خلاصة الكلام في أحكام الصيام




الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه ومن اهتدى بهداه،
وبعد
أولاً تعريف الصوم


الصوم في اللغة الإمساك مطلقًا، والصوم مصدر صام يصوم صومًا وصيامًا الموسوعة الفقهية
وفي الاصطلاح هو الإمساك عن المفطرات بنية من طلوع الفجر إلى غروب الشمس الفقه الإسلامي وأدلته للدكتور الزحيلي


ثانيًا أركان الصوم


1- النية
فالنية ركن أو شرط خلاف مشهور بين أهل العلم في كل عبادة ؛ لقوله «إنما الأعمال بالنيات» متفق عليه من حديث عمر بن الخطاب
ويجب تبييت النية قبل طلوع الفجر في صيام الفريضة؛ لقوله «من لم يجمع الصيام قبل الفجر فلا صيام له» صحيح سنن الترمذي
أما صوم النافلة فلا يلزم فيه تبييت النية ؛ لحديث عائشة رضي الله عنها قالت دخل عليَّ النبي ذات يوم، فقال «هل عندكم شيء؟» فقلت لا قال «فإني إذن صائم» رواه مسلم
ويجب تعيين النية في صوم الفريضة ؛ لأن الصوم عبادة مضافة إلى وقت، فيجب التعيين في نيتها كالصلوات الخمس، ويجب كذلك تجديد النية لكل يوم من رمضان؛ لأن كل يوم عبادة مستقلة لا يرتبط بعضه ببعض ولا يفسد بفساد بعض
ب الإمساك

عن المفطرات وهو ركن متفق عليه بين أهل العلم، وإليك بيان هذه المفطرات


ثالثًا مفسدات الصوم
أ- الأكل والشرب عمدًا
اتفق العلماء على أن من أكل أو شرب متعمدًا في وقت الصيام فقد فسد صومه ؛ لقوله تعالى وَكُلُوا وَاشْرَبُوا حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَكُمُ الْخَيْطُ الأَبْيَضُ مِنَ الْخَيْطِ الأَسْوَدِ مِنَ الْفَجْرِ ثُمَّ أَتِمُّوا الصِّيَامَ إِلَى اللَّيْلِ البقرة ، فَعُلِمَ أن الصيام من الأكل والشرب، فإذا أكل الصائم أو شرب متعمدًا فقد أفطر، أما إذا فعل ذلك ناسيًا فلا شيء عليه ؛ لقوله «من نسي وهو صائم فأكل أو شرب فليتم صومه، فإنما الله أطعمه وسقاه» متفق عليه من حديث أبي هريرة، واللفظ لمسلم
ب الجماع في نهار رمضان
قال ابن القيم رحمه الله في «زاد المعاد» والقرآن دالٌ أن الجماع مفطر كالأكل والشرب لا يعرف فيه خلاف
والدليل على ذلك قوله تعالى فَالآنَ بَاشِرُوهُنَّ وَابْتَغُوا مَا كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ البقرة ، وكذلك من باشر امرأته فقبل أو عانق فأمنى فسد صومه
ج -القيء عمدًا
إذا استقاء الصائم فقد فسد صومه، أما من غلبه القيء فلا شيء عليه ؛ لقوله «من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء فليقض» صحيح الترمذي ، وصحيح أبي داود
د الحيض والنفاس
إذا حاضت المرأة أو نفست في جزء من النهار سواء وجد في أوله أو في آخره أفطرت فإن صامت لم يجزئها
لقوله «أليس إذا حاضت لم تصلِّ ولم تصم» مسلم ، من حديث ابن عمر وأبو هريرة
هـ شرب الدخان
إذا شرب الصائم الدخان أو أدخله إلى حلقه فقد فسد صومه، فقد اتفق الفقهاء على أن شرب الدخان المعروف أثناء الصوم يُفسد الصوم الموسوعة الفقهية


رابعًا ما يحرم على الصائم
إذا كانت هناك أشياء يجب على المرء تجنبها في غير الصوم، فتركها في الصوم أولى ؛ لأن الله تعالى إنما شرع لنا الصوم ليكون وسيلة لتقوى الله،
قال الله تعالى يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ البقرة
وحذرنا رسول الله من الوقوع في هذه المحرمات فقال «من لم يدع قول الزور والعمل به فليس لله حاجة في أن يدع طعامه وشرابه» أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة
وقال أيضًا «إذا كان يوم صوم أحدكم فلا يصخب، ولا يرفث، وإن أحد سابه أو قاتله فليقل إني صائم» متفق عليه من حديث أنس
وهذه المحرمات وإن كان يجب على الصائم تجنبها إلا أنها ليست من مفسدات الصوم


خامسًا ما يُباح للصائم
المضمضة والاستنشاق
يباح للصائم المضمضة لأنها من أفعال الوضوء، ولم ينقل عن النبي أنه امتنع عنها في صيامه، ولقوله لعمر حين أخبره أنه قبل وهو صائم، فقال «أرأيت لو تمضمضت بماء وأنت صائم؟» قلت لا بأس بذلك فقال «ففيم» أخرجه أحمد في مسنده ، وصحيح أبي داود ، وصحيح النسائي
ويُكره المبالغة في المضمضة والاستنشاق ؛ لقوله « وبالغ في الاستنشاق إلا أن تكون صائمًا» صحيح أبي داود
السواك للصائم
يجوز للصائم التسوك أثناء صيامه لعموم قول النبي «لولا أن أشق على أمتي لأمرتهم بالسواك عند كل وضوء» متفق عليه
فلم يفرق الرسول بين الصائم وغيره
الصائم يصبح جنبنًا
يجوز للصائم أن يدخل عليه وقت الفجر وهو جنبٌ؛ لما ثبت عن عائشة وأم سلمة رضي الله عنهما أن النبي كان يدركه الفجر وهو جنب من أهله، ثم يغتسل ويصوم متفق عليه
التبرد والاغتسال
يجوز للصائم أن يصب على جسده الماء بقصد التبرد أو الاغتسال كما ثبت من فعل النبي في الحديث السابق، ولما ثبت عند أبي داود أنه كان يصب على رأسه الماء وهو صائم من العطش أو الحر صحيح أبي داود
القُبلة والمباشرة
يجوز للصائم أن يُقبل امرأته ويباشرها دون الإنزال لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها كان رسول الله يقبل وهو صائم ويباشر وهو صائم، ولكنه كان أملككم لإربه» متفق عليه ويكره ذلك لمن كان لا يملك شهوته
الحجامة
يُباح للصائم أن يحتجم أو يتبرع بالدم ما لم يُضعفه ذلك عن الصوم ؛ لما ثبت عن ابن عباس رضي الله عنهما قال احتجم النبي وهو صائم أخرجه البخاري
وسُئل أنس بن مالك أنتم تكرهون الحجامة للصائم ؟ قال لا، إلا من أجل الضعف أخرجه البخاري
الكحل والقطرة
يباح للصائم استعمال الكحل والقطرة مما يدخل العين، ولا يصح في النهي عن استعمال الكحل للصائم حديث نيل الأوطار للشوكاني
الحقنة
وهي لا تفطر إذا لم تصل إلى الأمعاء، وكانت غير مغذية، باتفاق العلماء، أما الحقن المغذية أو التي تصل إلى الأمعاء فذهب الجمهور إلى أنها تفسد الصوم، وذهب ابن تيمية إلى أنها لا تفسد الصوم، وهو ما رجحه ابن عثيمين عليه رحمة الله في «الشرح الممتع»
تذوق الطعام
يُباح للصائم أن يتذوق الطعام إذا كانت هناك حاجة؛ كشراء طعام يريد معرفة طعمه أو طبخ أو نحو ذلك، بشرط إلا يدخل شيء منه إلى الحلق، فإذا لم تكن هناك حاجة فيكره له ذلك الشرح الممتع


سادسًا ما يُستحب للصائم


للصوم آداب ينبغي للصائم أن يتحلى بها، منها
السحور
أجمع أهل العلم على استحبابه؛ لقوله «تسحروا فإن في السحور بركة» متفق عليه
ويستحب تأخير السحور لما ثبت عن زيد بن ثابت قال تسحرنا مع رسول الله ، ثم قمنا إلى الصلاة، قلت كم كان قدر ما بينهما؟ قال خمسون آية متفق عليه
تعجيل الفطر
يستحب للصائم أن يعجل الفطر متى تحقق غروب الشمس ؛ لقوله «لا يزال الناس بخير ما عجلوا الفطر» متفق عليه


الدعاء عند الإفطار


يُسن للصائم أن يدعو عند فطره، فدعوته مستجابة ؛ لقوله «ثلاثة لا ترد دعوتهم الصائم حين يفطر، والإمام العادل، ودعوة المظلوم» صحيح الترمذي ، وصحيح ابن ماجه ، وصحيح ابن حبان من حديث أبي هريرة


سابعًا من يجب عليه الصوم
أجمع أهل العلم على أنه يجب الصيام على المسلم البالغ العاقل الصحيح المقيم القادر، ويجب أن تكون المرأة طاهرة من الحيض والنفاس فقه السنة


ثامنًا من يحرم عليه الصوم
أجمع أهل العلم على أن الحائض والنفساء لا يحل لهما الصوم، وأنهما تفطران وتقضيان وإذا صامتا لم يجزئهما الصوم؛ لقوله «أليس إذا حاضت لم تصلِّ ولم تصم» مسلم
تاسعًا من يباح له الصوم والفطر
المريض
رخص الله للمريض الفطر رحمة به وتيسيرًا عليه، قال تعالى وَمَنْ كَانَ مَرِيضًا أَوْ عَلَى سَفَرٍ فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ يُرِيدُ اللَّهُ بِكُمُ الْيُسْرَ وَلاَ يُرِيدُ بِكُمُ الْعُسْرَ وَلِتُكْمِلُوا الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ البقرة ، فيجوز له أن يفطر ثم يقضي ما فاته من صوم بعد ذلك
المسافر
رخص للمسافر الفطر أيضًا تيسيرًا له للآية السابق ذكرها، وهو مخير بين الصوم والفطر ؛ فقد سأل حمزة الأسلمي رسول الله أأصوم في السَّفر وكان كثير الصيام فقال له رسول الله «صم إن شئت وأفطر إن شئت» متفق عليه
ولكن يمكن أن يستدل على تفضيل الفطر ؛ بما رواه مسلم من حديث حمزة الأسلمي أنه قال يا رسول الله، أجد مني قوة على الصوم في السفر فهل عليَّ جناح؟ فقال «هي رخصة من الله تعالى، فمن أخذ بها فحسن، ومن أحب أن يصوم فلا جناح عليه» قال الشوكاني وهو قوي الدلالة على فضيلة الفطر نيل الأوطار وقال عمر بن عبد العزيز أيسرهما أفضلهما
الشيخ الكبير والمرأة العجوز
يُرخص للشيخ الكبير والمرأة العجوز وكذلك المريض الذي لا يُرجى برؤه الفطر ؛ لقوله تعالى وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ البقرة ، فعن ابن عباس رضي الله عنهما قال «هو الشيخ الكبير الذي لا يستطيع الصيام فيفطر، ويطعم عن كل يوم مسكينًا نصف صاع من حنطة» رواه البخاري
الحامل والمرضع
يباح لهما الفطر إن خافتا على أنفسهما أو أولادهما؛ لقوله «إن الله تعالى وضع عن المسافر الصوم وشطر الصلاة وعن الحامل والمرضع الصوم» صحيح أبي داود
عاشرًا القضاء
من أفطر في رمضان وجب عليه صيام ما فاته من صيام إن كان له قدرة على الصيام، لقوله تعالى فَعِدَّةٌ مِنْ أَيَّامٍ أُخَرَ ، ومن مات عليه نذر صوم صام عنه وليه ؛ لقوله «من مات عليه صوم صام عنه وليه» متفق عليه من حديث عائشة
وذهب بعض أهل العلم إلى العمل بعموم الحديث، وقال بجواز قضاء جميع أنواع الصيام المحلى ، والشرح الممتع
ويجوز القضاء على التراضي لما ثبت عن عائشة رضي الله عنها قالت كان يكون عليَّ الصوم من رمضان فما أستطيع أن أقضية إلا في شعبان متفق عليه
قال ابن حجر وفي الحديث جواز تأخير قضاء رمضان مطلقًا سواء كان لعذر أو لغير عذر الفتح
ولا يجب التتابع في القضاء، قال ابن عباس رضي الله عنهما «لا بأس به أن يفرق» علقه البخاري
الكفارة
وتجب الكفارة على من أفسد صومه بالجماع ؛ لما ثبت عن رسول الله أنه أتاه رجل فقال يا رسول الله، هلكت قال «وما أهلكك؟» قال وقعت على امرأتي في رمضان قال «هل تستطيع أن تعتق رقبة؟» قال لا قال «هل تستطيع أن تصوم شهرين متتابعين؟» قال لا قال «هل تستطيع أن تطعم ستين مسكينًا؟» قال لا الحديث متفق عليه من حديث أبي هريرة
الفدية
وتجب على من أفطر في رمضان وعجز عن قضاء ما فاته من الصيام ؛ كالشيخ الكبير الفاني، وكذلك المريض الذي لا يرجى برؤه ؛ لقوله تعالى وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ فِدْيَةٌ طَعَامُ مِسْكِينٍ فسرها ابن عباس بالشيخ الكبير والشيخة إذا كانا لا يطيقان الصوم فيطعمان عن كل يوم مسكينًا، ولما ثبت أيضًا عن أنس أنه بعد ما كبر أفطر وأطعم عن كل يوم مسكينًا خبزًا ولحمًا علقه البخاري مع الفتح
نسأل الله أن يبلغنا وإياكم رمضان، وأن يجعلنا فيه من المقبولين الفائزين، إنه نعم المولى ونعم النصير
والله من وراء القصد
م
ن
ق
و
ل
للافادة