من رحمة الله -عز وجل- بنا أنْ شَرَعَ لنا العديدَ من الأعمال الصالحة التي تكفر الذنوب، بل تغسل الخطايا غسلاً، وتمحوها محواً.
والعجيب هو تهاونُ المكلفِ في الأخذ بهذه المكفِّرات، وعدم مسارعته إلى الخيرات، فتكون المحصلة:
تراكم السيئات، ولربما الوقوع في الموبقات؛ لأن الشيطان بطيءٌ ملحاحٌ لا يقنع من الشر باليسير.
وفي هذه العجالة نشير إلى كَنز عظيم تهاون به كثير من الناس، بل وللأسف كثير من الملتزمين، مع عظم الأجر المترتب عليه.
ذلك الكنز هو: "فضل التبكير إلى صلاة الجمعة"،
وعنه يقول البشير النذير -صلى الله عليه وسلم-: (مَنِ اغْتَسَلَ يَوْمَ الْجُمُعَةِ غُسْلَ الْجَنَابَةِ ثُمَّ رَاحَ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَدَنَةً، وَمَن
رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّانِيَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ بَقَرَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الثَّالِثَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ كَبْشًا أَقْرَنَ، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ
الرَّابِعَةِ فَكَأَنَّمَا قَرَّبَ دَجَاجَةً، وَمَنْ رَاحَ فِي السَّاعَةِ الْخَامِسَةِ فَكَأَنَّما قَرَّبَ بَيْضَةً، فَإِذَا خَرَجَ الإِمَامُ حَضَرَتِ الْمَلاَئِكَةُ
يَسْتَمِعُونَ الذِّكْرَ) متفق عليه، وفي رواية: (على كل باب من أبواب المسجد يوم الجمعة ملكان يكتبان الأول فالأول، كرجل قدم بدنة، وكرجل قدم بقرة، وكرجل قدم شاة، وكرجل قدم طيرا، وكرجل قدم بيضة، فإذا قعد الإمامُ طويت الصحف) رواه ابن خزيمة، وصححه الألباني.
آه.. آه.. كم من البُدْنِ -الإبل- قد ضاعت منا؟! لو عُرض عليك -أخي- التصدقُ بجَمَلٍ والتصدقُ ببيضة، فأيهما تقدم؟ وبأيهما تتصدق؟ كم بينهما من التفاوت؟ عشرة آلاف... خمسون قرشا!!
كم تكون حسرة الواحد منا لو خسر في صفقة تجارية مثل هذا الأجر؟!
هل صِرْنا كما قال الله -تعالى-: (بَلْ تُؤْثِرُونَ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا . وَالآخِرَةُ خَيْرٌ وَأَبْقَى)(الأعلى:16-17)، (كَلا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَة . وَتَذَرُونَ الآخِرَة)(القيامة:20-21)؟!
كيف طابت أنفسنا بالتهاون والتساهل في هذا الخير؟!
بالله عليك -أخي كن صادقا- لو عرض عليك أن تحضر في الثامنة صباحا إلى المسجد وتأخذ جملا أو بقرة أو كبشا.. وإن تأخرت فبيضة... فهل ستتأخر؟!
لو عرف عن بعض المساجد أنه سيوزع على المُبَكِّرين إلى الجمعة دجاجة لكل مُصَلٍّ -لا نقول جِمالا أو أبقاراً أو خرافاً- بل دجاج فقط! فيا ترى كيف ستكون طوابير الاستلام على أبواب المساجد؟!
وأترك لذهنك السباحة في بحر التخيل لتتصور معي كيف سيكون الحال لو كانت التوزيع لجمال أو أبقار أو خراف؟!
فلربما وقعت أثناء ذلك بعض الخسائر في الأرواح والأبدان، والله المستعان!!
فكيف يكون بإمكانك أن تتصدق -أن تهدي- جملا أو بقرة أو كبشا ثم تعدل عن ذلك كله إلى البيضة، يا محب البيض؟!!
أفي المكسب الدنيوي تتنافس وعند الأجر الأخروي تتقاعس؟!
إننا لا نقلل من قدر الأجر المترتب على إهداء البيضة؛ لأنه ورد في الحديث، لكننا نتحسر على ما يفوت من الأجر وهذا شأن المؤمن دوما يحزن إذا فاته الخير أو ضاع منه الأجر.
وما رأيك الآن في إحصائية توضح لنا ما يفوت من الأجر -مع عدم التبكير- في السنة الواحدة... تَعَالَ معي:
في الشهر 4 جمع على الأقل، وفي السنة 48 جمعة تقريباً.
فإذا أخذنا عينة من أعمارنا مقدارها 10 سنوات لنرى الخسارة فيها كم تكون فكما يلي: 48 × 10 = 480 جمعة على التقريب.
ولو افترضنا أن سعر الجمل 10.000 جنيها: 480 × 10.000 = 48.00000 (أربعة ملايين وثمانمائة ألف جنيهٍ) ضاعت من عبدٍ أهمل التبكيرَ إلى الجمعة خلال عشر سنوات... فكيف بباقي العمر؟ وكم يكون مقدارُ الخسارة يوم القيامة؟!
كل هذا المبلغ كان يستطيع أن يتصدقَ به، ويُكتَب في ميزان حسناته... فكيف تطيب النفس بالتكاسل عنه؟!
إنا لله وإنا إليه راجعون، لقد فرطنا في أجور كثيرة!!
وليس ذلك فحسب، بل ما زالت الكنوز تتدفق بين أيدينا، فبالإضافة إلى ما سبق يقول -صلى الله عليه وسلم-: (من غسلَ واغتسلَ، ودنا وابتكر،َ واقتربَ واستمعَ، كان له بكل خطوة يخطوها قيام سنة وصيامها) رواه الإمام أحمد، وصححه الألباني.
وبنفس الطريقة نحسب كم يفوت المتأخرين من الأجور:
لكل خطوةٍ = عملُ سنةٍ صياما وقياما.
بشرط: الغُسْل، والتبكير، والدُّنُو من الإمام، والاستماع والإنصات للخطيب.
فلو كان بينك وبين المسجد 100خطوة × 48جمعة في السنة = 4800خطوة في السنة
4800 × 10 سنوات = 48.000 خطوة في عشر سنوات.
وكل هذه الخطوات خلال هذه الجمع في تلك السنوات تحسب للمسارع إلى الخيرات، كل خطوة منها بعبادة سنة صياما وقياما!! ومن منا يعيش هذه المدة الطويلة؟
ولو عاشها فهل يقوى على صيامها وقيامها؟ فلمَ التفريطُ في تحصيلها
فكيف بمن فاته الذبائح و كذلك البيض بتفريطه بالوقت و ذهابه والإمام يخطب ؟ يعني بعد أن تطوي الملائكة صحفها؟ ولا حول ولا قوة إلا بالله.
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)