .. وأخذ وجهها البرىء بين كفيه يتأمل تقاطيعها الحلوة

    وبلا إرادة منه انحدرت على خده دمعة كبيرة .. لقد كان يتحاشى دائماً البكاء أمامها حتى لا يكدر صفوها .. كان يريد أن يملأ حياتها سعادة وحباً وضحكاً حتى يعوضها عن حنان أمها .. ولكنه لا يدرى كيف أفلتت الدموع من عينيه هذه المرة

    وتأثرت ابنته عندما رأت الدموع فى عينى أبيها ، وبادرته بقولها:
    - انت بتعيط يا بابا؟

    - أبدا يا بنتى .. دى دموع الفرح

    - فرح إيه يا بابا؟

    - فرحتى علشان رجعتى من الجامعة بالسلامة

    - ما انا كل يوم بارجع من الجامعة بالسلامة يا بابا ..
    - اشمعنى النهاردة فرحت كده لدرجة العياط؟

    واحتار عبد الستار ماذا يقول .. واختلطت الكلمات فى حلقه .. وكادت دمعة أخرى تسقط من عينيه .. ولكنه تماسك وقال لها وهو يصطنع ضحكة كبيرة: أنا مت من الجوع يا منى .. ادخلى بأه يا حبيبتى سخنى لنا الأكل بايدك الحلوة دى

    وأمسك بيدها وقبَّلها .. وهنا شعر أن دموعه بللتها قليلا فتركها بسرعة ودخل إلى غرفته نومه

    واستلقى عبد الستار على السرير وأطلق لأفكاره العنان .. وهو سارح ببصره فى سقف الغرفة .. كم شهدت هذه الغرفة من أيام حلوة .. لقد قضى فيها أسعد أوقات شبابه .. فى هذه الغرفة كانت بسيمة توقظه كل صباح ليذهب إلى عمله .. لقد بدأ حياته معها موظفاً صغيراً بالتوجيهية فى أرشيف وزارة العدل ، ولكنها شجعته على استكمال دراسته حتى حصل على ليسانس الحقوق .. وأصبح رئيساً للقسم الذى يعمل فيه .. لقد كان يعتزم الاستقالة ليفتح مكتباً للمحاماة .. ولكن فراق بسيمة له حطم كل آماله وأحلامه .. وأصبح قانعاً بوظيفته وبدخله

    لقد تزوج ولداه بعد أن تخرجا فى الجامعة ، ولم يعد أمامه من المسئوليات سوى تزويج ابنته منى .. إنه كلما فكر فى فراقها له وانتقالها إلى منزل الزوجية أصيب بالخوف والفزع .. كيف سيواجه الدنيا وحيدا وقد أشرف على الستين؟ .. كيف سيمكنه مواصلة الحياة دون أن يرى ابتسامتها الحلوة كل صباح؟ .. مَن سيؤنس وحدته ويسليه؟ .. إنها عوضه الوحيد عن بسيمة زوجته .. إنها كل حياته

    وهنا سمع صوت منى تناديه من المطبخ: الأكل جاهز يا بابا .. قوم بأه بلاش كسل

    وتماسك عبد الستار للمرة الثانية .. وجر قدميه إلى حيث وضعت ترابيزة السفرة بكراسيها المتعلقة المتهالكة .. وسحب واحداً منها .. وجلس فى حرص شديد حتى لا يقع به على الأرض .. ونظر لابنته وقال لها فى حنان شديد:
    ربنا ما يحرمنيش منك يا منى يا بنتى .. يا ترى هاعمل ايه بعد زواجك؟
    اطمئن يا بابا .. أنا مش حسيبك أبداً .. وراك وراك والزمن طويل

    وضحك عبد الستار لأول مرة من قلبه .. وأحس براحة شديدة لكلمات ابنته .. واطمأن إلى أنه لن يعيش وحيدا حتى لو تزوجت منى .. إن كلامها معناه أنها ستعيش معه هى وزوجها فى نفس المنزل .. ستطهو له طعامه .. ستغسل ملابسه .. وتلمع حذاءه وتعترض على لون ربطة عنقه إذا أساء اختياره

    إنها تفعل ذلك تماما كما كانت تفعل أمها .. وذهب الخاطر مرة أخرى بعبد الستار إلى أيام بسيمة الحلوة . وأخذ يتذكرها وهى تضع له قطعة اللحم فى فمه فيضحك الأولاد فتقول لهم وهى تبتسم: انتم غايرين من أبوكم يا عيال؟

    وظل عبد الستار سارحاً فى ذكرياته حتى صاحت فيه ابنته: ايه يا بابا . انت مش حتاكل ولا ايه؟

    وبدأ يضع الطعام فى فمه ولكن دون أن يشعر بطعمه

    وما كاد عبد الستار ينتهى من غدائه حتى دق جرس الباب .. وكان الطارق هو عامل التلغراف .. إنه يحمل تلغرافا من شقيق زوجته الذى يعمل مدرساً فى الكويت يخبره أنه سيحضر غداً إلى القاهرة وبصحبته ابنه الذى يعمل مهندساً هناك أيضاً

    ولعب الفأر فى عب عبد الستار .. إن شقيق زوجته لم يرسل إليه تلغرافاً أو حتى خطاباً واحداً منذ أن عمل خارج مصر بعد وفاة زوجته بعامين .. فلماذا أرسل إليه الآن هذا التلغراف؟ ولماذا أخبره أنه سيصحب معه ابنه المهندس؟ هل منى هى المقصودة بهذه الزيارة؟

    ونادى على ابنته وصارحها بكل ما يدور فى خلده عن هذه الزيارة .. ولم تعلق منى على كلام والدها .. بل ذهبت فى أفكارها بعيداً .. وأخذت تستعرض علاقتها برفعت ابن خالها .. إنها تذكر أنه قال لها ذات مرة عندما كانت فى السنة الأولى فى كلية الأداب أى منذ ثلاث أعوام تقريباً: خلى بالك يا منى من الشبان بتوع الجامعة .. أنا عارف انك طول عمرك جد ..
    وسألت نفسها: لماذا قال لى ذلك؟ .. ولماذا يريدنى أن أحافظ على نفسى من الشبان؟ .. هل لأنه يريدنى لنفسه؟ .. أم لأنه يخاف علىَّ لأننى ابنة عمته؟

    وغمرها شعور غريب لا تدرى كنهه .. هل هو شعور بالفرحة أم بالقلق أم بالخوف .. أم بماذا .. كل ما تعلمه أنه شعور غريب لم يغمرها من قبل

    وفى مساء اليوم التالى طرق الباب .. وكان الطارق هو خالها وبصحبته ابنه رفعت .. ورحب بهما عبد الستار وابنته منى وأراد رفعت أن يجلس على الكرسى المتهالك الموجود خلف الباب فحذره عبد الستار ضاحكاً .. وطلب منه أن يجلس عليه برفق حتى لا يسمع صراخه .. ونظر إلى ابنته وطلب منها فنجانين من القهوة سكر زيادة .. ولكن شقيق زوجته نهض واقفاً وقال وهو يطوق منى بذراعه: بلاش القهوة يا منى .. خليها شربات أحسن .. ابن خالك جاى النهاردة يخطبك يا بنتى

    وظهر الخجل الشديد على وجه منى .. والارتباك على وجه عبد الستار .. ولم تستطع منى مواجهة الموقف فجرت نحو الغرفة وأغلقت عليها الباب .. وقام عبد الستار وراءها ليطمئن عليها فوجدها أمام المرآة تمشط شعرها وحمرة الخجل مازالت بادية على وجهها .. ونظر إلى عينيها عله يعرف أثر هذه الكلمات عليها .. لم يسألها شيئاً .. فإن لغة العيون فى هذه المواقف أبلغ وأقوى .. فعرف من نظراتها أنها راضية .. سعيدة .. قانعة .. واقترب منها أكثر وأخذها بين ذراعيه فى رفق وطبع قبلة على جبينها .. وقال لها فى صوت خفيض حنون فيه قلق الأبوة وعطفها: مبروك يا بنتى .. ألف مبروك

    وعاد عبد الستار إلى ضيوفه .. وبدأ الحديث عن موعد الخطوبة والفرح وأبدى العريس رغبته فى سرعة عقد القران حتى يستطيع أن يأخذ عروسه معه إلى الكويت بعد أن تؤدى امتحانها .. وبعيون مليئة بالدموع . قال له عبد الستار: وماله يا بنى .. دى عروستك ولازم تروح معاك آخر الدنيا

    وبعد أن خرج الضيوف وذهبت منى لتنام ، دخل عبد الستار إلى غرفته وجلس على سريره .. وأخرج تنهيدة طويلة من صدره .. وقال بصوت مسموع مملوء بالحسرة والوحدة والخوف من المستقبل

    - فين أيامك يا بسيمة؟
    عايز ربنا يغفرلك ذنوبك فى دقيقتين بس
    ادخل على الرابط دة
    www.shbab1.com/2minutes.htm


    M@S محمود الصباغ M@n

    البحث على جميع مواضيع العضو masman

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    16 - 11 - 2007
    ساكن في
    دنيا فانية
    المشاركات
    24,705
    النوع : انثيJordan

    افتراضي رد: أيام .. بسيمة

    قصة مؤثرة جدا وما اصعب الفراق خاصه بعد العشرة والحب بين الزوجين
    وفعلا قصة عبدالستار حلوة ومكتوب عليه برضه فراق بنته اى سيعيش الفراق بنوعيه الموت والسفر
    شكرا كتير ماسمان

  3. #3

    افتراضي رد: أيام .. بسيمة

    دمت بعافية طيف

    ميرسى يا غالية يا بنت خالى
    عايز ربنا يغفرلك ذنوبك فى دقيقتين بس
    ادخل على الرابط دة
    www.shbab1.com/2minutes.htm


    M@S محمود الصباغ M@n

    البحث على جميع مواضيع العضو masman

  4. افتراضي رد: أيام .. بسيمة

    قصه حلوه اوى ياماس تسلم ايدك معبره جدااااااااااااااا مجهود رائع فعلا

 

 

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. تحميل برنامج MindSoft Utilities ب 19و سيلة مختلفة لصيانة و تحسين اداء الحاسوب
    بواسطة elgazar1 في المنتدى منتدى البرامج العام والشروحات المصورة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 13 - 12 - 2011, 11:39 PM
  2. عيش الشعور في الرومانسيه والهدوء مع نغمة الموسيقا الرومانسيه حبيب الروح مميزه
    بواسطة بتول الشرق في المنتدى منتدى النغمات الحقيقة وفديوهات الموبايل
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 6 - 5 - 2010, 01:18 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • مش هتقدر تضيف مواضيع جديده
  • مش هتقدر ترد على المواضيع
  • مش هتقدر ترفع ملفات
  • مش هتقدر تعدل مشاركاتك
  •  
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات مصراوي كافيه 2010 ©