بريطانيا و الأطباق الطائرة
*********
ما الذي تعرفه حقاً وزارة الدّفاع البريطانيّة عن الأجسام الطّائرة المجهولة ؟
هل يوجد هناك مؤامرة للتستّر على هذا الموضوع ؟
مع الظّهور الوشيك لقانون حريّة المعلومات البريطاني ، أصبحت دراسة عدّة مئات من الملفّات السّرّية السّابقة التي تتحدّث عن تحقيقات رسميّة عن الصّحون الطّائرة في بريطانيا ممكنة . أمضى ديفيد كلارك ( David Clarke )
وأندي روبرتس ( Andy Roberts )
ثلاث سنوات في اقتفاء أثر الأوراق التي تبحث في ملفات الحكومة البريطانية السريّة ، وهذا ما وجدوه
السّؤال عن مدى معرفة الحكومة البريطانية بالصّحون الطّائرة قد شغل الباحثين بهذا الموضوع منذ أن تصدّر عناوين الصّحف .
لم يبرز أيّ دليل يدلُّ على أنّ الحكومة تعرف أكثر من الباحثين بموضوع الصّحون الطّائرة ،
و هذا جعل الادّعاءات بوجود "مؤامرة حكومية خطيرة" مستمرة
على الرّغم من أنَّ البحريّة الملكيّة ومكتب الحرب أوردا تقارير عن ظاهرة سمائيّة غريبة ، خلال الحربين العالميتين ،
فإنَّ التّحقيقات حول الصّحون الطّائرة ومنذ عام 1952 أصبحت حصريّة لصالح وزارة الطّيران بداية ،
ثمّ لوزارة الدّفاع ، وبقيت سياسة وزارة الدّفاع تجاه الصّحون الطّائرة ثابتة خلال الخمسين سنة الماضية ،
وتلقّى أفراد من العامّة اللذين شاهدوا صحون طائرة معاملة باردة لم تتغيّر منذ البداية إلاَّ قليلاً ،
وقد ادّعت وزارة الدّفاع وبعد آلاف التّحقيقات حول مشاهدات الصّحون الطّائرة ، أنّها لم تجد أيّ دليل ملموس في أيّ من الحالات تشير إلى نشاط فضائي خارج نطاق الأرض .
لكن إذا كانت الصّحون الطّائرة والتي هي بالمعنى الشّعبي
" صحون طائرة من الفضاء الخارجي " غير موجودة ،
لماذا بقيت وزارة الدّفاع تجمع التّقارير ؟
وحسب هيئة الطّيران ، فإنَّ السّبب الوحيد لدراسة التّقارير هو للتخمين إذا كانت لها أيّ تأثيرات على الإجراءات الدّفاعيّة .
وقد حيّر هذا التّعبير الباحثين في موضوع الأجسام الطّائرة كثيراً ، ولكنّ معناه هو كالتّالي :
وجود دليل على أنّها لا تشكّل أيّ تأثير على هذه الإجراءات ، يعني أنّه دليل على عدم وجود تهديد عسكريّ مباشر على السّلطة ، وحالما يؤكّد هذا التّخمين ، فإنّ وزارة الدّفاع سوف تُعلن أنَّ اهتمامها بهذا الموضوع قد انتهى .
لكن كيف يمكن لوزارة الدّفاع أن تتأكّد من أنَّ الأجسام الطّائرة تؤثّر على الإجراءات الدّفاعيّة ؟
إنَّ فحص سجلِّ العمليات يمكن أن يتضمّن تسجيلاً لنشاطات جويّة التقطها نظام الدّفاع الجويّ البريطانيّ بواسطة الرّادار ،
وإذا لم يكن هناك تهديد ،
وهو الشّيء الذي أعلنته وزارة الدّفاع من خلال التّقارير التي أوردتها حتى اليوم ، فإنّه لن يتمَّ اتخاذ أيّة تدابير أخرى ، بالإضافة لذلك ،
فإنّه من الطّبيعي جداً أن تبقى مشاهدة الأجسام طائرة شيئاً غير مُفسّر ، ولكن ألا تتطلّب إجراءات رسميّة أكثر ؟
تعتمد وزارة الدّفاع على رادار شامل وبعيد المدى ، لتسجيل أيّ اقتحام عدائيّ للمجال الجويّ البريطانيّ ،
ويعتبر الرّادار أهمَّ أداة في علميّة تحديد ماهية الأجسام الطّائرة . قبل تطوير الرّادار ذو الموجات القصيرة ، كانت التّجهيزات عُرضة للتقصير ،
وأسيء فهم الظّواهر الطّبيعيّة غالباً كطائرات مُعادية .
كان شيئاً عادياً خلال 1940 و 1950 أن تأتي إشارات وهمية من الرّادار ،
حيث تمَّ الإبلاغ في ذلك الحين عن عدد من مشاهدات الأجسام الطّائرة ، لكنّ كلّ هذا قد اختفى اليوم .
تمَّ تفسير الغالبيّة العظمى من التّقارير التي تلقّتها وزارة الدّفاع على أنّها من الأرض ،
وخمسة إلى عشرة بالمئة منها بقيت غير محدّدة ،
وقد أعلن المحقّقون أنَّ مجموعة صغيرة بقيت غير مشروحة بسبب ما أسموه الأثر البارد أي أهداف رادارية وهمية .
وقد أوضح تقرير للمخابرات في عام 1954، أنَّ التحقيقات في هذه القضايا قد سببت عدداً من المشاكل ،
لأنّه في 99 حالة من أصل مئة كانت الآثار باردة تماماً ، وعندما كان يمكن النّظر في التّقارير مباشرة ، فإنّ عدداً كبيراً منها كان لبالونات أو طائرات تقليديّة أو نيازك أو كواكب ، أو حتى ظواهر عاديّة ، كانعكاس أضواء السّيارة الأماميّة على غيوم منخفضة .
هذا الموقف البارد ( الواقعي ) لوزارة الدّفاع
أغضب الباحثين في ظاهرة الأجسام الطّائرة لفترة طويلة ، وبالنّسبة للمؤمنين بفرضيّة المخلوقات الفضائية ETH.
فإنّ العشرة بالمائة من الحالات التي بقيت مجهولة هي إثبات على وجود أجسام طائرة مجهولة الهوية قادرة على تجنّب أنظمتنا الدّفاعيّة .
وبالمناسبة فإنَّ موظفين رفيعي المستوى في القوات الجويّة الملكيّة وسياسيين وأعضاء في وزارة الدّفاع كلّهم كانوا يؤمنون بأنّ الشّرح المنطقيّ الوحيد ، هو أنَّ مخلوقات فضائيّة زارت الأرض ، ولكنّ آراءهم لم تؤثّر على السّياسة التي كانوا يتّبعونها تجاه العامّة فيما يخصُّ هذا الموضوع .
ولعلَّ " Nick Pope" يُعدُّ من أكثر المناصرين لفرضيّة المخلوقات الفضائية ، وكان "بوب" قد عمل كمدير تنفيذيّ في القسم AS التّابع لمكتب الأجسام الطّائرة المجهولة في وزارة الدّفاع منذ عام 1985 حتى 2000 .
وقد أعلن أنّه أصبح من أتباع فرضيّة المخلوقات الفضائية ، بسبب القضايا التي تعامل معها خلال مدّة خدمته منذ عام 1991 حتى 1994.
بعد فشل "بوب" في إقناع رؤسائه ، قام بتأليف كتاب ،
بعد ترك منصبه ،
أسماه ( سماوات مفتوحة وعقول مُغلقة )
Open Skies
Closed Minds
وقد أعلن أنّه لأوّل مرّةً يخرج خبير حكوميّ في الأجسام الطائرة المجهولة ويتكلّم عن هذا الموضوع .
أتى الكتاب مخيّباً للآمال ، لأنّه كان يفتقد لأيّة معلومات سريّة ، وقدّم فقط معلومات سطحيّة عن الموضوع ، التقطت من الأعمال الأدبيّة التي كتبت عن الصّحون الطّائرة دون الإشارة لأيّة ملفات حكوميّة سريّة .
كان رالف نويس Ralph Noyes أوّل وأهمَّ موظّف حكوميّ يصدر تصريحات حول الأجسام الطّائرة المجهولة .
وكان قد تقاعد من وزارة الدّفاع في عام 1977 ، كمساعد لوزير الدّولة لشؤون الدّفاع ، وقال تماماً ما قاله بوب Pope ، بأنّه وزملاءه في الجيش ، لا يشكّون أبداً بأنّ بعض الصّحون الطّائرة لا يمكن تفسيرها بسهولة ، ولكنّه توصّل لنتيجة أنّه معارض تماماًَ لفكرة تبسيط نظريّة المخلوقات الفضائية ، وقد اشترك "رالف" وبشكل جدّيّ في أبحاث فيزيائيّة ، وبالنّسبة له فإنّ ظاهرة الأطباق الطّائرة تحمل كلّ العلامات التي تدلُّ على وجود ظاهرة غير مألوفة ، وهي حقيقية بقدر حقيقة وجود قوس قزح .
مع أنّ أوّل التّحقيقات الرّسميّة في الظّواهر السّماويّة ( مشروع الإشارة ) Project Sign قد بدأت في الولايات المتحدة ، وذلك بعد مشاهدات عامي 1947 – 1948 ،
فإنّ الحكومة البريطانيّة لم تبدأ أيّ دراسة رسميّة حتى أجبرها الرّأي العام على ذلك .
وذلك في صيف عام 1950 ، عندما راحت جرائد ومجلات بريطانيا تنشر سلسلة من المقالات مأخوذة من كتب أمريكيّة عن الصّحون الطّائرة ألّفها الضابط الطيار دونالد كيهو Donald Keyhoe و فرانك سكالي Frank Scully ، لكن بقي المسؤولون البريطانيون البارزون على موقفهم في أن الصّحون الطّائرة هي مجّرد بدعة سخيفة .
و لكن إذا أرادوا أن يعتبروها جديّة فهي تعدُّ أسلحة سريّة جديدة من أصل أمريكي أو روسيّ أنتجتها الحرب الباردة ، ومنذ عام 1950 ، بدأت نظرية الأسلحة السّريّة تفقد بريقها ، وحلّت محلّها الفكرة العامّة عن أنّ الصّحون الطّائرة هي لزوّار من عوالم أخرى ، وبمقارنة فرضيّة المخلوقات الفضائية مع التّطوّرات الأخيرة من اختراع طائرة أسرع من الصّوت ، واكتشاف القوى الذريّة ، والتّخمينات عن إمكانيّة السّفر إلى الفضاء ، فإنّ هذه الفرضيّة تبدو ممكنة ، ويمكن إيجاد تفسيرات منطقيّة لها .
بحلول عام 1954 ، وصل هذا الاعتقاد للمستويات العليا في القوات الجويّة الملكيّة ، وذلك عندما دُعي مؤلّفوا كتاب "الصّحون الطّائرة قد هبطت" Flying Saucers Have Landed وهم ديزموند ليزلي Desmond Leslie وجورج أدامسكي George Adamski لتقديم الحقائق عن الصّحون الطّائرة في اجتماع "براس هاتس" ‘brass hats’ الذي ضمَّ القائد الأعلى للعمليات القتاليّة الماريشال ديرموت بويل Dermot Boyle ، وفي البدايات كان عدد من الشّخصيات العامّة مثل اللورد داودينغ ، و الّلورد ماونتباتن قد اتّبعوا هوس الصّحون الطّائرة ، وقد أقنع اللورد مونتابتن مستشاره الصّحفي السّابق تشارلز إيد والذي أصبح فيما بعد محرّر جريدة Sunday Dispatchبتقديم الحقائق للعامّة عن طريق أوّل جزء من سلسلة من الصّحف الشعبيّة حول الصّحون الطّائرة ، وقد لعبت الحملة الإعلامية الخاطفة التي تبعت ذلك ، دوراً هاماً في تعديل تصوّرات الحكومة والشّعب عن الموضوع .
بالتّزامن مع وصول فرضيّة المخلوقات الفضائية للعامّة ، خرجت أسطورة أخرى وأصبحت واحدة من الموضوعات التي تشكّل علم أساطير الصّحون الفضائيّة الحديث ، وتتحدّث هذه الأسطورة عن مؤامرة قامت بها الحكومة .
وقد ظهر اعتقاد في الأعمال الأدبيّة اللاحقة المتعلّقة بالصّحون الطّائرة يقول بأنّ حكومتي بريطانيا والولايات المتحدة ووكالات الاستخبارات التّابعة لهما كانوا يعملون على إخفاء حقيقة زيارة مخلوقات فضائيّة للأرض ، و هذا ما ادعاه الرّائد دونالد كيهو Donald Keyhoeهذه القصة وجدت أصداءً لها في أوساط الحكومة المذعورة والمُرتابة بسبب الحرب الباردة . و حسب رأي "كيهو" فإنّ الحكومة خافت من نشوب حرب مرعبة بين العوالم ، إذا تمَّ الكشف عن الحقيقة . وقد ألمحت المصادر السّريّة التي يأخذ منها كيهو معلوماته ، أنّ هناك سباقاً فضائياً سرّياً من أجل الحصول على صحون طائرة و امتلاك أنظمة الدّفع التي تستخدمها ، قبل حصول الشّيوعيين عليها ، ويعتقد كيهو أيضاً أنّ هناك معركة مستمرة بين الموظّفين الحكوميين اللذين يريدون الكشف عن الحقيقة ، وبين القسم الذي يريد الإبقاء على الموضوع سراًَ .
انقسمت المؤسّسة السّريّة الداخليّة البريطانية إلى قسمين متساويين تجاه موضوع الأجسام الطّائرة ، بينما أخذت بعض الشّخصيات البارزة في المجتمع مثل اللورد ماونتباتن الموضوع على محمل الجدّ ، وكانوا حذرين في تحديد وجهات نظرهم . و في هذه الأثناء أنكرت الوكالات الحكوميّة البريطانية وكذلك المستشارون العلميون ( الذين كانوا يلقبون بذوي الرّؤوس المقبّبة ) كلّ الموضوع ، واعتبروا أنَّ موضوع الصّحون الطّائرة هو ابتعاد غير ضروري عن ما يرونه أنّه تهديد حقيقيّ ، مثل امتداد الإمبراطوريّة السّوفيتية ، والحرب العالمية الثّانية الوشيكة ، وكان البعض يرى وصول مخلوقات فضائيّة دخيلة هو تطوّر يمكن أن يساعد على توحيد العالم المقسّم ليقف في وجه التّهديد الذي يطال الجميع . وآخرون يرون أنّ الموضوع يمكن أن يكون مصدراً لخطر محتمل . وحسب رأي وكالات الاستخبارات ، فإنَّ الانتشار الواسع للاعتقاد بوجود صحون طائرة تحمل مخلوقات فضائيّة ، يمكن أن يقود إلى موجة من المشاهدات الزّائفة التي قد تُستخدم كسلاح لإرباك نظام الإنذار المبكّر الذي يمتلكه الغرب في اللحظات الحاسمة قبل توجيه ضربة نوويّة وقائيّة ، وكان هذا السّيناريو المرعب أساسياًَ في اهتمام وكالة الاستخبارات المركزيّة بموضوع الصّحون الطّائرة ، وكذلك بالنّسبة للدكتور بوب روبرتسون Bob Robertsonالذي كن يترأّس لجنة الأجسام الطّائرة المجهولة في وكالة الاستخبارات المركزيّة ، والتي تشكّلت في عام 1953 ، وقام صديقه الدّكتور جونز ( Jones ) والذي كان في وكالة الاستخبارات البريطانية ، بإطلاع هيئة الطّيران على مشكلة الصّحون الطّائرة ، وذلك خلال حدوث عدد من المشاهدات في عامي 1952 و 1967 ، وقد اعتمد "جونز" كثيراً على اتصالاته مع الأمريكيين ، وأشار إلى عدد من المخاوف والأوهام التي انتشرت خلال الفترات الأولى من الحرب .
كانت السّياسة البريطانية تجاه الصّحون الطّائرة تتبع السّياسة التي تتبعها أمريكا ، وذلك يعدُّ شيئاً طبيعياً حسب التّقارب الذي كان موجوداً بين الدّولتين خلال الحرب البادرة ، وخصوصاً بعد التّوصيات التي قدّمتها وكالة الاستخبارات الأمريكيّة للجنة روبرتسون التي كانت ترعاها ، وقد دعمت المنظّمة حملة منظّمة من أجل تهديم الّلغز و فضح حقيقة المُشاهدات ولتعرية قضيّة الصّحون الطّائرة من الهيئة الخاصّة التي أُعطيت لها ، ومن حالة الغموض التي ، ولسوء الحظّ ، اكتسبتها . و في غضون أسابيع أُعطيت الأوامر لكلّ قواعد الدّفاع الجويّ الملكيّ بأنَّ أيّ تقرير يأتي من قبل موظّفين في القوات الجويّة الملكيّة عن ظواهر سماويّة ، وخصوصاً تلك التي يلتقطها الرّادار يجب أن تبقى سريّة بموجب قانون الأسرار الرّسميّة ، ويجب عدم مناقشتها مع أفراد من العامّة ، وخصوصاً الصّحافة . وفي النّهاية أصبح الموظّفون في وكالة "تحديد البعد الإزدواجي" ( DDI ) التّابعة لوزارة الطّيران هم اللذين يتحمّلون مسؤوليات شخصيّة عن التّحقيق في قضيّة الصّحون الطّائرة . ولكن منذ عام 1958 ولأسباب أمنيّة ، أصبحت كلّ القضايا العامّة والبرلمانيّة المتعلّقة بالموضوع تحوّل لفرعين مدنيين في هيئة الطّيران وهما ( S6 ) و ( S4F ) . ومنذ الآن أصبحت وكالة الاستخبارات الجويّة تتدخّل كمجرد مُستشار تقنيّ للمدنين الذين كانوا يديرون ما أصبح يعرف فيما بعد بمكتب الصّحون الطّائرة . وكانت وكالة الاستخبارات الدفاعيّة تقوم وحتى عام 2000 وبشكل روتيني بالتّدقيق في كلّ التّقارير غير العاديّة ، واستمر ذلك حتى قرّرت هيئة وكالة الدّفاع أنّها لن تستقبل أيّة تقارير أخرى ، حول الصّحون الطّائرة من هيئة الطّيران .
في عام 1969 ، وعندما أغلقت القوات الجويّة الأمريكية مشروعها المُسمى الكتاب الأزرق Blue Book قرّرت وزارة الدّفاع البريطانية أنّها يجب أن تستمرّ في مراقبة التّقارير عن الصّحون الطّائرة ، وذلك ليس لأنّهم لا يوافقون مع النّتيجة التي توصّلت لها الولايات المتحدة بأنّه لا مبرّر لدراسات أخرى عن الموضوع ، بل لأنّهم شعروا أنّ هناك حاجة للإجابة على الأسئلة التي يطرحها العامّة ، والتي ربّما تكون ناشئة عن قلق حقيقيّ على الأمن القوميّ . وكذلك ، فقد كانت وزارة الدّفاع حساسة تجاه الرّأي العام ، وخصوصاً انتقادات أعضاء البرلمان والصّحافة للأسلوب الذي تعاملت به مع تقارير الصّحون الطّائرة . ومع انتهاء الحرب الباردة ، لم تعد الصّحون الطّائرة موضوعاً يخصُّ الدّفاع ، بل أصبح مشكلة تتعلّق بالعلاقات العامّة . وكما فسّرها موظف حكوميّ بأنّه بينما كانوا يتمنّون تجنّب إهدار الأموال العامّة في ملاحقة الأشباح ، اتّضح أنّه يكفي فقط ظهور حادثة واحدة مُعلنة ومدهشة وغير مُفسّرة لكي تحدث سيلاً من النّقد العامّ للحكومة ، لفشلها بإعطاء أهميّة كافية للموضوع ، ولذلك فقد قرّرت وزارة الدّفاع الاستمرار بجمع التّقارير ، ولو أنَّ ذلك كان يحدث بفتور ، وفي بعض الحالات كانت ترسل فرق من المتخصّصين للتّحقيق في الحالات التي كانت تعتبر مُحيّرة جداً .
عُرف مكتب الصّحون الطّائرة من قبل بعدد من الأسماء المختلفة ، كنتيجة للتغيّرات الدّاخلية التي حدثت في وزارة الدّفاع ، ولكن بقي يقوم بنفس الواجبات التي كان يقوم بها منذ عام 1958 ، ويخضع ذوو المناصب فيه إلى مهمّة مدّتها ثلاث سنوات ، يرسلون بعدها للعمل ، وتختلف درجات اهتمامهم بالموضوع من أُناس يفقدون أيّ اهتمام حتى تصل إلى المتحمّس مثل *** بوب ، وبقي هذا المكتب يعتبر المركز الرئيسيّ للتّقارير الواردة حول الصّحون الطّائرة من قبل موظفين ، ورجال شرطة ، وطواقم من الطّيارين المدنيّين ، وكذلك من قبل العامّة في إنكلترا ، على الرّغم من كلّ الادعاءات التي تقول بعكس ذلك ، بالإضافة إلى أنَّ موظفين من هذا المكتب كانوا يعملون مع مستشارين من هيئة الطّيران من أجل تحضير إجابات على الأسئلة التي يقدمها البرلمانيون ومذكّرات الوزراء عن الموضوع . وتكشف ملفّات المراسلة بين عام 1962 و 1972 كيف كان فريق المكتب يقسّم وقته بين القيام بدراسة روتينيّة للتّقارير ، وبين الإجابة على الرّسائل التي يرسلها شهود عيان و الباحثين في ظاهرة الصّحون الطّائرة ، وقد وصف أحد المسؤولين الموقف الذي يتّخذه رجال هذا المكتب ، بأنّهم يرفضون المساعدة ولكن بشكل ليّن .
تتدرّج الرّسائل الموجودة في السّجلات العامّة من شهادات موثوقة وأخرى محيّرة حول رؤية أضواء في السّماء إلى مراسلات كتبت بخط كبير وحبر أحمر تدين وزارة الدّفاع لأنّها أطلقت فوراً سراح الصّحن الطّائر الذي كانوا قد قبضوا عليه ، وكذلك جثث المخلوقات الفضائيّة التي كانت مخبّئة في الأقبية تحت مبنى الوايت هول White Hall .
يعتقد كتّاب محترمون يؤمنون بفرضيّة المخلوقات الفضائية مثل تيم غود Tim Good و *** ريدفيرن Nick Redfern بأنَّ مكتب الصّحون الطّائرة هو ببساطة واجهة لفريق تحقيقات أوسع سريّ ومموّل بسخاء أكثر ، ومختبئ في مكاتب هيئة وكالة الدّفاع ( DIS ) . ومن جانبه لم ينكر بوب بأنّ فرعه قادر على الاعتماد على خبرات فروع متخصّصة مثل الفرع ( DI55 ) من أجل استشارتهم في مسائل تقنيّة ، مثل الرّادار ، ولكنّه صرّح بأنّه لا يوجد أيّ قسم سّرّيّ في هذه الفروع المتخصّصة بدراسة الصّحون الطّائرة ، وأنّه لو كان هناك إحداها فإنّه سوف يعلم به ، ولكنّ بوب شدّد على حقيقة أنَّ كلّ مندوبي الحكومات قد وقعوا على ( قانون الأسرار الرسميّة ) ، ويجب أن يلتزموا به فيما يخصُّ الصّحون الطّائرة . فهل نستطيع إذاً أن نعتمد على "*** بوب" كموظّف رسمي في وزارة الدّفاع لكي يخبرنا بالحقيقة ؟
بقيت وزارة الدّفاع تدّعي أنّها لم تنتدب أيّة خبرات متخصّصة لدراسة الصّحون الطّائرة ، وحتى أنّها لم تجري أيّة دراسة علميّة خاصّة بها حول الموضوع . وحتى وقت قريب ، لم يكن بالإمكان التّأكّد من صحّة هذا الادعاء ، حيث وجود مجموعة من القوانين الأمنية الصّارمة التي امتدت لثلاثين عاماً ، ولكن هذا الوضع يتغيّر يومياً ، حيث تمّ تسليم مكتب السّجلات العامّة أكثر من مئة ملفّ حول الصّحون الطّائرة بين عامي 1950و 1975 ، وتتضمّن هذه التّقارير عدداً كبيراً من الملفات والدّراسات ، ومجموعة من الوثائق المتعلّقة بالسّياسة المتّبعة تجاه الصّحون الطّائرة .
بما أنّ قانون حريّة المعلومات البريطاني كان سوف يبدأ تطبيقه في عام 2005 ، فقد أُجبرت وزارة الدّفاع مع بعض المؤسسات الحكوميّة على أن تبدي استجابة أكثر تجاه المطالبة بالمعلومات ، و كنتيجة لذلك فقد أصبحت مجموعة من التقارير حول الصّحون الطّائرة التي كانت مخفية فيما مضى ، متاحة للأبحاث والدّراسة ، وربّما كانت حادثة الصّحون الطّائرة التي حصلت في غابة رندلشام Rendlesham ، والتّقرير الكامل الذي خرج عنها في عام 2001 ، هو أكبر غنيمة من المعلومات . وعلى الرّغم من ذلك ، فقد خرج التّقرير تحت إشراف تشريع استخدم المعلومات الحكوميّة ، وقد أُستعجل ظهوره من قبل القائمين على إصدار قانون حريّة المعلومات .
مع التّدفق الكبير للوثائق الحكوميّة أصبحت الأبحاث في أرشيف الصّحون الطّائرة في بريطانيا مساوية للتي كانت في أمريكا ، حيث أنّ الباحثين استفادوا من قانون حريّة المعلومات منذ عام 1974 ، و لكنّ الشّيء الوحيد الذي كان غير موجود في الملفات البريطانيّة السّريّة ، هو الدّليل على أنّ وزارة الدّفاع حاولت جاهدةً أن تخفي حقيقة الصّحون الطّائرة عن العامّة . ولكنّ كلّ ما حصلت عليه هو إحراج وتجاهل وقلق دائم عن مدى التّأثير الذي يسببه الاعتقاد بوجود الصّحون الطّائرة على الإعلام والسّياسيين ، وخصوصاً عندما يقود ذلك إلى الإقبال على المزيد من إنفاق الأموال . وقد كرّس الباحثين في الصّحون الطّائرة في أمريكا وبريطانيا عقوداً كثيرة من أجل الحصول على طلبهم والذي هو إجبار الحكومة على الكشف عن ملفاتها السريّة والتي ، حسب اعتقادهم ، سوف تعطي الدّليل على وجود المخلوقات الفضائيّة . واليوم تمّ الكشف عن العديد من هذه الملفّات ، ومع ذلك لم يتمّ العثور على أيّ دليل على وجود مخلوقات فضائيّة ، ولذلك يُشك بوجد إخفاء كامل لهذه المعلومات ، وهؤلاء الذين دخلوا قاعة المرايا هذه تأكّدوا من أنّ المعلومات التي أعطتها الحكومة حول عدم اقتناعها بفرضيّة المخلوقات الفضائية هي معلومات مُضلّلة ، والأدلّة التي تنكر وجود صحون طائرة هي أدلّة مزوّرة ، أو تمّ وضعها من قبل عملاء للحكومة . وخلال أبحاثنا تبيّن لنا أنّ فكرة وجود إخفاء رسمي للمعلومات هي فكرة صحيحة وغير قابلة للإنكار ، كما قال أحد الموظفين الحكوميين الغاضبين : النّتيجة النّهائيّة بأنّ غالبيّة الحكومات في العالم تخفي معلومات خطيرة عن الصّحون الطّائرة ، و يمكنها أن تنكر دائماً دون رقيب أو حسيب . فهم يعلنون دائماً بأنه لا يوجد مؤامرة حكوميّة لإخفاء المعلومات ، و كما قال دانيال ويبستر Daniel ***ster: " لا يوجد هناك شيء أقوى ، وغالباً أغرب ، من الحقيقة " .
هذا ما يمكن أن نستخلصه من خلال قراءة الآلاف من المقالات والكتب التي تناولت هذه الظّاهرة ، بالإضافة إلى الآلاف من القصص و الرّوايات التي تحدّثت عن مشاهدات أو عمليّات تواصل أو حتى مواجهات مع هذه المركبات الغريبة ، و قد يضيع الفرد بين الصحيح والكذب و الخيال و الواقع . فما هي الحقيقة ؟
أوّل حقيقة يجب أن نذكرها هي أن العام 1947م كان عاماً مميّزاً . فقد امتلأت السماء بالأجسام الطّائرة المجهولة الهوية ، و بأشكال و ألوان مختلفة . ظهرت بكميات غير مسبوق لها حيث سجّلت مشاهدات كثيرة في كل من الولايات المتحدة و إيطاليا و فرنسا و ألمانيا و اليابان و أمريكا الجنوبية و السويد و غيرها من مناطق مختلفة من العالم ، أما الأسباب فهي مجهولة حتى الآن ..... لكن السؤال هو :
هل هذه الظاهرة هي مجهولة فعلاً ؟
أم أن هناك من يعرف الكثير الكثير ..؟!