كانت البجه قبل اختلاطها بالعرب المسلمين تورث ابن البنت أو ابن الأخت دون ولد الصلب، وكانت هذه عادة متفشية بين الأفارقة الوثنيين وربما يولد البجاوي ولا يسمى إلا بعد أن يبلغ أشده، فتكون صفته هي اسمه. فلما جاء العرب وانتشر الإسلام بأرض البجه تركت التسمية بالصفات وتلاشت إلا الألقاب وأصبح لكل بجاوي اسم.
وهناك تقاليد يلتزم بها الرجل البجاوي ولا يحيد عنها، فالرجل إذا حلب دابة لا يشرب مما حلب حتى يذوق اللبن إنسان آخر، وهو مسئول عن رعاية المواشي وسقايتها وزراعة الأرض. وفي بيته لا يأكل مع زوج ابنته ولا يجلس على فراش زوج ابنته، وأحيانا يعامل زوج الأخت بنفس المعاملة. وإذا حدث خلاف بين أخوين أو عائلتين فكل رجل يقف بجانب أقاربه.
والرجل إذا كثر علىه العمل أو طال زمنه يقطعه بالأغانى، والرجل لا يزوج ابنه إلا بابنة أخيه على شرط أن يدفع الوالد المهر إلا إذا كان الابن غنيا فإنه يندر أن يخضع لرغبة والده. ويكرم الرجل ضيوفه وإن كانوا من أقاربه فإنه لا يقدر أن يعين لهم يوما للسفر ولو مكثوا أعواما.
ويتولى الرجل خطبة المرأة لابنه بعد أن يأخذ معه بعض الأجاويد، وموافقة أم البنت شرط أساسي. ولا يأكل الرجل مع زوجته أو مع أمها، والنسيبة لها إحترام خاص عنده، ولا يتلفظ بإسم زوجته وكذلك هي لا تلفظ اسم زوجها أو أبيه، وللرجل عند زواجه أصدقاء يسمون وزراء. وإذا كان للرجل قضىة ضد أي بجاوي يرفعها إلى المجالس الخاصة ويجتهد في البعد عن دار الحكومة. وإن مات رجل عظيم من البجه تذهب النائحات حاسرات الرؤوس إلى دور الحكومة حيث كان يتردد المتوفى. والرجل لا يرد على المرأة ولو أساءت إلىه أو أهانته.
وجرت العادة ألا يتعشى الرجل لوحده، فإذا لم يجد ضيفا ذهب بعشائه إلى جاره ويأكلان معا عشاءهما.
وللمرأة أيضا عادات لا تحيد عنها، فهي لا تحلب المواشي إطلاقا ولا ترعاها ولا تغسل ولا تقابل أي أجنبى وتحتجب عن غير محارمها. والعروس لا تكلم عريسها إلا بعد أن يدفع لها شيئا كهدية ولا تقابل زوجها وجها لوجه ولا تقابل زوج ابنتها أبدا وهي محل احترامه دائما، ثم إنها لا تأكل مع زوجها أو زوج ابنتها، وعلىها مسئولية البيت كله، وتتولى تربية الأطفال. ولهذا فللمرأة إحترام خاص عند البجه.
الفكر والمعتقد والشخصية
جاء في كتاب (يوميات باحثة مصرية في حلايب) للدكتورة نادية بدوي، ما يلي عن الفكر والمعتقد والشخصية بالنسبة لشعب البجه (تتصف قبائل البجه بالثبات والاستمرار النسبي، ويبدو هذا واضحاً من استمرارها بنفس الاسم وبنفس الموطن لمدة تزيد على ستة آلاف عام. والثبات على نفس النظم القديمة التي ورثوها عن أجدادهم القدامى. فمن ناحية النظام الاقتصادي نجدهم مارسوا الصيد والقنص من عام 4000 ق. م. وحتى عام 500 ق. م. وبعد أن دخل الجمل مصر عرفوه ومارسوا الرعي حتى اليوم. ومن ناحية المعتقد نجد أن الديانة البجاوية وهي خليط من الديانة الفرعونية والرومانية والزنجية ما زالت تعيش وتحيا وتمارس من خلال العادات والتقاليد التي تمارس في الزواج والميلاد والوفاة والحياة اليومية بالرغم من إعلانهم بالإعتقاد بالدين الإسلامي. وتعتبر اللغة البجاوية العائق الأساسي الذي يعوق البجه عن فهمهم العقيدة والشريعة الإسلامية.
وكان للبيئة أثر عظيم في عزلة هذا الشعب داخل الصحراء وحفظه بعيداً عن المؤثرات الثقافية التي يموج بها وادي النيل، ونتيجة لتلك العزلة أضحى لدينا شعب مميز في شكله الفيزيقي والذي يقترب كثيراً من ملامح المصريين القدماء، وأيضاً في ثقافته ولغته حيث تعتبر اللغة البجاوية شقيقة للغة الفرعونية وينتميان لأسرة واحدة هي أسرة اللغات الكوشية.
ويتميز البجاوي بالروح القتالية، فحب القتال قيمة أصيلة ومتأصلة فيه يحرص عليها، وترجع جذورها إلى العصور القديمة حيينما خرج من شعب الصحراء الإله (منتو) الذي عبده قدماء المصريين وجعلوه إلهاً للحرب ورفعوه لمرتبة الآلهة العظمى وجعلوه زوجاً لـ (إيزيس) ولنا أن نتصور حال الشعب الذي إنحدر من إله الحرب ــ فالحياة في فلسفته هي الحرب ... والحرب هي الحياة، ويشهد التاريخ على تلك الصفة فهو مليء بالمعارك الكثيرة بين فروع البجه، وبينها وبين جيرانها. وإذا كان حب القتال هو محور الشخصية البجاوية، فإن الملامح الأخرى للشخصية تتمم وتكمل تلك الصفة مثل الصلابة والكبرياء وعدم الخضوع وأيضاً الجمود العاطفي.
ومن خلال العرض السريع لفكر ومعتقد وشخصية البجاوي، نتأكد من أننا أمام شعب يحتاج لأسلوب وفكر خاص يساعدهم ويعينهم على التنمية التي تأخذ بأيديهم لركب التطور وفي الوقت نفسه لا تعرضهم لأزمة فقدان الذات والتوافق الطبيعي الذي حققوه مع البيئة والحياة الاجتماعية خلال ستة آلاف سنة. ومن هذا المنطلق أطرح تصوري لتنمية المنطقة بشكل متوازٍ من خطين. الأول يتم فيه استغلال وتطوير الثروة الحقيقية التي تملكها الصحراء دون استحداثها، والخط الثاني يتم بتنمية الشخصية البجاوية دون إلغائها أو تشويهها