قهوتنا على الانترنت
صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12
النتائج 11 إلى 19 من 19
  1. #11
    تاريخ التسجيل
    13 - 8 - 2008
    ساكن في
    ارض الله الواسعه
    العمر
    39
    المشاركات
    232
    النوع : ذكر Egypt

    افتراضي


    حصار حصن بابليون

    مقدمة
    وصل عمرو بن العاص بجيشه حتى حصن بابليون وكان الروم قد خندقوا حول حصنهم خندقًا وجعلوا له أبوابًا، ونثروا بأفنية الأبواب سكك الحديد موانع للخيل والرجال، وكان الجيش الذي مع عمرو قليل العدد وأمامه حصن حصين، فكان يقسم أصحابه ليوهم الروم أنهم أكثر عددًا، فلما بلغ خندقهم نادوه من فوق الحصن: إنا قد رأينا ما صنعت وإنما معك من أصحابك كذا وكذا، فلم يخطئوا برجل واحد.
    توقف عمرو أمام الحصن يقاتل الروم قتالاً شديدًا وأبطأ الفتح فلم يحرز نصرًا حاسمًا؛ فقد كان الروم يلوذون بحصنهم، وقد كان التفوق في تلك الاشتباكات للمسلمين لإزاحة الروم المسلمين عن حصنهم، وكتب عمرو إلى عمر – رضي الله عنهما – يخبره بالوضع ويستمده، فأمده عمر بأربعة آلاف على كل ألف منهم رجل بمقام ألف، وهم الزبير بن العوام، والمقداد بن عمرو، وعبادة بن الصامت واختُلِفَ في الرابع فقيل: هو مَسْلَمَةُ بنُ مُخَلَّد، وقيل: خارجة بن حذافة العدوى، وذكر بعضهم أنه عمير بن وهب الجمحي، وفي ذلك قال عمر لعمرو – رضي الله عنهما: اعلم أن معك اثني عشر ألفا ولا يُغلَب اثنا عشر ألفًا من قلة "


    *************** *****

    استمرار الحصار
    أقام المسلمون أمام باب الحصن ستة أشهر، وقيل سبعة، وظل عمرو بن العاص رضي الله عنه - أيامًا يغدو في السحر- يصف أصحابه على أفواه الخندق عليهم السلاح، وبينما هو على ذلك قدم الزبير بن العوام في المدد وتلقاه عمرو ثم أقبلا يسيران معًا، ولم يلبث الزبير – رضي الله عنه – أن ركب وطاف بالخندق، ثم قسم الرجال حول الخندق .
    وجاء رجل إلى عمرو بن العاص –رضي الله عنه – فقال:"اندب معي خيلاً حتى آتي من ورائهم عند القتال" "، فأخرج معه خمسمائة فارس، فساروا من وراء الجبل حتى دخلوا مغار بني وائل – أو خليج بني وائل – قبيل الصبح، وكان الروم قد خندقوا خندقًا وجعلوا له أبوابًا، وبثوا في أفنيتها سكك الحديد، فالتقى القوم حين أصبحوا وخرج اللخمي بمن معه من ورائهم فانهزموا حتى دخلوا الحصن، وفي رواية أن هذه القوة كان عليها خارجة بن حذافة .
    وقد ذكر البلاذرى: أن الزبير كان يقاتل من جهة وعمرو بن العاص من جهة – ولم يذكر أي جهة كان يتبع كل منهما – ثم إن الزبير أتى بسلم فصعد عليه حتى أوفى على الحصن، وزاد ابن عبد الحكم: أن ذلك كان من ناحية سوق الحّمام، ومر بنا سابقًا أن رجلاً طلب من عمرو بن العاص أن يندب معه خيلاً حتى يأتى من وراء الروم عند القتال ثم ساروا من وراء الجبل مما يعنى أن جهة سوق الحمام كان في القطاع الذي تولاه الزبير بن العوام، وأن الدوران خلف الجبل كان في قطاع عمرو بن العاص، ويؤيد هذا أن شرحبيل بن حجية المرادي نصب سلما آخر من جهة زقاق الزمامرة ثم تنازع مع الزبير على باب أو مدخل مما يدعم أنه لم يكن يتبعه أو بمعنى آخر أنه كان في قطاع عمرو بن العاص، وبعبارة أخرى أن الزبير كان شمال شرق الحصن، وعمرو في جنوب شرق الحصن وعندما جاء المدد إلى عمرو بن العاص شدد قتاله، وألح على القصر ووضع عليه المنجنيق، ولم يلبث الزبير أن ركب ثم طاف بالخندق وقسم الرجال حوله وكانت قبيلة بَلىّ تقف عن يمين راية عمرو بن العاص لأن أم العاص بن وائل بلوية..

    *************** **********

    المفاوضات بين المسلمين والرومان
    أرسل المقوقس إلى عمرو يقول :" إنكم قوم قد ولجتم في بلادنا، وألححتم على قتالنا، وطال مقامكم في أرضنا، وإنما أنت عصبة يسيرة وقد أظلتكم الروم، وجهزوا إليكم، ومعهم العدة والسلاح، وقد أحاط بكم هذا النيل، وإنما أنتم أسرى في أيدينا فابعثوا إلينا رجالاً منكم نسمع من كلامهم فلعله أن يأتي الأمر فيما بيننا وبينكم على ما تحبون ونحب، وينقطع عنا وعنكم هذا القتال قبل أن تغشاكم جموع الروم فلا ينفعنا الكلام ولا نقدر عليه، ولعلكم أن تندموا إن كان الأمر مخالفًا لطلبكم ورجائكم فابعث إلينا رجالاً من أصحابك نعاملهم على ما نرضى نحن وهم به من شيء "
    وعندما أتت رسل المقوقس إلى عمرو بن العاص حبسهم عنده يومين وليلتين حتى خاف عليهم المقوقس فقال لأصحابه:"أترون أنهم يقتلون الرسل ويحبسونهم ويستحلون ذلك في دينهم ؟ " .
    وإنما أراد عمرو بذلك أن يروا حال المسلمين، ثم رد عليهم مع رسله: أنه ليس بيني بينكم إلا إحدى ثلاث خصال: أما إن دخلتم في الإسلام فكنتم إخواننا وكان لكم مالنا، وإن أبيتم فأعطيتم الجزية عن يدٍ وأنتم صاغرون، وإما جاهدناكم بالصبر والقتال حتى يحكم الله بيننا وهو خير الحاكمين "

    وصف الرومان للمسلمين

    فلما رجعت رسل المقوقس إليه قال لهم: كيف رأيتموهم؟"
    قالوا :"رأينا قومًا الموت أحب إلى أحدهم من الحياة، والتواضع أحب إليهم من الرفعة، ليس لأحدهم في الدنيا رغبة ولا نهمة إنما جلوسهم على التراب، وأكلهم على ركبهم، وأميرهم كواحد منهم ما يعرف رفيعُهم من وضيعهم، ولا السيد فيهم من العبد، إذا حضرت الصلاة لم يتخلف عنها منهم أحد، يغسلون أطرافهم بالماء ويخشعون في صلاتهم "
    فقال المقوقس" والذى يحلف به لو أن هؤلاء استقبلوا الجبال لأزالوها وما يقوى على قتال هؤلاء أحد، ولئن لم نغتنم صلحهم اليوم وهم محاصرون بهذا النيل لن يجيبونا بعد اليوم إذا أمكنتهم الأرض وقووا على الخروج من موضعهم.


    *************** ************

    حوار عبادة بن الصامت مع المقوقس
    ثم بعث المقوقس رسله مرة أخرى إلى عمرو بن العاص يقولون له:" ابعثوا إلينا رسلاً منكم نعاملهم ونتداعى نحن وهم إلى ما عساه أن يكون فيه صلاح لنا ولكم "
    فبعث عمرو بن العاص عشرة نفر أحدهم عبادة بن الصامت ولم تذكر المصادر أسماء الآخرين، وكان عبادة أسود اللون وطوله عشرة أشبار – أى يتجاوز المترين طولاً – وأمره أن يكون متكلم الوفد وألا يجيبهم إلى شيء دعوه إليه إلا إحدى هذه الخصال الثلاث.
    فركبوا السفن وعبروا من جهة بابليون إلى الجزيرة، فلما دخلوا على المقوقس تقدم عبادة فهابه المقوقس، وقال :" نحوا عنى هذا الأسود وقدموا غيره يكلمني "
    فقالوا جميعًا :" إن هذا الأسود أفضلنا رأيا وعلمًا وهو سيدنا وخيرنا والمقدم علينا وإنما نرجع جميعا إلى قوله ورأيه، وقد أمره الأمير دوننا بما أمره به، أمرنا بأن لا نخالف رأيه وقوله " .
    فقال المقوقس: وكيف رضيتم أن يكون هذا الأسود أفضلكم وإنما ينبغي أن يكون هو دونكم؟"
    فقالوا: لا إنه وإن كان أسودًا كما ترى فإنه من أفضلنا موضعًا، وأفضلنا سابقة وعقلاً ورأيًا، وليس يُنكَرُ السواد فينا، ثم قال المقوقس لعبادة" تقدم يا أسود وكلمني برفق فإني أهاب سوادك، وإن اشتد كلامك علي ازددت لذلك هيبة".
    فتقدم إليه عبادة وقال:" قد سمعت مقالتك وإن فيمن خلفت من أصحابي ألف رجل أسود كلهم أشد سوادًا مني وأفظع منظرًا، ولو رأيتهم لكنت أهيب لهم منك لي، وأنا قد وليت وأدبر شبابي، وإني مع ذلك بحمد الله ما أهاب مائة رجل من عدوي لو استقبلوني جميعًا وكذلك أصحابي؛ وذلك أنا إنما رغبتنا وهمتنا الجهاد في الله واتباع رضوانه، وليس غزونا عدونا ممن حارب الله لرغبة في دنيا ولا طلبًا للاستكثار منها، إلا أن الله قد أحل ذلك لنا، وجعل ما غنمنا من ذلك حلالاً، وما يبالي أحدنا أكان له قنطار من ذهب أم كان لا يملك إلا درهمًا، لأن غاية أحدنا من الدنيا أكلة يسد بها جوعته لليله ونهاره، وشملة يتلحفها، فإن كان أحدنا لا يملك إلا ذلك كفاه، وإن كان له قنطار من ذهب أنفقه في طاعة الله، واقتصر على هذا الذى بيده، ويبلغه ما كان في الدنيا لأن نعيم الدنيا ليس بنعيم ورخاؤها ليس برخاء، وإنما النعيم والرخاء فى الآخرة، وبذلك أمرنا ربنا، وأمرنا به نبينا وعهد إلينا أن لا تكون همة أحدنا من الدنيا إلا ما يمسك جوعته، ويستر عورته، وتكون همته وشغله فى رضاء ربه وجهاد عدوه "
    فلما سمع المقوقس ذلك منه قال لمن حوله :" هل سمعتم مثل كلام هذا الرجل قط ؟ لقد هبت منظره وإن قوله لأهيب عندي من منظره، وإن هذا وأصحابه أخرجهم الله لخراب الأرض وما أظن ملكهم إلا سيغلب على الأرض كلها ". ثم أقبل المقوقس على عبادة بن الصامت فقال :" أيها الرجل الصالح قد سمعت مقالتك وما ذكرت عنك وعن أصحابك، ولعمري ما بلغتم ما بلغتم إلا بما ذكرت، وما ظهرتم على من ظهرتم عليه إلا لحبهم الدنيا ورغبتهم فيها، وقد توجه إلينا لقتالكم من جمع الروم ما لا يحصى عدده، قوم معروفون بالنجدة والشدة، ما يبالى أحدهم من لقي ولا من قاتل، وإنا لنعلم أنكم لن تقووا عليهم، ولن تطيقوهم لضعفكم وقلتكم وقد أقمتم بين أظهرنا أشهرًا، وأنتم في ضيق وشدة من معاشكم وحالكم، ونحن نرق عليكم لضعفكم وقلتكم وقلة ما بأيديكم، ونحن تطيب أنفسنا أن نصالحكم على أن نفرض لكل رجل منكم دينارين ولأميركم مائة دينار ولخليفتكم ألف دينار فتقبضونها وتنصرفون إلى بلادكم قبل أن يغشاكم ما لا قوام لكم به " .


    *************** ***********

    عبادة يعرض على المقوقس شروط المسلمين
    ثم بعد الحوار يعرض عبادة رضي الله عنه على المقوقس مطالب المسلمين فيقول: فانظر الذي تريد فبينه لنا، فليس بيننا وبينكم خصلة نقبلها منك ولا نجيبك إليها إلا خصلة من ثلاث فاختر أيها شئت ولا تطمع نفسك في الباطل، بذلك أمرني الأمير وبها أمره أمير المؤمنين وهو عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم من قبلُ إلينا، إما أجبتم إلى الإسلام الذي هو الدين الذي لا يقبل الله غيره وهو دين أنبيائه ورسله وملائكته، أمرنا الله أن نقاتل من خالفه ورغب عنه حتى يدخل فيه فان فعل كان له ما لنا وعليه ما علينا وكان أخانا في دين الله، فان قبلت ذلك أنت وأصحابك فقد سعدتم في الدنيا والآخرة ورجعنا عن قتالكم ولم نستحل أذاكم ولا التعرض لكم، فان أبيتم إلا الجزية فأدوا إلينا الجزية عن يد وأنتم صاغرون نعاملكم على شيء نرضى به نحن وأنتم في كل عام أبدًا ما بقينا وبقيتم ونقاتل عنكم من ناوأكم وعرض لكم في شيء من أرضكم ودمائكم وأموالكم ونقوم بذلك عنكم إذ كنتم في ذمتنا وكان لكم به عهد علينا، وان أبيتم فليس بيننا وبينكم إلا المحاكمة بالسيف حتى نموت عن آخرنا أو نصيب ما نريد منكم، هذا ديننا الذي ندين الله به ولا يجوز لنا فيما بيننا وبينه غيره فانظروا لأنفسكم.
    فقال له المقوقس: هذا ما لا يكون أبدًا، ما تريدون إلا أن تتخذونا لكم عبيدًا ما كانت الدنيا.
    قال عبادة بن الصامت: هو ذاك فاختر ما شئت.
    فقال له المقوقس فلا تجيبوننا إلى خصلة غير هذه الثلاثة خصال؟.
    فرفع عبادة يديه فقال: لا ورب هذه السماء ورب هذه الأرض ورب كل شيء، ما لكم عندنا خصلة غيرها فاختاروا لأنفسكم.
    فالتفت المقوقس عند ذلك إلى أصحابه وقال قد فرغ القوم، فما ترون؟.
    فقالوا أو يرضى أحد بهذا الذل؟!أما ما أرادوا من دخولنا في دينهم فهذا ما لا يكون أبدًا أن نترك دين المسيح بن مريم وندخل في دين غيره لا نعرفه، وأما ما أرادوا من أن يسبونا ويجعلونا عبيدًا فالموت أيسر من ذلك لو رضوا منا أن نضعف لهم ما أعطيناهم مرارًا كان أهون علينا.
    فقال المقوقس لعُبَادة قد أبى القوم فما ترى؟ فراجع صاحبك على أن نعطيكم في مرتكم هذه ما تمنيتم وتنصرفون
    فقام عبادة وأصحابه..
    فقال المقوقس عند ذلك لمن حوله: أطيعوني وأجيبوا القوم إلى خصلة من هذه الثلاث، فوالله ما لكم بهم طاقة ولئن لم تجيبوا إليها طائعين لتجيبنهم إلى ما هو أعظم كارهين.
    فقالوا: وأي خصلة نجيبهم إليها؟.
    قال: إذا أخبركم، أما دخولكم في غير دينكم فلا آمركم به. وأما قتالهم فأنا أعلم أنكم لن تقووا عليهم ولن تصبروا صبرهم، ولابد من الثالثة".
    قالوا: أفنكون لهم عبيدًا أبدًا؟.
    قال: نعم، تكونوا عبيدًا مسلطين في بلادكم آمنين على أنفسكم وأموالكم وذراريكم خير لكم من أن تموتوا عن آخركم وتكونوا عبيدًا تباعوا وتمزقوا في البلاد مستعبدين أبدًا أنتم وأهليكم وذراريكم
    قالوا: فالموت أهون علينا
    وأمروا بقطع الجسر من بين بابليون والجزيرة، وبالقصر الحصن من الروم جمع كثير فألح عليهم المسلمون عند ذلك بالقتال على من في الحصن حتى ظفروا بهم ومكنهم الله منهم فقُتِلَ منهم خلق كثير، وأُسِرَ من أُسِرَ وانحازت السفن كلها إلى الجزيرة.

    وإنا لنعلم أنكم لن تقووا عليهم، ولن تطيقوهم لضعفكم وقلتكم وقد أقمتم بين أظهرنا أشهرًا، وأنتم في ضيق وشدة من معاشكم وحالكم، ونحن نرق عليكم لضعفكم وقلتكم وقلة ما بأيديكم، ونحن تطيب أنفسنا أن نصالحكم على أن نفرض لكل رجل منكم دينارين ولأميركم مائة دينار ولخليفتكم ألف دينار فتقبضونها وتنصرفون إلى بلادكم قبل أن يغشاكم ما لا قوام لكم به " .


    *************** *******

    المسلم لا يهاب عددا ولا عدة
    تكلم عبادة عن هدف المسلمين من الجهاد في سبيل الله وهو نشر هذا الدين، وإخراج الناس من الظلمات إلى النور، وأن المسلم لا يهاب عددا ولا عدة فقال للمقوقس:" يا هذا لا تَغُرَّن نفسك ولا أصحابك؛ أما ما تخوفنا به من جمع الروم وعددهم وكثرتهم وأنـّا لا نقوى عليهم فلعمري ما هذا بالذي تخوفنا به ولا بالذي يكسرنا عما نحن فيه، إن كان ما قلتم حقا فذلك والله أرغب ما يكون في قتالهم وأشد لحرصنا عليهم، لأن ذلك أعذر لنا عند ربنا إذا قدمنا عليه، وإن قُتِلْنا عن آخرنا كان أمكن لنا في رضوانه وجنته، وما من شيء أقر لأعيننا ولا أحب إلينا من ذلك، وإنا منكم حينئذٍ لعلى إحدى الحسنيين، إما أن تعظم لنا بذلك غنيمة الدنيا إن ظفرنا بكم أو غنيمة الآخرة إن ظفرتم بنا، وإن الله عز وجل قال لنا في كتابه: [كَمْ مِنْ فِئَةٍ قَلِيلَةٍ غَلَبَتْ فِئَةً كَثِيرَةً بِإِذْنِ اللهِ وَاللهُ مَعَ الصَّابِرِينَ] {البقرة: 249} وما منا رجل إلا وهو يدعو ربه صباحًا ومساءً أن يرزقه الشهادة، وألا يرده إلى بلده ولا أرضه ولا أهله وولده وليس لأحد منا هَمٌّ فيما خلفه، وقد استودع كل واحد منا رَبَّه أهلَه وولدَه وإنما همنا ما أمامنا. وأما قولك إنا في ضيق وشدة من معاشنا وحالنا فنحن في أوسع السعة، لو كانت الدنيا كلها لنا ما أردنا منها لأنفسنا أكثر مما نحن عليه.


    يتــــــــــــبع

    اللهم أنت أعلم بى من نفسى ، وأنا أعلم بنفسى منهم
    اللهم إجعلنى خيرا مما يظنون ، واغفر لى مالا يعلمون ولا تؤاخذنى بما يقولون

    البحث على جميع مواضيع العضو المشتاق لرحيق الجنه

  2. #12
    تاريخ التسجيل
    13 - 8 - 2008
    ساكن في
    ارض الله الواسعه
    العمر
    39
    المشاركات
    232
    النوع : ذكر Egypt

    افتراضي


    فتح حصن نابليون

    مقدمة
    كان الروم قد خندقوا خندقًا حول حصن بابليون، وجعلوا للخندق أبوابًا لخروجهم ودخولهم ونثروا سكك الحديد بأفنية الأبواب.
    لم يذكر الرواة أماكن تلك المخارج، ولكنا نرى أنه من المنطق أن تكون تجاه أبواب الحصن كما وأن استعمال صيغة الجمع ـ أبوابًا ـ تعنى أنها لم تكن تقل عن ثلاثة. ونعلم أنه كان للحصن باب في الجدار الشمالي أمام الجهة التي أقيم بها بعد ذلك جامع عمرو بن العاص، وباب في المدخل الجنوبي الذي نشأ أمامه بعد ذلك السوق الكبير، وفى ذلك المكان كان النيل يصل إلى جدار الحصن حيث الآن الكنيسة المعلقة، كما كان هناك باب في الجدار الشرقي الذي كان ينفذ منه درب الحجر.
    أبطأ الفتح أمام حصن حصين يلوذ به الروم ولا يخرجون منه إلا إذا أرادوا ثم يعودون إليه منهزمين فيعتصمون به. ثم ماذا؟
    في عديد من الروايات عن رواة ثقات، قال الزبير بن العوام "إنى أهب نفسي لله أرجو أن يفتح الله بذلك على المسلمين" ووضع سلمًا من الخشب إلى جانب الحصن من ناحية سوق الحمام، وأمر المسلمين إذا سمعوا تكبيره أن يجيبوه جميعًا. كان الزبير فدائيًا شجاعًا لا يدري ما سوف يلقى فوق السور من قوات الروم، وكان في نحو الخمسين من عمره.
    وما دام جدار الحصن كان يرتفع نحو. من 18 مترًا فلابد أن كان السلم لا يقل عن عشرين مترًا حتى نتصور إمكان استناده مائلًا على جدار الحصن، فهو سلم كبير غير عادى استغرق بعض الوقت في صناعته _ ربما أيامًا _كذلك لابد أنه كان ثقيلًا استلزم حمله على أكتاف عديد من الرجال الأشداء وعبور الخندق به في صمت تام إلى جدار الحصن حتى لا ينتبه الروم. ولابد أيضًا أن كان قد تم صنعه في الخلف على مسافة من الحصن وربما كان ذلك في موقع بنى بلى ( . ه2متر أو يزيد)، فهم الذين تسلق رجال منهم الحصن مع الزبير (بنو حرام).
    وقد صعد مع الزبير إلى أعلى الحصن محمد بن مسلمة الأنصاري، ومالك بن أبى سلسلة، ورجال من بنى حرام.
    وبطبيعة الحال كان ذلك في غفلة من أهل الحصن، فلا نذهب إلى أنه حدث نهارًا وإنما يتحتم أنه كان ليلاً ويدعم ذلك أنه كان يوم الجمعة 29 من ذي الحجة20 هـ 7 ديسمبر 641م بما يعنى عدم وجود هلال يكشف بسطوعه عملية الاقتراب والتسلق، فضلاً عن أن الفصل شتاء بارد ينشد جنود الروم الدفء فيه، خاصة وأنه قد مضى على وقوف المسلمين أمام الحصن سبعة أشهر اعتادوا على عدم حدوث شيء من هذا القبيل ولم يخطر لهم على بال، فما شعروا إلا والزبير على رأس الحصن يكبر ومعه سيفه والمسلمون يرددون تكبيره، وقد تسلقوا على السلم حتى نهاهم عمرو خوفًا من أن ينكسر، ثم انحدر الزبير ومن معه إلى داخل الحصن، والأرجح أنهم نزلوا على سلالم البرج، وأصاب الرعب أهل الحصن فهربوا من أمامهم، وعمد الزبير إلى باب الحصن المغلق من الداخل ففتحه واقتحمه المسلمون من الخارج..


    *************** ***********


    سقوط حصن نابليون وطلب الروم للصلح
    كان الحصن في قلب مصر، وكان أحصن ما بيد الروم في مواجهة جيش المسلمين، فلما سقط صار واضحًا حرج موقف الروم أمام عملية الفتح. نعم مازال أمام المسلمين أن يعبروا مجاريَ مائية خاصة نهر النيل، ولكن أيضًا صار مألوفًا لديهم أن يجدوا حلاً أمام كل عقدة.
    صار المسلمون وقد أحدق بهم الماء من كل جهة واتجاه لا يقدرون أن ينفذوا نحو الصعيد ولا إلى غير ذلك من المدائن والقرى، والمقوقس يقول لأصحابه "ألم أعلمكم هذا وأخافه عليكم ؟ ما تنظرون ؟ فوالله لتجيبنهم إلى ما أرادوا طوعًا، أو لتجيبنهم إلى ما هو أعظم منه كرهًا فأطيعوني من قبل أن تندموا".
    فلما رأوا منهم ما رأوا وقال لهم المقوقس ما قال أذعنوا بالجزية ورضوا بذلك على صلح يكون بينهم يعرفونه، وأرسل المقوقس إلى عمرو بن العاص "إني لم أزل حريصًا على إجابتك إلى خصلة من تلك الخصال التي أرسلت إلى بها فأبى ذلك عليَّ من حضرني من الروم والقبط، فلم يكن لي أن أفتات عليهم في أموالهم وقد عرفوا نصحي لهم وحبي صلاحهم، ورجعوا إلى قولي، فأعطني أمانًا أجتمع أنا وأنت في نفر من أصحابي وأنت في نفر من أصحابك فإن استقام الأمر بيننا تم ذلك لنا جميعًا، وإن لم يتم رجعنا إلى ما كنا عليه".
    فاستشار عمرو أصحابه في ذلك فقالوا "لا نجيبهم إلى شيء من الصلح ولا الجزية حتى يفتح الله علينا وتصير الأرض كلها لنا فيئًا وغنيمة كما صار لنا القصر وما فيه".
    قال عمرو "قد علمتم ما عهد إليَّ أمير المؤمنين في عهده، فإن أجابوا إلى خصلة من الخصال الثلاث التي عهد إلي فيها أجبتهم إليها وقبلت منهم مع ما قد حال هذا الماء بيننا وبين ما نريد من قتالهم"..
    فجنح المسلمون إلى الصلح كما عاهدهم أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه، وتم عقد الصلح بين المسلمين والرومان ونذكره كما أورده الطبري.
    بسم الله الرحمن الرحيم. هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر من الأمان على أنفسهم وملتهم وأموالهم وكنائسهم وصلبهم، وبرهم وبحرهم، لا يدخل عليهم شيء، من ذلك ولا ينتقص، ولا يساكنهم النوب أو النوبة، وعلى أهل مصر أن يعطوا الجزية إذا اجتمعوا على هذا الصلح وانتهت زيادة نهرهم خمسة آلاف ألف، وعليهم ما جنى لصوتهم لصوصهم، فإن أبى أحد منهم أن يجيب رُفِعَ عنهم من الجزاء بقدرهم، وذمتنا ممن أبى بريئة. وإن نقص نهرهم من غايتهم إذا انتهى رفع عنهم بقدر ذلك، ومن دخل في صلحهم من الروم والنوب فله مثل ما لهم، وعليه مثل ما عليهم، ومن أبى واختار الذهاب فهو آمن حتى يبلغ مأمنه، أو يخرج من سلطاننا. عليهم ما عليهم أثلاثًا في كل ثلث جباية ثلث ما عليهم.
    على ما في هذا الكتاب عهد الله وذمته وذمة رسوله وذمة الخليفة أمير المؤمنين، وعلى النوبة الذين استجابوا أن يعينوا بكذا وكذا رأسًا وكذا وكذا فرسًا، على ألا يُغْزَوا ولا يُمْنَعُوا من تجارة صادرة ولا واردة"
    وشرط المقوقس للروم أن يخيروا، فمن أحب منهم أن يقيم على مثل هذا أقام على ذلك لازمًا له مفترضًا عليه فمن أقام بالإسكندرية وما حولها من أرض مصر كلها، ومن أراد الخروج منها إلى أرض الروم خرج، وعلى أن للمقوقس الخيار في الروم خاصة حتى يكتب إلى ملك الروم يعلنه ما فعل، وإن قبل ذلك منه ورضيه جاز عليهم وإلا كانوا جميعًا على ما كانوا عليه، وكتبوا بذلك كتابًا.


    *************** *******

    غضب قيصر الروم ودخول المقوقس فى المعاهدة
    كتب المقوقس إلى ملك الروم يعلمه بذلك. فجاءه من ملك الروم جوابه على ذلك يقبح رأيه وبعجزه ويرد عليه ما فعل ويقول "إنما أتاك من العرب اثنا عشر ألفًا وبمصر من بها من كثرة عدد القبط ما لا يحصى، فإن كان القبط كرهوا القتال وأحبوا أداء الجزية إلى العرب واختاروهم علينا فإن عندك بمصر من الروم بالإسكندرية ومن معك أكثر من مائة ألف معهم العدة والقوة، والعرب وحالهم وضعفهم على ما قد رأيت فعجزت عن قتالهم ورضيت أن تكون أنت ومن معك من الروم على حال القبط أذلاء. ألا تقاتلهم أنت ومن معك من الروم حتى تموت أو تظهر عليهم، فإنهم فيكم على قدر كثرتكم وقوتكم وعلى قدر قلتهم وضعفهم كأكلة، فناهضهم القتال ولا يكون لك رأي غير ذلك".
    وكتب ملك الروم بمثل ذلك إلى جماعة الروم.
    قال المقوقس:والله إنهم على قلتهم وضعفهم أقوى وأشد منا على كثرتنا وقوتنا، إن الرجل الواحد منهم ليعدل مائة رجل منا، وذلك أنهم قوم الموت أحب إلى أحدهم من الحياة.
    يقاتل الرجل منهم وهو مستقتل يتمنى ألا يرجع إلى أهله ولا بلده ولا ولده ويرون أن لهم أجرًا عظيمًا فيمن قتلوا منا ويقولون إنهم إن قُتِلُوا دخلوا الجنة، وليس لهم رغبة في الدنيا ولا لذة إلا قدر بلعة العيش من الطعام واللباس ونحن قوم نكره الموت ونحب الحياة ولذتها، فكيف نستقيم نحن وهؤلاء، وكيف صبرنا معهم؟! واعلموا معشر الروم والله أنى لا أخرج مما دخلت فيه ولا صالحت العرب عليه واني لأعلم أنكم مترجعون غدًا إلى رأيي وقولي وتتمنون أن لو كنتم أطعتموني، وذلك أني قد عاينت ورأيت وعرفت ما لم يعاين الملك ولم يره ولم يعرفه.
    ويحكم! أما يرضى أحدكم أن يكون آمنًا في دهره على نفسه وماله وولده بدينارين في السنة؟!
    ثم أقبل المقوقس على عمرو بن العاص وقال له:إن الملك قد كره ما فعلت وعَجَّزني وكتب إليّ وإلى جماعة الروم ألا نرضى بمصالحتك وأمرهم بقتالك حتى يظفروا بك أو تظفر بهم ولم أكن لأخرج مما دخلت فيه وعاقدتك عليه وإنما سلطاني على نفسي ومن أطاعني، وقد تم صلح القبط بينك وبينهم ولم يأتِ من قِبَلِهم نقض، وأنا متم لك على نفسي، والقبط متمون لك على الصلح الذي صالحتهم عليه وعاهدتهم، وأما الروم فأنا منهم براء. وأنا أطلب إليك أن تعطيني ثلاث خصال".
    قال عمرو "ما هن ؟"
    قال: لا تنقض بالقبط وأدخلني معهم وألزمني ما لزمهم وقد اجتمعت كلمتي وكلمتهم على ما عاهدتك عليه فهم يتمون لك على ما تحب، وأما الثانية إن سألك الروم بعد اليوم أن تصالحهم فلا تصالحهم حتى تجعلهم فيئًا وعبيدًا فإنهم أهل ذلك لأني نصحتهم فاستغشوني ونظرت لهم فاتهموني، وأما الثالثة أطلب إليك إن أنا مت أن تأمرهم يدفنونني في أبي يُحَنَّس بالإسكندرية". فقال عمرو: هذه أهونهن علينا ".
    فأنعم له عمرو بن العاص بذلك، وأجابه إلى ما طلب على أن يضمنوا له الجسرين جميعًا ويقيموا له الأضياف والأنزال والأسواق والجسور ما بين الفسطاط إلى الإسكندرية ففعلوا.



    يتــــــــــبع

    اللهم أنت أعلم بى من نفسى ، وأنا أعلم بنفسى منهم
    اللهم إجعلنى خيرا مما يظنون ، واغفر لى مالا يعلمون ولا تؤاخذنى بما يقولون

    البحث على جميع مواضيع العضو المشتاق لرحيق الجنه

  3. #13
    تاريخ التسجيل
    13 - 8 - 2008
    ساكن في
    ارض الله الواسعه
    العمر
    39
    المشاركات
    232
    النوع : ذكر Egypt

    افتراضي


    الفتح الاسلامى للاسكندرية

    مقدمة
    كانت الإسكندرية عاصمة لمصر منذ أنشأها الإسكندر الأكبر في شتاء عام 332- 331 ق.م عند بلدة راكوتيس Rakotis التى يرجع تاريخها إلى 1500ق.م كما أضاف ضاحية نيوبوليس New Polis إلى غربها، وقد أقامها لتحل محل naukratis كمركز للثقافة اليونانية في مصر، وفي العصر الرومانى صارت المدينة الثانية بعد روما وبقيت تحت سلطان الرومان أكثر من قرن من الزمان ثم نما حجم الإسكندرية وأنشأ البطالمة فيها المتحف والمكتبة التى حوت 500.000 مجلدًا، وفيها تم ترجمة التوراة (العهد القديم Old testament) إلى اليونانية وصارت الإسكندرية مركزًا للتجارة بين دول أوروبا والشرق، واستمر ذلك الحال حتى دُمِّرَ المتحف والمكتبة خلال الحرب الداخلية في القرن الثالث الميلادي، كما أحرق المسيحيون مكتبة فرعية عام 391م، وأنشأ أوكتافيوس مدينته المنافسة قريبا من الرمل وأخذت أهمية خاصة في عصرها المسيحي من ناحية الفكر اللاهوتى للحكومة، وفي عام 616م استولى عليها الفرس من البيزنطيين، واستعادها البيزنطيون حتى فتحها المسلمون عام 21هـ/ 642م


    *************** ***********

    الزحف الى الاسكندرية ومعاونة الاقباط للمسلمين
    بعد سقوط حصن بابليون في أيدي المسلمين أقاموا به، ثم كتب عمرو بن العاص إلى عمر بن الخطاب – رضي الله عنهما – يستأمره في الزحف إلى الإسكندرية فكتب إليه عمر يأمره بذلك . وقد استخلف عمرو بن العاص على ما فتح خارجةَ بن حذافة السهمي، وسار على رأس من معه.
    ثم حدث بعد ذلك أمران مهمان، وهما:
    - جاء إلى الروم إمدادات كثيرة .
    - أصبح للقبط موقف واضح ألا وهو تعاونهم مع المسلمين .
    خرج عمرو بن العاص بالمسلمين حين أمكنهم الخروج، وخرج معه جماعة من رؤساء القبط وقد أصلحوا لهم الطرق وأقاموا لهم الجسور والأسواق، وصارت القبط لهم أعوانًا على ما أرادوا من قتال الروم، وسمع بذلك الروم فاستعدوا واستجاشوا، وقدم عليهم مراكب كثيرة من أرض الروم فيها جموع كثيرة منهم بالعدة والسلاح، فخرج إليهم عمرو بن العاص من بابليون متوجها إلى الإسكندرية فلم يلقَ منهم أحدًا حتى بلغ ترنوط فلقي بها طائفة من الروم فقاتلوه قتالاً خفيفًا فهزمهم الله ومضى عمرو بن العاص بمن معه حتى لَقِيَ جمع الروم بكوم شريك، فاقتتلوا به ثلاثة أيام ثم فتح الله للمسلمين، وولى الروم مدبرين .
    وتجمع الروم والقبط دون الإسكندرية ببلدة كريون وفيهم من أهل سخا وبلهيت والخيس وسلطيس وغيرهم، وهذا يخالف الروايات الصحيحة التى ذكرت أن القبط كانوا أعوانًا للمسلمين مثل رواية ابن عبد الحكم في كتابه "فتوح مصر وأخبارها" ولذلك نذهب إلى أن أهل هذه القرى قام الروم بتجنيدهم وحشرهم ليقاتلوا معهم..وأثخن المسلمون الرومَ، وقتلوا منهم مقتلة عظيمة، وطاردوهم حتى بلغوا الإسكندرية فتحصنوا بها.
    وكانت عليهم حصون لا تُرَامُ: حصن دون حصن، فنزل المسلمون ما بين حلوة إلى قصر فارس إلى ماوراء ذلك ومعهم رؤساء القبط يمدونهم بما احتاجوا إليه من الأطعمة والعلوفة.
    وقد ذكرنا من قبل أن فتح بابليون كان يوم الجمعة 29 من ذي الحجة 20 هـ / 7 ديسمبر 641 م، وتقول الروايات إن عمرو بن العاص ظل أمام الإسكندرية مُحاصِرا لها ثلاثة أشهر، وتعنى هذه الروايات أن المسلمين قطعوا ما بين بابليون حتى الإسكندرية في ستة أشهر، ثم أقاموا أمامها ثلاثة أشهر، وعلى ذلك يكون وصول المسلمين إلى الإسكندرية كان نحو 19 من جمادى الآخرة 21 هـ / 23 مايو 642 م، ويكون فتحها حدث نحو 19 رمضان 21 هـ / 19 أغسطس 642 م، وقد ذكر خليفة بن خياط في تاريخه أن فتحها كان سنة 21 هـ على يد عمرو بن العاص – رضي الله عنه-


    *************** ***********

    احكام الحصار على حصن كريون
    فر الرومان نحو الإسكندرية، وكان حصن كريون آخر سلسلة الحصون قبل الإسكندرية وقد اعتصم به "تيودور" قائد الجيش البيزنطي مع حامية قوية، وبعد أن تمكن المسلمون من اقتحامه فَرَّ "تيودور" وبعض أفراد حاميته إلى الإسكندرية.
    وقد أدرك عمرو – رضي الله عنه – فور وصوله إلى الإسكندرية ودراسته للوضع الميداني أن المدينة حصينة إذ يحيط بها سوران محكمان، ولها عدة أبراج، ويحيط بها خندق يُمْلأُ من ماء البحر عند الضرورة للدفاع، وتتألف أبوابها من ثلاث طبقات من الحديد، ويوجد مجانيق فوق الأبراج، ومكاحل وقد بلغ عدد جنود حاميتها بعد الإمدادات التي أرسلها الإمبراطور البيزنطي خمسين ألف جندي، ويحميها البحر من الناحية الشمالية، وهو تحت سيطرة الأسطول البيزنطي، الذي كان يمدها بالمؤن والرجال، والعتاد، وتحميها قريوط من الجنوب ومن المتعذر اجتيازها، وتلفها ترعة الثعبان من الغرب، وبذلك لم يكن للمسلمين طريق إليها إلا من ناحية الشرق وهو الطريق الذي يصلها بكريون، وكانت المدينة حصينة من هذه الناحية، ومع ذلك لم ييأس ووضع خطة عسكرية ضمنت له النصر في النهاية، قضت بتشديد الحصار على المدينة حتى يتضايق المدافعون عنها ويدب اليأس في نفوسهم، فيضطرون للخروج للاصطدام بالمسلمين لتخفيف وطأة الحصار، وهكذا يستدرجهم ويحملهم على الخروج من تحصيناتهم ثم ينقض عليهم
    ونتيجة لاشتداد الصراع في القسطنطينية بين أركان الحكم انقطعت الإمدادات البيزنطية عن الإسكندرية، إذ لم يعد أحد منهم يفكر في الدفاع عنها، مما أَثَّرَ سلبًا على معنويات المدافعين عنها فرأوا أنفسهم معزولين ولا سند لهم، ومما زاد من مخاوفهم ما كان يقوم به المسلمون من غارات على قرى الدلتا والساحل فإذا سيطروا عليها فسوف يقطعون الميرة عنهم.وكان عمر بن الخطاب – رضي الله عنه – فى المدينة ينتظر أنباء فتح مصر، وهو أشد ما يكون استعجالاً لنبأ سقوط الإسكندرية في أيدي المسلمين، ولكن هذا النبأ أبطأ عنه أشهرًا، فذهب يبحث عن السبب وهو لم يقصر عن إمداد عمرو بما يحتاج إليه من المساندة التى تكفل له النصر، وخشي أن تكون خيرات مصر قد غَرَّت المسلمين فتخاذلوا،وقال لأصحابه :" ما أبطأوا بفتحها إلا لما أحدثوا" – أى لما أحدثوا من ذنوب – وكتب إلى عمرو بن العاص:
    "أما بعد فقد عجبتُ لإبطائكم عن فتح مصر، إنكم تقاتلونهم منذ سنتين، وما ذاك إلا لما أحدثتم وأحببتم من الدنيا ما أحب عدوكم، وإن الله تبارك وتعالى لا ينصر قومًا إلا بصدق نيّاتهم وقد كنت وجهت إليك أربعة نفر، وأعلمتك أن الرجل منهم مقام ألف رجل على ما كنت أعرف، إلا أن يكونوا غيَّرَهم ما غيّر غيرهم،فإذا أتاك كتابي هذا فاخطب الناس، وحُضَّهم على قتال عدوهم، وَرَغِّبْهم فى الصبر والنية، وقَدِّم أولئك الأربعة فى صدور الناس، ومُرِ الناس جميعًا أن يكون لهم صدمة كصدمة رجل واحد، وليكن ذلك عند الزوال يوم الجمعة،فإنها ساعة تنزل الرحمة، ووقت الإجابة، وليعج الناسُ إلى الله ويسألوه النصر على عدوهم "
    وعندما أتى عَمْرًا الكتابُ جمعَ الناسَ، وقرأ عليهم كتاب عُمَرْ، ثم دعا أولئك النفر، فقدمهم أمام الناس وأمر الناس أن يتطهروا، ويصلوا ركعتين، ثم يرغبوا إلى الله عز وجل ويسألوه النصر؛ ففعلوا ففتح الله عليهم ويقال: إن عمرو بن العاص استشار مسلمة بن مخلد فى قتال الروم بالإسكندرية، فقال له مسلمة : أرى أن تنظر إلى رجل له معرفة وتجارب من أصحاب رسول الله – صلى الله عليه وسلم – فتعقد له على الناس،فيكون هو الذى يباشر القتال ويكفيك، قال عمرو : ومن ذلك ؟ قال: عبادة بن الصامت، فدعا عمرو عبادة فأتاه وهو راكب فرسه، فلما دنا منه أراد النزول، فقال له عمرو : عزمت عليك لا تنزل؛ فَنَاوِلْنِي سِنَانَ رُمحِك فناوله إياه، فنزع عمرو عمامته عن رأسه وعقد له، وولاه قتال الروم، فتقدم عبادة مكانه، فقاتل الروم حتى فتح الله على يديه الإسكندرية من يومهم ذلك . يقول جنادة بن أبي أمية: دعاني عبادة بن الصامت يوم الإسكندرية، وكان على قتالهم فأغار العدو على طائفة من الناس ولم يأذن لهم بقتالهم، فسمعني فبعثني أحجز بينهم، فأتيتهم فحجزت بينهم، ثم رجعت إليه، فقال: أَقُتِلَ أَحَدٌ من الناس هنالك؟ قلت: لا . فقال: الحمد لله الذي لم يقتلْ أحدًا منهم عاصيًا..
    لقد عانت الإسكندرية من الحصار،وأَدَّى ذلك إلى هبوط معنويات الجند والقادة، خاصة بعد وفاة هرقل، فأسرع المقوقس بالسفر إلى مصر على رأس لتسليم المدينة، ورافقه عدد من القساوسة..وبذلك فتح الله الإسكندرية على المسلمين..


    *************** **************

    صورة رائعه من حضارة المسلمين فى التعامل مع الاعداء
    تم هذا الفتح عنوة، ولكن عمرًا جعل أهلها ذمة على أن يخرج من يخرج، ويقيم من يقيم باختيارهم .شأن المسلمين مع أهالي معظم البلاد التي فتحوها، وإنما عامل عمرو المصريين معاملة من فُتِحَتْ بلادُهم صلحًا ليستجلب محبتهم. وتتألف الهدنة التي عقدها المقوقس مع عمرو بن العاص من أمرين:
    الأمر الأول: شروط تسليم مدينة الإسكندرية ومنها:
    - أن يدفع أهل الإسكندرية الجزية المستحقة عليهم دينارين كل عام.
    - أن يحافظ المسلمون على الكنيسة المسيحية فلا يتعرضون لها بسوء، ولا يتدخلون في شئونها.
    - أن يتمتع أهل الإسكندرية بالحريات الدينية.
    - أن تعقد هدنة مدتها 11 شهرًا يبقى المسلمون في أثنائها عند مواقعهم الأولى.
    - أن يكف الروم عن القتال و ألا يحاولوا استرداد مصر ولا تعود إليها قوة حربية.
    - أن ينسحب البيزنطيون ويأخذون معهم أموالهم وأمتعتهم عن طريق البحر.
    إذا تم الانسحاب دخلت قوات المسلمين واحتلت المدينة.
    - أن يكون عند المسلمين من الروم 150 جنديًا ، و50 مدنيا رهينة لتنفيذ
    المحافظة على الجالية اليهودية . وكان عددها عظيما .
    - أن يرحل جند الروم من الإسكندرية في البحر على أن يحملوا متاعهم وأموالهم،ومن أراد الرحيل برًا، فليدفع كل شهر جزءًا معلوما ًمن المال ما بقي في أرض مصر أثناء رحلته.
    الأمر الثاني: أن المعاهدة القديمة التي عقدها المقوقس مع عمرو بن العاص – رضي الله عنه – بحصن بابليون، ستطبق على القطر المصري كله، وتصبح معاهدة يدخل فيها جميع المصريين من حيث تأمين أهل مصر على أنفسهم ومِلَّتهم وأموالهم وكنائسهم وصُلُبِهم وبَرِّهم وبحرهم بما يضمن منح المصريين حقوقهم وحرياتهم، وقد حمل "قيرس"شروط الصلح إلى "تيودور"وهو القائد الأعلى للجيش للموافقة عليها، وأُرسِلت إلى قنسطانز فأقرها،ولكن الروم بعد ذلك لم يحترموا هذه المعاهدة؛ فقد أرسل الإمبراطور جيشًا بقيادة "مانويل"فاح تلها وقتل حاميتها.
    وبالفعل تم تنفيذ الاتفاق، وأخلى الروم الإسكندرية، ورحلوا عنها قبل حلول الموعد المحدد لانتهاء الهدنة بين الطرفين إذ تم إخلاؤها بتاريخ (السابع عشر من سبتمبر سنة 642 م.وقد حرص عمرو بن العاص – رضي الله عنه – على تأمين الإسكندرية من هجمات الأعداء المباغتة، فجعل نصف جنده معه بالفسطاط، وأمر النصف الآخر بالمرابطة بسواحل مصر . خاصة الإسكندرية، بحيث يتم ذلك بالتبادل صيفًا وشتاءً _مدة ستة أشهر لكل فريق مع توفير المساكن اللازمة للإقامة هناك.
    وبعد أن فرغ المسلمون من فتح مصر رأى عمرو بن العاص – رضي الله عنه – ضرورة تأمين حدودها من جهة الغرب، وبخاصة أن الروم قد أُجبِرُوا على الخروج منها، وهم يتحينون الفرصة لاستعادتها، ولما كانوا يبسطون نفوذهم وسلطانهم على المناطق التي تقع غرب مصر حتى المحيط الأطلنطي، كان لابد من تأمين تلك الحدود، لذلك كان من الضروري استمرار الفتح غربًا لارتباط تلك المناطق الوثيق بمصر.
    فقد كانت أنطابلس (برقة) وطرابلس قد انفصلتا عن الإمبراطورية البيزنطية منذ عهد موريس (582 -602م) . وكانتا شبه مستقلتين وتابعتين لمصر رسميًا، وأيدتا "جريجوريوس" لدى انفصاله عن الإمبراطورية البيزنطية .


    يتــــــــــبع




    اللهم أنت أعلم بى من نفسى ، وأنا أعلم بنفسى منهم
    اللهم إجعلنى خيرا مما يظنون ، واغفر لى مالا يعلمون ولا تؤاخذنى بما يقولون

    البحث على جميع مواضيع العضو المشتاق لرحيق الجنه

  4. #14
    تاريخ التسجيل
    13 - 8 - 2008
    ساكن في
    ارض الله الواسعه
    العمر
    39
    المشاركات
    232
    النوع : ذكر Egypt

    افتراضي



    اعادة فتح الإسكندرية (25 هـ = 645 م)

    لم يكد عبد الله بن سعد بن أبي سرح يستقر في ولاية مصر حتى غدر الروم فيها،وكتب الروم من أهل الإسكندرية إلى الإمبراطور قسطنطين بن هرقل يصفون له ما كانوا عليه من الذلة، ويهونون عليه فتح الإسكندرية لقلة من كان بها من حامية المسلمين،فأنفذ قسطنطين قائده الأرمني "مَنَويل"إل ى الإسكندرية على رأس جيش كثيف،فاستولى عليها،وأخذ هو وجنده،ومن انضم إليهم من الروم المقيمين في الوجه البحري يعيثون في هذه البلاد حتى بلغوا مدينة نقيوس،ولم يرحب القبط بعودة بلادهم إلى الروم يسومونهم الخسف لمظاهرتهم العرب المسلمين،ورضائه م عن حكمهم من جهة،ولما كان بينهم وبين الروم من الخلاف المذهبي من جهة أخرى،ولهذا كتب القبط إلى الخليفة عثمان يلحون في إسناد حروب الروم إلى عمرو بن العاص لما كسبه في حروبه معهم من خبرة،فولى عثمان عمرًا الإسكندرية وعهد إليه بحرب الروم،وإخراجهم من مصر،وفي مدينة نقيوس دار القتال بين جند عمرو،وجند مانويل في البر والنهر،وكثر الترامى بالنشاب حتى عقر فرس عمرو فنزل عنه ثم خرجوا من النهر فاجتمعوا هم والذين في البر،فنضحوا المسلمين بالنشاب فاستأخر المسلمون عنهم شيئًا،وحملوا على المسلمين حملة ولَّى المسلمون منها،وانهزم شريك بن سمى في خيله .
    شد المسلمون علي الروم فكانت هزيمتهم، فطلبهم المسلمون حتى ألحقوهم بالإسكندرية، ففتح الله عليهم وقتل مَنَويل الخَصِيّ ،وأمعن عمرو بن العاص - رضي الله عنه- في قتلهم، فكُلِّمَ في ذلك فأمر برفع السيوف عنهم، وبنى في ذلك الموضع الذي رفع فيه السيف مسجدًا،وهو المسجد الذي بالإسكندرية ويقال له: الرحمة، وإنما سُمِّيَ الرحمة لرفع عمرو بن العاص السيف هنالك..
    وكان فتح الإسكندرية الثاني عنوة قسرًا في خلافة عثمان بن عفان –رضي الله عنه – سنة 25هـ،أما فتحها الأول فقد كان في سنة 21هـ.
    وقد ارتبط بفتح الإسكندرية قضية حساسة أثارها بعض المتأخرين من المؤرخين ألا وهي إحراق مكتبة الإسكندرية.

    براءة المسلمين من تهمة إحراق مكتبة الإسكندرية
    لقد خاض بعض المتأخرين من المؤرخين في مسألة مكتبة الإسكندرية،وناق ش هذه القضية كثير من المستشرقين مثل جبون وبتلر وسديولوت وغيرهم ولكنهم لم يجزموا فيها برأي، وارتاب بعضهم في صحة تهمة إحراق هذه المكتبة التي وُجِّهَت إلى عمرو بن العاص بأمر من الخليفة عمر بن الخطاب.
    ويجزم الدكتور جوستاف لوبون في "حضارة العرب" ص 213، بخرافة القصة :"وأما إحراق مكتبة الإسكندرية المزعوم، فمن الأعمال الهمجية التي تأباها عادات العرب والمسلمين، والتي تجعل المرء يسأل:كيف جازت هذه القصة على بعض العلماء الأعلام زمنًا طويلاً ؟! وهذه القصة دحضت فى زماننا فلا نرى أن نعود إلى البحث فيها، ولا شيء أسهل من أن نثبت بما لدينا من الأدلة الواضحة أن النصارى هم الذين أحرقوا كتب المشركين في الإسكندرية قبل الفتح الإسلامي".
    وكذلك جاك .س .ريسلر في ص 100، 101 من الحضارة العربية حيث اعتبر : حريق الإسكندرية أسطورة . وإذا رجعنا إلى المؤرخين المعاصرين للفتح الإسلامي لمصر مثل "أوتيخا" الذى وصف فتح مصر بإسهاب فلن نجد ذكرًا لهذه التهمة .
    كما أنهالم ترد في كتب الأقدمين : كاليعقوبي والبلاذرى، وابن عبد الحكم والطبري، والكندي، ولا في تاريخ من جاء بعدهم وأخذ منهم: كالمقريزي وأبي المحاسن، والسيوطي وغيرهم.
    وأول من نسب الحريق إلى عمرو بن العاص هو عبد اللطيف البغدادي (629هـ =1231م) ومن بعده ابن القفطي (646 هـ = 1248م) ثم أوردها أبو الفرج غريغوريوس الملطي "وهو ابن العبري " دون ذكر السند

    ودلل المؤرخون الذين أخذوا عن هؤلاء حديثًا للأمر بما يلي:
    الدليل الأول: بأن المسلمين كانت لهم رغبة عظيمة في محو كل كتاب غير القرآن والسنة.
    إن رواية الحريق لم يروها أبو الفرج فقط،بل رواها أيضا مؤرخان مسلمان: البغدادي وابن القفطي.
    أحرق الفاتحون كتب الفرس، كما ذكر حاجي خليفة في كتابه كشف الظنون.
    إن إحراق الكتب كان أمرًا معروفًا وشائعًا يتشفى به كل مخالف ممن خالفه في رأيه،كما عمل هولاكو التتري سنة 656هـ، بإلقاء خزائن الكتب في دجلة .

    ونحن نجيب بأن:
    الدليل الأول:غير مُسَلَّم به،لأنه المعروف من أخلاق المسلمين أنهم كانوا يشجعون العلم،بدليل ما ذكره أبو الفرج من أن عمرو بن العاص كان يُصغِي إلى أقوال يوحنا النحوي.

    والدليل الثاني:وهو أن أبا الفرج لم يروِ هذه الرواية وحده،بل رواها أيضًا البغدادي وابن القفطي،وهما مؤرخان إسلاميان عظيمان،فيمكن دحضه بما سنورده بعد قليل في مناقشة ما ذكره أبو الفرج لأنهم عاشوا في عصر واحد،وروايتهم واحدة تقريبًا،ولا يبعد أن يكونوا قد أخذوا عن مصدر ضائع معادٍ للعرب والإسلام.

    والدليل الثالث: لم نَرَ من المؤرخين من ذكره إلا حاجي خليفة، ومثل هذا المؤرخ لا يُؤخَذُ بكلامه ولا يعول عليه في المسائل التاريخية المقدمة، لأنه توفي سنة (1067هـ = 1657 م) . فلو أن المسلمين أحرقوا هذه المكاتب لذكر ذلك المؤرخون الذين تقدموا حاجي خليفة .

    والدليل الرابع:لا يثبت دعواهم لأنه لا يقاس هولاكو بعمر بن الخطاب، ولا يقاس من جاء ليحصد الحضارات عامة،بمن قام بنشر الحضارة في العالم.

    وقد أسهب بعض المؤرخين المحدثين في تفنيد رواية الإحراق
    لا سيما رواية أبي الفرج،وذكروا ما يدل على أن عمرًا وعمر بريئان مما نسب إليهما،وهذه هي رواية أبي الفرج عن كيفية الحريق على يد عمرو بن العاص قال:
    "كان في وقت الفتح رجل اكتسب شهرة عظيمة عند المسلمين يسمى بيحيى المعروف عندنا "بغرماطيقوس " أي النحوي وكان إسكندريًا، وعاش إلى أن فتح عمرو بن العاص مدينة الإسكندرية، ودخل على عمرو وقد عرف موضعه من العلوم، فأكرمه عمرو وسمع من ألفاظه الفلسفية - التي لم تكن للعرب بها أنسة - ما هاله ففتن به.
    وكان عمرو عاقلاً حسن الاستماع صحيح الفكر، فلازمه وكان لا يفارقه، ثم قال له يحيي يومًا: إنك قد أحطت بحواصل الإسكندرية وختمت على كل الأشياء الموجودة بها، فما لك به انتفاع فلا أعارضك فيه، وما لا انتفاع لك به فنحن أولى به، فقال له عمرو: وما الذى تحتاج إليه ؟ قال: كتب الحكمة التي في خزائن الملوكية،فقال له عمرو: لا يمكنني أن آمر إلا بعد استئذان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب . وكتب إلى عمر وعرفه قول يحيي، فورد عليه كتاب عمر يقول فيه: وأما الكتب التي ذكرتها، فإن كان فيها ما يوافق كتاب الله، ففي كتاب الله عنه غنى، وإن كان فيها ما يخالف كتاب الله، فلا حاجة إليه فتقدم بإعدامها،فشرع عمرو بن العاص فى تفريقها على حمامات الإسكندرية وإحراقها في مواقدها فاستنفدت في ستة أشهر، فاسمع ما جرى واعجب "

    تفنيد الحجج حول رواية الإحراق
    - هذه الرواية أشبه بالخرافة، فقد ذكر فيها ابن العبري أن كتب المكتبة كفت أربعه آلاف حمَّام – وهى عدد حمامات الإسكندرية كما ذكرها ابن العبري – لمدة ستة أشهر، وهذا غير معقول فضلاً أن عمرًا لو قصد تدمير المكتبة لأحرقها فى الحال ولم يتركها تحت رحمة أصحاب الحمامات، وإلا لتمكن يوحنا النحوي الذي بنى ابن العبري روايته عليه من أخذ ما يلزم من هذه الكتب بثمن بخس، ولتسرب قسم كبير من الكتب ليظهر فيما بعد، وهذا ما لم يحدث.
    - كما ذكر "بتلر" أن يوحنا هذا مات قبل الفتح الإسلامي لمصر بثلاثين أو أربعين سنة .
    - لو كانت هذه الرواية صحيحة لتعرض لها المتقدمون من قريب أو بعيد ولو تليمحًا.
    - إن هذه المكتبة أصابها الحريق مرتين: الأولى سنة 48 ق.م. على أثر إحراق أسطول يوليوس قيصر، والثانية في عهد القيصر تيودوسيس وذلك عام 391 م .
    فنسجت هذه الحكاية على منوال الحريقين السابقين .
    - زار "أورازيوس " الإسكندرية في أوائل القرن الخامس الميلادي، فذكر أن رفوف المكتبة خالية من الكتب عند زيارته، وعلى ذلك فإن الكتب التي كانت بالمكتبة من عهد البطالمة لم يبق لها أثر منذ أواخر القرن الرابع الميلادي، أي منذ عهد الإمبراطور تيودوسيس . أى الحريق الثاني – كما أنه لم يرد لها ذكر في الآداب في القرنين السادس والسابع، ومن المعلوم أن حالة مصر قبيل الفتح الإسلامي – أى منذ أيام "دقلديانوس" – كانت حالة تأخر الزراعة والصناعة والعلوم والمعارف والآداب، فمن البعيد إذن أن يهتم الناس بإعادة هذه المكتبة إلى عهدها الأول .
    - إن التعاليم الإسلامية تخالف رواية القصة لأنها تحرم الكتب الدينية – اليهودية والمسيحية – وكذا غيرها لأنه يجوز أن ينتفع المسلمون بها،فالرواية مخالفة لعادات المسلمين الذين عرف عنهم عدم التعرض لما فيه ذكر الله .
    - ولو فرضنا أن هذه المكتبة بقيت إلى الفتح الإسلامي، ولم يكن هناك ما يمنع من نقلها إلى القسطنطينية على أيدي الروم في أثناء الهدنة التي عقدت مع المسلمين، وقد أجاز لهم عمرو عهد الصلح أن يحملوا كل ما يقدرون عليه، وكان لديهم من الوقت ما يمكنهم من نقل مكتبات لا مكتبة واحدة.
    - وقد أنهى أبو الفرج روايه بقوله: " فاسمع ما جرى واعجب " وهذا يعنى أنه أراد أن يدعونا إلى إحكام العقل بأنه ليس من الممكن أن يفعل عمر وعمرو هذا "اسمع واعجب"وهذا ما لا يريده.
    فكأنما يوحي لنا بكذب الخبر وإن لم يكن كذلك فلم يقول: اسمع واعجب؟!
    هذه فكرة،وفكرة أخرى يحملها المعنى،وهى أن يكون في نفس المؤلف ضغينة على عمر وعمرو فنسب إليهما هذه الفرية، وهو يدعونا إلى التعجب من شدة هذا الأمر .
    وعلى كلا الأمرين فإن إثارة العجب والدعوة إلى الاستماع فيها شيء من الإيحاء وعدم النزاهة،ويجعل ما سبق من الخبر فرية لا صحة لها.



    يتــــــــــبع






    اللهم أنت أعلم بى من نفسى ، وأنا أعلم بنفسى منهم
    اللهم إجعلنى خيرا مما يظنون ، واغفر لى مالا يعلمون ولا تؤاخذنى بما يقولون

    البحث على جميع مواضيع العضو المشتاق لرحيق الجنه

  5. #15
    تاريخ التسجيل
    13 - 8 - 2008
    ساكن في
    ارض الله الواسعه
    العمر
    39
    المشاركات
    232
    النوع : ذكر Egypt

    افتراضي


    الجوانب الحضارية

    مشاركة مصر في كشف الضر الذي نزل بالجزيرة العربية

    (عام الرمادة)

    عند التحدث عن عام الرمادة في عهد عمر، لابد من الإشارة إلى أن السياسة (الحكم) والاقتصاد (المالية) ركنان مهمان ومتلازمان من أركان الدولة القوية والناجحة.

    وما حصل في عام الرمادة في عهد عمر، هو أزمة قاسية لاقتصاد الدولة الإسلامية الفتية..

    وعام الرمادة هو البلاء والحدث الجسيم الذي فاجأ عمر وهو في صدد بناء الدولة الإسلامية الناشئة..

    ففي سنة 18هـ. حصل في الجزيرة العربية قحط دام تسعة أشهر، فسميت هذه السنة عام الرمادة، لأن الريح كانت تسفي ترابًا كالرماد، أو لأنه هلكت منه الناس والأموال.. والرمادة في اللغة الهلكة. واشتد الجوع في ذلك العام حتى جعلت الوحش تأوي إلى الإنس، وحتى جعل الرجل يذبح الشاة فيعافها من قبحها..

    وأصبحت الجزيرة العربية جدباء قاحلة، لا ماء ولا مرعى، ولا ماشية ولا طعام.

    وجاع الناس، وأحس عمر بجوع رعيته، ونهض لهذه الكارثة نهوضه لكل خطب، فأقسم ألا يذوق لحمًا ولا سمنًا حتى يكشف الله الضر وقال: كيف يعنيني شأن الرعية إذا لم يصبني ما أصابهم؟

    وبدأ عمر بمواجهة المشكلة داخليًا متجهًا إلى الله عز وجل، وإلى الأغنياء والموسرين من رعيته.. واستجلب القوت من كل مكان فيه مزيد من قوت، وجعل يحمله على ظهره مع الحاملين إلى حيث يعثر بالجياع والمهزولين العاجزين عن حمل أقواتهم، وآلى على نفسه وأهله لا يأكلون طعامًا أنقى من الطعام الذي يصيبه الفقير المحروم من رعاياه..

    وعن ابن عمر: "كان عمر بن الخطاب أحدث في زمان الرمادة أمرًا ما كان فعله، لقد كان يصلي بالناس العشاء ثم يخرج حتى يدخل بيته، فلا يزال يصلي حتى يكون آخر الليل، ثم يخرج فيأتي الأنقاب فيطوف عليها، وإني لأسمعه ليلة في السحر وهو يقول: اللهم لا تجعل هلاك أمة محمد على يدي"..

    ولم يقتصر عمر في مواجهة الأزمة على الالتجاء إلى الله فقط، بل كتب إلى الولاة والعمال في سائر الأمصار يطلب منهم النجدة والعون، يستعينهم ويستغيثهم لأهل المدينة ومن حولها، وكانت كتبه إليهم قصيرة عميقة التأثير منها:

    رسالته إلى عمرو بن العاص والي مصر

    "بسم الله الرحمن الرحيم: من عبد الله عمر أمير المؤمنين إلى العاصي ابن العاصي. سلام عليك، أما بعد أفتراني هالكًا ومن قبلي وتعيش أنت ومن قبلك؟ فيا غوثاه! يا غوثاه! يا غوثاه!"

    رد عمرو بن العاص والي مصر إلى عمر

    "بسم الله الرحمن الرحيم: إلى عبد الله أمير المؤمنين عمر بن الخطاب من عمرو بن العاص، سلام عليك، فإني أحمد إليك الله، الذي لا إله إلا هو. أما بعد، أتاك الغوث فلبيك لبيك، لقد بعثت إليك بعيرٍ أولها عندك وآخرها عندي، مع أني أرجو أن أجد سبيلاً أن أحمل في البحر"..

    فبعث في البر بألف بعير تحمل الدقيق، وبعث في البحر بعشرين سفينة تحمل الدقيق والدهن، وبعث إليه بخمسة آلاف كساء.

    وكتب إلى معاوية بن أبي سفيان والي الشام يقول: إذا جاءك كتابي هذا فابعث إلينا من الطعام بما يصلح قِبَلَنَا فإنهم قد هلكوا إلا أن يرحمهم الله.. فأرسل معاوية ثلاثة آلاف بعير من دمشق، وقدم أبو عبيدة بن الجراح من حمص بأربعة آلف راحلة محملة بالطعام.



    *************** *************



    حفر خليج أمير المؤمنين

    يعتبر حفر خليج أمير المؤمنين من الأعمال العمرانية العظيمة التي قام بها عمرو بن العاص رضي الله عنه في مصر، فعن طريقه تم ربط النيل بالبحر الأحمر بحر القلزم وشبه الجزيرة العربية، ولكن الروايات اختلف في شأن صاحب الفكرة الأولى في حفره..



    فقد ذكر ابن عبد الحكم في كتابة فتوح مصر والمغرب: أن عمر بن الخطاب كتب إلى عمرو بن العاص رضي الله عنهما أن يقدم عليه هو وجماعة من أهل مصر، فقدموا عليه، فقال عمر: يا عمرو إن الله قد فتح على المسلمين مصر، وهي كثيرة الخير والطعام، وقد ألقى في روعي، لما أحببت من الرفق بأهل الحرمين، والتوسعة عليهم حين فتح الله عليهم مصر وجعلها قوة لهم ولجميع المسلمين، أن أحفر خليجًا من نيلها حتى يسيل في البحر، فهو أسهل لما نريد من حمل الطعام إلى المدينة ومكة، فإن حمله على الظهر ببعد ولا نبلغ منه ما نريد، فانطلق أنت وأصحابك فتشاوروا في ذلك حتى يعتدل فيه رأيكم.



    فانطلق عمرو فأخبر بذلك من كان معه من أهل مصر فثَقُلَ ذلك عليهم، وقالوا: نتخوف أن يدخل في هذا ضرر على مصر، فنرى أن تعظم ذلك على أمير المؤمنين، وتقول له: إن هذا أمر لا يعتدل ولا يكون، ولا نجد إليه سبيلاً..



    فرجع عمرو بذلك إلى عمر، فضحك عمر حين رآه، وقال: والذي نفسي بيده لكأني أنظر إليك يا عمرو وإلى أصحابك حين أخبرتهم بما أمرنا به من حفر الخليج فثقل ذلك عليهم، وقالوا: يدخل في هذا ضرر على أهل مصر، فنرى أن تعظم ذلك على أمير المؤمنين وتقول له: إن هذا الأمر لا يعتدل، ولا يكون ولا نجد إليه سبيلاً..



    فعجب عمرو من قول عمر، وقال: صدقت والله يا أمير المؤمنين لقد كان الأمر علي ما ذكرت، فقال له عمر: انطلق يا عمرو بعزيمة مني حتى تجِدَّ في ذلك، ولا يأتي عليك الحول حتى تفرغ منه إن شاء الله، فانصرف عمرو، وجمع لذلك من الفَعَلَةِ ما بلغ منه ما أراد، ثم احتفر الخليج الذي في حاشية الفسطاط الذي يقال له: خليج أمير المؤمنين، فساقه من النيل إلى القلزم فلم يأت الحول حتى جرت فيه السفن، فحمل فيه ما أراد من الطعام إلى المدينة ومكة، فنفع الله بذلك أهل الحرمين، وسمي خليج أمير المؤمنين..



    *************** *************



    التسامح الديني



    وهذا جانب جديد من جوانب النزعة الإنسانية في حضارتنا الخالدة، جديد في تاريخ العقائد والأديان، وجديد في تاريخ الحضارات القديمة التي ينشئها دين معين أو أمة معينة.. لقد أنشأ الإسلام حضارتنا فلم يضق ذرعًا بالأديان السابقة، ولم يتعصب دون الآراء والمذاهب المتعددة، بل كان شعاره "فبشر عباد، الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه".(الزمر: 17ـ 18)، ومن أجل ذلك كان من مباديء حضارتنا في التسامح الديني:



    1ـ أن الأديان السماوية كلها تستقي من معين واحد: "شرع لكم من الدين ما وصى به نوحًا والذي أوحينا إليك وما وصينا به إبراهيم وموسى وعيسى أن أقيموا الدين ولا تتفرقوا فيه"..(الشورى: 13).



    2ـ وأن الأنبياء إخوة لا تفاضل بينهم من حيث الرسالة، وأن على المسلمين أن يؤمنوا بهم جميعًا: "قولوا آمنا بالله وما أنزل إلينا وما أنزل إلى إبراهيم وإسماعيل وإسحاق ويعقوب والأسباط وما أوتي موسى وعيسى وما أوتي النبيون من ربهم لا نفرق بين أحد منهم ونحن له مسلمون"..(البقر ة: 136)..



    3ـ وأن العقيدة لا يمكن الإكراه عليها بل لابد فيها من الاقتناع والرضا "لا إكراه في الدين".. (البقرة:256)، " أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين".. (يونس: 99)..



    4ـ وأن أماكن العبادة للديانات السماوية محترمة يجب الدفاع عنها وحمايتها كحماية مساجد المسلمين "ولولا دفع الله الناس بعضهم ببعض لهدمت صوامع وبيع وصلوات ومساجد يذكر فيها اسم الله كثيرًا"..(الحج: 40)..



    5ـ وأن الناس لا ينبغي أن يؤدي اختلافهم في أديانهم إلى أن يقتل بعضهم بعضًا، أو يتعدى بعضهم على بعض، بل يجب أن يتعاونوا على فعل الخير ومكافحة الشر "وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان".. (المائدة: 2) أما الفصل بينهم فيما يختلفون فيه فالله وحده هو الذي يحكم بينهم يوم القيامة: "وقالت اليهود ليست النصارى على شيء وقالت النصارى ليست اليهود على شئ وهم يتلون الكتاب كذلك قال الذين لا يعلمون مثل قولهم فالله يحكم بينهم يوم القيامة فيما كانوا فيه يختلفون"..(البق رة: 113)..



    6ـ وأن التفاضل بين الناس في الحياة وعند الله بمقدار ما يقدم أحدهم لنفسه وللناس من خيرٍ وبِرٍّ "الخلق كلهم عيال الله فأحبهم إليه أنفعهم لعياله" (رواه البزار).. "إن أكرمكم عند الله أتقاكم"..(الحجر ات: 13).



    7ـ وأن الاختلاف في الأديان لا يحول دون البر والصلة والضيافة: "اليوم أُحِلَّ لكم الطيباتُ وطعام الذين أوتوا الكتاب حِلٌّ لكم وطعامكم حل لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم".. (المائدة: 4).



    8ـ وإن اختلف الناس في أديانهم فلهم أن يجادل بعضهم بعضًا فيها بالحسنى، وفي حدود الأدب والحجة والإقناع: "ولا تجادلوا أهل الكتاب إلا بالتي هي أحسن"..(العنكبو ت: 46).. ولا تجوز البذاءة مع المخالفين، ولا سب عقائدهم ولو كانوا وثنيين: "ولا تسبوا الذين يدعون من دون الله فيسبوا الله عدوا بغير علم".. (الأنعام: 108)..



    9ـ فإذا اعتدى على الأمة في عقيدتها، وجب رد العدوان لحماية العقيدة ودرء الفتنة: "وقاتلوهم حتى لا تكون فتنة ويكون الدين لله".. (البقرة: 193)، "إنما ينهاكم الله عن الذين قاتلوكم في الدين وأخرجوكم من دياركم وظاهروا على إخراجكم أن تولوهم"..( الممتحنة: 9)..



    10ـ فإذا انتصرت الأمة على من اعتدى عليها في الدين، أو أراد سلبها حريتها، فلا يجوز الانتقام منهم بإجبارهم على ترك دينهم، أو اضطهادهم في عقائدهم، وحسبهم أن يعترفوا بسلطان الدولة ويقيموا على الإخلاص لها حتى يكون "لهم ما لنا وعيهم ما علينا"..



    هذه هي مباديء التسامح الديني في الإسلام الذي قامت عليه حضارتنا، وهي توجب على المسلم أن يؤمن بأنبياء الله ورسله جميعًا، وأن يذكرهم بالإجلال والاحترام، وأن لا يتعرض لأتباعهم بسوء، وأن يكون معهم حسن المعاملة رقيق الجانب، لين القول، يحسن جوارهم ويقبل ضيافتهم، وأوجب الإسلام على الدولة المسلمة أن تحمي أماكن عبادتهم، وأن لا تتدخل في عقائدهم، ولا تجور عليهم في حكم، وتسويهم بالمسلمين في الحقوق والواجبات العامة، وأن تصون كرامتهم وحياتهم ومستقبلهم كما تصون كرامة المسلمين وحياتهم ومستقبلهم..



    وعلى هدي الرسول الكريم في تسامحه الديني ذي النزعة الإنسانية الرفيعة سار خلفاؤه من بعده، فإذا بنا نجد عمر بن الخطاب وقد شكت إليه امرأة مسيحية من سكان مصر أن عمرو بن العاص قد أدخل دارها في المسجد كرها عنها، فيأل عمرًا عن ذلك؛ فيخبره أن المسلمين كثروا وأصبح المسجد يضيق بهم وفي جواره دار هذه المرأة، وقد عرض عليها عمرو ثمن دارها وبالغ في الثمن فلم ترضَ، مما اضطر عمرو إلى هدم دارها وإدخاله في المسجد، ووضع قيمة الدار في بيت المال تأخذه متى شاءت.. ومع أن هذا مما تبيحه قوانيننا الحضارة وهي حالة يعذر فيها عمرو على ما صنع، فإن عمر لم يرض ذلك، وأمر عمرًا أن يهدم البناء الجديد من المسجد ويعيد إلى المرأة المسيحية دارها كما كانت !



    هذه هي الروح المتسامحة التي سادت المجتمع الذي أظلته حضارتنا بمادئها، فإذا بنا نشهد من ضروب التسامح الديني ما لا نجد له مثيلًا في تاريخ العصور حتى في العصر الحديث!..



    فمن مظاهر التسامح الديني أن كانت المساجد تجاور الكنائس في ظل حياتنا الخالدة، وكان رجال الدين في الكنائس يعطون السلطة التامة على رعاياهم في كل شؤونهم الدينية والكنسية، لا تتدخل الدولة في ذلك، بل إن الدولة كانت تتدخل في حل المشاكل الخلافية بين مذاهبهم وتنصف بعضهم من بعض، فقد كان الملكانيون يضطهدون أقباط مصر في عهد الروم ويسلبونهم كنائسهم حتى إذا فتحت مصر رد المسلمون إلى الأقباط كنائسهم وأنصفوهم..



    أما حرية رجال الدين في طقوسهم وإبقاء سلطاتهم على رعاياهم دون تدخل الدولة في ذلك، فقد شعر المسيحيون من سكان البلاد بالحرية في ذلك ما لم يشعروا ببعضه في حكم الروم..



    *************** ****



    ابن عمرو بن العاص والقبطي

    يذكر ابن عبد الحكم أن رجلاً جاء إلى عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال له: يا أمير المؤمنين عائذ بك من الظلم، قال: عذت معاذًا، قال: سابقت ابن عمرو بن العاص فسبقته فجعل يضربني بالسوط، ويقول: أنا ابن الأكرمين، فكتب عمر إلى عمرو يأمره بالقدوم عليه هو وابنه، فقدما، فقال عمر: أين المصري؟

    خذ السوط فاضرب، فجعل يضربه بالسوط ويقول عمر:

    اضرب ابن الأكرمين، قال أنس: فضرب فو الله لقد ضربه ونحن نحب ضربه فما أقلع عنه حتى تمنينا أنه يرفع عنه، ثم قال عمر للمصري: ضع على صلعة عمرو، فقال: يا أمير المؤمنين، إنما ابنه الذي ضربني، وقد اشتفيت منه، فقال عمر لعمرو: مُذ كَمْ تعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارًا ؟ قال: يا أمير المؤمنين لم أعلم ولم يأتني..



    *************** *********



    وثيقة الصلح مع أهل مصر

    كانت وثيقة الصلح التي عقدها عمرو بن العاص رضي الله عنه مع أهل مصر إحدى مظاهر التسامح الديني، فقد تمتع المصريون من خلالها بحرية دينية كاملة لم يعهدوها من قبل،

    وهذا نص الوثيقة:

    "بسم الله الرحمن الرحيم: هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر، الأمان على أنفسهم وملتهم وأموالهم وكنائسهم وصلبهم، وبرهم وبحرهم، لا يدخل عليهم شيء من ذلك ولا ينتقص، ولا يساكنهم النوب، وعلى أهل مصر أن يعطوا الجزية إذا اجتمعوا على هذا الصلح، وانتهت زيادة نهرهم خمسين ألف ألف، وعليهم ما جنى لصوتهم، "لصوصهم" فإن أبى أحد منهم أن يجيب رفع عنهم الجزاء بقدرهم، وذمتنا ممن أبى بريئة، وإن نقص نهرهم من غايته إذا انتهى، رفع عنهم بقدر ذلك، ومن دخل في صلحهم من الروم والنوب، فله مثل مالهم، وعليه مثل ما عليهم، ومن أبى واختار الذهاب فهو آمن حتى يخرج مأمنه أو يخرج من سلطاننا عليهم ما عليهم أثلاثًا في كل ثلث جباية ثلث ما عليهم، على ما في هذا الكتاب عهد الله، وذمته وذمة رسوله، وذمة الخليفة أمير المؤمنين، وذمم المؤمنين، وعلى النوبة الذين استجابوا أن يعينوا بكذا وكذا رأسًا، وكذا وكذا فرسًا ومعونة على ألا يغزو ولا يمنعوا من تجارة صادرة ولا واردة..

    شهد الزبير وعبد الله ومحمد ابناه وكتب وردان وحضر"..



    وتبرز من خلال هذه الوثيقة مجموعة من المعطيات المهمة:

    1ـ ضمان الحرية الدينية، والتعهد بحماية ممتلكات الكنائس والأديرة.

    2ـ ربط قضية الجزية بالقدرة على دفعها، فإذا كانت السنة خيرة بعطائها الزراعي تم دفع الجزية بحسب ما هو مقرر "خمسين مليون" أما إذا كان الفيضان ضعيفًا وكان الإنتاج الزراعي قليلًا تم تخفيض الجزية بما يعادل "إجداب الأرض وضعف انتاجها"..

    3ـ تقسيم الجزية على ثلاثة أقساط بما يتوافق والتكوين الاقتصادي للإقليم..

    4ـ إعطاء الأمان لمن يرفض دفع الجزية حتى يغادر أرض مصر..

    5ـ شمول الجزية لمن يريد المصريون إدخاله في الجزية من أبناء الشعوب الأفريقية التي لم يفتح المسلمون بلادهم..

    6ـ إسقاط واجب الحرب عن المواطنين ممن يدفعون الجزية..

    7ـ إطلاق الحرية التجارية وحرية التنقل دون قيود.

    8ـ إعطاء ذمة الله ورسوله.





    يتـــــــــــــبع



    اللهم أنت أعلم بى من نفسى ، وأنا أعلم بنفسى منهم
    اللهم إجعلنى خيرا مما يظنون ، واغفر لى مالا يعلمون ولا تؤاخذنى بما يقولون

    البحث على جميع مواضيع العضو المشتاق لرحيق الجنه

  6. #16
    تاريخ التسجيل
    13 - 8 - 2008
    ساكن في
    ارض الله الواسعه
    العمر
    39
    المشاركات
    232
    النوع : ذكر Egypt

    افتراضي

    انشاء المدن الاسلامية
    مقدمة

    يعتبر تخطيط وإنشاء المدن الإسلامية من الأعمال العمرانية المهمة التي قام بها عمرو. لقد كان الهدف من إنشاء هذه المدن من أجل جند المسلمين وعائلاتهم في المناطق المفتوحة، ليكون الجند فيها مستعدين دائمًا للجهاد في سبيل الله وللدفاع عن حدود الدولة الجديدة ونقطة انطلاق عسكري لأي توسع إسلامي . وكان المسلمون قبل إنشاء المدن يقيمون بمساكن من القصب، فكانوا إذا غزوا نزعوا ذلك القصب وحزموه ووضعوه حتى يرجعوا من الغزو وإذا رجعوا أعادوا بناءه، فلم تزل الحال كذلك حتى كانت أوامر أمير المؤمنين ببناء المدن.
    وإذا ما بحثنا في تاريخ العرب المسلمين نرى أنهم حين خرجوا من شبه الجزيرة العربية فاتحين ورجال دعوة للدين الإسلامي، وبناة حضارة جديدة، كانوا قد تعودوا على الاستقرار في المدن كمكة والمدينة، ناهيك عن إقامتهم في المدن التي كانت قائمة في جنوبي الجزيرة العربية منذ الألف الثاني قبل الميلاد، وحضارات عرب سوريا قبل الإسلام كالأنباط والتدمريين والغساسنة واللخميين.

    لذلك يمكننا القول: إن العرب المسلمين حينما خرجوا فاتحين كانوا مهيئين لهذه النقلة التاريخية من طور البداوة إلى طور الحضارة، وهذا ما جسده بناء البصرة والكوفة ثم الفسطاط في عهد الخليفة عمر بن الخطاب.


    وفي ذلك نقول: إن الدعوة الإسلامية أحدثت ثورة دينية، وسياسية، واقتصادية. فقد تجاوز الإسلام بالعرب الحدود القبلية إلى حد ما، ثم وحدهم بحروب الردة في نطاق أمة واحدة، ودفعهم إلى الجهاد فأخرجهم من مواطنهم إلى آفاق جغرافية جديدة، ولم يعد المتتبع لسير حركة الفتوح يرى فيهم جماعات متعددة، وإنما يرى جماعة واحدة تملأ عقيدتها ما كان بينها من فراغ.



    وقد أُنشِئَتِ البصرة سنة 15هـ والكوفة سنة 17هـ والفسطاط سنة 21هـ..



    *************** ***********



    إنشاء الفسطاط


    تقع الفسطاط في إقليم مصر على ساحل النيل في طرفه الشمالي الشرقي، قبل القاهرة بحوالي ميلين، وكان النيل عندها ينقسم إلى قسمين. وموضعها كان فضاءً ومزارعَ بين النيل والجبل الشرقي ليس فيه من البناء والعمارة سوى حصن بابليون الذي يطل على النيل من بابه الغربي الذي يعرف بباب الحديد. واستفادت الفسطاط من موقعها على النيل بنتيجتين: فقد يسر النيل للأهالي سبل الحصول على الماء من جهة، وخدم توسعها العمراني من جهة ثانية، فتحكمت بطرق المواصلات التجارية الداخلية والخارجية بين مصر والشام، وبين مصر والحجاز. وقد اكتشف هذا الموقع الاستراتيجي الفراعنة والبابليون والرومان، فاتخذ منه الفراعنة مكانا لمدينة كبيرة جعلها البابليون مكانًا لاستقرارهم عند نزولهم في مصر، ثم اتخذه الرومان مقرأ لدفاعهم يصلون به الوجهين البحري والقبلي، ويدفعون منه كل معتدٍ خارجي على مصر، والفسطاط من حيث المناخ، تتبع المناخ شبه الصحراوي، فهي حارة نهارًا وباردة ليلًا، لا ينزلها المطر إلا نادرًا كما هو الحال في باقي إقليم مصر ما عدا الإسكندرية
    وبعد الصلح سار المسلمون إلى الإسكندرية وعاونهم القبط في أعمالهم ورحبوا بهم.. وعند حصن الإسكندرية اقتتلوا قتالاً شديدًا ثم تم لهم فتحها بعد حصار دام بضعة أشهر، وقبل أهل مصر الصلح..
    وعليه نشير إلى أن عمرو بن العاص حينما عزم على التوجه إلى الإسكندرية، أمر بنزع فسطاطه الذي ضربه قرب حصن بابليون فإذا فيه يمام قد فرخ فأقره كما هو.. وحينما فتح المسلمون الإسكندرية أراد عمرو بن العاص اتخاذها عاصمة ودار هجرة للمسلمين. فكتب إلى عمر بن الخطاب يستأذنه في ذلك، فسأل عمر رسول عمرو بن العاص : هل يحول بيني وبين المسلمين الماء؟ فأجابه: نعم. فكتب عمر إلى ابن العاص أن يرحل عن هذا المكان لأنه لا يريد أن يحول بينه وبين المسلمين الماء، لا في الصيف ولا في الشتاء.
    فتحول عمرو بن العاص إلى موضع فسطاطه القديم وذلك حينما استشار أصحابه أين ينزلون فأشاروا عليه بالنزول في هذا الموضع، وكان مضروبًا في موضح الدار التي تعرف بدار الحصى عند دار عمرو الصغرى، ثم انضمت إليه القبائل وتنافست في المواضع، واختط عمرو المسجد الجامع الذي عرف بتاج الجوامع، وكان حوله حدائق وأعناب، وقام عمرو بنصب الحبال مع أصحابه حتى استقامت، وقد اشترك في وضع قبلة المسجد من ثمانين صحابيًا، واتخذوا فيه منبرًا ثم اختط الناس بعد اختطاط المسجد الجامع، ونزل المسلمون الفسطاط بعد تمصيره سنة 21هـ.
    هذا وقد أنزل عمرو بن العاص القبائل العربية بالفسطاط، وبعد أن اختط المسجد الجامع، بنى للخليفة عمر دارًا عند المسجد، فكتب إليه عمر قائلًا: أنى لرجل بالحجاز تكون له دار بمصر؟!! وأمره أن يجعلها سوقًا للمسلمين، وتم ما أراده أمير المؤمنين وأصبحت هذه الدار تسمى بدار البركة.
    وسرعان ما اتخذت الفسطاط مظهر المدينة بجامعها الكبير و، وبأسواقها التجارية التي أحاطت به، وبدور السكن التي ارتفعت بمرور الزمن إلى خمس وسبع طبقات، وعظم أمرها واغتنت وكثر ساكنوها حتى قاربت ثلث بغداد مساحة، أي حوالي فرسخ على غاية الخصب والعمارة والحضارة. وبقيت دار الإمارة حتى سقطت الدولة الأموية وبنيت المعسكرات بظاهرها.
    وقد وُفِّقَ عمرو بن العاص في اختيار الموقع الاستراتيجي بناء الفسطاط سياسيًا وجغرافيًا، فالموقع الذي ضرب عليه عمرو فسطاطه كان موضعًا لمدينة قديمة اندثرت ثم ازدهرت ثانية مع دخول الإسلام لمصر، وإنما بنمط معماري جديد وبحياة وحضارة جديدتين، حتى أصبحت الفسطاط مع هذا كله مدينة جديدة زاهرة بكل ما يجعل شأن العواصم كبيرًا.
    وكان ذلك إيذانًا بدخول وادي النيل في الإسلام لتسطع من الفسطاط فيما بعد أنوار الحضارة العربية الإسلامية وأنوار الدين الإسلامي، ولتصبح فيما بعد قاعدة الفتوح الإسلامية في المغرب.
    وعن سبب التسمية نشير إلى أن عمرو بن العاص كما يذكر الطبري، وبعد فتح حصن بابليون أراد رفع الفسطاط والمسير إلى الإسكندرية .تمام فتح مصر، فإذا يمام قد فرخ في أعلاه فتركه على حاله وأوصى به صاحب الحصن و القصر..
    فلما فتح الإسكندرية وأراد الاستقرار بها نهاه عمر بن الخطاب عن ذلك وأوصاه باختيار موضع وسط يتيسر الاتصال به، فلم يجد عمرو أنسب من اختيار الموقع الملاصق لحصن بابليون لحصانته وموقعه وسأل أصحابه: أين تنزلون؟ قالوا: نرجع إلى موقع فسطاطه لنكون على ماء وصحراء. فعاد إليها ومَصَّرَها وأقطعها للقبائل التي معه، فنسبت المدينة إلى فسطاطه، فقيل: فسطاط عمرو. فالفسطاط على هذا النحو معسكر أو مخيم أو بيت من الشعر.
    ويذكر ابن قتيبة في كتابه عيون الأخبار أن العرب يقولون لكل مدينة: الفسطاط، ولذا سموا مصر بالفسطاط، ويستشهد على ذلك بحديث للرسول صلى الله عليه وسلم رواه أبو هريرة قال فيه: عليكم بالجماعة فإن يد الله على الفسطاط، أي المدينة.

    *************** ************

    تخطيط الفسطاط

    وعن تخطيط المدينة العمراني نشير إلى أن أول بناء اختطه عمرو بن العاص في الفسطاط كان مسجده الجامع، وكان مسجدًا كبيرًا شريف القدر شهير الذكر. ثم بنى عمرو داره الكبرى عند باب المسجد وكان يفصلها عن الجامع طريق، ثم اختط دارًا أخرى ملاصقة لها، وبنى حمام الفار (الذي سمي كذلك لصغر حجمه قياسًا بحمامات الروم الضخمة)، واختطت قريش والأنصار وأسلم وغفار وجهينة ومن كان قد اشترك في جيش المسلمين ممن لم يكن لعشيرته في الفتح اختطوا جميعًا حول المسجد الجامع ودار عمرو

    هذا وكانت هذه الخطط في الفسطاط بمثابة الحارات في القاهرة، واختط خارجة بن حذافة غربي المسجد، وبنى أول غرفة بمصر، والغرفة هي قاعة تعلو الدار وتطل على الطريق، وهي التي أمره عمر بن الخطاب بهدمها لكي لا يطلع على عورات جيرانه.

    أما الدار البيضاء التي استغرق بناؤها أربعين يومًا فاختطها عبد الرحمن بن عديس البلوي، وبُنِيَتْ لمروان بن الحكم حين قدم إلى مصر وكانت صحنًا وموقفًا لخيل المسلمين بين المسجد ودار عمرو. وبنى عمرو بن العاص لبني سهم دار السلسلة الواقعة غربي المسجد. واختطت ثقيف في الركن الشرقي للمسجد الجامع. واختط أبو ذر الغفاري دار العمد ذات الحمام، واختطت همذان الجيزة وحينما أخبر عمرو عمر بن الخطاب بذلك ساءه وكتب إلى عمرو يقول:

    كيف رضيت أن تفرق عنك أصحابك،لم يكن ينبغي لك أن ترضى لأحد من أصحابك أن يكون بينك وبينهم بحر، لا تدري ما يفاجئهم، فلعلك لا تقدر على غياثهم حتى ينزل بهم ما تكره، فاجمعهم إليك فان أبوا عليك وأعجبهم موضعهم فابن عليهم من فيء المسلمين حصنًا.

    وحينما لم يرجعوا ومن والاهم من رهطهم كيافع وغيرها بنى لهم عمرو الحصن سنة 22هـ.

    وكان يتوسط خطط الجيزة أرض فناء فسيحة، فلما قدمت الإمدادات زمن عثمان بن عفان، وفيما بعد ذلك، كثر الناس في هذه الأرض وكثر بنيانها حتى التأمت خطط الجيزة، وأصبحت امتدادًا للفسطاط وأرضًا منها.

    وكثرت بالفسطاط الحارات والأزقة والدروب، التي تعتبر مظهرًا من مظاهر التوسع العمراني والازدهار الاقتصادي، ويقول في ذلك جمال الدين الشيال اعتمادًا على حفريات الفسطاط لبهجت وعكوش: أنه كان يفصل بين منازل الفسطاط أنواع من الطرقات المختلفة الاتساع والامتداد فأكبرها لا يزيد عرضه عن ستة أمتار، وأضيقها لا يتجاوز مترًا ونصف المتر، وكان يطلق عليها بنسبة عرضها أو اتساعها أو طولها أو اتصالها اسم حارة أو درب أو زقاق، وكانت تسمى بأسماء القبائل التي نزلت بها أو باسم كبار العرب الذين سكنوها أو بأسماء الحرف والصناعات أو أنواع التجارة.



    *************** **********



    المساجد:

    جامع عمرو

    هو أول جامع أقيم في مصر، ويعرف بالجامع العتيق، وكان موضعه جبانة، وعندما نزل المسلمون في مكانه حاز موضعه قيسبة بن كلثوم التجيبي ونزله، وحينما رجع المسلمون من الإسكندرية إلى هذا المكان، سأل عمرو قيسبة في منزله هذا أن يجعله مسجدًا فتصدق به على المسلمين، فبُنِيَ في سنة 21هـ، وقد وقف على تحرير قبلته جمع كبير من جِلَّة الصحابة رضوان الله عليهم قال المقريزي: إنهم ثمانون رجلًا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم منهم: الزبير بن العوام، والمقداد بن الأسود، وعبادة بن الصامت، أبو الدرادء، وأبو ذر الغفاري، وغيرهم رضي الله عنهم، وكان طوله خمسين ذراعًا في عرض ثلاثين، ثم توالت الزيادات، إلى أن كانت سنة 212هـ، إذ أمر عبد الله بن طاهر والي مصر من قبل المأمون بتوسيعه، فزيد فيه مثله، وبذلك بلغت 5012 * 50120 مترًا..

    وكانت تقام فيه حلقات الدروس، بعضها للإرشاد، والآخر لدروس الفقه والحديث وعلوم القرآن والأدب، فكان جامعة إسلامية ذاع ذكرها في الآفاق، وصار يقصدها الطلاب من الأقطار المختلفة..

    ويروي ابن إسحاق أن عمرًا بنى بعد فتح الإسكندرية مسجدًا كان لا يزال باقيًا إلى عصره..





    يتـــــــــــــبع



    اللهم أنت أعلم بى من نفسى ، وأنا أعلم بنفسى منهم
    اللهم إجعلنى خيرا مما يظنون ، واغفر لى مالا يعلمون ولا تؤاخذنى بما يقولون

    البحث على جميع مواضيع العضو المشتاق لرحيق الجنه

  7. #17
    تاريخ التسجيل
    13 - 8 - 2008
    ساكن في
    ارض الله الواسعه
    العمر
    39
    المشاركات
    232
    النوع : ذكر Egypt

    افتراضي


    اوضاع مصر
    الاقتصادية والادارية والثقافية بعد الفتح


    الأوضاع الإدارية
    1ـ لم يغير المسلمون النظام الإداري المعمول به في مصر قبل الفتح، سواء على المستوى المركزي لإدارة الولاية أم على المستوى المحلي لإدارة الإقليم، اللهم إلا في حدود ضيقة استدعتها الضرورة والظروف، ولم تكن تلك السياسة نابعة من جهل العرب بالنظم الإدارية، أو رغبة في استمرار تدفق الضرائب إلى خزانة الخلافة كهدف يمكن الفتح من ورائه وإنما كان إبقاؤهم على النظام الإداري، نتيجة عدم معرفتهم باللغتين اليونانية والقبطية المستعملين في دواوين مصر، ثم احترام نصوص عهود الصلح التي تم التعهد فيها بالحفاظ على الحريات، وصون الممتلكات والأموال، وعدم التدخل في شئون الأقباط..
    فقد كان العرب على معرفة بالنواحي الإدارية، فمعظم جند الفتح من اليمن، وهي بلاد ذات حضارة معروفة، كما أن عمرو بن العاص رضي الله عنه له سابق خبرة بالنواحي الإدارية في عهد الرسول وأبي بكر، إضافة إلى ما عرفه عن بلاد الشام المفتوحة قبل مصر..
    2ـ كانت مصر مقسمة عند الفتح الإسلامي إلى ثمانين كورة (مركز) ينظمها قسمان رئيسيان: مصر العليا (الصعيد)، ومصر السفلى (الوجه البحري ـ الريف)..
    3ـ كان الوالي (أمير مصر) على قمة الجهاز الإداري، ويعين من قبل الخليفة وهو مسئول عن الأمن والدفاع عن مصر، ويؤم الناس في الصلاة، ويقيم الحدود، ويتلقى الأوامر من الخليفة، ويقوم بتنفيذها، وقد يجمع إلى جانب ذلك شئون المال (الخراج) فيجمع الضرائب، وينفق على مصالح الولاية، ثم يرسل الباقي إلى الخلافة (كما كان عمرو بن العاص يفعل في ولايته وقد يعاون الوالي في حكم البلاد شخص آخر (كما فعل عمر بن الخطاب في أواخر خلافته، عندما ولى ابن سعد على الصعيد)..
    4ـ أحيانًا يفصل بين السلطة التنفيذية والمالية كما حدث في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه إذ جعل عمرًا على الصلاة والحرب، وابن سعد على الخراج مما أدى إلى رفض عمرو ذلك، واحتجاجه بأنه لا يقبل أن يكون كماسك البقرة من قرنيها، بينما يحلبها غيره، فعزله عثمان، وجعل ابن سعد على مصر كلها..
    5ـ يقوم الوالي باختيار (صاحب الشرطة) الذي يحافظ على استقرار الأمن في الولاية، وقمع اللصوص والمجرمين، وبالنسبة للقضاء فقد كان الخليفة يقوم بتولية قاضي مصر، ويقوم الوالي بتنفيذ ذلك، فقد ولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قيس بن أبي العاص السهمي على قضاء مصر أول سنة 23هـ حتى وفاته في ربيع الأول من العام نفسه، فلما توفي أمر عمرًا بتولية كعب بن يسار بن ضنة العبسي، فلم يقبل المنصب تعففًا فولى مكانه عثمان بن قيس بن أبي العاص الذي توفي بعد قتل عثمان بن عفان سنة 35هـ/ 656م..
    وهكذا جمع الوالي في يده كل السلطات، وكان له نواب مساعدون في مختلف أقاليم الولاية، وكان الوالي يُسأَلُ عن كل شيء أمام الخليفة..
    6ـ ويلاحظ أن المسلمين تدخلوا في إدارة الكور ذات الأهمية الحربية كالموانيء والثغور، التي يُخشَى هجومُ الروم عليها، فكان عمرو يأمر بتواجد قائد حربي مسلم مع مسئولي الإدارة القدامى في تلك الكور، فكان وردان مولى عمرو حاكمًا على الإسكندرية، ومعه منياس من أهل البلاد، وتواجد المقداد بن الأسود في دمياط بعد فتحها، وكذلك أقام ابن سعد في الصعيد..
    ومن الكور المهمة على ساحل البحر الأبيض: (الفرما، وتنيس، ودمياط والإسكندرية، ورشيد)..
    وعلى البحر الأحمر: (القلزم، والقصير، وعيذاب).. وفي الجنوب ثغر أسوان..
    7ـ أما بخصوص النصارى فقد أمنهم عمرو على معتقداتهم، وأعاد البطريرك بنيامين إلى رئاسة القبط، وجعل له الإشراف على الأحوال الشخصية والدينية لأقباط مصر، وجعل إليه الفصل في منازعاتهم، إلا إذا أرادوا هم الاحتكام إلى القضاء الإسلامي، أو كان ثمة نزاع بين مسلم وقبطي، فليجأ إلى القاضي المسلم..


    *************** **********

    الأوضاع المالية
    يقول الدكتور ألفرد. ج ـ بتلر عن الحكم الروماني في مصر: "إن حكومة مصر الرومية لم يكن لها إلا غرض واحد، وهو أن تبتز الأموال من الرعية لتكون غنيمة للحاكمين، ولم يساورها أن تجعل قصد الحكم توفير الرفاهية للرعية أو ترقية حال الناس والعلو بهم في الحياة أو تهذيب نفوسهم أو إصلاح أمور أرزاقهم، فكان الحكم على ذلك حكم الغرباء لا يعتمد إلا على القوة ولا يحس بشيء من العطف على الشعب المحكوم"..
    هذه هي أوضاع مصر المالية في ظل الحكم الروماني، ولكن ماذا عن وضع مصر المالي في عهد عمرو بن العاص رضي الله عنه ؟
    نحب أن نقرر ـ باديء الأمر ـ أن المسلمين لم يأتوا إلى مصر لابتزاز أموال أهلها، ولا لاستنزاف ثرواتهم، وقد اتضح منذ المفاوضات المبكرة مع المقوقس أنهم ليسوا طلاب دنيا، ولا راغبي مال، وإنما هم أهل دعوة ورسالة سامية، وقد كانت هذه المعاني سياسة ثابتة في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه الذي كان يميل إلى فتح البلدان صلحًا إذا أمكن تجنب فتحها عنوة فقد ذكر عمرو جنده بما أوصى به عمر من التريث وقبول الصلح، وتقديم ذلك على القتل والفتح العمد، وكذلك بعد أن تسور الزبير حصن بابليون، وفتح بابه بالقوة، قال لعمرو: اقسم مصر، فقد فتحت بغير عهد، فرفض عمرو، فلما ألح الزبير على عمرو أن يقسمها كما قسم الرسول صلى الله عليه وسلم خيبر، سأل عمرو عمر، فقال: أقرها حتى يغزو منها حبل الحبلة..
    بل إنه عَامَلَ الإسكندرية معاملة ما فتح صلحًا رغم أنها فتحت عنوة، وقد اتضح من خلال بنود الاتفاقات المعاهدات التي عقدها المسلمون مع أهل البلاد أنهم يعدون بانتهاج سياسة عادلة، ويحفظون ممتلكات الناس، ويرعون حرمتهم، ولذلك فإنه لا غرو أن يسأل عمرو ـ بناء على طلب عمر ـ بنيامين النصيحة الخالصة لمعرفة أحسن السبل التي تدار بها شئون مصر الاقتصادية ويحقق الرخاء والاستقرار لأهلها، فقد كتب عمرو متسائلًا: من أين تأتي عمارة مصر وخرابها ؟
    فقال بنيامين: تأتي عمارتها وخرابها من وجوه خمسة: أن يستخرج خراجها في إبان أوان واحد عند فراغ أهلها من زروعهم، ويرفع خراجها في إبان واحد عند فراغ أهلها من عصر كرومهم، وتحفر في كل سنة خلجها، وتسد ترعها وجسورها، ولا يُقْبَلُ مَحْلُ أهلها لرأي: لا يُوَلَّى عليهم ظالم..
    فإذا فعل هذا عمرت، وإن عمل بخلافه خربت..
    ولعل ما ورد في نص الصلح الرسمي الذي عقد بين المسلمين والمقوقس بعد فتح الحصن ما يبين لنا بوضوح ملامح السياسة المالية للمسلمين في مصر..

    *************** **********

    الأوضاع الاقتصادية
    ـ الزراعة
    تعتمد مصر منذ القدم على حرفة الزراعة اعتمادًا أساسيًا، وقد كان المسلمون يعرفون خيرات مصر الوفيرة، فقد أُثِرَ عن عمرو بن العاص رضي الله عنه قوله: "ولاية مصر جامعة تعدل الخلافة".. وأثر عن ابنه عبد الله قوله: "من أراد أن يذكر الفردوس أو ينظر إلى مثله، فلينظر إلى أرض مصر حين يخضر زرعها، وتخرج ثمارها"..
    وقد اشتهرت مصر بزراعة الكثير من المحاصيل الزراعية مثل: القمح والخضروات والفاكهة والكتان، وإلى جانب الاهتمام بالزراعة كان الاهتمام بنظم الري، فقد أقام المصريون والمسلمون السدود والجسور، وحفروا الترع والخلجان، وقاسوا مياه فيضان النيل وبنوا القناطر..
    ومعلوم أن المسلمين مُنِعُوا في عهد عمر بن الخطاب رضي الله عنه من مزاولة الأنشطة الاقتصادية عامة خاصة الزراعة حتى لا ينشغل الجند عن واجبهم الأول الجهاد في سبيل الله، وكم أن في مقابل ذلك يكفل لهم عمر رضي الله عنه معاشهم ومعاش أولادهم وذويهم إلى جانب ما يحصلون عليه من غنائم حربية، وكان لا يسمح لهم بالخروج إلى الريف ومخالطة الناس إلا في وقت الربيع يرعون خيولهم ودوابهم، ثم يعودون إلى أماكن سكناهم ثانية..
    وقد ذكر ابن عبد الحكم: أن شريك بن سمى الغطفي عمل بالزراعة رغم نهي الخليفة عمر عن ذلك، فأرسله عمرو إلى المدينة، فتعهد أمامه ألا يعود مرة أخرى؛ فعفا عنه عمرو رضي الله عنه ورده إلى مصر ثانية..
    ومما يشهد بالخير للمسلمين من فاتحي مصر أنهم لم يصادروا أراضي القبط الزراعية، ولم يستولوا عليها لأنفسهم، وكان من أكبر مظاهر اهتمام المسلمين بالزراعة حرصهم على قياس مياه النيل، ومعرفة مدى ارتفاع الفيضان أو انخفاضه في كل عام، لما لذلك من أثر كبير في الزراعة وأسعار المحاصيل وحياة الناس، فبنى عمرو بن العاص رضي الله عنه مقياسًا للنيل.. بأسوان، وآخر في دندرة في ولايته الأولى وسينشيء مقياسًا ثالثًا في أَنصِنا في ولايته الثانية والأخيرة على مصر..
    ـ الصناعة
    مما لا جدال فيه أن اشتهار مصر بزراعة القطن والكتان ساعد على ازدهار صناعة المنسوجات القطنية والكتانية بها، وحذق صناعها في عمل الثياب، كما كانت كسوة الكعبة المشرفة الثمينة تجلب من قباطي مصر المشهورة، وهناك عدة مدن مصرية بالدلتا مشهورة بالغزل والنسيج مثل تنيس ودمياط والإسكندرية..
    وعرفت مصر بصناعة الورق عند الفتح الإسلامي، وكان ورق البردي معروفًا بمصر، ومستخدمًا في الكتابة، و موجودًا بكثرة في الدلتا والفيوم، ويغلب علي الظن أن المسلمين استخدموه، وطوعوه لمتطلبات حياتهم..
    ـ التجارة
    من الطبيعي أن تزدهر التجارة المصرية تبعًا لانتعاش الزراعة والصناعة، ومما لا شك فيه أن موقع مصر الممتاز بين الشرق والغرب ووجود نهر النيل وإسهامه في نقل السلع والبضائع جعل لمصر أهمية تجارية بالإضافة إلى سواحلها الممتدة على البحرين الأحمر والأبيض، وقد حظيت الفسطاط العاصمة والإسكندرية بأهمية تجارية كبرى، وساعد حفر خليج أمير المؤمنين في الربط بين بحر القلزم (الأحمر) ونهر النيل، فربط مصر بشبه الجزيرة العربية، ووصل القمح بسهولة إلى الحجاز عند القحط ووقوع المجاعات، كما قدمت تجارة وسلع آسيا، وشرق أفريقيا من توابل ودهون وعطور ولؤلؤ وجواهر غيرها، وعن طريق خليج الإسكندرية تأتي تجارة البحر الأبيض من أخشاب ومعادن كالحديد والنحاس وغيرها، وأخيرًا فقد وجدت في مصر أسواق كثيرة لتصريف السلع ومختلف الحرف..


    *************** *********

    الوضع الثقافي
    دخل صحابة رسول الله صلى الله عليه وسلم مصر على رأس الجيش الذي فتحها وكان على رأس الجيش كما نعلم عمرو بن العاص وابنه عبد الله والزبير بن العوام، والمقداد بن الأسود، وعبادة بن الصامت وعبد الله بن سعد بن أبي سرح، وعقبة بن عامر الجهني، وغيرهم كثير ممن لا يتسع المجال لذكرهم وحصرهم.
    ولا شك أن هؤلاء الصحابة البررة كانوا لا يتطلعون إلى التنعم بغنى مصر وثرائها، والتقلب في نعائمها، وإنما كانت لهم أهداف أغلى وأسمى من ذلك كله، ألا وهي تبليغ دعوة الإسلام نقية خالصة إلى العالمين، ومن هنا ندرك عظم الدور الحضاري الذي لعبوه والذي يتمثل في تعليم المصريين الكتاب والسنة..
    فقد اهتم عمرو بن العاص رضي الله عنه بإنشاء المسجد الجامع في الفسطاط، وقد ضَمَّتْ أَرْوِقَتُهُ هؤلاء الصحابة الأعلام يتلون كتاب الله، ويقرئونه الناس، ويروون حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم ويشرحونه ويبصرون الناس بفقه الإسلام وأحكامه..
    لقد استوطن كثير من الصحابة أرض مصر الطيبة، وانقطعوا لتعليم الناس أمور دينهم يخالطون الناس ويخالطونهم، ليضربوا لهم أروع الأمثلة على أخلاق الإسلام وحسن معاملاته، وحقيقة تعاليمه ومبادئه، فيرى الناس عمليًا ما يسمعونه من مواعظ وتوجيهات نظرية، فيكون لذلك أكبر الأثر في نشر الإسلام ولغته عن طريق العلم الصحيح، والقدوة الحقة..
    وممن أسهم بدور فعال في إثراء الحركة العلمية في مصر في تلك الفترة الصحابي الجليل الفقيه المقريء المفسر المجاهد عقبة بن عامر الجهني (ت 58هـ/ 677م) الذي أثرى الحياة الفكرية في مصر، وروى عنه المصريون كثيرًا من أحاديثه عن النبي صلى الله عليه وسلم والتي تغلب عليها المسحة الفقهية مما جعلهم يعدونه مفتي مصر آنذاك..
    لم تزدهر الحركة العلمية في مصر في عهد عمرو بن العاص فحسب وإنما استمر ازدهارها وإيناعها وآتت أكلها كذلك في عهد عبد الله بن سعد بن أبي سرح، الذي كثرت فيه الفتوحات الخارجية، ووفد إلى مصر الكثير من الصحابة والتابعين، الذين مروا بها، وهم في طريقهم إلى المغرب للجهاد في سبيل الله وكانوا ينتهزون الفرصة فيروون على مسامع الناس في مصر أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم وكذلك أثناء رباطهم بالإسكندرية وأثناء الفتوح بالمغرب وكذلك عند عودتهم منها إلى مصر، ومنها إلى الجزيرة العربية، ويذكر السيوطي أن حبر الأمة عبد الله بن عباس رضي الله عنهما دخل مصر في خلافة عثمان بن عفان رضي الله عنه وروى المصريون عنه أحاديث بها، كما أنه شارك في فتح المغرب..


    *************** *************

    إبطال العادات السيئة بمصر في عهد عمرو بن العاص
    لما فتحت مصر أتى أهلُها إلى عمرو بن العاص حين دخل بؤونة من أشهر العجم، فقالوا له: أيها الأمير إن لنيلنا هذا سُنَّةُ لا يجري إلا بها، فقال لهم: وما ذاك ؟ قالوا: إذا دخلت ثنتا عشرة ليلة من هذا الشهر عمدنا إلى جارية بكر بين أبويها، فأرضينا أباها، وحملنا عليها من الحلي والثياب أفضل ما يكون، ثم ألقيناها في النيل، قال لهم: إن هذا لا يكون في الإسلام، إن الإسلام يهدم ما كان قبله، فأقاموا بؤونة، وأبيب، ومسرى لا يجري قليلاً ولا كثيرًا حتى همَّوا بالجلاء عنها فلما رأى ذلك عمرو بن العاص كتب إلى عمر رضي الله عنه بذلك، فكتب إليه عمر: "إنك قد أصبت لأن الإسلام يهدم ما كان قبله، وكتب بطاقة داخل كتابه وكتب إلى عمرو: "إني قد بعثت إليك ببطاقة داخل كتابي، فألقها في النيل فلما قدم كتاب عمر إلى عمرو بن العاص أخذ البطاقة فإذا فيها: "من عبد الله أمير المؤمنين إلى نيل مصر، أما بعد: فإن كنت تجري من قِبَلَََك فلا تجرِ، وإن كان الله الواحد القهار هو الذي يجريك فنسأل الله الواحد القهار أن يجريك" فألقى البطاقة في النيل قبل يوم الصليب بيوم وقد تهيأ أهل مصر للجلاء والخروج، لأنه لا تقوم مصلحتهم فيها إلا بالنيل، فلما ألقى البطاقة أصبحوا يوم الصليب وقد أجراه الله ستة عشر ذراعًا في ليلة واحدة، فقطع الله تلك السُّنَّةَ السُّوء عن أهل مصر إلى اليوم.


    يتـــــــــــبع


    اللهم أنت أعلم بى من نفسى ، وأنا أعلم بنفسى منهم
    اللهم إجعلنى خيرا مما يظنون ، واغفر لى مالا يعلمون ولا تؤاخذنى بما يقولون

    البحث على جميع مواضيع العضو المشتاق لرحيق الجنه

  8. #18
    تاريخ التسجيل
    13 - 8 - 2008
    ساكن في
    ارض الله الواسعه
    العمر
    39
    المشاركات
    232
    النوع : ذكر Egypt

    افتراضي


    أثر الفتح الاسلامى
    على اوضاع الاقباط فى مصر


    الأثر الديني
    تعرض الأقباط في مصر قبل الفتح الإسلامي لاضطهادٍ قاسٍ على أيدي البيزنطيين، ومن ثَمَّ رأوا في القوة الإسلامية الداخلة، الأمل بالخلاص مما هم فيه،فساندوها، ورحبوا بدخول المسلمين أرض مصر، لكن هذه المساندة كانت صامتة في باديء الأمر، أي حيادية .

    وشكلت انتصارات المسلمين وإخضاعهم البلاد، نصرًا دينيًا للأقباط حيث غادر البلاد عدد كبير من البيزنطيين، ولما استقرت الأوضاع، وكانت أخبار العهدة العمرية الخاصة ببيت المقدس قد تسربت إلى مصر، لقي الأقباط من الحكم الجديد ما شعروا معه بكثير من الحرية.

    ولعل أول عمل قام به عمرو بن العاص بعد استقرار الأوضاع الداخلية ؛الإعلان بين الناس جميعًا أن لا إكراه في الدين، وأن حرية العقيدة أمر مقدس، فلن يتعرض لأحد في حريته أو ماله بسبب دينه أو مذهبه، وخيَّرهم بين الدخول في الإسلام والبقاء على دينهم، فمن يدخل في الإسلام يكون له ما للمسلمين وعليه ما عليهم، والواقع أن عمرًا انتهج سياسة المساواة الدينية بين المذهبين النصرانيين اللذين استمرا في مصر، وتذكر روايات المصادر أن كثيرًا من كنائس الملكانيين فضلوا البقاء في مصر؛ وأن أسقفا ملكانيًا بقي على مذهبه حتى مات ولم يمسه أحد بأذى، وأن البطريرك القبطي بنيامين الذي عاد إلى الإسكندرية بعد أن قضى ثلاثة عشر عامًا لاجئًا متخفيًا خشية أن يُقبَض عليه، أُعِيد إلى مركزه وأضحى بإمكانه أن يقوم بواجباته الدينية وهو مطمئن، وكان يستقطب الناس إلى مذهبه بالحجة والإقناع، واستطاع أن يحصل على بعض الكنائس التي تركها الملكانيون بعد خروجهم وضمها إلى كنائس البطريركية، ولما عاد إلى الإسكندرية قال لأتباعه : " عدت إلى بلدي الإسكندرية، فوجدت بها أمنًا من الخوف، واطمئنانًا بعد البلاء، وقد صرف الله عنا اضطهاد الكفرة وبأسهم"

    كان من أثر الحرية الدينية والمعاملة السمحة أن أقبل كثير من الأقباط على النظر في المذاهب المختلفة، ثم انتهى أكثر هؤلاء إلى قبول الإسلام والدخول فيه.

    *************** **********

    الأثر الإداري
    خلت بخروج البيزنطيين بعض الوظائف الحكومية التي كان يشغلها هؤلاء، ولأن المسلمين لم يكن لهم عهد بعد بالشؤون الإدارية، وكان يهمهم أن تستمر الإدارة في العمل، وأن تجمع الضرائب،بغض النظر عما يختص بالعاملين فى الحقل الوظيفي فقد فتحوا أبواب العمل أمام القادرين والراغبين من الأقباط، والمعروف أن الإدارة الإسلامية الجديدة احتفظت بثلاثة موظفين بيزنطيين في مراكز إدارية كبيرة هي حاكمية مصر السفلى، وتولاها ميناس، وحاكمية منطقة الفيوم وتولاها فيلوخينوس، وحاكمية الريف الغربي وتولاها سينوتيوس.

    وبفعل هيمنة الموظفين الأقباط على العمل الإداري، أضحت اللغة القبطية اللغة الرئيسية في الإدارة، فحلَّت بذلك محل اللغة اليونانية، وحافظ المسلمون على الأساليب البيزنطية في تدوين الدواوين وجمع الضرائب، فانتعشت الثقافة القبطية مجددًا وأخذت تملأ الفراغ الذي نتج عن الخروج البيزنطي، واعتنى الأقباط بتعلم اللغة العربية لأنها كانت لغة الفاتحين، واحتفظ المسلمون بقيادة الجند والقضاء.

    *************** ***********

    الأثر الاقتصادي
    كانت مصر تتعرض بين سنة وأخرى لضائقة اقتصادية ناتجة عن انخفاض ماء النيل مما يسبب خللاً في المعادلة الاقتصادية، قد عانى المصريون كثيرًا من هذه الظاهرة،وقد أدرك عمرو بن العاص ذلك فخَفَّفَ عن المصريين كثيرا من الضرائب التى فرضها البيزنطيون عليهم، والمعروف أن الضرائب البيزنطية كانت كثيرة ومتنوعة، وتناولت معظم النشاط الاقتصادي والاجتماعي، وسوَّى بينهم في أدائها كما أعفى بعضهم منها.

    ويذكر في هذا المقام أن الخليفة كتب إلى عمرو أن يسأل المقوقس في خير وسيلة لحكم البلاد وجباية أموالها، فأشار عليه المقوقس بالشروط التالية :

    - أن يستخرج خراج مصر في وقت واحد، عند فراغ الناس من زروعهم.

    - أن يرفع خراجها في وقت واحد، عند فراغ أهلها من عصر كرومهم .

    - أن تحفر خلجانها كل عام .

    - أن تصلح جسورها وتسد ترعها.

    - ألا يختار عامل ظالم لِيَلِيَ أمورها.

    ونتيجة لهذه التوصيات رسم المسلمون خطة جباية الخراج، واعتنوا بهندسة الري من حفر الخلجان وإصلاح الجسور، وسد الترع وبناء مقاييس للنيل و إنشاء الأحواض والقناطر، ولعل من أشهر ما قام به عمرو، هو حفر خليج تراجان الذي يصل النيل بالبحر الأحمر، ويسهل الاتصال بالجزيرة العربية، ويؤمن طريقًا أفضل للتجارة الشرقية، يبتديء هذا الخليج من شمالي بابليون ويتجه شمالاً بشرق إلى بلبيس ثم ينحرف شرقا إلى بحيرة التمساح ليخرج من جنوبي هذه البحيرة إلى البحيرات المرة ويبلغ البحر الأحمر عند السويس.

    وكان من أثر هذه الإصلاحات أن تحسنت حالة الأقباط وزادت ثرواتهم، واطمأنوا على أرواحهم وممتلكاتهم ومستقبلهم، ونعموا بالهدوء والاستقرار، وازدادت ألفتهم بالمسلمين مع مرور الوقت ودخل كثير منهم في الإسلام.

    ويبقى أن نذكر أن الرأي السائد آنذاك،كان أن يبقى المسلمون على رباطهم لا يشغلون بالزراعة ولا يحلون بالبلاد كأهلها، فلما اطمأنوا في البلاد أخذ ذلك الحظر يُرفَع عنهم وأُبِيحَ لهم أن يمتلكوا الأراضي.

    *************** ***********

    ماذا كان يحدث لمصر لو لم يأتها الفتح الإسلامي؟
    الواقع أن هذا السؤال ضروري للغاية لمن يريد أن يقيم الفتح الإسلامي لمصر تقييمًا نزيها مخلصا مبرءًا من الأغراض؛ لأن الفتح الإسلامي كان ذا أثر عظيم على مصر، وكان علامة فارقة في تاريخها-ليس هي وحسب- بل في أفريقية بأسرها، والباحث المنصف يرى أنه لو لم يأتِ الفتح الإسلامي لمصر لظلت:

    1- خاضعة للدولة البيزنطية تُعاني من الاضطهاد والظلم إلى ما شاء الله، ولهجر أبناؤها أرضها فخربت، ودبت المجاعات وعصفت بأهلها، ولتداولت عليها أيدي الدول الاستعمارية الظالمة يخطفها مستعمر من مستعمر، يذيقونها العذاب ألوانًا، وينهبون خيراتها ويخربونها ليعمروا أوطانهم، ولتجرع المصريون كأس المهانة والذل، ولانتهى بهم الحال إلى بيع أبنائهم وأعراضهم ليسددوا الضرائب الجائرة، واستمر القتل والسجن والتعذيب والفتنة في عقيدتهم إكراها لهم على اتباع ديانة غيرهم ثم يكون المصير النهائي للجميع: النار...النار للمُكْرِهِ الروماني والمُكْرَهِ المصري على حدٍّ سواء؛ جزاءً على الكفر والشرك بالله ( عز وجل)، ولكن الإسلام أتاها فأضاء جنباتها بنوره، وأنقذ أبناءها من وهذه الكفر ورفعهم إلى قمة الإيمان السامقة، كما حماها من الاستعمار قرونًا عديدة نَعِمَتْ خلالها بسماحة الإسلام.

    2- لو لم يأتِ الإسلام لحُرِمَ الأقباط من ممارسة شعائرهم الدينية وحقوقهم، ولظل الإسلام قابعًا في الجزيرة العربية ولم يستضيء بنوره أهل أفريقية وبلاد الأندلس.

    3– أو لأصبحت مصر بؤرة من بؤر محاربة الإسلام، أما اليوم فهي شعلة من مشاعل نصرة الإسلام ونشره في العالم أجمع، ولحُرِمَ أبناؤها من ثواب الرباط إلى يوم القيامة.

    وخلاصة القول
    لو لم يأتِ الإسلام لظلت مصر ميتة بين الأحياء.


    يتــــــــــــبع

    اللهم أنت أعلم بى من نفسى ، وأنا أعلم بنفسى منهم
    اللهم إجعلنى خيرا مما يظنون ، واغفر لى مالا يعلمون ولا تؤاخذنى بما يقولون

    البحث على جميع مواضيع العضو المشتاق لرحيق الجنه

  9. #19
    تاريخ التسجيل
    13 - 8 - 2008
    ساكن في
    ارض الله الواسعه
    العمر
    39
    المشاركات
    232
    النوع : ذكر Egypt

    افتراضي


    مصر مقارنة بالدول التى لم يدخلها الفتح


    الإنسانية في الاحتضار

    كان القرن السادس والسابع (لميلاد المسيح) من أحط أدوار التاريخ بلا خلاف، فكانت الإنسانية متدلية منحدرة منذ قرون، وما على وجه الأرض قوة تمسك بيدها وتمنعها من التردي، فقد زادتها الأيام سرعة في هبوطها وشدة إسفافها، وكأن الإنسان قد نسى خالقه، فنسي نفسه ومصيره، وفقد رشده، وقوة التمييز بين الخير والشر، والحسن والقبيح، وقد خفتت دعوة الأنبياء من زمن، والمصابيح التي أوقدوها قد انطفأت من العواصف التي هبت بعدهم أو بقيت ونورها ضعيف ضئيل لا ينير إلا بعض القلوب فضلاً عن البيوت والبلاد، وقد انسحب رجال الدين من ميدان الحياة، ولاذوا إلى الأديرة والكنائس والخلوات فرارًا بدينهم من الفتن وضنًّا بأنفسهم، أو رغبة في الدَّعَة و السكون، وفرارًا من تكاليف الحياة وجدها،أو فشلاً في كفاح الدين والسياسة والروح والمادة، ومن بقي منهم في تيار الحياة اصطلح مع الملوك وأهل الدنيا، وعاونهم على إثمهم وعدوانهم، وأكل أموال الناس بالباطل على حساب الضعفاء والمحكومين.


    *************** *************

    نظرة في الأمم المختلفة

    - الأمم الأوروبية الشمالية الغربية

    لم يصل الفتح الدول الأوربية الشمالية الغربية؛ لذلك كانت تتسكع في ظلام الجهل المطبق، والأمية الفاشية، والحروب الدامية، لم ينبثق فيها فجر الحضارة والعلم بعدُ، ولم تظهر على مسرحها الأندلس لتؤدي رسالتها في العلم والمدنية، ولم تصهرها الحوادث، وكانت بمعزل عن جَادَّة قافلة الحضارة الإنسانية بعيدة عنها، لا تعرف عن العالم ولا يعرف العالم المتمدِّن عنها إلا قليلاً، ولم تكن – مما يجري في الشرق والغرب مما يغير وجه التاريخ – في عير ولا نفير، وكانت بين نصرانية وليدة، ووثنية شائبة،ولم تكن بذات رسالة في الدين، ولا بذات راية في السياسة .

    يقول هـ .ج . ويلز:

    "ولم تكن في أوربا الغربية في ذلك العهد أمارات الوحدة والنظام"

    ويقول (Robert briffault ) :

    " لقد أطبق على أوربا ليل حالك من القرن الخامس إلى القرن العاشر، وكان هذا الليل يزداد ظلاما وسوادا. قد كانت همجية ذلك العهد أشد هولا وأفظع من همجية العهد القديم، لأنها كانت أشبه بجثة حضارة كبيرة قد تعفنت، وقد انطمست معالم هذه الحضارة وقُضِيَ عليها بالزوال، وقد كانت الأقطار الكبيرة التي ازدهرت فيها هذه الحضارة وبلغت أوجها في الماضي كإيطاليا وفرنسا فريسة الدمار والفوضى والخراب " أبو الحسن الندوى: ماذا خسر العالم بانحطاط المسلمين، ص 51، 52 )

    - أمم آسيا الوسطي

    أما الأمم الأخرى في أسيا الوسطى وفي الشرق، كالمغول والترك واليابانيين، فقد كانت بين بوذية فاسدة، ووثنية همجية، لا تملك ثروة علمية، ولا نظامًا سياسيًا راقيًا، وإنما كانت في طور الانتقال من عهد الهمجية إلى عهد الحضارة ومنها شعوب لا تزال في طور البداوة والطفولة العقلية .

    - الهند: ديانة، واجتماعًا، وأخلاقًا.

    أما الهند فقد اتفقت كلمة المؤلفين في تاريخها على أَنَّ أَحَطَّ أدوارها ديانة وخلقًا واجتماعًا ذلك العهد الذي يبتدئ من مستهل القرن السادس الميلادي، وأخذت نصيبًا غير منقوص من هذا الظلام الذي مد رواقه على المعمورة وامتازت عنها فى ظواهر وخلال يمكن أن نخلصها في ثلاث : كثرة المعبودات والآلهة كثرة فاحشة . الشهوة الجنسية الجامحة . التفاوت الطبقي والمجحف والامتياز الاجتماعي.

    - الوثنية المتطرفة

    ارتقت صناعة نحت التماثيل في هذا العهد، وبلغت أوجها في القرن السادس والسابع، حتى فاق هذا العصر في ذلك العصور الماضية، وقد عكفت الطبقات كلها وعكف أهل البلاد من الملك إلى الصعلوك على عبادة الأصنام، حتى لم تجد الديانة البوذية والجينية منها بُدًّا، وتذرعت هاتان الديانتان بهذه الوسيلة للاحتفاظ بحياتهما وانتشارهما في البلاد، ويدل على ما وصلت إليه الوثنية والتماثيل فى هذا العصر ما حكاه الرحالة الصيني الشهير (هوئن سوئنج ) الذي قام برحلته بين عام 630 وعام 644 عن الاحتفال العظيم الذي أقامه الملك هرش الذي حكم الهند من عام 606 إلى 647 : وأقام الملك احتفالاً عظيمًا في قنوج اشترك فيه عدد كبير جدًا من علماء الديانات السائدة في الهند، وقد نصب الملك تمثالاً ذهبيًا لبوذا على منارة تعلو خمسين ذراعًا، وقد خرج بتمثال آخر لبوذا أصغر من التمثال الأول في موكب حافل قام بجنبه الملك "هرش" بمظلة وقام الملك الحليف " كامروب " يذب عنه الذباب.

    ويقول هذا الرحالة عن أسرة الملك ورجال بلاطه : إن بعضهم كان من عباد "شو" وبعضهم من أتباع الديانة البوذية وكان بعضهم يعبد الشمس، وبعضهم يعبد "وشنو" وكان لكل واحد أن يخص من الآلهة أحدا بعبادته أو يعبدهم جميعًا.

    - الشهوة الجنسية الجامحة

    وأما الشهوة فقد امتازت بها ديانة الهند ومجتمعها منذ العهد القديم، فلعل المواد الجنسية والمهيجات الشهوية لم تدخل في صميم ديانة بلاد مثل ما دخلت في صميم الديانة في البلاد الهندية، وقد تناقلت الكتب الهندية وتحدثت الأوساط الدينية عن ظهور صفات الإله، وعن وقوع الحوادث العظيمة، وعن تعليل الأكوان روايات وأقاصيص عن اختلاط الجنسين من الآلهة وغارة بعضها على البيوتات الشريفة تستك منها المسامع ويتندى لها الجبين حياء، وتأثير هذه الحكايات في عقول المتدينين المخلصين المرددين لهذه الحكايات في إيمان وحماسة دينية وفعلها في عواطفهم وأعصابهم واضح، زد إلى ذلك في صورة بشعة، اجتماع أهل البلاد عليها من رجال ونساء وأطفال وبنات،زد إليه كذلك ما يحدث به بعض المؤرخين أن رجال بعض الفرق الدينية كانوا يعبدون النساء العاريات والنساء يعبدون الرجال العراة، وكان كهنة المعابد من كبار الخونة والفساق الذين كانوا يرزءون الراهبات والزائرات في أعز ما عندهن، وقد أصبح كثير من المعابد مواخير يترصد فيها الفاسق لطِلْبته، وينال فيها الفاجر بُغيته. وإذا كان هذا شأن البيوت التي رُفِعَتْ للعبادة والدين فما ظن القاريء ببلاط الملوك وقصور الأغنياء ؟ََ! فقد تنافس فيها رجالها في إتيان كل منكر وركوب كل فاحشة، وكان فيها مجالس مختلطة من سادة وسيدات،فإذا لعبت الخمر برؤوسهم خلعوا جلباب الحياء والشرف وطرحوا الحشمة فتوارى الأدب وتبرقع الحياء ... هكذا أخذت البلادَ موجةٌ طاغيةٌ من الشهوات الجنسية والخلاعة، وأسفت أخلاق الجنسين إسفافًا كبيرًا.



    نظام الطبقات الجائر

    أما نظام الطبقات فلم يعرف في تاريخ أمة من الأمم نظامًا أشد قسوة وأعظم فصلاً بين طبقة وطبقة وأشد استهانة بشرف الإنسان من النظام الذي اعترفت به الهند دينيًا ومدنيًا وخضعت له آلافًا من السنين ولا تزال، وقد بدت طلائع التفاوت الطبقي في آخر العهد الويدي بتأثير الحرف والصنائع وتوارثها،وبحكم المحافظة على خصائص السلالة الآرية المحتلة ونجابتها، وقبل ميلاد المسيح بثلاثة قرون ازدهرت في الهند الحضارة البرهمية، ووُضِعَ فيها مرسومٌ جديدٌ للمجتمع الهندي، وأُلِّفَ فيه قانون مدني وسياسي اتفقت عليه البلاد، وأصبح قانونًا رسميًا ومرجعًا دينيًا في حياة البلاد ومدنيتها وهو المعروف الآن بـ(منوشاستر).

    يقسم هذا القانون أهل البلاد إلى أربع طبقات ممتازة البراهمة: طبقة الكهنة ورجال الدين،شتري رجال الحرب، ويش رجال الزراعة والتجارة، شودر رجال الخدمة، ويقول منو مؤلف هذا القانون : "إن القادر المطلق قد خلق لمصلحة العالم البراهمة من فمه، وشتري من سواعده، وويش من أفخاذه، والشودرا من أرجله، ووزع لهم فرائض وواجبات لصلاح العالم . فعلى البراهمة تعليم ويد وتقديم النذور للآلهة، وتعاطي الصدقات، وعلى الشتري حراسة الناس والتصدق، وتقديم النذور، ودراسة "ويد"،والعز وف عن الشهوات، وعلى ويش رعي السائمة، والقيام بخدمتها، وتلاوة ويد، والتجارة والزراعة، وليس لشودر إلا خدمة هذه الطبقات الثلاث.

    - امتيازات طبقة البراهمة

    وقد منح هذا القانون طبقة البراهمة امتيازات وحقوقًا ألحقتهم بالآلهة فقد قال: إن البراهمة هم صفوة الله وهم ملوك الخلق، وإن ما في العالم هو ملك لهم فإنهم أفضل الخلائق وسادة الأرض ولهم أن يأخذوا من مال عبيدهم شودر –من غير جريرة – ما شاؤوا، لأن العبد لا يملك شيئًا وكل ماله لسيده.

    وإن البرهمي الذي يحفظ رك ويد "الكتاب المقدس " هو رجل مغفور له ولو أباد العوالم الثلاثة بذنوبه وأعماله، ولا يجوز للملك حتى في أشد ساعات الاضطرار والفاقة أن يجبي من البراهمة جباية أو يأخذ منهم إتاوة، ولا يصح لبرهمي في بلاده أن يموت جوعًا، وإن استحق برهمي القتل لم يجز للحاكم إلا أن يحلق رأسه، أما غيره فيقتل.

    أما الشتري فإن كانوا فوق الطبقتين"ويش وشودر" ولكنهم دون البراهمة بكثير؛ فيقول "منو": إن البرهمي الذي هو في العاشرة من عمره يفوق الشتري الذي ناهز مائة كما يفوق الوالد ولده.

    - المنبوذون الأشقياء

    أما شودر "المنبوذون" فكانوا في المجتمع الهندي –بنص هذا القانون المدني الديني – أحط من البهائم وأذل من الكلاب؛ فيصرح القانون بأن " من سعادة شودر أن يقوموا بخدمة البراهمة وليس لهم أجر وثواب بغير ذلك. وليس لهم أن يقتنوا مالاً أو يدخروا كنزًا فإن ذلك يؤذي البراهمة، وإذا مَدَّ أحدٌ من المنبوذين إلى برهمي يدًا أو عصًا ليبطش به قُطِعَتْ يدُه، وإذا رفسه في غضب فدعت رجله،وإذا هَمَّ أحدٌ من المنبوذين أن يجالس برهميا فعلى الملك أن يكوي استه وينفيه من البلاد، وأما إذا مسه بيد أو سبه فيقتلع لسانه، وإذا ادعى أنه يعلمه سُقِيَ زيتًا فائرًا، وكفارة قتل الكلب والقطة والضفضعة والوزغ والغراب والبومة ورجل من الطبقة المنبوذة سواء ".



    مركز المرأة في المجتمع الهندي

    وقد نزلت النساء في هذا المجتمع منزلة الإماء. وكان الرجل قد يخسر امرأته في القمار، وكان بعض الأحيان للمرأة عدة أزواج، فإذا مات زوجها صارت كالموءودة لا تتزوج، وتكون هدف الإهانات والتجريح، وكانت أَمَةَ بيت زوجها المتوفي وخادم الأحماء، وقد تحرق نفسها على إثر وفاة زوجها تفاديًا من عذاب الحياة وشقاء الدنيا،وهكذا صارت هذه البلاد المخصبة أرضًا وعقولاً، وهذه الأمة – التي وصفها بعض مؤرخي العرب بكونها معدن الحكمة وينبوع العدل والسياسة، وأهل الأحلام الراجحة والآراء الفاضلة؛ لبعد عهدها عن الدين الصحيح، وضياع مصادره، وتحريف رجال الدين، واتباع هوى النفوس ونزعات الشهوات .. أصبحت هذه البلاد مسرحًا للجهل الفاضح، والوثنية الوضيعة، والقسوة والهمجية، والجور الاجتماعي الذي ليس له مثيل في الأمم ولا نظير في التاريخ.



    هكذا عاشت الأمم التي لم تَستَنِر بنور الإسلام: سدرت في جاهليتها وغيها، وغرق الناس في بحور الجهل والظلم والشهوات التي أردتهم المهالك، واستعبد بعضهم بعضًا، وصاروا في دركة أحط من الحيوانات، وبهذا يظهر الفرق بين مصر التي عمرها الإسلام وأضاء أركانها؛ فانتقلت من حال إلى حال، وبين الأمم التي لم يصلها الفاتحون، ولم تعرف نور الإسلام.




    تم بحمد الله وتوفيقه الانتهاء
    من هذا الملف
    وادعو الله ان يمس قلب من لهم عقل
    بعيدا عن الاهواء

    اللهم أنت أعلم بى من نفسى ، وأنا أعلم بنفسى منهم
    اللهم إجعلنى خيرا مما يظنون ، واغفر لى مالا يعلمون ولا تؤاخذنى بما يقولون

    البحث على جميع مواضيع العضو المشتاق لرحيق الجنه

 

 
صفحة 2 من 2 الأولىالأولى 12

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • مش هتقدر تضيف مواضيع جديده
  • مش هتقدر ترد على المواضيع
  • مش هتقدر ترفع ملفات
  • مش هتقدر تعدل مشاركاتك
  •  
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات مصراوي كافيه 2010 ©