بسم الله الرحمن الحيم
والجواب : أن الله جل وعلا قد حرم على كلا الزوجين ـ بل على عموم الخلق ـ الظلم والتعدي، ولا ريب أن في ضرب الزوجة بلا مسوغ شرعي أذية لها، واعتداء على حقها، فإن من حقوقها المعاملة والمعاشرة بالمعروف قال تعالى: (ولهن مثل الذي عليهن بالمعروف) [البقرة:228] وقال جل وعلا: (وعاشروهن بالمعروف) [ النساء:19]. وقد حرم الله جل وعلا إبقاء الزوجة في العصمة بقصد إذايتها ومضارتها، وسمى ذلك اعتداءً وظلماً، قال جل وعلا: (ولا تمسكوهن ضراراً لتعتدوا، ومن يفعل ذلك فقد ظلم نفسه) [ البقرة: 231] وقد ثبت مرفوعا إلى النبي صلوات الله وسلامه عليه أنه قال: "لا ضرر ولا ضرار" أخرجه الإمام أحمد في مسنده وهو أيضا في سنن الدارقطني.
وعليه فضرب الزوجة بلا مسوغ من الاعتداء والظلم الذي لا يجوز، وقد ثبت عنه صلوات الله وسلامه عليه أنه قال فيما يرويه عن ربه جل وعلا: "يا عبادي إني حرمت الظلم على نفسي وجعلته بينكم محرما فلا تظالموا" أخرجه مسلم من حديث أبي ذر رضي الله عنه. إذا ثبت هذا فإنه مما ينبغي أن يعرف أن هنالك حالات يسوغ فيها مثل هذا الفعل ، ولكن مع مراعاة الضوابط الشرعية في ذلك. فقد نص الله جل وعلا في كتابه العزيز أن ذلك يسوغ إذا خرجت الزوجة عن طوع زوجها بلا مسوغ لها في ذلك. فمن المقرر أن طاعة الزوجة زوجها من الواجبات المتحتمات المقررة في الكتاب والسنة وبإجماع أهل العلم بالملة، فإن خرجت الزوجة عن طوع زوجها تمردا وعصيانا بلا مسوغ، فقد شرع الله ـ جل وعلا ـ علاج ذلك بجملة أمور.
أولها: النصح والإرشاد، بأن يعظ الزوج زوجته ويبين لها وجوب طاعته، وما افترضه الله عليها وعليه من الحقوق، مترفقا بها تارة، وزاجراً لها أخرى بحسب المقام والأحوال. فإن تعذر ذلك لعدم استجابتها انتقل إلى الخطوة الثانية، ألا وهي الهجر، فيسوغ له عند تعذر الأمر الأول أن يهجرها في الفراش، إظهاراً لها منه بعدم الرضا عنها، والاستياء من معاملتها.
فإن استوفى الزوج هاتين الخطوتين، وبذل وسعه في ذلك ولم ينصلح الأمر، جاز له أن يضربها تأديباً لها مراعيا جملة أمور في ذلك:
أ ـ أن لا يكون الضرب مبرحا، أي شديداً ، بل يكون على وجه التأديب والتأنيب ضرباً غير ذي إذاية شديدة.
ب ـ أن لا يضربها على وجهها.
ج ـ أن لا يشتمها بالتقبيح.
د ـ أن يستصحب أثناء هذه المعاملة، أن القصد حصول المقصود من صلاح الزوجة وطاعتها زوجها، لا أن يكون قصده الثأر والانتقام.
هـ ـ أن يكف عن هذه المعاملة عند حصول المقصود.
والأصل في كل ما قدمناه قوله ـ عزَّ من قائل ـ (الرجال قوامون على النساء بما فضل الله بعضهم على بعض، وبما أنفقوا من أموالهم، فالصالحات قانتات حافظات للغيب بما حفظ الله، واللاتي تخافون نشوزهن فعظوهن واهجرون في المضاجع واضربوهن فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً إن الله كان عليا كبيراً) [النساء :34]. وثبت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال في حجة الوداع: "ألا واستوصوا بالنساء خيراً فإنما هن عوان عندكم ليس تملكون منهن شيئاً غير ذلك، إلا أن يأتين بفاحشة مبينة، فإن فعلن فاهجروهن في المضاجع، واضربوهن ضربا غير مبرح فإن أطعنكم فلا تبغوا عليهن سبيلاً، ألا إن لكم على نساءكم حقا ولنسائكم عليكم حقا ... الحديث) أخرجه الترمذي وقال حديث حسن صحيح. وخرج الإمام أبوداود في سننه من حديث معاوية بن حيدة رضي الله عنه قال: قلت يا رسول الله ما حق زوجة أحدنا عليه قال: أن تطعمها إذا طعمت، وتكسوها إذا اكتسيت، ولا تضرب الوجه ولا تقبح، ولا تهجر إلا في البيت". وغير ذلك من الأحاديث الصحيحة الجياد، ولا بد من الإشارة إلى أنه ينبغي لكلا الزوجين مراعاة جانب الرأفة والرحمة كلاً مع الآخر، وأن يتجنبنا الجنوح إلى هذه الحالة ما استطاعا إلى ذلك سبيلاً. وأيضا فإنه مما يعين على ذلك التغاضي عن بعض الأخطاء التي لا تخل بأمور الشرع ، ولو أن كلا الزوجين تدارسا طرفا من الهدي النبوي في ذلك لكان حسنا، كباب حق الزوج على المرأة، وباب الوصية بالنساء من كتاب رياض الصالحين، جعلنا الله جميعاً من عباده الصالحين. وصلى الله على نبينا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليماً كثيراً. والله أعلم