اسم الله : القاهر (1)
الحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا محمد الصادق الوعد الأمين ، اللهم أخرجنا من ظلمات الجهل والوهم إلى أنوار المعرفة والعلم ، ومن وحول الشهوات إلى جنات القربات .
من أسماء الله الحسنى : ( القاهر ) :
1 ـ القاهر علمٌ مع الدلالة على كمال الوصفية :
أيها الإخوة الأكارم ، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى ، وهو اسم ( القاهر ) ، وقد سمى الله نفسه ( القاهر ) ، مراداً به العلمية ، ودالاً على كمال الوصفية .
2 ـ ثبوت اسم القاهر في الكتاب العزيز :
وقد ورد هذا الاسم في موضعين فقط في القرآن الكريم ، ولم يرِد في السنة ، قال تعالى :
﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْخَبِيرُ ﴾
( سورة الأنعام )
وقال تعالى :
﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ وَيُرْسِلُ عَلَيْكُمْ حَفَظَةً حَتَّى إِذَا جَاءَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ تَوَفَّتْهُ رُسُلُنَا وَهُمْ لَا يُفَرِّطُونَ ﴾
( سورة الأنعام )
أسماء الله كلها حسنى :
أيها الإخوة ، الله جل جلاله له أسماء جلال ، وله أسماء كمال ، والإنسان يحب القوي ، يحب أن يكون مع القوي ، يحب أن يكون تابعاً لقوي ، يحب أن يعتز بالقوي ، يحب أن يلجأ إلى القوي ، وأسماء الله كلها حسنى ، وصفاته كلها فضلى .
﴿ وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾
( سورة الأعراف الآية : 180 )
نحن في حياتنا اليومية قد نجد صديقاً طيباً جداً ، لكنه ضعيف ، نعجب بطيبه ، ولا يعجبنا ضعفه ، وقد نجد إنساناً قوياً ، لكنه ليس بطيب ، لا تعجبنا قوته مع خبثه ، ولا يعجبنا طيب هذا الإنسان مع ضعفه ، فمتى نعجب بإنسان ؟ إذا كان في الوقت نفسه من القوة حيث لا يستطيع أحد ينال منه ، ومن الطيب والكمال حيث تتعلق النفوس به ، هذا هو الكمال المطلق ؛ أن تكون قوياً ، وأن تكون كاملاً .
﴿ لَهُ الْمُلْكُ وَلَهُ الْحَمْدُ ﴾
( سورة التغابن الآية : 1 )
هناك إنسان له الملك ، لكن ليس له الحمد ، وإنسان له الحمد ، لكن ليس له الملك ، فلذلك الكمال البشري يتعلق بالكمال الإلهي ، وأجمل شيء في حياة المؤمن أنه مع القوي ، وأنه مع الغني ، وأنه مع العليم ، وأنه مع الرحيم ، وانتماء المؤمن إلى الله عز وجل انتماء حقيقي .
إذا كان الله معك كنتَ أقوى الناس :
كيف أن الإنسان أحياناً يكون ابن ملِك ، كيف يشعر في بلد طويل عريض ؟ في بلد فيه مؤسسات ، فيه وزارات ، فيه جيش ، فيه شرطة ، لأنه ابن الملك يشعر باعتزاز ، يشعر أن قوته من قوة الملك ، يشعر أن كرامته من كرامة الملك ، صدقوا أيها الإخوة ، هذا شعور المؤمن مع الله عزوجل .
اجعل لربك كل عزك يستقر ويثبت فإذا اعتززت بمن يموت فإن عزك ميت
لا بد من أن تحب ، ومن طبيعة البشر أن يحب البشر ، ولكن البطولة من تحب ؟ من توالي ؟ من تعظم ؟ المؤمن يحب الله ، ويتعامل مع الخلق جميعاً ، وقلبه لله عز وجل .
سيدنا النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
(( لو كنت متخذاً من العباد خليلاً لكان أبو بكر خليلي ، ولكن أخ وصاحب في الله )) .
3 ـ صفة القهر صفة كمال مطلق لله تعالى :
يعتز بالله ، الله عز وجل هو ( القاهر ) ، لكنه كامل ، لا يقهر إلا الظالمين ، فقد تلتقي بقوي يقهر الطيبين ، ينتقم من المؤمنين ، لكن الله عز وجل كامل كمال مطلق .
لا إله إلا أنت الحليم الكريم ، لا إله إلا أنت القوي الوحيد ، لا معبود بحق إلا الله ، لا معطي ، ولا مانع ، ولا معز ، ولا مذل إلا الله ، هو القوي ، لكنه رحيم ، قوي لكنه عدل ، قوي لكنه عليم ، قوي لكنه حكيم ، القوة مطلوبة مع الكمال ، والذي نلاحظه أحياناً أن العالم الإسلامي معه وحي ، معه حق ، معه قرآن ، معه تعليمات الصانع ، لكنه ضعيف .
لذلك انصرف الناس عن المسلمين لأنهم ضعاف ، وقد يقول قائل : ما نصيبك من هذا الاسم ؟ يجب أن تكون قوياً .
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ * وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ ﴾
( سورة الشورى )
ما منا واحد إلا ويعتز بالبطل صلاح الدين الأيوبي ، حينما انتصر على 27 جيشاً من جيوش الفرنجة ، ودخل القدس ، وقام خطيب القدس يذكر بعض الآيات الكريمة التي تبين أنه قد انقضى عهد الظالمين .
أيها الإخوة ، الإنسان يحب الله ، لأن الله كامل وقوي ، ( قاهر ) ، كماله يمنعه أن يقهر الطيبين .
بالمناسبة : حيثما جاءت ( على ) مع لفظ الجلالة فتعني الإلزام الذاتي ، قال تعالى :
﴿ إِنَّ رَبِّي عَلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ ﴾
( سورة هود )
﴿ وَمَا مِنْ دَابَّةٍ فِي الْأَرْضِ إِلَّا عَلَى اللَّهِ رِزْقُهَا ﴾
( سورة هود الآية : 6 )
حيثما جاءت ( على ) مع لفظ الجلالة فتعني أن الله عز وجل ألزم نفسه بهذا الكمال .
4 ـ معنى ( القاهر ) في اللغة :
أيها الإخوة ، ( القاهر ) في اللغة اسم فاعل مِن قهر يقهر قهراً فهو قاهرٌ ، وقهرت الشيء غلبته ، وعلوت عليه مع إذلاله بالاضطرار ، تقول : أخذتهم قهراً ، أي من غير رضاهم ، وأُقهر الرجل إذا وجدته مقهوراً ، أو صار أمره إلى ذل ، وإلى صغار ، وعند الترمذي من حديث أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في شأن يأجوج ومأجوج :
(( قَهَرْنَا مَنْ فِي الْأَرْضِ ، وَعَلَوْنَا مَنْ فِي السَّمَاءِ قَسْوَةً وَعُلُوًّا )) .
[ الترمذي عن أبي هريرة ]
النقطة الدقيقة جداً في هذا الاسم : أن الله كامل ، لا يقهر إلا الظالمين ، إلا المنحرفين ، إلا المتغطرسين ، وحينما يرى الإنسان غطرسة لا تحتمل ، وعلواً في الأرض لا يحتمل ، وسفكاً في الدماء لا يحتمل ، وانتهاكاً للحرمات لا يحتمل ، مثل هذا الإنسان إذا رأى قوة بطشت ، وأنهت هذا الظلم ، أنهت هذا العدوان ، أنهت هذا الطغيان يرتاح أشد الراحة ، هذا معنى اسم ( القاهر ) الذي هو من أسماء الله الحسنى .
5 ـ القهَّار صيغة مبالغة لاسم ( القاهر ) في الشرع :
وهذا المعنى أيضاً يلتقي مع اسم القهار ، القهار صيغة مبالغة ، ( القاهر ) اسم فاعل من قهر ، بينما القهار صيغة مبالغة لاسم الفاعل ، وقد بينت كثيراً أن صيغة المبالغة إن جاءت مع أسماء الله الحسنى فتعني شيئاً آخر ، تعني أن الله يقهر أكبر قوة مهما عتت وعلت وبغت .
هناك قوى في الشرق كانت تملك من القنابل النووية ما تستطيع أن تبيد القارات الخمس خمس مرات ، وقد قهرها الله عز وجل ، وأصبحت في الوحل .
فلذلك يقول الله عز وجل :
﴿ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقاً ﴾
( سورة الإسراء )
القهار يقهر أكبر قوة تظنها لا تقهر ، لذلك قالوا : عرفت الله من نهض العزائم ، وفي حالات كثيرة ترى إنسانا متغطرسا جبارا ، يتلذذ بقتل الأبرياء ، وانتهالك الحرمات ، يتلذذ بهدم البيوت ، لا يموت ، وفي صورة أخيرة لهذا الذي هدم سبعين ألف بيت بغزة بشكل قميء زري نقلت في الإنترنت ، بقي ثلاث سنوات طريح فراش ، ولم يمت بعد ، لذلك سبحان من قهر عباده بالموت .
6ـ معنى اسم ( القاهر ) :
أيها الإخوة ، ( القاهر ) سبحانه وتعالى هو الغالب على جميع الخلائق ، وهو يعلو في قهره وقوته ، فلا غالب ولا منازع ، بل كل شيء تحت قهره وسلطانه .
﴿ مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذاً لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ ﴾
( سورة المؤمنون )
هو الواحد الأحد الفرد الصمد ، المتفرد بالقوة والجلال ، القاهر فوق عباده وهناك أسماء كثيرة تقترب من هذا الاسم ، منها المنتقم ، لذلك كن مع الله فأنت قوي .
كن مع الله تر الله معك و اترك الكل وحاذر طمعك
وإذا أعطاك من يمنعه ثـم من يعطي إذا ما منعك
الله عز وجل حينما قال عن نفسه :
﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ﴾
أي هو الذي قهر كل شيء ، وخضع لجلاله كل شيء ، وذل لعظمته وكبريائه كل شيء .
7ـ لا ينازع أحدٌ الله في جبروته وقهره :
لذلك أي إنسان ـ دققوا ـ من ينازع الله كبرياءه وعظمته يقصمه الله .
عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ :
(( الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي ، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي ، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ )) .
[ أبو داود ]
وفي ضوء هذا الاسم أيها الإخوة ، أمة قوية جداً ، تملك من الأسلحة ما لا يوصف ، تفردت بقيادة العالم ، لا تنطوي على كمال إطلاقاً ، تخطط لبناء مجدها على أنقاض الشعوب ، وبناء رخائها على إفقار الشعوب ، وبناء عزها على الشعوب ، وبناء غناها على إفقار الشعوب ، أن تنجح خططها على المدى البعيد ، وصدقوا ولا أبالغ هذا لا يتناقض مع عدل الله فحسب ، بل مع وجوده .
(( الْكِبْرِيَاءُ رِدَائِي ، وَالْعَظَمَةُ إِزَارِي ، فَمَنْ نَازَعَنِي وَاحِدًا مِنْهُمَا قَذَفْتُهُ فِي النَّارِ )) .
يستحيل أن يكون لهذا العالم إلا إله واحد ، لأنه الله :
﴿ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ﴾
8ـ من لوازم ( القاهر ) العلوُّ والغلبة :
له العلو والغلبة ، فلو فرضنا وجود إلهيين اثنين مختلفين ، ومتضادين ، وأراد أحدهما شيئاً خالفه الآخر فلابد عند التنازع من غالب وخاسر ، فالذي لا تنفذ إرادته هو المغلوب العاجز ، والذي نفذت إرادته هو القاهر القادر ، فلمَ تدعي جهة أنها خلقت السماوات والأرض ؟ ولم تدّعي جهة أخرى أنها قهرت عبادها ، لذلك :
﴿ وَهُوَ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ﴾
مرة ثانية :
﴿ الْقَاهِرُ فَوْقَ عِبَادِهِ ﴾
وهو الذي قهر كل شيء ، وخضع لجلاله كل شيء ، وذل لعظمته وكبريائه كل شيء ، وعلا على عرشه فوق كل شيء .
قال بعض العلماء : ( القاهر ) أي ؛ المذلل ، المستعبد لخلقه ، العالي عليهم ، وإنما قال : فوق عباده ، لأنه وصف تعالى نفسه بقهره إياهم ، ومن صفة كل قاهر شيئاً أن يكون مستعلياً عليه ، فمعنى الكلام إذاً غالب عباده المذل لهم إذا طغوا ، وبغوا ، وفسدوا ، العالي عليهم بتذليله لهم وخلقه إياهم فهو فوقهم بقهره إياهم ، وهم دونه .
تخضع للقوي لكنه عادل ، تخضع للقوي لكنه رحيم ، تخضع للقوي لكنه يسمعك لذلك أنت تدعو من ؟ تدعو جهة موجودة ، تؤمن بوجودها حتماً ، وتدعو جهة تسمعك ، فإن سكت تعلم ما في نفسك ، فإن تحركت رأتك ، وإن تكلمت سمعتك ، إن أسررت علمت ما في نفسك ، إن تحركت رأتك ، فأنت تدعو جهة تدعو على تلبية طلبك ، ولو بدا لك مستحيلاً ، تدعو جهة تحب أن ترحمك ، هذا هو الله عز وجل .
فلذلك الحياة مع الإيمان بالله حياة رائعة فيها عز ، فيها قوة ، فيها راحة ، فيها استسلام ، فيها رضا ، فيها طاعة .
اجعل لربك كل عـزـــك يستقر ويثبــت
فإذا اعتززت بمن يمــــوت فإن عزك ميت
9 ـ نصيب المؤمن من اسم ( القاهر ) :
أيها الإخوة ، الآن أنت ما نصيبك من هذا الاسم ؟ هو قاهر .
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ﴾
الاستسلام والخنوع ، والتماوت ، والتضعضع ليس من صفات المؤمن .
﴿ وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ ﴾
اللهُ معك ، استعن بالله ولا تعجز ، فالخضوع ، والقلق ، والخوف ، والاستسلام ، والتطامن ليس هذا من صفات المؤمن ، أنت عبد القاهر ، أنت عبد القوي ، أنت عبد الغني .
إذا توهمت أن الله لا ينصرك ، ولا يدافع عنك ، وأنت المؤمن ، وأنت المستقيم فقد وقعت في سوء ظن كبير ، لأن الله لا يتخلى عن عباده المؤمنين ، بل إن الله لا يعذب عباده المحبين ، والدليل :
﴿ وَقَالَتِ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى نَحْنُ أَبْنَاءُ اللَّهِ وَأَحِبَّاؤُهُ
لم يقبل دعواهم ، بل رد عليهم :
قُلْ فَلِمَ يُعَذِّبُكُمْ بِذُنُوبِكُمْ بَلْ أَنْتُمْ بَشَرٌ مِمَّنْ خَلَقَ ﴾
( سورة المائدة الآية : 18 )
الإمام الشافعي رحمه الله تعالى استنبط من هذه الآية : أن الله لا يعذب أحبابه .
أنت مع القوي ، بربكم هذه القصص التي وردت في القرآن عن الأنبياء هي لمن ؟ هل هي لهم ؟ ماتوا وانتهوا ، هي لنا ، فأيّ مصيبة تفوق حد الخيال ؟
قصص تؤكد قهر الله وغلبته :
1 ـ سيدنا يونس في بطن الحوت قصة وقانون :
أحيانا يكون دخلُ الإنسان قليلا ، وعنده مرض ، عنده مشكلة في بيته ، عنده مشكلة في عمله ، عنده ابن معاق ، أما أن يجد نفسه فجأة في بطن حوت وزنه 150 طنًّا ! وجبته المعتدلة بين الوجبتين 4 أطنان ، و الإنسان وزنه 70 كغ ، فهو لقمة واحدة ، وجد نفسه في بطن حوت ، في ظلمة بطن الحوت ، وفي ظلمة البحر ، وفي ظلمة الليل :
﴿ فَنَادَى فِي الظُّلُمَاتِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ سُبْحَانَكَ إِنِّي كُنْتُ مِنَ الظَّالِمِينَ * فَاسْتَجَبْنَا لَهُ وَنَجَّيْنَاهُ مِنَ الْغَمِّ ﴾
( سورة الأنبياء )
القصة انتهت ، إياك ، ثم إياك ، ثم إياك أن تتوهم أن هذه القصة وقعت ولن تقع مرة ثانية ، هذه وقعت وتقع كل يوم ، الدليل التعقيب الذي جاء بعدها :
﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
( سورة الأنبياء )
قلَبها اللهُ من قصة إلى قانون :
﴿ وَكَذَلِكَ نُنْجِي الْمُؤْمِنِينَ ﴾
هذه القصة لنا .
2 ـ سيدنا موسى مع فرعون :
سيدنا موسى مع أتباعه حينما كانوا في اتجاه البحر ، وراءهم فرعون بجبروته ، بقوته ، بأسلحته ، بحقده ، ولكل عصر فرعون .
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾
( سورة الشعراء الآية : 61 )
تعلّموا أيها الإخوة من الأنبياء العظام ثقتَهم بالواحد الديان ، تعلموا منهم اعتزازهم بالله عز وجل .
3 ـ النبي عليه الصلاة والسلام في غار حراء :
في غار حراء ، وقعت عين المشركين على عين الصديق ، قال : يا رسول الله لقد رأونا ، قال :
(( يا أبا بكر ، ما ظنك باثنين الله ثالثهما ؟ )) .
[ أخرجه البخاري ، ومسلم ، والترمذي عن أنس بن مالك ] .
ألم تقرأ قوله تعالى :
﴿ وَتَرَاهُمْ يَنْظُرُونَ إِلَيْكَ وَهُمْ لَا يُبْصِرُونَ ﴾
( سورة الأعراف )
4 ـ النبي عليه الصلاة والسلام مطارد مهدور الدم :
ذهب إلى الطائف ، ودعا أهلها ، كذبوه ، وسخروا منه ، وأغروا صبيانهم بإيذائه ، وسال الدم الشريف من قدمه ، وعاد إلى مكة ، مكة أخرجته ، مكة كفرت به ، مكة تخلت عنه ، لم يبقَ له أحد ، إن صح التعبير أن للدعوة الإسلامية نهاية صغرى ، ففي الطائف الخط البياني هبط إلى النهاية الصغرى ، الآن يعود النبي إلى مكة ، يسأله زيد : يا رسول الله ، كيف ترجع إليها وقد أخرجتك ؟ ما لك أحد فيها ، والله قال قولة تملأ القلب طمأنينة ، قال :
(( إن الله ناصر نبيه )) ، ثقته بالله عجيبة .
هو في الهجرة هُدر دمه ، مئة ناقة لمن يأتي به حياً أو ميتاً ، انتهى ، يتبعه سراقة ، يقول له : يا سراقة ـ دقق في كلام النبي ـ كيف بك إذا لبست سوار كسرى ، معنى هذا الكلام أنني سأصل ، وسأصل سالماً ، وسأؤسس دولة ، وسأنشئ جيشاً ، وسأحارب أكبر دولة ، وسأنتصر عليهما ، وستأتيني غنائمها ، ولك يا سراقة سوار كسرى ، وفي عهد عمر جاءت كنوز كسرى ، وسأل عمر عن سراقة ، أعطاه سوار كسرى ، وألبسه ، وقال : بَخٍ بخٍ ، أعيرابي من بني مدلج يلبس سوار كسرى !
خاتمة :
أخطر شيء في حياتنا اليأس ، أخطر شيء بحياتنا التطامن ، أن تقول : انتهينا ، ما انتهينا ، أنت مع الله ، والله عز وجل لا يتخلى عن عباده .
﴿ وَلَنْ يَتِرَكُمْ أَعْمَالَكُمْ ﴾
( سورة محمد )
﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
( سورة آل عمران )
لذلك أفضل حالة أن تكون مع القوي ، وأن تعتز بالقوي ، وأن تعتز بالقاهر ، وأن تعتز بالقهار ، وأن تستمد قوتك منه ، وأن تشعر بعزة وكرامة :
﴿ وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَنْتُمُ الْأَعْلَوْنَ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ﴾
﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ ﴾
( سورة آل عمران الآية : 140 )
لو أن الله عز وجل سلم الأرض للأقوياء فقط ، للكفار ليئس المؤمنون ، ولو سلمها للمؤمنين لنافق جميع الناس لهم :
﴿ وَتِلْكَ الْأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا ﴾
مرة بيد الأقوياء الكفار ، ومرة بيد المؤمنين ، ونصيبنا في هذه الحياة أننا في عصر القوة مع الطرف الآخر ، فلنصبر ، ونحتسب ، والله عز وجل لن يضيعنا .
والحمد لله رب العالمين