قهوتنا على الانترنت
ابحث عن :  
النتائج 1 إلى 8 من 8
  1. افتراضي قصه جميله وتجعلك لاتملك دموعك وانت تقرأها

    القصة جميلة جدا و مؤثرة أقراها بتمعن



    أقرأوها وتمعنوا فيها... أثابكم الله وقد ذكرها الشيخ خالد الراشد كثيرا
    لم أكن جاوزت الثلاثين حين أنجبت زوجتي أوّل أبنائي.. ما زلت أذكر تلك الليلة ..

    بقيت إلى آخر الليل مع الشّلة في إحدى الاستراحات..

    كانت سهرة مليئة بالكلام الفارغ.. بل بالغيبة والتعليقات المحرمة...

    كنت أنا الذي أتولى في الغالب إضحاكهم.. وغيبة الناس.. وهم يضحكون



    أذكر ليلتها أنّي أضحكتهم كثيراً.. كنت أمتلك موهبة عجيبة في التقليد..

    بإمكاني تغيير نبرة صوتي حتى تصبح قريبة من الشخص الذي أسخر منه..

    أجل كنت أسخر من هذا وذاك.. لم يسلم أحد منّي أحد حتى أصحابي..

    صار بعض الناس يتجنّبني كي يسلم من لساني

    .

    أذكر أني تلك الليلة سخرت من أعمى رأيته يتسوّل في السّوق...

    والأدهى أنّي وضعت قدمي أمامه فتعثّر وسقط يتلفت برأسه لا يدري ما يقول..

    وانطلقت ضحكتي تدوي في السّوق



    عدت إلى بيتي متأخراً كالعادة.. وجدت زوجتي في انتظاري..

    كانت في حالة يرثى لها.. قالت بصوت متهدج: راشد.. أين كنتَ ؟

    قلت ساخراً: في المريخ.. عند أصحابي بالطبع



    كان الإعياء ظاهراً عليها.. قالت والعبرة تخنقها: راشد… أنا تعبة جداً ..

    الظاهر أن موعد ولادتي صار وشيكا ..

    سقطت دمعة صامته على خدها.. أحسست أنّي أهملت زوجتي..

    كان المفروض أن أهتم بها وأقلّل من سهراتي.. خاصة أنّها في شهرها التاسع .

    حملتها إلى المستشفى بسرعة.. دخلت غرفة الولادة.. جعلت تقاسي الآلام ساعات طوال..



    كنت أنتظر ولادتها بفارغ الصبر.. تعسرت ولادتها.. فانتظرت طويلاً حتى تعبت..

    فذهبت إلى البيت وتركت رقم هاتفي عندهم ليبشروني





    بعد ساعة.. اتصلوا بي ليزفوا لي نبأ قدوم سالم ذهبت إلى المستشفى فوراً..

    أول ما رأوني أسأل عن غرفتها.. طلبوا منّي مراجعة الطبيبة التي أشرفت على

    ولادة زوجتي.



    صرختُ بهم: أيُّ طبيبة ؟! المهم أن أرى ابني سالم.

    قالوا، أولاً راجع الطبيبة

    ..

    دخلت على الطبيبة.. كلمتني عن المصائب .. والرضى بالأقدار ..

    ثم قالت: ولدك به تشوه شديد في عينيه ويبدوا أنه فاقد البصر



    خفضت رأسي.. وأنا أدافع عبراتي.. تذكّرت ذاك المتسوّل الأعمى الذي

    دفعته في السوق وأضحكت عليه الناس.



    سبحان الله كما تدين تدان ! بقيت واجماً قليلاً.. لا أدري ماذا أقول..

    ثم تذكرت زوجتي وولدي ..

    فشكرت الطبيبة على لطفها ومضيت لأرى زوجتي ..



    لم تحزن زوجتي.. كانت مؤمنة بقضاء الله.. راضية. طالما نصحتني أن أكف

    عن الاستهزاء بالناس.. كانت تردد دائماً، لا تغتب الناس ..



    خرجنا من المستشفى، وخرج سالم معنا. في الحقيقة، لم أكن أهتم به كثيراً.

    اعتبرته غير موجود في المنزل. حين يشتد بكاؤه أهرب إلى الصالة لأنام فيها.

    كانت زوجتي تهتم به كثيراً، وتحبّه كثيراً. أما أنا فلم أكن أكرهه، لكني

    لم أستطع أن أحبّه !



    كبر سالم.. بدأ يحبو.. كانت حبوته غريبة.. قارب عمره السنة فبدأ يحاول المشي..

    فاكتشفنا أنّه أعرج. أصبح ثقيلاً على نفسي أكثر. أنجبت زوجتي بعده عمر وخالداً

    .

    مرّت السنوات وكبر سالم، وكبر أخواه. كنت لا أحب الجلوس في البيت. دائماً مع أصحابي.

    في الحقيقة كنت كاللعبة في أيديهم ..



    لم تيأس زوجتي من إصلاحي. كانت تدعو لي دائماً بالهداية. لم تغضب من تصرّفاتي

    الطائشة، لكنها كانت تحزن كثيراً إذا رأت إهمالي لسالم واهتمامي بباقي إخوته.



    كبر سالم وكبُر معه همي. لم أمانع حين طلبت زوجتي تسجيله في أحدى المدارس

    الخاصة بالمعاقين. لم أكن أحس بمرور السنوات. أيّامي سواء ..

    عمل ونوم وطعام وسهر.



    في يوم جمعة، استيقظت الساعة الحادية عشر ظهراً. ما يزال الوقت مبكراً بالنسبة لي.

    كنت مدعواً إلى وليمة. لبست وتعطّرت وهممت بالخروج. مررت بصالة المنزل



    فاستوقفني منظر سالم. كان يبكي بحرقة!



    إنّها المرّة الأولى التي أنتبه فيها إلى سالم يبكي مذ كان طفلاً. عشر سنوات مضت

    لم ألتفت إليه. حاولت أن أتجاهله فلم أحتمل. كنت أسمع صوته ينادي أمه



    وأنا في الغرفة. التفت ... ثم اقتربت منه. قلت: سالم! لماذا تبكي؟!



    حين سمع صوتي توقّف عن البكاء. فلما شعر بقربي، بدأ يتحسّس ما حوله بيديه

    الصغيرتين. ما بِه يا ترى؟! اكتشفت أنه يحاول الابتعاد عني!!



    وكأنه يقول: الآن أحسست بي. أين أنت منذ عشر سنوات ؟! تبعته ...



    كان قد دخل غرفته. رفض أن يخبرني في البداية سبب بكائه. حاولت التلطف معه ..

    بدأ سالم يبين سبب بكائه، وأنا أستمع إليه وأنتفض.



    أتدري ما السبب!! تأخّر عليه أخوه عمر، الذي اعتاد أن يوصله إلى المسجد.

    ولأنها صلاة جمعة، خاف ألاّ يجد مكاناً في الصف الأوّل. نادى عمر..

    ونادى والدته.. ولكن لا مجيب.. فبكى.



    أخذت أنظر إلى الدموع تتسرب من عينيه المكفوفتين. لم أستطع أن أتحمل بقية كلامه.

    وضعت يدي على فمه وقلت: لذلك بكيت يا سالم !!..

    قال: نعم ..



    نسيت أصحابي، ونسيت الوليمة وقلت: سالم لا تحزن. هل تعلم من سيذهب بك اليوم

    إلى المسجد؟

    قال: أكيد عمر .. لكنه يتأخر دائماً ..

    قلت: لا .. بل أنا سأذهب بك ..



    دهش سالم .. لم يصدّق. ظنّ أنّي أسخر منه. استعبر ثم بكى. مسحت دموعه بيدي

    وأمسكت يده. أردت أن أوصله بالسيّارة. رفض قائلاً: المسجد قريب...

    أريد أن أخطو إلى المسجد - إي والله قال لي ذلك.



    لا أذكر متى كانت آخر مرّة دخلت فيها المسجد، لكنها المرّة الأولى التي أشعر

    فيها بالخوف والنّدم على ما فرّطته طوال السنوات الماضية. كان المسجد مليئاً بالمصلّين

    إلاّ أنّي وجدت لسالم مكاناً في الصف الأوّل. استمعنا لخطبة الجمعة معاً وصلى بجانبي... بل في الحقيقة أنا صليت بجانبه ..



    بعد انتهاء الصلاة طلب منّي سالم مصحفاً. استغربت!!



    كيف سيقرأ وهو أعمى؟ كدت أن أتجاهل طلبه، لكني جاملته خوفاً من جرح مشاعره.

    ناولته المصحف ... طلب منّي أن أفتح المصحف على سورة الكهف.

    أخذت أقلب الصفحات تارة وأنظر في الفهرس تارة .. حتى وجدتها.



    أخذ مني المصحف ثم وضعه أمامه وبدأ في قراءة السورة ...

    وعيناه مغمضتان ... يا الله !! إنّه يحفظ سورة الكهف كاملة!!



    خجلت من نفسي. أمسكت مصحفاً ... أحسست برعشة في أوصالي...

    قرأت وقرأت.. دعوت الله أن يغفر لي ويهديني. لم أستطع الاحتمال ...

    فبدأت أبكي كالأطفال. كان بعض الناس لا يزال في المسجد يصلي السنة ...

    خجلت منهم فحاولت أن أكتم بكائي. تحول البكاء إلى نشيج وشهيق ...



    لم أشعر إلا ّ بيد صغيرة تتلمس وجهي ثم تمسح عنّي دموعي. إنه سالم !!

    ضممته إلى صدري...

    نظرت إليه.

    قلت في نفسي...



    لست أنت الأعمى بل أنا الأعمى، حين انسقت وراء فساق يجرونني إلى النار

    عدنا إلى المنزل.

    كانت زوجتي قلقة كثيراً على سالم، لكن قلقها تحوّل إلى دموع حين علمت

    أنّي صلّيت الجمعة مع سالم ..



    من ذلك اليوم لم تفتني صلاة جماعة في المسجد. هجرت رفقاء السوء ..



    وأصبحت لي رفقة خيّرة عرفتها في المسجد.

    ذقت طعم الإيمان معهم.

    عرفت منهم أشياء ألهتني عنها الدنيا.

    لم أفوّت حلقة ذكر أو صلاة الوتر.

    ختمت القرآن عدّة مرّات في شهر.

    رطّبت لساني بالذكر لعلّ الله يغفر لي غيبتي وسخريتي من النّاس.



    أحسست أنّي أكثر قرباً من أسرتي. اختفت نظرات الخوف والشفقة التي كانت تطل

    من عيون زوجتي.

    الابتسامة ما عادت تفارق وجه ابني سالم.

    من يراه يظنّه ملك الدنيا وما فيها. حمدت الله كثيراً على نعمه.



    ذات يوم ...



    قرر أصحابي الصالحون أن يتوجّهوا إلى أحدى المناطق البعيدة للدعوة.

    تردّدت في الذهاب. استخرت الله واستشرت زوجتي. توقعت أنها سترفض...

    لكن حدث العكس !



    فرحت كثيراً، بل شجّعتني. فلقد كانت تراني في السابق أسافر دون استشارتها

    فسقاً وفجوراً.



    توجهت إلى سالم. أخبرته أني مسافر فضمني بذراعيه الصغيرين مودعاً...



    تغيّبت عن البيت ثلاثة أشهر ونصف، كنت خلال تلك الفترة أتصل كلّما سنحت

    لي الفرصة بزوجتي وأحدّث أبنائي. اشتقت إليهم كثيراً ...

    آآآه كم اشتقت إلى سالم !! تمنّيت سماع صوته...

    هو الوحيد الذي لم يحدّثني منذ سافرت.



    إمّا أن يكون في المدرسة أو المسجد ساعة اتصالي بهم.



    كلّما حدّثت زوجتي عن شوقي إليه، كانت تضحك فرحاً وبشراً

    إلاّ آخر مرّة هاتفتها فيها. لم أسمع ضحكتها المتوقّعة. تغيّر صوتها ..

    قلت لها: أبلغي سلامي لسالم، فقالت: إن شاء الله ... وسكتت...



    أخيراً عدت إلى المنزل.

    طرقت الباب.



    تمنّيت أن يفتح لي سالم، لكن فوجئت بابني خالد الذي لم يتجاوز الرابعة من عمره.

    حملته بين ذراعي وهو يصرخ: بابا .. بابا ..

    لا أدري لماذا انقبض صدري حين دخلت البيت.

    استعذت بالله من الشيطان الرجيم ..

    أقبلت إليّ زوجتي ... كان وجهها متغيراً. كأنها تتصنع الفرح.

    تأمّلتها جيداً ثم سألتها: ما بكِ؟

    قالت: لا شيء .

    فجأة تذكّرت سالماً فقلت .. أين سالم ؟

    خفضت رأسها. لم تجب. سقطت دمعات حارة على خديها...

    صرخت بها ... سالم! أين سالم ..؟



    لم أسمع حينها سوى صوت ابني خالد يقول

    بلغته: بابا ... ثالم لاح الجنّة ... عند الله...



    لم تتحمل زوجتي الموقف.

    أجهشت بالبكاء. كادت أن تسقط على الأرض، فخرجت من الغرفة.

    عرفت بعدها أن سالم أصابته حمّى قبل موعد مجيئي بأسبوعين فأخذته زوجتي إلى المستشفى .. فاشتدت عليه الحمى ولم تفارقه ... حين فارقت روحه جسده ..





    إذا ضاقت عليك الأرض بما رحبت، وضاقت عليك نفسك بما حملت فاهتف ... يا الله

    إذا بارت الحيل، وضاقت السبل، وانتهت الآمال، وتقطعت الحبال، نادي ... يا الله

    ودى القصة والشيخ خالد الراشد بيحكيها
    http://www.youtube.com/watch?v=QooKgjvH9wg

  2. #2
    تاريخ التسجيل
    2 - 1 - 2009
    ساكن في
    عيشة فى بيت بابا
    المشاركات
    379
    النوع : انثيEritrea

    افتراضي

    الله بجد قصة موثرة
    انا بجد دموعى نزلت
    ربنا يهدينا جميعا
    ليس الحب ان تبقى
    مع من تحب
    ولكن
    الحب ان تثق انك فى
    قلب من تحب

    البحث على جميع مواضيع العضو رهف

  3. #3

    افتراضي

    جزاكى الله كل خير
    بجد قصة جميلة وسبحان الله
    "انك لاتهدى من احببت ولكن الله يهدى من يشاء"
    ان الله اراد بنا اشياء..واراد منا اشياء..فما اراده بنا اخفاه عنا..وما اراده منا اظهره لنا..فلماذا نشغل انفسنا بما اراده بنا عما اراده منا؟
    لايجب ان تقول كل ما تعرف..ولكن يجب ان تعرف كل ما تقول
    البحث على جميع مواضيع العضو بريهان

  4. #4
    تاريخ التسجيل
    26 - 4 - 2009
    ساكن في
    فى عالمى الخاص
    المشاركات
    767
    النوع : انثيEgypt

    افتراضي

    ميـــــــرسى كتير للقصة الجميلة
    والمؤثرة اوى دى

    جزاك الله كل خير

    الجنه تجمعنا ان شاء الله
    yes, we can

    البحث على جميع مواضيع العضو عصفورة صغيرة

  5. افتراضي

    "جزانا واياكم وتسلموا على مروركم الجميل"

  6. #6
    تاريخ التسجيل
    13 - 4 - 2010
    ساكن في
    القاهره
    العمر
    48
    المشاركات
    32,835
    النوع : ذكر Egypt

    افتراضي

    حروف
    بلاغه فوق بلاغه
    واعجاز
    في الوصف يفوق
    الادراك
    فتلثمه اهداب الناظرين
    الى لوحه
    لم تخط احرفها والقها سوى
    يداك
    لينهكني الركض بين الدهشة
    والاعجاب
    فتحت للدنيا صفحاتك
    فدخل ابداعك من أوسع
    الأبواب
    فهنيئا لابداعك بعدد الحروف
    والحساب
    لك
    خالص تقديرى
    واحترامى




  7. #7
    تاريخ التسجيل
    30 - 12 - 2012
    ساكن في
    Gizeh, Egypt
    العمر
    48
    المشاركات
    554
    النوع : ذكر Egyptالفريق المفضل  : الزمالك

    افتراضي

    قصة مؤثرة فعلا
    حب النبى وهذا القدر يكفينى
    البحث على جميع مواضيع العضو محمد مطاوع

  8. #8
    تاريخ التسجيل
    29 - 4 - 2009
    ساكن في
    اسكندرية
    العمر
    34
    المشاركات
    64
    النوع : انثيEgypt

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة reemo مشاهدة المشاركة
    القصة جميلة جدا و مؤثرة أقراها بتمعن



    أقرأوها وتمعنوا فيها... أثابكم الله وقد ذكرها الشيخ خالد الراشد كثيرا
    لم أكن جاوزت الثلاثين حين أنجبت زوجتي أوّل أبنائي.. ما زلت أذكر تلك الليلة ..

    بقيت إلى آخر الليل مع الشّلة في إحدى الاستراحات..

    كانت سهرة مليئة بالكلام الفارغ.. بل بالغيبة والتعليقات المحرمة...

    كنت أنا الذي أتولى في الغالب إضحاكهم.. وغيبة الناس.. وهم يضحكون



    أذكر ليلتها أنّي أضحكتهم كثيراً.. كنت أمتلك موهبة عجيبة في التقليد..

    بإمكاني تغيير نبرة صوتي حتى تصبح قريبة من الشخص الذي أسخر منه..

    أجل كنت أسخر من هذا وذاك.. لم يسلم أحد منّي أحد حتى أصحابي..

    صار بعض الناس يتجنّبني كي يسلم من لساني

    .

    أذكر أني تلك الليلة سخرت من أعمى رأيته يتسوّل في السّوق...

    والأدهى أنّي وضعت قدمي أمامه فتعثّر وسقط يتلفت برأسه لا يدري ما يقول..

    وانطلقت ضحكتي تدوي في السّوق



    عدت إلى بيتي متأخراً كالعادة.. وجدت زوجتي في انتظاري..

    كانت في حالة يرثى لها.. قالت بصوت متهدج: راشد.. أين كنتَ ؟

    قلت ساخراً: في المريخ.. عند أصحابي بالطبع



    كان الإعياء ظاهراً عليها.. قالت والعبرة تخنقها: راشد… أنا تعبة جداً ..

    الظاهر أن موعد ولادتي صار وشيكا ..

    سقطت دمعة صامته على خدها.. أحسست أنّي أهملت زوجتي..

    كان المفروض أن أهتم بها وأقلّل من سهراتي.. خاصة أنّها في شهرها التاسع .

    حملتها إلى المستشفى بسرعة.. دخلت غرفة الولادة.. جعلت تقاسي الآلام ساعات طوال..



    كنت أنتظر ولادتها بفارغ الصبر.. تعسرت ولادتها.. فانتظرت طويلاً حتى تعبت..

    فذهبت إلى البيت وتركت رقم هاتفي عندهم ليبشروني





    بعد ساعة.. اتصلوا بي ليزفوا لي نبأ قدوم سالم ذهبت إلى المستشفى فوراً..

    أول ما رأوني أسأل عن غرفتها.. طلبوا منّي مراجعة الطبيبة التي أشرفت على

    ولادة زوجتي.



    صرختُ بهم: أيُّ طبيبة ؟! المهم أن أرى ابني سالم.

    قالوا، أولاً راجع الطبيبة

    ..

    دخلت على الطبيبة.. كلمتني عن المصائب .. والرضى بالأقدار ..

    ثم قالت: ولدك به تشوه شديد في عينيه ويبدوا أنه فاقد البصر



    خفضت رأسي.. وأنا أدافع عبراتي.. تذكّرت ذاك المتسوّل الأعمى الذي

    دفعته في السوق وأضحكت عليه الناس.



    سبحان الله كما تدين تدان ! بقيت واجماً قليلاً.. لا أدري ماذا أقول..

    ثم تذكرت زوجتي وولدي ..

    فشكرت الطبيبة على لطفها ومضيت لأرى زوجتي ..



    لم تحزن زوجتي.. كانت مؤمنة بقضاء الله.. راضية. طالما نصحتني أن أكف

    عن الاستهزاء بالناس.. كانت تردد دائماً، لا تغتب الناس ..



    خرجنا من المستشفى، وخرج سالم معنا. في الحقيقة، لم أكن أهتم به كثيراً.

    اعتبرته غير موجود في المنزل. حين يشتد بكاؤه أهرب إلى الصالة لأنام فيها.

    كانت زوجتي تهتم به كثيراً، وتحبّه كثيراً. أما أنا فلم أكن أكرهه، لكني

    لم أستطع أن أحبّه !



    كبر سالم.. بدأ يحبو.. كانت حبوته غريبة.. قارب عمره السنة فبدأ يحاول المشي..

    فاكتشفنا أنّه أعرج. أصبح ثقيلاً على نفسي أكثر. أنجبت زوجتي بعده عمر وخالداً

    .

    مرّت السنوات وكبر سالم، وكبر أخواه. كنت لا أحب الجلوس في البيت. دائماً مع أصحابي.

    في الحقيقة كنت كاللعبة في أيديهم ..



    لم تيأس زوجتي من إصلاحي. كانت تدعو لي دائماً بالهداية. لم تغضب من تصرّفاتي

    الطائشة، لكنها كانت تحزن كثيراً إذا رأت إهمالي لسالم واهتمامي بباقي إخوته.



    كبر سالم وكبُر معه همي. لم أمانع حين طلبت زوجتي تسجيله في أحدى المدارس

    الخاصة بالمعاقين. لم أكن أحس بمرور السنوات. أيّامي سواء ..

    عمل ونوم وطعام وسهر.



    في يوم جمعة، استيقظت الساعة الحادية عشر ظهراً. ما يزال الوقت مبكراً بالنسبة لي.

    كنت مدعواً إلى وليمة. لبست وتعطّرت وهممت بالخروج. مررت بصالة المنزل



    فاستوقفني منظر سالم. كان يبكي بحرقة!



    إنّها المرّة الأولى التي أنتبه فيها إلى سالم يبكي مذ كان طفلاً. عشر سنوات مضت

    لم ألتفت إليه. حاولت أن أتجاهله فلم أحتمل. كنت أسمع صوته ينادي أمه



    وأنا في الغرفة. التفت ... ثم اقتربت منه. قلت: سالم! لماذا تبكي؟!



    حين سمع صوتي توقّف عن البكاء. فلما شعر بقربي، بدأ يتحسّس ما حوله بيديه

    الصغيرتين. ما بِه يا ترى؟! اكتشفت أنه يحاول الابتعاد عني!!



    وكأنه يقول: الآن أحسست بي. أين أنت منذ عشر سنوات ؟! تبعته ...



    كان قد دخل غرفته. رفض أن يخبرني في البداية سبب بكائه. حاولت التلطف معه ..

    بدأ سالم يبين سبب بكائه، وأنا أستمع إليه وأنتفض.



    أتدري ما السبب!! تأخّر عليه أخوه عمر، الذي اعتاد أن يوصله إلى المسجد.

    ولأنها صلاة جمعة، خاف ألاّ يجد مكاناً في الصف الأوّل. نادى عمر..

    ونادى والدته.. ولكن لا مجيب.. فبكى.



    أخذت أنظر إلى الدموع تتسرب من عينيه المكفوفتين. لم أستطع أن أتحمل بقية كلامه.

    وضعت يدي على فمه وقلت: لذلك بكيت يا سالم !!..

    قال: نعم ..



    نسيت أصحابي، ونسيت الوليمة وقلت: سالم لا تحزن. هل تعلم من سيذهب بك اليوم

    إلى المسجد؟

    قال: أكيد عمر .. لكنه يتأخر دائماً ..

    قلت: لا .. بل أنا سأذهب بك ..



    دهش سالم .. لم يصدّق. ظنّ أنّي أسخر منه. استعبر ثم بكى. مسحت دموعه بيدي

    وأمسكت يده. أردت أن أوصله بالسيّارة. رفض قائلاً: المسجد قريب...

    أريد أن أخطو إلى المسجد - إي والله قال لي ذلك.



    لا أذكر متى كانت آخر مرّة دخلت فيها المسجد، لكنها المرّة الأولى التي أشعر

    فيها بالخوف والنّدم على ما فرّطته طوال السنوات الماضية. كان المسجد مليئاً بالمصلّين

    إلاّ أنّي وجدت لسالم مكاناً في الصف الأوّل. استمعنا لخطبة الجمعة معاً وصلى بجانبي... بل في الحقيقة أنا صليت بجانبه ..



    بعد انتهاء الصلاة طلب منّي سالم مصحفاً. استغربت!!



    كيف سيقرأ وهو أعمى؟ كدت أن أتجاهل طلبه، لكني جاملته خوفاً من جرح مشاعره.

    ناولته المصحف ... طلب منّي أن أفتح المصحف على سورة الكهف.

    أخذت أقلب الصفحات تارة وأنظر في الفهرس تارة .. حتى وجدتها.



    أخذ مني المصحف ثم وضعه أمامه وبدأ في قراءة السورة ...

    وعيناه مغمضتان ... يا الله !! إنّه يحفظ سورة الكهف كاملة!!



    خجلت من نفسي. أمسكت مصحفاً ... أحسست برعشة في أوصالي...

    قرأت وقرأت.. دعوت الله أن يغفر لي ويهديني. لم أستطع الاحتمال ...

    فبدأت أبكي كالأطفال. كان بعض الناس لا يزال في المسجد يصلي السنة ...

    خجلت منهم فحاولت أن أكتم بكائي. تحول البكاء إلى نشيج وشهيق ...



    لم أشعر إلا ّ بيد صغيرة تتلمس وجهي ثم تمسح عنّي دموعي. إنه سالم !!

    ضممته إلى صدري...

    نظرت إليه.

    قلت في نفسي...



    لست أنت الأعمى بل أنا الأعمى، حين انسقت وراء فساق يجرونني إلى النار

    عدنا إلى المنزل.

    كانت زوجتي قلقة كثيراً على سالم، لكن قلقها تحوّل إلى دموع حين علمت

    أنّي صلّيت الجمعة مع سالم ..



    من ذلك اليوم لم تفتني صلاة جماعة في المسجد. هجرت رفقاء السوء ..



    وأصبحت لي رفقة خيّرة عرفتها في المسجد.

    ذقت طعم الإيمان معهم.

    عرفت منهم أشياء ألهتني عنها الدنيا.

    لم أفوّت حلقة ذكر أو صلاة الوتر.

    ختمت القرآن عدّة مرّات في شهر.

    رطّبت لساني بالذكر لعلّ الله يغفر لي غيبتي وسخريتي من النّاس.



    أحسست أنّي أكثر قرباً من أسرتي. اختفت نظرات الخوف والشفقة التي كانت تطل

    من عيون زوجتي.

    الابتسامة ما عادت تفارق وجه ابني سالم.

    من يراه يظنّه ملك الدنيا وما فيها. حمدت الله كثيراً على نعمه.



    ذات يوم ...



    قرر أصحابي الصالحون أن يتوجّهوا إلى أحدى المناطق البعيدة للدعوة.

    تردّدت في الذهاب. استخرت الله واستشرت زوجتي. توقعت أنها سترفض...

    لكن حدث العكس !



    فرحت كثيراً، بل شجّعتني. فلقد كانت تراني في السابق أسافر دون استشارتها

    فسقاً وفجوراً.



    توجهت إلى سالم. أخبرته أني مسافر فضمني بذراعيه الصغيرين مودعاً...



    تغيّبت عن البيت ثلاثة أشهر ونصف، كنت خلال تلك الفترة أتصل كلّما سنحت

    لي الفرصة بزوجتي وأحدّث أبنائي. اشتقت إليهم كثيراً ...

    آآآه كم اشتقت إلى سالم !! تمنّيت سماع صوته...

    هو الوحيد الذي لم يحدّثني منذ سافرت.



    إمّا أن يكون في المدرسة أو المسجد ساعة اتصالي بهم.



    كلّما حدّثت زوجتي عن شوقي إليه، كانت تضحك فرحاً وبشراً

    إلاّ آخر مرّة هاتفتها فيها. لم أسمع ضحكتها المتوقّعة. تغيّر صوتها ..

    قلت لها: أبلغي سلامي لسالم، فقالت: إن شاء الله ... وسكتت...



    أخيراً عدت إلى المنزل.

    طرقت الباب.



    تمنّيت أن يفتح لي سالم، لكن فوجئت بابني خالد الذي لم يتجاوز الرابعة من عمره.

    حملته بين ذراعي وهو يصرخ: بابا .. بابا ..

    لا أدري لماذا انقبض صدري حين دخلت البيت.

    استعذت بالله من الشيطان الرجيم ..

    أقبلت إليّ زوجتي ... كان وجهها متغيراً. كأنها تتصنع الفرح.

    تأمّلتها جيداً ثم سألتها: ما بكِ؟

    قالت: لا شيء .

    فجأة تذكّرت سالماً فقلت .. أين سالم ؟

    خفضت رأسها. لم تجب. سقطت دمعات حارة على خديها...

    صرخت بها ... سالم! أين سالم ..؟



    لم أسمع حينها سوى صوت ابني خالد يقول

    بلغته: بابا ... ثالم لاح الجنّة ... عند الله...



    لم تتحمل زوجتي الموقف.

    أجهشت بالبكاء. كادت أن تسقط على الأرض، فخرجت من الغرفة.

    عرفت بعدها أن سالم أصابته حمّى قبل موعد مجيئي بأسبوعين فأخذته زوجتي إلى المستشفى .. فاشتدت عليه الحمى ولم تفارقه ... حين فارقت روحه جسده ..





    إذا ضاقت عليك الأرض بما رحبت، وضاقت عليك نفسك بما حملت فاهتف ... يا الله

    إذا بارت الحيل، وضاقت السبل، وانتهت الآمال، وتقطعت الحبال، نادي ... يا الله

    ودى القصة والشيخ خالد الراشد بيحكيها
    http://www.youtube.com/watch?v=QooKgjvH9wg
    لا حولة ولا قوة الله العالى العظيم بجد قصة مؤثرة جدا وانا اتعلمت منها حاجات كتير

 

 

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. الى أخى الأبنودى ... معذرة موضوعك يجب حذفه
    بواسطة قايد الريم في المنتدى مصراوي كافيه
    مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 9 - 5 - 2010, 11:20 PM
  2. احذري من حبس دموعك!!
    بواسطة شيري العسولة في المنتدى بنات حوا
    مشاركات: 12
    آخر مشاركة: 7 - 1 - 2010, 09:26 PM
  3. الخلطة السريه عشان تجذب الاعضاء لموضوعك .. ناجحه 100%
    بواسطة gongoma في المنتدى مصراوي كافيه
    مشاركات: 4
    آخر مشاركة: 8 - 7 - 2009, 01:50 PM
  4. عجبنى موضوعك
    بواسطة sheren19 في المنتدى العاب مصراوي كافيه
    مشاركات: 6
    آخر مشاركة: 5 - 5 - 2009, 05:14 PM
  5. ^ _ ^ ثبت مــوضوعك معانـــا في القســـم ^ _ ^
    بواسطة AhMeD El-Za3eEm في المنتدى مصراوي كافيه
    مشاركات: 13
    آخر مشاركة: 24 - 3 - 2008, 07:43 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • مش هتقدر تضيف مواضيع جديده
  • مش هتقدر ترد على المواضيع
  • مش هتقدر ترفع ملفات
  • مش هتقدر تعدل مشاركاتك
  •  
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات مصراوي كافيه 2010 ©