مــــــات ورحل بين يدي 乂♥乂 إنا لله وإنا إليه راجعون






ذات صباح من صباحات الحنين .. استيقظت على صوت ارتطام بسيط .. جائني الصوت من النافذة .. ترددت قليلاً .. هل لازلت أحلم أم ماذا .. دفعت نفسي متثاقلاً نحو مصدر الصوت .. وظلت نظـراتي سابحة في السماء والأرض تعلو وتنخفـض ما بين غفوة ويقظة ... ولكنني لم ارى شيئاً .. وإذا بي اسمع صوتاً أقرب إلى الأنين يخرج من الأرض .. تلفت حولي .. فإذا بي ألمح عصفوراً صغيراً ملقى في زاوية البلكونة..!

أهذا أنت يا عصفور من تصدر الأنين .. اقتربت منه رويداً رويداً .. يا إلهي .. ماذا أرى .. أنه مكسور الجناح .. يحاول الطيران فلا يستطيع ويلف حول نفسه مستلقياً على الأرض .. رأيتها محاولات يائسة بدنيا بائسة في ذلك العصفور المكسور .. لم أدري ماذا افعل وماذا أقول ... وشعرت بدمعة ساخنة تشق طريقها على خدودي الباردة .. فلقد لامس هذا العصفور مشاعر قلبي واستباح برائتي وأسرني من غير قيود .. ولا اعلم كم مر من الوقت حينها فلقد فقدت معه الزمن ودقاته وحركاته ، وأخذني ذلك المشهد لبعيد .. أخذني من جديد خلف دائرة الأحزان
..




نظرت إليه مجدداً ولمسته براحة يدي .. فلم يتحرك واستسلم لي وكأنه يحاور نفسه ويقول : لقد أشفق عليّ أحدهم ، ورفعني بين يديه ، وقربني من وجهه .. ترى هل سيمد يده ليساعدني ؟؟ أم أنها النهاية المحتومة على أيدي البشر .. فلنرى فلربما يكون منحة من رب العباد في العودة للحياة .. أو أنها اليد التي ستأخذني إلى عالم آخر بعيداً عن كل هذا الزيف الدنيوي .. ليته يفعل ذلك .. ليته يفعل .

وشعرت وقتها وأنا أنظر إليه بجزع وإشفاق وكأن لديه أمنية أخيرة في الحياة .. وهي بعيده عن أن يحق في السماء مجدداً .. فأنه لا يطلب الحرية ، ولم يبق له إلا مطلب واحد بعد أن انكسرت جناحاه : إنه يتمنى موتة تلقيه من على ظهر الأرض الضيق إلى بطنها الفسيح !!!




أشفقت على ذلك العصفور ورق له قلبي بشده .. فاحتضنته يداي برفق .. وربتت عليه .. وكان يرتعش ارتعاشات منتظمة وكأن الروح تفارق الجسد .. اقتربت من عيناه .. ونظرت إليهما .. فوجدتهما مسبلتين بغشاء رقيق ينتفض كلما اقتربت .. هل لازال الخوف يدب في أوصاله .. أم أنه ينتظر سكرات الموت ونهاية الروح ..

تمنيت وقتها أن أولد من جديد في زمن غير ذلك الزمن .. حيث سيدنا سليمان رضي الله عنه .. لعلني ألجأ إلى نبي الله بذلك العصفور المسكين .. فيترجم لي مشاعره .. ويفسر لي ارتعاشاته .. وأنفاسه اللاهثة ..




وفجأة كما وكأن هناك شيئاً يدق بهدوء في راحة يدي اليمنى .. والعصفور لازال بها .. يا الله .. إنها نبضات قلبه البريء في بحر الحياة .. لقد زادت خفقات قلبه بعد أن حملته ترى هل شعر بحنان قلبي إليه .. فتناغمت ضربات قلبه مع ضربات قلبي الحزين ؟ أم أنني أتوهم فيه ذلك التواصل الروحي بيننا .. ولم لا ..؟ ألسنا كلنا ارواح ربانيه .. ملكاً للواحد القهار ..

وبدأت أحاوره .. لعله يهدأ .. وهو لازال يرتعش في أحضان يدي .. وقلبه ينبض أسرع وأقوى من ذي قبل ولا أعلم لماذا وجدت لساني رطب بذكر الله وقتها بلا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .. وأول شيء همست به إلى ذلك العصفور المسكين : لا تخف فالله معك .. ومن كان الله معه .. مما يخاف .. هل تشعر أنك قد أصبحت محطما مسلوب الإرادة .. وأنك لن تستطيع التحليق في الفضاء مجدداً ؟ هل لا تملك الآن سوى أطياف من الماضي الجميل عندما كنت تفرد جناحيك في السماء ،هل تعاني من تلك المسافات والحواجز والموانع التي تفصل بينك وبين السحاب ؟؟ وهل كل تلك التساؤلات ستمنحك الراحه أم ستزيد من حيرتك وعذاب قلبك أجبني أيها العصفور المسكين .. لما تصمت ولا تتحرك أو تهرب من يدي ؟ لما .. لما .. لما ...




وفجأة ..
بدأت نبضات قلبه تنخفض شيئاً فشيئاً .. وعيناه تستلم للقدر المشئوم .. فانتبهت لسرعة الأحداث .. أسرعت به إلى داخل غرفتي الصغيرة .. ووضعته على الفراش .. ومسحت عليه بيدي وأنا أقرأ القرآن وأستغفر الله وأدعوه وأسترحمه بأن لا يكتب نهاية أجلة وهو بين يدي ..

ومر الوقت سريعاً وأنا أجلس بجوارة .. وأناظره وأستجدي الأمل .. ولا أعلم سر انتعاشة ذاكرتي في تلك اللحظة ويالها من ذكريات ... الأطفال وشغب الطفوله البريء ، حبيبة العمر الراحلة ورمز الحب والعطاء والتضحية ..، الساعات التي كانت تمر في فرح وابتهاج ..، تنهدت بحسرة ونظرت إلى العصفور المسكين ..، وظللت صامتا انظر إليه وهو بين يدي ..، وهو بدوره احترم صمتي وظل مستكين لم يتحرك أو يحاول الهرب ..

وبعد صمت رهيب كالهدوء الذي يسبق العاصفة تمرد العصفور وانفجر في وجهي باكياً .. في انتفاضة ما قبل خروج الروح وكأنما ينفجر في وجه الدنيا كلها .. وسمعته يقول : عصفور أنا ، لكني غريب بدنيا العصافير .. غريب أنا بسحر الأمسيات ، عصفور أنا .. لكني كئيب بهذه الحياة .. فحين أتيت إلى هذه الحياة وجدت الدماء بحاراً تسيل بقلبي الجريح ، وشعرت بالآم أنهارا تجري بدمي الحزين ، فعملي كله كفاح وزادي بالدنيا الجراح ، ولقد أصبحت بين يديك الآن مكسور الجناح ..

لا .. أنا لست عصفورا ، بل أنا طائر الليل الحزين الذي يحمل فوق أجنحتـه المكسورة هموم وعذابات السنين ، نعم أنا طائر الليل الجريح المسور بإحساس العجز ، عاجز أنا عن التحليق من جديد في فضاء الكون الفسيح ..

و قبل أن آتي إليك كنت حينما يضيق صدري بهذه الدنيا أحلق في السماء وأنا حزين ، أبحث عن مأوى فأدعوا بلا جدوى إلى أرض الأحزان ،وعندما تساورني نفسي بالإفضاء .. كنت لا أجد من أبوح له إلا الأفق والفضاء الرهيب، نعم الأفق وحده هو من كان يقدر حزنـي ويمسح دمعي بشمسه الغاربة ،

يذكرني بالحلم المستحيل ونبضات قلبي الفانية .. يذكرني بصوت انكسار جناحي اليوم عند المغيب .. والذي ارتفع عن مستوى شجن البشر ، يذكرني كيف أضعت عمري في الرحيل وسفر السنين ، وحدها الذكريات ومنارة الغرباء تضيئان طريقي نحو الهلاك وحيدا ، فأنا دائما ما أحلق وحدي على شاطئ جرحي لأراقب الأفق والوحدة تمزق إحساسي الظمآن ،

فدعني أغلق عيني الغريقة وأسدل الستار عن الحقيقة ، زرني انتظر الموت والليالي فالحلم الزائف أصبح موالي ، أتمرد ولو لمرة على حالي ، أعيش ولو للحظة بريئا من آلامي .. أنتقل لعالم فيه غير أحزاني ، لعالم ألقى فيه ربي ويلقاني ...

أغمضت عيني وأنا بين يديك الآن وانتقلت وأنا أنتقل تثاقلت في نصف المشوار تراجعت . أتعلم لماذا يا أيمن يا رفيق حزني ؟ لأن الألم اختلط بلحمي ودمي و منه تكون مزاج روحي وأنا لا أزال جنين في بطن أمي ، فأنا لا أستطيع التمرد على الألم !!! فالألم أصبح عنصر من عناصر وجودي بالحياة ... آآآآآآآآآآه مللت . أرجوك يا أيمن : لا تضم الشطآن الشائكة .. لأن هذا القدر الحزين وعرة مسالكة ..و انا بداخلة نبضات قلبي هالكـة ....

وتثاقلت عيني العصفــور بعد تلك الكلمات

وشهق شهقة خفيفة لتتوقف نبضـات قلبه

ويرحل دون وداع وهو لا يــزال بين يدي

ولا حـــول ولا قـوة إلا بالله العلي العظيم









بهذا الصباح .. دمعي يشق جرحي فيوقظ الجــراح
يذكرني كيف عشت حياة خالية من الحب والأفــراح
حتى أصبـحت كعـصـفـور صغـير مكـسـور الجــــناح
لا مــنــه طـــــار عـالــيـاً .. أو مـــات فـاســــــتراح

ملاحظه
الصور بعاليه صورحقيقية