قهوتنا على الانترنت
صفحة 4 من 10 الأولىالأولى 12345678 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 31 إلى 40 من 95
  1. #31

    افتراضي

    اسم الله : الشاكر(2)



    معان دقيقة مستنبطة من آيات وأحاديث تتعلق باسم ( الشاكر ) :
    أيها الإخوة الكرام ، لازلنا في اسم ( الشاكر ) ، وهناك معان دقيقة تتصل بهذا الاسم يمكن أن نستشفها من بعض الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة الصحيحة .

    1 – ذكرُ اللهِ للعبدِ إذا ذكره :

    ففي قوله تعالى :

     فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ (152) 
    ( سورة البقرة )
    لأن الله سبحانه وتعالى هو الشاكر ، إن ذكرته ذكرك ، لكن ذكر الله لك غير ذكرك له ، ذكر الله لك أكبر من ذكرك له ، إنك إن ذكرته أديت واجب العبودية .

    2 – ذكرُ العبدِ لربه سبب الأمن والطمأنينة :

    لكنه إن ذكرك منحك نعمة الأمن ، قال تعالى :

    ﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) ﴾ .
    ( سورة الأنعام ) .
    لا يتمتع بنعمة الأمن الحقيقي إلا المؤمن ، أما غير المؤمن فـ :

    ﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ ﴾ .
    ( سورة آل عمران الراية : 151 ) .
    يمتلأ قلب المشرك خوفاً وفرقاً ، بينما قلب المؤمن يمتلأ أمناً وطمأنينة ، وفي قلب المؤمن من الأمن ما لو وزع على أهل بلد لكفاهم ، إنها نعمة يختص بها المؤمنون ، إن ذكرته ذكرك ، لكن ذكرك له أداء واجب العبودية ، بينما ذكره لك أكبر بكثير من ذكرك له .

    3 – ذكرُ العبدِ لربه سبب للرضى :

    إن ذكرك منحك نعمة الرضى .
    قد يملك الإنسان ملايين مملينة ، ومع ذلك هو ساخط ، بينما المؤمن راض عن الله عز وجل .

     رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ (22) 
    ( سورة المجادلة ) .

    منحك نعمة الحكمة :

    وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا (269)
    ( سورة البقرة)
    منحك نعمة الطمأنينة ، هذه النعم هي من ذكر الله لك .

    4 – ذكرُ الله أكبر من كل شيء :

    لذلك قال تعالى :


    ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء َالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ﴾ .
    ( سورة العنكبوت الآية : 45 ) .
    ذكر الله لك في الصلاة أكبر من ذكرك له ، لأن الله عز وجل من أسمائه الحسنى أنه الشاكر ، إن ذكرته ذكرك .

    5 – الله رفع ذكر النبي ، ولكل مؤمن من هذا الرفع نصيبٌ :

    بل قال تعالى :

     وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) 
    ( سورة الشرح )
    ما من إنسان على وجه الأرض رفع الله ذكره كرسول الله ، ولكل مؤمن من هذه الآية نصيب ، بقدر استقامته وإخلاصه يرفع الله للمؤمن ذكره ، ويعلي قدره ، ويلقي في قلوب الخلق محبته .

     وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ (4) 
    ( سورة الشرح )

    6 – تقرّب المؤمن بذكره لربَّه سبب لتقرّب الله منه :

    لمجرد أن تقترب من الله خطوة تجد أن الله عز وجل اقترب منك ، لأنه الشاكر يقترب منك ، مع بعض التفصيل في الأحاديث الصحيح :
    (( فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي ، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ)) .
    [ متفق عليه ]
    قد تلقي كلمة في مجتمع معين ، في مجموعة إخوة كرام ، في عقد قران ، في سهرة ، في لقاء ، تتحدث عن الله عز وجل وتغفل نفسك ، وتغفل بطولاتك ، وتتحدث عن ربك .
    (( وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ )) .
    [ متفق عليه ]
    هناك مستوى أرقى ؛ تذكر بخير ، لك سمعة طيبة ، لك ذكر عطر ، هذا من فضل الله عز وجل عليك ، ومن تحقيق اسم ( الشاكر ) .
    (( وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا )) .
    [ متفق عليه ]
    لمجرد أن تتحرك نحو الله بصلح ، بتوبة ، بإنابة ، بذكر ، بصدقة بتلاوة قرآن ، بفعل طيب مع مخلوق ما ، لمجرد أن تتقرب إلى الله شبراً يتقرب الله إليك ذراعاً ، ينتظر مبادرة منك ، ينتظر حركة منك ، ينتظر التفافة منك ، ينتظر إقبالاً منك ، وهذا الشيء واضح جداً ، لمجرد أن تتحرك نحو الله بعمل صالح ، بصيام نفل ، بصلاة نافلة ، بغض بصر ، بضبط لسان ، بخدمة إنسان ، بإطعام جائع بهداية ضال يتقرب الله منك .
    (( وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا ، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً )) .
    [ متفق عليه ]
    فَلَيتَكَ تَحلو وَ الحَياةُ مَريـرَةٌ وَلَيتَكَ تَرضى وَالأَنامُ غِضابُ
    وَلَيتَ الَّذي بَيني وَبَينَكَ عامِرٌ وَبَيني وَبَينَ العـالَمينَ خَرابُ
    ***

     فَاذْكُرُونِي أَذْكُرْكُمْ (152) 
    ( سورة البقرة )
    (( فَإِنْ ذَكَرَنِي فِي نَفْسِهِ ذَكَرْتُهُ فِي نَفْسِي ، وَإِنْ ذَكَرَنِي فِي مَلَإٍ ذَكَرْتُهُ فِي مَلَإٍ خَيْرٍ مِنْهُمْ ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ بِشِبْرٍ تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ ذِرَاعًا ، وَإِنْ تَقَرَّبَ إِلَيَّ ذِرَاعًا تَقَرَّبْتُ إِلَيْهِ بَاعًا ، وَإِنْ أَتَانِي يَمْشِي أَتَيْتُهُ هَرْوَلَةً )) .
    [ متفق عليه ]
    هذا ضمن اسم الله ( الشاكر ) .

    7 – من شكر الله للعبد إلهام الأبناء برَّهم للآباء :

    من معاني هذا الاسم أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول : بروا آبائكم تبركم أبنائكم .
    يشكر الله لك برك لأبيك بأن يلهم أولادك في المستقبل أن يكونوا بك بررة ، وهذا عطاء في الدنيا قبل الآخرة .

    وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (46)
    ( سورة الرحمن)
    فالذي يبر أباه يهيئ الله له أولاداً بررة يطيعونه ، يعظمونه ، يحترمونه ، وهم في خدمته كظله .

    8 – عفة الزوج سبب لعفة الزوجة :

    وعفو تعف نسائكم والذي يتعفف عن الحرام يكافئه الله بزوجة عفيفة ، كما أنه عف عن الحرام فهي تعف عن الحرام ، لأن الله عز وجل هو ( الشاكر ) ، يشكر لك برك لأبيك بأن يزيدك من فضله عن طريق أولاد بررة هم في خدمتك ، ويشكر لك عفتك عن الحرام بأن يجعل زوجتك عفيفة مثلك عن الحرام ، وعفو تعف نسائكم .

    9 – من شكر في صلة الرحم زيادة في العمر وسعة في الرزق :

    ومن اسم الله ( الشاكر ) أنه إذا وصلت رحمك زاد في عمرك ونفى عنك الفقر ، لأن الضمان الاجتماعي في الإسلام أساسه النسب والجوار ،و الأحاديث التي توصي بالجار كثيرة جداً ، والأحاديث التي توصي بصلة الرحم كثيرة جداً .

    معنى صلة الرحم :

    ما معنى صلة الرحم ؟ أقرباءك مَن لهم غيرك ؟ الآخرون أنت لهم ، وغيرك لهم ، أما أقرباءكم فمَن لهم غيرك ؟ لا تعني صلة الرحم أن تطل عليهم في كل عيد دقائق معدودة ، ومعك بطاقة ، وتتمنى أن لا تراهم في البيت لكي توفر الوقت ، ليست هذه صلة الرحم .
    صلة الرحم أن تتصل بهم ، وأن تزورهم ، وأن تجلس معهم ، وأن تتفقد أحوالهم ، وأن تمد لهم يد المساعدة ، وأن تأخذ بيده إلى الله عز وجل ، هذه صلة الرحم التي أرادها الله عز وجل ، تبدأ بالاتصال ، ولعله باتصال هاتفي ، ثم بزيارة ، ثم بتفقد أحوال ، ثم مساعدة مادية أو معنوية ، ثم بأن تأخذ بيده إلى الله عز وجل ، هذه صلة الرحم التي تزيد في العمر ، وتزيد في الرزق .

    معنى زيادة العمر بصلة الرحم :

    معنى تزيد في العمر ، للعلماء وقفة عند هذا المعنى :
    الحقيقة العمر لا يتقدم ولا يتأخر ، لكن قيمة العمر بمضمونه ، كإنسان فتح محلا تجاريا من الساعة التاسعة صباحا حتى التاسعة ليلا ، وقت محدود ، الفرق بين محلين ، محل قيمة غلته ألف ، ومحل غلته مليون ، فزيادة العمر تعني مضمون العمر ، قد يعني المضمون كثيف جداً .
    الإمام الشافعي عاش أقل من خمسين سنة ، لكنه ترك خيرات لا يعلمها إلا الله ، والإمام النووي عاش أقل من خمسين سنة ، وهناك أناس عاشوا تسعين سنة ، ولم يفعلوا شيئاً .
    فلذلك زيادة العمر في رأي بعض العلماء أن العمر قيمته بأعماله الصالحة ، العمر الحقيقي عمر العمل الصالح ، وأتفه أعمار الإنسان عمره الزمني ، لكن أجلّ أعماره عمره في العمل الصالح ، لذلك يقول عليه الصلاة والسلام :
    عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ قَالَ سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
    (( مَنْ سَرَّهُ أَنْ يُبْسَطَ لَهُ فِي رِزْقِهِ أَوْ يُنْسَأَ لَهُ فِي أَثَرِهِ فَلْيَصِلْ رَحِمَهُ )) .
    [ متفق عليه ]
    إن أردت أن ينسأ الله لك في أجلك ، ويزيد في رزقك فصل رحمك ، هذه من الطاعات التي حض عليها النبي عليه الصلاة والسلام ، لأن الله عز وجل شاكر .
    لو تتبعنا أحوال الناس فإن الإنسان الذي يتفقد أهله ، ويعين أهله ، وينفق عليهم ، أهله بالمعنى الواسع ، أقرباءه من طرف أبيه ، ومن طرف أمه ، ومعنى الرحم واسع جدا ، كل أقربائك من دون تفصيل ، من جهة أبيك ومن جهة أمك ، لأن الله عز وجل جعل صلة الرحم أحد أنواع الضمان الاجتماعي ، لذلك قال العلماء : لا تقبل زكاة إنسان وفي أقربائه محاويج ، والكلمة التي أقولها دائماً : هؤلاء أقربائك مَن لهم غيرك ، الآخرون أنت لهم وغيرك لهم ، أما أقربائك فمَن لهم غيرك ؟
    أحياناً إنسان له أخت متزوجة في طرف المدينة ، ما عنده وقت لزيارتها ، لكن لو أنه زارها ما الذي يحصل ؟ تنتعش أمام زوجها ، أمام أولادها ، لا تنام الليل مِن فرحها ، لذلك هناك أناس يزورون أقرباءهم الأقوياء أو الأغنياء أو اللامعين في الحياة ، أما أقربائهم المساكين فيهملونهم ، ويزورونهم من عام إلى عام .
    أيها الإخوة الكرام ، لو طبقنا صلة الرحم لكنا في حال غير هذا الحال ، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام أشار إلى أنك إذا أعطيت أقرباءك من مالك ، من مال زكاتك ، فهذه الزكاة لها أجران عند الله ، لك أجر الصدقة ، ولك أجر الصلة ، ألا تحب أن تنال ثواباً مضاعفاً ؟ تفقد في هذا المال الذي هو مال زكاتك ، تفقد أهلك ، بل إن بعض العلماء يؤكد أن الله سبحانه وتعالى لا يقبل زكاة من مسلم ، وفيه أقربائه محاويج ، والحقيقة في ظاهرة عجيبة عمله الصالح لكل الناس إلى أقربائه ، هؤلاء أقرب الناس إليك ، أنت بعملك الصالح مع هؤلاء تقربهم منك .
    والله حدثني أخ زاره قريبه في بيت تحت الأرض ضعيف الشمس ، رطب ، والزائر منعم ، قال له : هذا المكان لا يليق بأولاده من أجل صحتهم ، قال لي : زيارة واحدة نقلني إلى بيت في طابق ثالث باتجاه القبلة ، قال : والله أنعشني ، القصد من الزيارة أن تمد يد العون ، الزيارة دائما أن تمد يد العون ، من القوي إلى الضعيف ، ومن الغني إلى الفقير ، ومن العالم إلى الجاهل ، والأقوى منك ليس بحاجة إليك ، يجب أن تزوره طبعاً ، وهو ليس بحاجة إليك ، مَن هو في حاجة إليك ؟ الذي يكون أضعف منك ، فإذا تراحم الناس يرحمهم الله جميعاً ، أما إذا تدابروا ، وتناكر الناس ، ولم يعبأ أحد بأحد سخط الله علينا جميعاً .
    10 – مِن شكرِ الله العبدَ عند توقيره الكبير :

    أيها الإخوة في بعض الأحاديث ، عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
    (( مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلَّا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ )) .
    [ الترمذي ]
    وهذا من اسم الله ( الشاكر ) .

    11 – من شكر الله العبدَ عند إحسانه إلى المخلوقات :

    لكن كما قلت البارحة : أيّ عمل صالح قدِّم لمخلوق كائنا من كان وكائناً ما كان ، كائناً من كان للبشر العقلاء ، وكائناً ما كان لغير البشر ، لمخلوق ، لقطة ، لجرو صغير ، أيّ عمل صالح قدِّم لأي مخلوق كائناً من كان ، أو كائناً ما كان فلابد من أن يجازي الله عليه مقدِّمَه ، مسلما كان أو كافرا ، في الدنيا أو في الآخرة ، ومستحيل أن تقدم شيئا صالحا دون أن تنال الجزاء ، فإن كنت مؤمناً بالله وباليوم الآخر كان الجزاء في الدنيا والآخرة ، وإن كان الإنسان بعيداً عن الله ، مؤمنا بالدنيا ، ولم يؤمن بالآخرة كان الجزاء في الدنيا .
    ما أحسن مسلم عمله أو كافر إلا وقع أجره على الله في الدنيا أو في الآخرة ، والعمل الصالح لابد أن تنال جزاءه .

    12 – من شكر الله العبدَ عند إنفاقه من وقته في طاعة الله :

    الذي ينفق يوسّع الله عليه في ماله .
    والذي يدعم الضعفاء والمساكين يقوي الله عز وجل مكانته في المجتمع .
    والذي يبذل من وقته لخدمة الخلق يبارك الله في وقته ، لذلك الله عز وجل أمرنا أن نؤدي زكاة أموالنا ، ومن منا ينتبه إلى أن الوقت له زكاة ، لمجرد أن تؤدي الصلوات في أوقاتها فقد اقتطعت من وقتك الثمين وقتاً لطاعة الله ، فالمكافأة على ذلك أن الله يبارك لك في وقتك ، فتفعل في الوقت القليل الشيء الكثير.
    أحيانا إذا ضن الإنسان بوقته الثمين أن يعبد الله فيه ، أو أن يحضر مجلس علم يتلف الله له وقته ، وقد يشعر الإنسان بعدم التوفيق ، عنده قائمة أعمال ، انتقل من مكان إلى مكان ، أغلق المحل ، يسافر من مكان إلى مكان فلا يتحقق له شيء ، فأراد الله عز وجل له أن يضيع الوقت مع الشعور بالألم ، وهو قادر أن يبارك لك في وقتك ، لذلك الوقت له زكاة ، إن أنفقت بعض الوقت في أداء العبادات ، وطلب العلم ، وطاعة الله يبارك الله لك في وقتك ، وإن أديت شيئاً من وقتك في خدمة الخلق يبارك الله عز وجل لك في جهدك .
    حدثني أخ أنه دخل محل إنسان ، في إحدى المحافظات الشمالية ، قال : أنا أريد أن تعلمني صنع هذه الحلوى ، قال : حباً وكرامة ، صنع أمامه طبخة ، وقال له : اكتب عندك التفاصيل ، وكلفه أن يصنع أمامه طبخة ثانية ، والإنسان من محل بعيد من أقصى القطر ، أقسم لي بالله منذ ثلاثين عاماً ما مِن عام إلا ويأتي إليه بهدايا ثمينة ، يقول له : أنت فضلك علي كبير .
    هذا الإنسان مؤمن ، وحينما تبذل الله عز وجل يكرمك ، لذلك :
    (( مَا أَكْرَمَ شَابٌّ شَيْخًا لِسِنِّهِ إِلَّا قَيَّضَ اللَّهُ لَهُ مَنْ يُكْرِمُهُ عِنْدَ سِنِّهِ )) .
    [ الترمذي ]
    لأن الله عز وجل هو ( الشاكر ) ، وإن قدّمت لإنسان عادي معروفاً يتفنن في شكرك ، ويبارك هذا العمل ، يقول لك : خجلتنا ، تفضلت علينا ، وخالق الأكوان صاحب الأسماء الحسنى والصفات الفضلى أيعقل أن تقدم معروفاً في الدنيا أم في الآخرة ولا يشكرك عليه .

    13 – من شكر الله العبدَ عند إنفاقه من وقته في طاعة الله :

    أيها الإخوة الكرام ، لو قدمت معروفا لكلب ، دققوا في هذا الحديث ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
    (( بَيْنَا رَجُلٌ يَمْشِي فَاشْتَدَّ عَلَيْهِ الْعَطَشُ ، فَنَزَلَ بِئْرًا ، فَشَرِبَ مِنْهَا ، ثُمَّ خَرَجَ ، فَإِذَا هُوَ بِكَلْبٍ يَلْهَثُ ، يَأْكُلُ الثَّرَى مِنْ الْعَطَشِ ، فَقَالَ : لَقَدْ بَلَغَ هَذَا مِثْلُ الَّذِي بَلَغَ بِي ، فَمَلَأَ خُفَّهُ ، ثُمَّ أَمْسَكَهُ بِفِيهِ ، ثُمَّ رَقِيَ ، فَسَقَى الْكَلْبَ ، فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ ، قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا ؟ قَالَ : فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ )) .
    [ متفق عليه ]
    والله لعل الله يرحمنا بخدمة مخلوق ضعيف ، بخدمة هرة مريضة ، وهناك أشخاص يأخذون هذه الحيوانات المريضة إلى مستوصفات بيطرية يعالجونها ، هناك أناس مغرمون بإطعام الحيوانات .
    لذلك أيها الاخوة ، حينما تعرف الله تتفنن في خدمة مخلوقاته ، والمؤمن إنسان عظيم ، إنسان اصطلح مع الله ، اصطلح مع خلقه جميعاً ، المؤمن يبني حياته على العطاء يعيش ليعطي :
    (( قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَإِنَّ لَنَا فِي الْبَهَائِمِ أَجْرًا ؟ قَالَ : فِي كُلِّ كَبِدٍ رَطْبَةٍ أَجْرٌ )) .

    أيّ عمل صالح موجّه لأيّ مخلوق ، هناك أشخاص مغرمون بإطعام الطيور ، يشترون الحب ويضعونه على سطح البيت ، والطيور تأتي تباعاً وتأكل .
    فلذلك أيها الإخوة الكرام ، يا من جئت الحياة فأعطيت و لم تأخذ ، يا من قدست الوجود كله ، ورعيت قضية الإنسان ، يا من زكيت سيادة العقل ، و نهنهت غريزة القطيع ، يا من هيأك تفوقك لتكون واحداً فوق الجميع ، فعشت واحداً بين الجميع ، يا من كانت الرحمة مهجتك ، والعدل شريعتك ، والحب فطرتك ، والسمو حرفتك ، ومشكلات الناس عبادتك .

    14 – من شكر الله العبدَ عند إماطته الأذى عن الطريق :

    أيها الإخوة الكرام ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
    (( بَيْنَمَا رَجُلٌ يَمْشِي بِطَرِيقٍ وَجَدَ غُصْنَ شَوْكٍ عَلَى الطَّرِيقِ فَأَخَذَهُ فَشَكَرَ اللَّهُ لَهُ فَغَفَرَ لَهُ )) .
    [ متفق عليه ]
    أحيانا شاحنة كبيرة تقف لإصلاح بعض العجلات ، وتضع حجرا كبيرا وراء العجلة ، ثم تنطلق والحجر قد يسبب دمار أسرة بأكملها ، وهناك إنسان يقف ، ويزيح هذا الحجر ، فيشكر الله لك .
    أيها الإخوة ، الله عز وجل هو ( الشاكر ) ، ومن أسماءه أيضا هو ( الشكور ) .

    والحمد لله رب العالمين

  2. #32

    افتراضي

    اسم الله : الستير (1)

    1 –

    ( الستّير ) وليس الستَّار :

    أيها الإخوة الأكارم ، مع اسم جديد من أسماء الله الحسنى ، وهو اسم ( الستير ) ، وقد يدور على ألسنة الناس اسم الستار ، واسم الستار لم يرد لا في الكتاب ولا في السنة أما الذي ورد اسم ( الستير ) ، فقد ورد هذا الاسم في السنة ، ولم يرد في القرآن مقروناً باسم الحَيِيّ ، والاسم الحقيقي في هذا الموضوع اسم ( الستير ) ، وليس الستار .

    2 – ورودُ اسم ( الستّير ) في السنة الصحيحة :

    هذا الاسم ورد مطلقاً مُنَوّناً ، مراد به العلمية ، دالاً على كمال الوصف .
    في الحديث الشريف الصحيح عَنْ يَعْلَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَجُلًا يَغْتَسِلُ بِالْبَرَازِ ، فَصَعِدَ الْمِنْبَرَ ، فَحَمِدَ اللَّهَ ، وَأَثْنَى عَلَيْهِ ، وَقَالَ :
    (( إِنّ اللهَ عزّ وَجَلّ حَلِيمٌ حَيّ سِتّيرٌ ، يُحِبّ الحَيَاءَ والسّتْرَ ، فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمُ فَلْيَسْتتِرْ )) .
    [ النسائي ]
    وفي سنن البيهقي عن ابن عباس رضي الله عنه :
    (( إن الله ستير يحب الستر )) .

    3 – لابد أن يكون السترُ من صفات المؤمن :

    الله عز وجل يقول :

    ﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ .
    ( سورة الأعراف الآية : 180 ) .
    ولا بد من وقفة عند كلمة : ﴿ فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ ، يعني تقربوا إلى الله بالتخلق بالكمالات الإلهية ، ويمكن أن تتقرب إلى الرحيم بأن تكون رحيماً ، ويمكن أن تتقرب إلى العدل بأن تكون منصفاً ، ويمكن أن تتقرب إلى ( الستير ) بأن تكون ستّيراً .

    الإنسان بين طبع الفضائح وتكليف الستر :

    ولا بد من التنويه إلى أن طبع الإنسان يقتضي الفضيحة ، يستمتع في أن يذكر فضائح الناس ، وأن يكشف عوراتهم ، وأن يتندر بسقوطهم ، والله عز وجل يقول :


    ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾ .
    ( سورة النور الآية : 19 ) .
    الإنسان معه طبع ، ومعه تكليف ، الطبع يتناقض مع التكليف ، طبعه يقتضي أن يبقى نائماً ، مسترخياً ، غارقاً في نوم لذيذ ، والتكليف يقتضي أن يستيقظ ليصلي الفجر في جماعة .
    عَن جُنْدَب بْن عَبْدِ اللَّهِ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
    (( مَنْ صَلَّى الصُّبْحَ فَهُوَ فِي ذِمَّةِ اللَّهِ فَلَا يَطْلُبَنَّكُمْ اللَّهُ مِنْ ذِمَّتِهِ بِشَيْءٍ فَيُدْرِكَهُ فَيَكُبَّهُ فِي نَارِ جَهَنَّمَ )) .
    [ مسلم ]
    عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
    (( لَوْ يَعْلَمُ النَّاسُ مَا فِي النِّدَاءِ وَالصَّفِّ الْأَوَّلِ ، ثُمَّ لَمْ يَجِدُوا إِلَّا أَنْ يَسْتَهِمُوا عَلَيْهِ لَاسْتَهَمُوا ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي التَّهْجِيرِ لَاسْتَبَقُوا إِلَيْهِ ، وَلَوْ يَعْلَمُونَ مَا فِي الْعَتَمَةِ وَالصُّبْحِ لَأَتَوْهُمَا وَلَوْ حَبْوًا )) .
    [ متفق عليه] .
    إذاً : الطبع يقتضي أن أخوض في فضائح الناس ، والتكليف يأمرني أن أستر ، الستر يحتاج إلى إرادة ، إلى قوة إرادة ، معك قصة ممتعة جداً تسرّ الحاضرين ، يتلهفون إليك ، وتشرئب أعناقهم إليك ، لكنك مؤمن ، والمؤمن ستّير ، فيسكت .
    فلذلك هذا الذي يمشي مع طبعه ، نقول له :
    (( أَلَا إِنَّ عَمَلَ الْجَنَّةِ حَزْنٌ بِرَبْوَةٍ ، ثَلَاثًا ، أَلَا إِنَّ عَمَلَ النَّارِ سَهْلٌ بِسَهْوَةٍ )) .
    [ أحمد عن ابن عباس ] .
    قضية سهلة جداً ، يسترخي ، أيّ شيء يعرفه تكلم به ، لكن : عَنْ حَفْصِ بْنِ عَاصِمٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
    (( كَفَى بِالْمَرْءِ كَذِبًا أَنْ يُحَدِّثَ بِكُلِّ مَا سَمِعَ )).
    [ رواه مسلم ]
    هناك إنسان وصل إلى شيء أذنه فينشره ، والنبي صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يعلمنا أن إنساناً يحدثك بحديث ، ولم يقل لك : هذا الحديث أمانة ، إطلاقاً ، لكن سمع خطوة نعال وراءه فالتفت قلقاً ، فالتفاتته القلقة تعني أن هذا الحديث بالأمانة ، ما قال لك شيئاً ، لكن رأيته قد أصابه قلق حينما سمع وقع خطوات وراءه ، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
    (( إِذَا حَدَّثَ الرَّجُلُ بِالْحَدِيثِ ، ثُمَّ الْتَفَتَ فَهِيَ أَمَانَةٌ )) .
    [ أبو داود والترمذي ]
    وعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
    (( الْمَجَالِسُ بِالْأَمَانَةِ ... )) .
    [ أبو داود وأحمد ]
    الطبع في الإنسان يقتضي أن تنشر فضائح الناس ، لذلك أعظم ما عند المؤمنين أنهم مجتمع ستّير ، وأحقر ما في مجتمع الكفر أنه مجتمع فضائحي ، أساسه الفضائح ، والآن الإعلام أساسه الفضائح .

    الفضائح إمّا مالية أو جنسية :

    بالمناسبة : لو تتبعت فضائح أهل الدنيا من آدم إلى يوم القيامة لا تزيد الفضائح على موضوعين ، فضيحة مالية ، وفضيحة جنسية ، وأنت حينما تحصن نفسك في موضوع المال وفي موضوع الجنس تكون في حصن حصين ، وفي حرز حريز .
    لذلك أيها الإخوة ، الحديث الشريف :
    (( إِنّ اللهَ عزّ وَجَلّ حَلِيمٌ حَيّ سِتّيرٌ ، يُحِبّ الحَيَاءَ والسّتْرَ ، فَإِذَا اغْتَسَلَ أَحَدُكُمُ فَلْيَسْتتِرْ )) .
    والحديث الآخر :
    (( إن الله ستير يحب الستر )) .
    أختك حدثتك عن مشكلة بينها وبين زوجها ، والمجلس بالأمانة ، فضحتها ، وذكرتَ ذلك لأختها الثانية ، والثالثة ، والرابعة ، ولأخواتها ، ولأخيها ، فإذا مشكلتها مع زوجها بين كل الناس ، هذا ليس من صفات المؤمن .
    إن الإنسان يمكن أن يتقرب إلى الله بكمال مشتق من كمال الله ، الله ستّير ، فالمؤمن يجب أن يكون ستّيراً .

    معنى ( الستِّير ) :

    المعنى الأول :

    أولاً : ( الستّير ) في اللغة على وزن فعيل ، وهذه الصيغة من صيغ المبالغة ، يستر مليون فضحية ، ويستر أكبر فضيحة ، صيغ المبالغة تأتي في الكم والنوع ، الله غفار صيغة مبالغة ، يغفر أكبر ذنب ، ويغفر مليار ذنب ، كماً ونوعاً ، الستّير على وزن فعّيل ، وهو من صيغ المبالغة ، ومعنى ستر الشيء ؛ أخفاه .

    الفرق بين السَّتر ـ بكسر السين ـ والسِّتر ـ بالفتح ـ :

    ملاحظة : فرق بين السِتر ، والسَتر ، السَتر مصدر ، ستر يستر ستراً ، أما السِتر فهو اسم ، هذه القماشة التي توضع على النافذة اسمها سِتر ، وهناك فرق بين الاسم والمصدر ، المصدر يدل على حدث ، تماماً كشق يشق ، الآن هذه العملية اسمها شَق ، أما هذا الخط اسمه شِق ، الله عز وجل يستر عباده .
    أولاً : ( الستير ) من شأنه حب الستر والصون والحياء ، وأساساً الله عز وجل جعل في الإنسان خصيصة ، أن سرك لا يطلع عليه أحد ، لا صديق ، ولا قريب ، ولا زوجة ولا ملِك ، لذلك أعجب العجب ممن ستره الله عز وجل وهو يفضح نفسه ، هذا يشيع بين الشباب والشابات بعد الزواج ، تحدثه عن ماضيها ، مَن سألكِ عن هذا ؟ وهو نوع من الحق ، فإذا شك في ماضيها وقع النفور ، أو يحدثها عن علاقاته السابقة ، وحينما يبتعد الإنسان عن الله يسوقه الشيطان دون أن يشعر ، مع أن الله عز وجل سترك .
    حدثني أخ قال لي : إن إنسانا صالحا ذكر له بعضُ أصدقائه أنه زنى في وقت مضى ، قال لي : والله مضى على هذه القصة ثلاثون عاماً ، كلما نظرت إليه تذكرت أنه زنى .
    الإنسان لا يغفر ، فإذا وقع من إنسان زلة واللهُ ستره ، فليس له حق في أن يفضح نفسه ، وليس عندنا في الإسلام ما يسمى بالبوح ، تقف أمام رجل دين ، وتبوح له بكل أخطائك ، هذا شيء ليس واردا عندنا إطلاقاً ، الله ( ستّير ) ، ما دام أن الله سترك فيجب أن تستر نفسك ، ولا داعي أبداً أن تبوح بأخطاء صدرت منك لأيّ إنسان .
    إذاً : ( الستير ) هو الذي مِن شأنه حب الستر والصون والحياء .
    تروي الكتب قصة رمزية : أن سيدنا موسى عليه وعلى نبينا أفضل الصلاة والسلام استسقى ربه ، فقال الله له : يا موسى ، إن فيكم عاصياً ، فلا مطر ، إن فيكم عاصياً ، فقال : من كان يعصي الله فليغادرنا ، ما غادره أحد ، وبعد حين نزلت الأمطار كأفواه القرب ، قال : يا رب ، مَن هذا الذي كان يعصيك ؟ قال : عجبتُ لك يا موسى ، أستره عاصياً ، وأفضحه تائباً ؟!
    من تاب الله عليه ، وستره ينبغي ألا يفضح نفسه إطلاقاً ، حتى لو كان عليك ذمة في الجاهلية ، وتبت إلى الله ، ولا بد من أن تؤدى هذه الذمة لصاحبها يمكن أن ترسلها له بحوالة بريدية ، من دون أن تفضح نفسك ، تقول له كنت عندك مرة ، واختلست هذا المبلغ منك من الطاولة ، حتى لو كان عليك حق فلا بد من أن تؤدي هذا الحق من دون أن تفضح نفسك ، لأن الله ( ستّير ) ، أسبغ عليك ستره ، فلا تفضح نفسك .

    المعنى الثاني :

    ( الستير ) يأتي بمعنى آخر ، معنى المنع والابتعاد عن الشيء ، فقد ورد في الحديث الصحيح أَنَّ عَائِشَةَ زَوْجَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ :
    (( جَاءَتْنِي امْرَأَةٌ مَعَهَا ابْنَتَانِ تَسْأَلُنِي ، فَلَمْ تَجِدْ عِنْدِي غَيْرَ تَمْرَةٍ وَاحِدَةٍ فَأَعْطَيْتُهَا فَقَسَمَتْهَا بَيْنَ ابْنَتَيْهَا ، ثُمَّ قَامَتْ فَخَرَجَتْ ، فَدَخَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَحَدَّثْتُهُ فَقَالَ : مَنْ يَلِي مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ شَيْئًا فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنْ النَّارِ )) .
    [ متفق عليه ]
    مَن يصدق أنه إذا ربّى بنتاً أو بنتين ، فأحسن تربيتهما ، ربّاهما على الصلاح والحياء ، والورع والتقوى ، ثم اختار لهما زوجين صالحين من المؤمنين ، ومات فله الجنة ؟!
    يكفي أن تربي بنتين ، وفي بعض الروايات بنتاً واحدة ، يكفي أن تربي بنتاً ، أن ترعاها ، أن تؤدبها بأدب الإسلام ، أن تحجبها ، أن تختار لها زوجاً مؤمناً ، يكفي هذا العمل لتكون في الجنة .
    إذاً : الستر هنا بمعنى البعد ، فتربية هذه البنت تربية صالحة تبعدك عن النار .
    إخواننا الكرام ، من البيت هناك مئات الطرق إلى الله ، من البيت ، من الطريق هناك مئات الطرق إلى الله ، من عملك هناك مئات الطرق إلى الله ، الطرائق إلى الخالق بعدد أنفاس الخلائق ، هل هناك بيت ما فيه بنات ؟ هذا كلام النبي عليه الصلاة والسلام ، يقول سيدنا سعد ابن أبي وقاص :
    << ثلاثة أنا فيهن رجل ، وفيما سوى ذلك أنا واحد من الناس >> ، ومعنى رجل لا تعني أنه ذكر ، تعني أنه بطل .

    ﴿ رِجَالٌ لَّا تُلْهِيهِمْ تِجَارَةٌ وَلَا بَيْعٌ عَن ذِكْرِ اللَّهِ ﴾ .
    ( سورة النور الآية : 37 ) .
    كلمة رجال في القرآن لا تعني أنهم ذكور ، تعني أنهم أبطال .
    قال : ثلاثة أنا فيهن رجل ، وفيما سوى ذلك أنا واحد من الناس ، واحد من عامة المؤمنين ، ما هذه الثلاثة ؟! يقول : << ما سرتُ في جنازة فحدثت نفسي بغير ما تقول حتى أنصرف منها >> ، معنى ذلك أن الجنازة لها قول ، القول قد يكون بلسان المقال ، أو بلسان الحال .
    ورد في بعض الآثار " أن روح الميت ترفرف فوق النعش تقول : يا أهلي يا ولدي ، لا تلعبن بكم الدنيا كما لعبت بي ، جمعت المال مما حل وحرم ، فأنفقته في حله ، وفي غير حله ، فالهناء لكم والتبعة علي " .
    قال : << ما سرت في جنازة فحدثت نفسي بغير ما تقول حتى أنصرف منها >> .
    لذلك إذا مشى الإنسان في جنازة فهذا الذي في النعش انقضى أجله ، وخُتم عمله سيحاسب عن كل شيء .


    ﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ﴾ .
    ( سورة الحجر ) .
    كل مخلوق يموت ولا يبقَ إلا ذو العزة والجبروت .
    والليل مهما طال فلا بد من طلوع الفجر
    والعمر مهما طال فلا بد من نزول القبر
    ***
    وكل ابن أنثى وإن طلت سلامته يوماً على آلة حدباء محمول
    فإذا حمــلت إلى القبور جنازة فاعلم أنك بعدها مــحمول
    ***
    لذلك قالوا : أندم الناسِ عالِمٌ دخل الناس بعلمه الجنة ، ودخل هو بعلمه النار ، ما طبق علمه ، وأندم الناسِ غني دخل ورثته بماله الجنة ، ورثوه حلالاً ، وأنفقوه في طاعة الله ، فدخلوا بمال أبيهم الجنة ، ودخل هو بماله النار ، لأنه كسبه بطرق متعددة لا ترضي الله عز وجل .
    فلذلك المعنى الدقيق : << ثلاثة أنا فيهن رجل ، وفيما سوى ذلك أنا واحد من الناس ما سرت في جنازة فحدثت نفسي بغير ما تقول حتى أنصرف منها >> .
    الآن يمشي الرجل في الجنازة فيتحدث عن الصفقات ، والبيت الفلاني ، والمحل الفلاني ، والحفلة الفلانية ، قال له : هل حضرتها ؟ كانت رائعة ! وهو يمشي في جنازة .
    << ما سرت في جنازة فحدثت نفسي بغير ما تقول حتى أنصرف منها ، ولا صليت صلاة فشغلت نفسي بغيرها حتى أقضيها >> .

    ﴿ قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلَاتِهِمْ خَاشِعُونَ ﴾ .
    ( سورة المؤمنون ) .
    في الجنازة بطل ، والصلاة بطل .
    الثالثة ، وهي موطن الشاهد : << وما سمعت حديثاً من رسول الله إلا علمت أنه حق من الله تعالى >> .
    إذا ربيت هذه البنت ، وأحسنت أخلاقها ، وحجبتها ، ودللتها على الله ، واخترت لها زوجاً مؤمناً فلك الجنة ، هذا عمل يكفي لدخول الجنة .
    أيها الإخوة :
    (( مَنْ يَلِي مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ شَيْئًا فَأَحْسَنَ إِلَيْهِنَّ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنْ النَّارِ )) .
    ( الستير ) هو سبحانه وتعالى ، ويحب الستر ، ويبغض القبائح ، ويأمر بستر العورات ، ويبغض الفضائح ، ويستر العيوب على عباده ، وإن كانوا بها مجاهرين ، ويغفر الذنوب مهما عظمت ، طالما كل عباده موحِّدون .

    قصة مناسبة لموضوع الستر :

    ليس من عادتي أن أروي قصصا مبنية على منامات ، لكن هناك قصة مؤثرة جداً ، أن أحد خطباء دمشق ، والقصة من خمسين سنة تقريباً ، رأى في المنام رسول الله ، وتأثر تأثراً بالغاً بهذه الرؤيا ، وقد ورد عَن أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : سَمِعْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
    (( مَنْ رَآنِي فِي الْمَنَامِ فَسَيَرَانِي فِي الْيَقَظَةِ ، وَلَا يَتَمَثَّلُ الشَّيْطَانُ بِي )) .
    [ أخرجه أحمد في مسنده وصحيح البخاري والترمذي ] .
    هذا الخطيب رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم في المنام ، وقال له : قل : لجارك فلان ، وجاره بائع متواضع جداً ، إلى جانب المسجد ، قل لجارك فلان : إنه رفيقي في الجنة ، هذا الخطيب تألم ألماً شديداً ، البشارة لي أم له ؟ لجاره ، وهو إنسان متواضع ، من عامة الناس طرق بابه ، دخل إلى بيته ورحب به ، قال له : لك عندي بشارة من رسول الله ، ولن أعلمك إياها إلا إذا أخبرتني ماذا فعلت مع ربك ؟ امتنع ، فلما ألح عليه ، قال له : والله لن أنقلها إلى مسامعك إلا إذا أخبرتني ماذا فعلت مع ربك ، قال له : والله أنا خطبت امرأة وتزوجتها ، وفي الشهر الخامس ، كانت حاملاً في الشهر التاسع ، يعني أن الحمل ليس مني ، قال له : زلت قدمها ، قال له : بإمكاني أن أفضحها ، بإمكاني أن أطلقها ، بإمكاني أن أسحقها ، لكن أردت أن أجعلها تتوب على يدي ، جئت لها بولاّدة ، وولدت في الليل ، وحملت الطفل الصغير الذي ليس منه تحت عباءتي ، ودخلت جامع في السنجقدار ، دخل المسجد بعد أن نوى الإمام فريضة الفجر ، وضع الغلام وراء الباب ، والتحق بالمصلين ، ولم يره أحد ، فلما انتهت الصلاة تحلق الناس حول الغلام ، ودهشوا ، فجاء هو ، وكأنه لم يعلم ما الخبر ، قال : ما الخبر ؟! قالوا : تعال انظر ، قال : أنا أكفله ، أعطوني إياه ، فأخذه أمام أهل الحي على أنه لقيط ، وهو تولى تربيته ، ورده إلى أمه ، وتابت على يديه ، الله عز وجل قال :

    ﴿ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ﴾ .
    ( سورة النحل الآية : 90 ) .
    العدل أن تطلقها ، وأن تسحقها ، وأن تركلها بقدمك ، لكن الله أمرك بالإحسان ، فأنت إذا فعلت هذا فقد أنقذتها من الفضيحة ، وأنقذتها من الضياع ، وما كل قضية تحل بالعدل ، بل تحل آلاف القضايا بالإحسان ، ﴿ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ﴾ ، لا تكن فضّاحاً ، كن ستّيراً .
    الله عز وجل ( ستّير ) ، يحب كل ستّير ، وتخلق بهذا الكمال الإلهي ، وتقرب إلى الله بهذا الكمال الإلهي ، ولا تكن فضّاحاً .
    فلذلك في مجتمع الفضاح ما من قصة يرويها إنسان إلا وهي بعد أيام بين كل الناس .
    لذلك النبي عليه الصلاة والسلام وصف المرأة المؤمنة بأنها ستيرة ، وأما التي تخرج من بيتها تشتكي على زوجها فهي فضاحة ، لا ينظر الله إلى امرأة تشتكي على زوجها ، يحب الله المرأة الستيرة ، المرأة الستيرة امرأة مؤمنة .

    خاتمة :

    أيها الإخوة الكرام ، حينما أتخلق بهذا الاسم ، وبهذا الكمال أتقرب إلى الله .

    ﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ .
    نحن في علاقاتنا الاجتماعية الغيبة هي أحد أسباب الفضائح ، حتى قال الواحد للثاني : لقد اغتبتني ، قال له : من أنت حتى أغتابك ؟ لو كنت مغتاباً أحداً لاغتبت أبي وأمي ، لأنهما أولى بحسناتي منك ، فالقضية تنطلق من غيبة ، وتنتشر .
    فهذا الذي أتمنى أن يكون واضحا عند إخوتنا الكرام ، في أن الله سبحانه وتعالى من أسمائه الحسنى أنه ( ستّير ) ، ويمكن أن تتقرب إلى الله بهذا الكمال ، وهو أن تستر .
    الكلام له قواعد شرعية في موضع الفتوى ، في موضوع إنكار المنكر ، في حالات أخرى ، أما الأصل أنه ينبغي أن تستر ، والمجالس بالأمانة .

    والحمد لله رب العالمين

  3. #33

    افتراضي

    اسم الله : الستير(2)



    أيها الأخوة الأكارم ، مازلنا مع اسم الستير ، وقد قيل الرب رب والعبد عبد ، من شأن الرب أن يستر القبيح وأن يظهر الحسن ، ومن شأن العبد غير المؤمن أن يظهر القبيح ويستر الحسن ، أما المؤمن فمن شأنه أن يتخلق بكمالات الله عز وجل فيستر القبيح ويظهر الحسن ، وهذا خلق كريم ، وهذا رقي إنساني ، أن تُظهر الحسن وأن تستر القبيح ، بينما غير المؤمن يظهر القبيح ويستر الحسن ، لذلك ورد في بعض الأحاديث أن النبي عليه الصلاة والسلام يقول :
    (( لله أفرح بتوبة عبده من العقيم الوالد ، ومن الضال الواجد ، ومن الظمآن الوارد )) .
    [ أخرجه ابن عساكر في أماليه عن أبي هريرة ] .
    ضيعت شيئاً ثميناً جداً وأنت في حيرة من أمرك ثم وجدته .
    (( لله أفرح بتوبة عبده من العقيم الوالد ، ومن الضال الواجد ، ومن الظمآن الوارد )) .
    [ أخرجه ابن عساكر في أماليه عن أبي هريرة ] .
    بعد عشر سنوات جاءه الولد ، بعد اليأس والإحباط ، ومن الظمآن الوارد الذي كان على مشارف الهلاك .
    (( لله أفرح بتوبة عبده من العقيم الوالد ، ومن الضال الواجد ، ومن الظمآن الوارد )) .
    [ أخرجه ابن عساكر في أماليه عن أبي هريرة ] .
    وإذا تاب العبد توبة نصوحة ، هنا الشاهد ، هنا اسم الستير .
    إذا تاب العبد توبة نصوحة أنسى الله حافظيه والملائكة وبقاع الأرض كلها خطاياه وذنوبه .
    هذا شأن الستير ، إذا تاب العبد توبة نصوحة أنسى الله حافظيه والملائكة وبقاع الأرض كلها خطاياه وذنوبه .

    التائب من الذنب كمن لا ذنب له :


    ﴿وَاللَّهُ يُرِيدُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْكُمْ وَيُرِيدُ الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الشَّهَوَاتِ أَنْ تَمِيلُوا مَيْلًا عَظِيمًا (27) ﴾
    (سورة النساء)
    وما أمرك أن تتوب إليه إلا ليتوب عليك ، وما أمرك أن تستغفره إلا ليغفر لك ، وما أمرك أن تسأله إلا ليعطيك ، لكن الإنسان غير المؤمن شأنه العكس هو يظهر القبيح ويستر المليح ، لذلك ورد في بعض الأحاديث الشريفة :
    ((تعوذوا بالله من ثلاث فواقر : تعوذوا بالله من مجاورة جار السوء ، إن رأى خيرا كتمه وإن رأى شرا أذاعه...))
    [رواه البيهقي عن أبي هريرة]
    هناك إنسان أنا أسميه قناص ، يتعامى عن كل الفضائل ، فإذا ضبط تقصيراً أو مخالفة أو عيباً فضحها ونشرها وبالغ في الحديث عنها ، هذه اسمه قناص ، وهناك نماذج بشرية في كل المجتمعات ، يتعامى عن كل الفضائل والخيرات ويظهر العيوب والنقائص .
    لذلك :
    (( تعوذوا بالله من ثلاث فواقر: تعوذوا بالله من مجاورة جار السوء ، إن رأى خيرا كتمه وإن رأى شرا أذاعه، وتعوذوا بالله من زوجة سوء ، إن دخلت عليها لسنتك ، وإن غبت عنها خانتك، وتعوذوا بالله من إمام سوء ، إن أحسنت لم يقبل ، وإن أسأت لم يغفر)) .
    [رواه البيهقي عن أبي هريرة]
    هذه فواقر ثلاث .

    من ستر مؤمناً رضي الله عنه و قربه منه :

    صدق أيها الأخ الكريم ، أنت حين تستر مسلماً وتدفن قصته تحت الأرض ولا تبوح بها إطلاقاً تشعر بقرب من الله كبير ، وحدثتكم في اللقاء السابق عن هذه التي زلت قدمها فأصلحها زوجها وجعلها تتوب توبة نصوحاً حتى أن هناك بشارات تبشره برضوان الله عز وجل .
    القاضي شريح لقيه صديقة الفضيل فقال له : يا شريح كيف حالك في بيتك ؟ قال: منذ عشرين عاماً لم أجد من يعكر صفائي .
    أحياناً الإنسان يقول : ما نمت يوماً مرتاحاً معها ، يقول : والله من عشرين عاماً ما وجدت من زوجتي ما يعكر صفائي ، قال : وكيف ذلك يا شريح ؟ قال : خطبت امرأة من أسرة صالحة فلما كان يوم الزفاف وجدت صلاحاً وكمالاً ، يقصد صلاحاً في دينها وكمالاً في خلقها ، فصليت ركعتين شكراً لله على نعمة الزوجة الصالحة ، فلما سلّمت من صلاتي وجدت زوجتي تصلي بصلاتي وتسلم بسلامي وتشكر بشكري ، فلما خلا البيت من الأهل والأحباب دنوت منها ، فقالت لي : على رسلك يا أبا أمية ( أي انتظر) ، وقامت فخطبت ، قوية في دينها كاملة في خلقها ، قالت : أما بعد ، يا أبا أمية إني امرأة غريبة لا أعرف ما تحب ولا ما تكره ، فقل ما تحب حتى آتيه وما تكره حتى أجتنبه ، ويا أبا أمية قد كان لك من نساء قومك من هي كفء لك ، وكان لي من رجال قومي من هو كفء لي ، ولكن كنت لك زوجة على كتاب الله وسنة رسوله ليقضي الله أمراً كان مفعولاً ، فاتقِ الله فيّ وامتثل قوله تعالى :

    ﴿ فإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ (229) ﴾
    (سورة البقرة)
    ثم قعدت ، قال : فألجأتني إلى أن أخطب ، يعني اضطر أن يلقي خطبة أمامها ، وقف وقال : أما بعد ، فقد قلت كلاماً إن تصدقي فيه وتثبتي عليه يكن لك زخراً وأجراً ، وإن تدعيه يكن حجة عليك ، أحب كذا وكذا وأكره كذا وكذا ، أعطاها قائمتين .
    عندنا قاعدة : لا معصية قبل التكليف ، تكلف ، تبين ، توضح ثم تحاسب ، أزواج كثيرون لا ينطقون بكلمة فإذا أخطأت في ميزانه هو يقيم عليها الدنيا ولا يقعدها ، ما بلغت ، قال لها أحب كذا وكذا وأكره كذا وكذا ، شاهد القصة من اسم الستير : قال لها : ما وجدت من حسنة فانشريها وما وجدت من سيئة فاستريها .

    صفة الستر أول صفة من صفات المرأة المؤمنة :

    لذلك النبي عليه الصلاة والسلام وصف المرأة المؤمنة بأنها ستيرة ليست فضاحة لا تفضح زوجها ، الإنسان في البيت عليه ضغوط عمل ، أحياناً يقل المال بين يديه ، أحياناً يصبح سريع الاستثارة ، فالمرأة الصالحة تقدر هذا الظرف ، في متاعب في الحياة ، أحياناً في التجارة في مشكلات كبيرة جداً ، بالوظيفة في صعوبات بالغة ، قال لها : ما وجدت من حسنة فانشريها وما وجدت من سيئة فاستريها .
    لذلك تكاد صفة الستر تكون صفة أولى في المرأة المؤمنة ، من هنا قال عليه الصلاة والسلام : إني أكره المرأة تخرج من بيتها تشتكي على زوجها ، لا ينظر الله إلى امرأة لا تشكر زوجها وهي لا تستغني عنه .
    شاهدنا في موضوع اسم الستير قوله لها : ما وجدت من حسنة فانشريها وما وجدت من سيئة فاستريها .

    من أراد معاتبة من حوله عليه أن يبدأ بذكر إيجابياته لا سلبياته :

    إخواننا الكرام ، الإنسان أحياناً يأخذ من كل جهة إيجابيتها ويبتعد عن سلبياتها ، هناك أشخاص بالعكس : يأخذون من كل جهة سلبياتها ويبتعدون عن إيجابيتها ، يعني أحياناً يكون لك صديق له إيجابيات كثيرة جداً وله سلبيات ، يقتبس من سلبياته ومن سلبيات هذا وهذا فإذا هو كتلة من العيوب والنقائص ، وفي إنسان آخر يأخذ من كل شيء إيجابياته ، يجمع محاسن كل شيء ، فعود نفسك أن ترى في الإنسان الجانب الإيجابي ، لا يوجد إنسان كله شر ولا يوجد إنسان كله خير ، أنت حينما توطن نفسك ، أن ترى في كل إنسان النواحي الإيجابية ، كيف ؟ النبي عليه الصلاة والسلام يؤم أصحابه في صلاة من صلوات الفرض ، صحابي تأخر عن إدراك الركعة الأولى فدخل إلى المسجد وأسرع ليلحق مع النبي الركعة الأولى ، أحدث جلبة وضجيجاً وشوش على الصحابة في صلاتهم ، لما انتهت الصلاة ماذا قال له النبي عليه الصلاة والسلام ؟ قال : زادك الله حرصاً ولا تعد .
    ابدأ بالإيجابيات ، أنت كمدير مؤسسة ، كمعلم ، مدير مستشفى ، مدير جامعة ، مدير مدرسة ، حولك موظفون لهم إيجابيات وسلبيات ، إياك ثم إياك أن تبدأ بسلبياتهم ، عندك موظف يتأخر ولكنه أمين إن أردت أن تعاتبه يجب أن تبدأ بالحديث عن أمانته ، أنا معجب بأمانتك ، وأنا ممتن من إخلاصك لكن هناك مأخذ طفيف لابد من تلافيه هكذا علمنا النبي عليه الصلاة والسلام .
    لذلك هناك عالم نفس أمريكي ألّف كتاباً ، كيف تؤثر في الناس وتكسب الأصدقاء ؟ الكتاب الطبعة الأولى كانت خمسة ملايين نسخة ، جاء عالم (محمد الغزالي رحمه الله) ، أخذ هذه القواعد وذكر ما يقابلها في القرآن والسنة ، فإذا كنت مدير مدرسة ، أو مدير مشروع ، أو مدير جامعة ، أو أب ، أو معلم ، وأردت أن تعاتب بعض من حولك ، ابدأ بإيجابياتهم ، فجاء بالحديث هذا :
    زادك الله حرصا ولا تعد .

    على كل إنسان أن يرسم لزوجته سياسته في كل شيء للابتعاد عما يعكر صفوهما :

    إذاً الشاهد إني أكره المرأة تخرج من بيتها تشتكي على زوجها .
    و ما رأيت من حسنة فانشريها وما رأيت من سيئة فاستريها ، قالت : كيف نزور أهلي وأهلك ؟ قال : نزورهم غباً مع انقطاع بين الحين والحين حتى لا يملونا ، رسم سياسة ، وأنا أقول : دائماً فترة الخطبة فترة مهمة جداً ، يجب أن يرسم الزوج مستقبلاً لزوجته ، سياسته في كل شيء ، قالت : كيف نزور أهلي وأهلك ؟ قال : نزورهم غباً مع انقطاع بين الحين والحين لئلا يملونا.
    زر غباً تزدد حباً .
    قالت : فمن من الجيران تحب أن أسمح لهم بدخول بيتك ومن تكره ؟ قال : بنو فلان قوم صالحون وبنو فلان قوم غير ذلك ، ثم قال : ومضى عليّ عام عدت فيه إلى البيت فإذا أم زوجتي عندنا ، رحبت بها أجمل ترحيب ، وكانت قد علمت من ابنتها أنها في أهنأ حال ، قالت له أم زوجته : كيف وجدت زوجتك ؟ قلت : والله هي خير زوجة ، قالت : يا أبا أمية ما أوتي الرجال شراً من المرأة المدللة فوق الحدود ، فأدب ما شئت أن تؤدب ، وهذب ما شئت أن تهذب ، ثم التفتت إلى ابنتها تأمرها بحسن السمع والطاعة .
    شاهدنا ، ما رأيت من حسنة فانشريها وما رأيت من سيئة فاستريها . والمرأة المؤمنة ستيرة والزوج المؤمن ستير لا يفضح ، لا يمدحها أمام الناس مدحاً يغري الناس أن يلتقوا بها ، كما أن هناك عادة سيئة جداً ، يثني على جمال زوجته وعلى حكمتها وعلى طبخها وعلى و على .. ليس هذا من الكمال ، لكن ليس من الكمال أيضاً أن تذم زوجتك ، كما أن النبي عليه الصلاة والسلام أثنى على المرأة الستيرة ، وأنت أيها الزوج الكريم يجب أن تكون ستيراً ، قال : ومضى عليّ عشرون عاماً لم أجد ما يعكر صفائي إلا ليلة واحدة كنت فيها أنا الظالم .

    طاعة الله عز وجل تنظم العلاقة بين الزوجين :

    لذلك أنا أقول : مما ينظم علاقة الزوجين هذا الحديث الشريف :
    (( وَالَّذِي نَفْسُ مُحَمَّدٍ بِيَدِهِ مَا تَوَادَّ اثْنَانِ فَفُرِّقَ بَيْنَهُمَا إِلَّا بِذَنْبٍ يُحْدِثُهُ أَحَدُهُمَا )) .
    [رواه أحمد عن ابن عمر ، وإسناده حسن]
    وأقول دائماً : إذا بني الزواج على طاعة الله ولو افتقر إلى معظم مقومات نجاحه يتولى الله في عليائه التوفيق بين الزوجين ، أما إذا بني الزواج على معصية الله ولو توافرت له كل أسباب النجاح يتول الشيطان التفريق بينهما .

    من معاني الاستتار التي ينبغي للمؤمن أن يتخلق بها :

    1 ـ على المؤمن ألا يفتخر بالمعصية :

    الآن من معاني الاستتار التي ينبغي للمؤمن أن يتخلق بها ، المقولة الشهيرة إذا بليتم بالمعاصي فاستتروا ، يعني إنسان غلبته نفسه لا ينبغي أن يفتخر بهذه المعصية ، السؤال الآن : ما الفرق بين العاصي والفاجر ؟ العاصي عاصي أما الفاجر يجاهر بمعصيته ولا يعبأ بها ، يفتخر بها أحياناً ، لذلك ذنب الفاجر كبير لأنه إنسان مستعل مستكبر ، لأنه يذكر ذنبه أمام الناس ولا يستحي منه فهو فاجر ، أما العاصي قد يكون مغلوباً ، ورب معصية أورثت ذلاً وانكساراً خير من طاعة أورثت عزاً واستكباراً ، لذلك فرق العلماء بين معصية غلبة الشهوة وبين معصية الاستكبار إبليس أبى واستكبر أن يكون مع الساجدين ، هناك معاصي استكبار ، وهناك معاصي غلبة شهوة :

    ﴿ رَبَّنَا غَلَبَتْ عَلَيْنَا شِقْوَتُنَا (106) ﴾
    (سورة المؤمنون)
    لذلك الفرق كبير جداً بين أن تغلب وبين أن تستعلي ، لذلك إذا بليتم بالمعاصي فاستتروا ، مقولة إذا بليتم بالمعاصي فاستتروا والذي لا يستتر لا يصنف مع العصاة ، يصنف مع الفجار .

    البوح بالأخطاء وقد سترها الله عز وجل استخفاف بستر الله :

    هناك شيء آخر نحن في إسلامنا ممنوع أشد المنع أن تبوح بمعاصيك لرجل الدين ، هذا ليس وارداً في الإسلام ، إنسان زلت قدمه وارتكب معصية والله ستره ممنوع منعاً باتاً أن تذهب إلى شيخ وأن تبوح له بما فعلت ، الله سترك استر نفسك ، والإنسان لا يغفر ، وهناك أزواج كثر بعد الزواج يحدثها عن أخطائه قبل الزواج ، أو هي من حمقها تحدثه عن أخطائها قبل الزواج ، فالإنسان لا يغفر ، الله تعالى سترك وما فضحك تفضح نفسك ؟ هذا موقف فيه حمق كبير ، لذلك البوح بالأخطاء وقد سترها الله عز وجل استخفاف بستر الله ، البوح بأخطاء وقد سترها الله عز وجل استخفاف بستر الله عز وجل .

    2 ـ أن يستر الإنسان عورته :

    الآن يدخل في باب الاستتار أن يستر الإنسان عورته ، النبي عليه الصلاة والسلام استأجر أجيراً فاغتسل عريانا فقال له : خذ أجارتك لا حاجة لنا بك إني رأيتك لا تستحيي من الله .
    سبحان الله عز وجل ، العالم الآن انقسم مؤمن وغير مؤمن ، أهل الإيمان يستترون وأهل الضلال يكشفون عوراتهم ، لذلك الآية الكريمة :

    يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآَتِهِمَا
    [سورة الأعراف الآية :27]
    شأن الشيطان التعري ، أنا أقول لكم شيئاً مؤلماً هناك شباب يقومون في البيت بثيابهم الداخلية أمام أخواتهم ، وهناك شابات يرتدين ملابس شفافة أمام آبائهن وأخواتهن ، هذا لا يجوز إطلاقاً ، لذلك إذا كان في فواحش ضمن الأسرة الواحدة سببها التعري ، حتى الإنسان إذا دخل على ابنته ينبغي أن يستأذن منها ، النبي عليه الصلاة والسلام علمنا أن نستأذن على أمهاتنا ففي صحابي تعجب كيف نستأذن على أمهاتنا ؟ قال : أتحب أن تراها عريانة ؟
    المرأة لها خصوصيات ، فلذلك من شأن الشيطان أن ينزع عن الإنسان لباسه ، هذا الشيء في تفلت في البيوت ، تفلت في الطرقات ، المرأة تبدو كما خلقها الله كاسية عارية بينما المؤمن يرتدي ثياباً سابغة والمؤمنة كذلك ، الأبلغ من ذلك يجب أن تستر خصوصيات البيت ، كل إنسان له زوجة ، في خصوصيات ، نسمي العلاقة بالزوجة علاقة حميمة جداً ، هذه العلاقات الحميمة ينبغي ألا يبوح بها الزوج ، ولا تبوح بها الزوجة أبداً ، ينبغي ألا يبوح بها الزوج ولا تبوح بها الزوجة ، لذلك النبي عليه الصلاة والسلام أشار إلى هذا المعنى إشارة واضحة جداً فكان الذي يلتقي مع زوجته ثم يُحدّث الناس بما كان البارحة و كأن الناس يرون الزوجين عريانين ، هذا أيضاً من نقائص المجتمع .

    3 ـ سترة ما بين الزوجين من خصوصيات :

    هناك شيء آخر سترة ما بين الزوجين من خصوصيات ، إنسانة بفرنسا تعمل بالتمثيل سئلت وقد لفتت نظري إجابتها ، سئلت ما شعورك وأنت على خشبة المسرح ؟ قالت شعور الخزي والعار ، وهذا شعور كل أنثى تعرض مفاتنها على الجمهور ، إن الحب يجب أن يبقى بين الزوجين وفي غرف مغلقة .
    شخص كان لا يصلي الفجر في وقته فاشتكى للنبي أنه نؤوم قال له عمر: ويحك! فضحت نفسك ، قال له: دعه يا عمر، فضوح الدنيا أفضل من فضوح الآخرة ، ثم دعا له وقال : رب أذهب عنه النوم إذا شاء . معنى هذا أن الإنسان إذا شاء استيقظ ، أذهب عنة النوم إذا شاء .

    من ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة :

    إخواننا الكرام ، أهم ما في هذا الدرس من ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة . اجعل ستر المسلمين عملاً صالحاً تلقاه يوم القيامة ، من ستر مسلماً ستره الله يوم القيامة لأن المؤمن عليه أن يتخلق بكمالات الله .
    الآن قصة فيها فحش :

    ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾ .
    ( سورة النور الآية : 19 ) .
    قصة تعطي فكرة سيئة عن المجتمع لا ترويها إذا رويتها إلى من لا يحتاجها استسهل المعصية ، هناك قصص تقع ليس من المستحسن أن تكثر من روايتها ، لذلك :

    ﴿ إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَن تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ﴾ .
    ( سورة النور الآية : 19 ) .
    لا تؤذوا عباد الله ولا تعيروهم ولا تطلبوا عوراتهم فإنه من طلب عورة أخيه المسلم طلب الله عورته حتى يفضحه في عقر بيته .
    كل إنسان يتتبع عورات الناس الله عز وجل توعده أن يفضحه في عقر داره ، وآخر شيء في هذا اللقاء الطيب :
    (( من حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه))
    [أخرجه الترمذي عن الحسين بن علي]
    والحمد لله رب العالمين

  4. #34

    افتراضي

    اسم الله : الجميل(1)



    قد ورد هذا الاسم في صحيح مسلم من حديث ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
    (( لا يَدْخُل الجَنَّةَ مَنْ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ، فقال رجلٌ : إن الرجلَ يُحبّ أن يكون ثوبُه حسناً ونعلُه حسنةً ، قال عليه الصلاة والسلام : إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ وَغَمْطُ النَّاسِ )) .

    ما هو الكِبْر ؟

    بالمناسبة ، أيها الإخوة ، لو أن عندك كمية قليلة من اللبن ، وجاءك ضيوف كُثر ، فإنه يمكن أن تضيف لهذا اللبن خمسة أضعافه ماءً من اللبن ويكون شراباً سائغاً ، فتحمَّل هذا اللبن خمسة أضعافه ماء ، لكنه لا يتحمّل قطرة بترول ، فإن أضيفت إليه قطرة واحدة من البترول ألقيتَه وأهرقته ، لأن البترول يتناقض في طعمه مع الماء ، أما الماء فلا يتناقض .
    كذلك الكبر يتناقض مع العبودية لله ،
    (( لا يَدْخُل الجَنَّةَ مَنْ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ )) .
    قال عليه الصلاة والسلام :
    (( لو لم تذنبوا لخشيت عليكم ما هو أكبر )) .
    [ أخرجه البزار وابن والبيهقي عن أنس ] .
    ما الذي هو أكبر من الذنب ؟ قال :
    (( العجب العجب )) .
    رُبّ معصية أورثت صاحبها ذلاً وانكساراً خير من طاعة أورثت عزاً واستكباراً .
    لذلك الكبر يتناقض مع العبودية لله عز وجل .
    (( لا يَدْخُل الجَنَّةَ مَنْ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ، فقال رجلٌ : إن الرجلَ يُحبّ أن يكون ثوبُه حسناً ونعلُه حسنةً ، قال عليه الصلاة والسلام : إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ )) .

    الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ وَغَمْطُ النَّاس :

    أما الكبر فشيء آخر ، بطر الحق أي ردّ الحق ، وغمط الناس ؛ أن تبخسهم مكانتهم ، أن ترد الحق ، أن ترى نفسك أكبر من الحق ، أن تتكبر عن أن تنصاع إلى الحق ، أن تتأبى ، هذه معصية إبليس .

    ﴿ أَبَى وَاسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ الْكَافِرِينَ ﴾ .
    ( سورة البقرة الآية : 32 ) .
    فلمجرد أن ترد الحق ، وأن ترفضه ، وأن تتعنت ، وأن يركب الإنسان رأسه ، وأن تأخذ العزة بالإثم ، إذاً : هذا هو الكبر ، ولمجرد أن تحتقر الناس ، وأن تستهين بهم ، وأن ترى نفسك فوقهم ، وتغمط الناس فهذا كِبْرٌ .
    المؤمن يعترف بفضل الآخرين ، يعترف بقيمة الآخرين يعترف بإنجازات الآخرين ، هناك من يسلط الضوء على ذاته فقط ، ويضع مَن حوله في التعتيم ، هذا هو غمط الناس ، وتعريف الكبر عند رسول صلى الله عليه وسلم : الكِبْرُ بَطَرُ الحَقِّ ـ أي رد الحق ـ وَغَمْطُ النَّاسِ ـ أن تزدري الناس )) .
    لذلك ليس من صفات المؤمن أن يزدري أخاه .
    (( بِحسْبِ المْرِء مِنَ الشرّ أنْ يَحْقِرَ أخاهُ المُسْلمَ )) .
    [ رواه الترمذي ، عن أبي هريرة رضي اللّه عنه ] .
    أن يرى نفسه فوقه .

    النبي أشد الناس تواضعا :

    من علامات الإيمان التواضع ، دخل على النبي الكريم رجل أصابته رعدة ، من هيبة النبي ، كان عليه الصلاة والسلام له هيبة ، من رآه بديهة هابه ومن عامله أحبه ، فعَنْ أَبِي مَسْعُودٍ قَالَ :
    (( أَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلٌ فَكَلَّمَهُ ، فَجَعَلَ تُرْعَدُ فَرَائِصُهُ ، فَقَالَ لَهُ : هَوِّنْ عَلَيْكَ ، فَإِنِّي لَسْتُ بِمَلِكٍ ، إِنَّمَا أَنَا ابْنُ امْرَأَةٍ تَأْكُلُ الْقَدِيدَ )) .
    [ ابن ماجه ]
    كان مع أصحابه في سفر ، فأرادوا أن يعالجوا شاة ، فقال عليه الصلاة والسلام بعد أن قال أحدهم : علي طبخها ، والثاني علي سلخها ، وقال عليه الصلاة والسلام :
    (( وعلي جمع الحطب )) .
    [ ورد في الأثر ]
    تواضعاً لله عز وجل .
    الحديث دقيق جداً :
    (( لا يَدْخُل الجَنَّةَ مَنْ في قَلْبِهِ مِثْقالُ ذَرَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ، فقال رجلٌ : إن الرجلَ يُحبّ أن يكون ثوبُه حسناً ونعلُه حسنةً ، قال عليه الصلاة والسلام : إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ )) .
    الله يحبك أن تكون أنيقا ، ثيابك نظيفة ، ومتعطرا ، شعرك معالج ، يحبك كذلك .
    (( إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ )) .

    الإنسان مفطور على حب الجمال :

    بالمناسبة ، الإنتاج العقلي والشعوري للبشرية لا يزيد على علم وفلسفة وفن ، فالعلم مع هو كائن ، والفلسفة ما يجب أن يكون ، والفن ما هو ممتع ، فمن الفن ما هو مباح ، كأن تكون أديباً ، الأدب جمالي ، التعبير المثير عن دقائق الحياة ، أو أن يكون الفعل جميلاً هو الكمال .
    لذلك قالوا : الإنسان فُطر على حب الكمال ، وحب الجمال ، وحب النوال الإنسان يحب الجميل ، فقد يكون الطفل جميل الصورة ، يدع في قلب أبيه تعلقاً شديدا ، وأحياناً يكون العطاء خالصا كريما ، فالإنسان يحب المحسن .
    " يا داود ، ذكر عبادي بإحساني إليهم ، فإن النفوس جبلت على حبِّ مَن أحسن إليها " .
    والإنسان يحب النوال ، العطاء ، والجمال ، والكمال ، وهذا موقف كامل ، الوفاء والرحمة والتواضع .
    أحياناً تقرأ قصة ، أو تقرأ سيرة ، فتجد صحابيا جليلا كان أديباً أدباً جماً ، وقد قيل للعباس : أيّكما أكبر أنت أم رسول الله ؟ عمه العباس ، فقال : << أنا ولدت قبله ، وهو أكبر مني >> .
    هناك كلمات رائعة جداً ، وتصرفات رائعة ، وشكل رائع .

    1 – ورودُ اسم ( الجميل ) في الحديث الصحيح :

    أيها الإخوة ، هذا الحديث ورد فيه اسم ( الجميل ) ، وهو حديث في صحيح مسلم .
    ورد هذا الاسم مطلقاً ، منوناً ، مراداً به العلمية ، دالاً على كمال الوصفية ، ورد أيضاً في رواية أحمد في مسند ابن مسعود فيه تفصيل ، فعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
    (( لَا يَدْخُلُ النَّارَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ إِيمَانٍ ، وَلَا يَدْخُلُ الْجَنَّةَ مَنْ كَانَ فِي قَلْبِهِ مِثْقَالُ حَبَّةٍ مِنْ كِبْرٍ ، فَقَالَ رَجُلٌ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنِّي لَيُعْجِبُنِي أَنْ يَكُونَ ثَوْبِي غَسِيلًا ـ أي نظيفًا ـ وَرَأْسِي دَهِينًا ، وَشِرَاكُ نَعْلِي جَدِيدًا ، وَذَكَرَ أَشْيَاءَ ، حَتَّى ذَكَرَ عِلَاقَةَ سَوْطِهِ ، أَفَمِنْ الْكِبْرِ ذَاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : لَا ، ذَاكَ الْجَمَالُ ، إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ ، وَلَكِنَّ الْكِبْرَ مَنْ سَفِهَ الْحَقَّ ، وَازْدَرَى النَّاسَ )) .
    [ أحمد في المسند ]

    2 – الجمال المادي والمعنوي مطلوب ، وليس من الكِبْر :

    هذا الكبر ، الأمر واضح تماماً ، الكبر رد الحق ، وازدراء الناس ، بطر الحق وغمط الناس ، أمّا أن تكون أنيقا ، أن يكون بيتك مرتباً ، منظماً ، فيه تناسب ألوان ، أن تكون مركبتك نظيفة ، أن يكون ثوبك حسناً ، أن يكون كلامك فصيحاً ، أن تكون تصرفاتك رائعة ، فهذا هو الجمال :
    (( إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ )) .

    3 – لابد للمؤمن أن يكون جميلا بالمعنى العام :

    دائماً وأبداً أقول لكم : يجب أن تشتق من كمال الله كمالاً يكون هذا الكمال وسيلة للإقبال على الله .

    ﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ .
    ( سورة الأعراف الآية : 180 ) .
    تتقرب إلى الجميل الجمال ، تتقرب إلى الرحيم بالرحمة ، تتقرب إلى العدل بالإنصاف ، تتقرب إلى اللطيف باللطف ، تتقرب إلى الكريم بالكرم .
    ﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ .
    أي تقربوا إليه بأن تتخلقوا بهذا الكمال الإلهي ، هذا محور هذه الدروس .
    ﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ .
    ما من شيء يقربك من الله عز وجل كأن تكون متخلقاً بكمالات الله .

    4 – معنى الجمال :

    أيها الإخوة ، الجميل في اللغة مأخوذ من الجمال ، وهو الحُسن في الخَلْق والأخلاق .
    نحن كلما ذكرنا الجمال ننطلق إلى تصور جمال الشكل ، لكن أحياناً هناك أعمال وتصرفات تستمع إليها فتبقى شهراً غارقاً في نشوتها .
    كما حدثتكم ببعض القصص ، هناك مواقف فيها وفاء ، مواقف فيها رحمة ، مواقف فيها إنصاف ، مواقف فيها حب ، هذه المواقف جميلة جداً ، وقد يكون الذي يفعلها ليس جميلاً .
    مثلاً : ورد في صفة بعض التابعين وهو الأحنف بن قيس ، أنه كان قصير القامة ، أسمر اللون ، غائر العينين ، ناتئ الوجنتين ، أحنف الرجل ، ليس شيء من قبح المنظر إلا وهو آخذ منه بنصيب ، وكان مع ذلك سيد قومه ، إذا غضبَ غضب لغضبته مئة ألف سيف ، لا يسألونه فيم غضب ؟ وكان إذا علم أن الماء يفسد مروءته ما شرب ، هذا كمال رائع جداً مع دمامة لا توصف .

    5 – ليس الجمال محصورًا في الجمال الجسدي المادي :

    لذلك الرجل جماله ، بفصاحته ، جماله في أخلاقه ، جماله في كرمه ، جماله في تواضعه ، جماله في رحمته ، لعل المرأة تتوهم أن كل قيمتها في جمال الجسدي ، وهذا خطأ .

    أحاديث مهمة في بيان أهمية جمال الأخلاق :

    عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
    (( تُنْكَحُ الْمَرْأَةُ لِأَرْبَعٍ : لِمَالِهَا ، وَلِحَسَبِهَا ، وَجَمَالِهَا ، وَلِدِينِهَا ، فَاظْفَرْ بِذَاتِ الدِّينِ تَرِبَتْ يَدَاكَ )) .
    [ متفق عليه ]
    يجب أن نحرر مفهوم الجمال مما تراكم من أذهان الناس أنه جمال الشكل فقط ، هناك مواقف جميلة ، أحيانا تعيش مع امرأة في أعلى درجة من الوفاء ، والحب ، والتفاني والخدمة ، تسعد بها سعادة أيّما سعادة ، وقد يعيش المرء مع امرأة بارعة الجمال يكرهها من أعماقِ أعماق قلبه ، لأن جمال الأفعال من أعلى مستويات الجمال .
    عَنْ مَعْقِلِ بْنِ يَسَارٍ قَالَ : جَاءَ رَجُلٌ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ :
    (( إِنِّي أَصَبْتُ امْرَأَةً ذَاتَ حَسَبٍ وَمَنْصِبٍ ، إِلَّا أَنَّهَا لَا تَلِدُ ، أَفَأَتَزَوَّجُهَا ؟ فَنَهَاهُ ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّانِيَةَ ، فَنَهَاهُ ، ثُمَّ أَتَاهُ الثَّالِثَةَ ، فَنَهَاهُ ، فَقَالَ : تَزَوَّجُوا الْوَلُودَ الْوَدُودَ فَإِنِّي مُكَاثِرٌ بِكُمْ )) .
    [ النسائي ، أبو داود ]
    مودتها تقرّبها من زوجها ، فالجميل مأخوذ من الجمال ، وهو الحسن في الخَلْق والخُلُق ، وكان عليه الصلاة والسلام حسنَ الخَلق والخُلق .
    إذا رأى الإنسان صورته في المرآة ماذا يقول ؟ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ يَقُولُ :
    (( اللَّهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي فَأَحْسِنْ خُلُقِي )) .
    [ أحمد ]
    قال بعض الشعراء :
    جمال الجسم مع قبح النفوس كقنديل على قبر المجوس
    ***
    مرة إنسان جميل الصورة ، أنيق الثياب جداً ، تكلم كلاماً بذيئاً ، فقال له أحدهم : إما أن تتكلم وَفق ثيابك ، أو البس وَفق كلامك ، فالتناسب رائع جداً ، أحيانا إنسان أنيق ، حسن الصورة ثيابه أنيقة ، جميلة لكن كلامه بذيء ، هذا الجمال وهذه الأناقة يناسبهما علم ، يناسبهما كلام منضبط ، لذلك : عَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
    (( لَا يَسْتَقِيمُ إِيمَانُ عَبْدٍ حَتَّى يَسْتَقِيمَ قَلْبُهُ ، وَلَا يَسْتَقِيمُ قَلْبُهُ حَتَّى يَسْتَقِيمَ لِسَانُهُ ، وَلَا يَدْخُلُ رَجُلٌ الْجَنَّةَ لَا يَأْمَنُ جَارُهُ بَوَائِقَهُ )) .
    [ أحمد ]
    وبعض العلماء ، منهم الإمام الغزالي عدّ من آفات اللسان أكثر من عشرين آفة ، وعلماء آخرون منهم الشيخ عبد الغني النابلسي عدّ آلاف أمراض اللسان ، عَنْ مُعَاذِ بْنِ جَبَلٍ قَالَ :
    (( كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَفَرٍ ، فَأَصْبَحْتُ يَوْمًا قَرِيبًا مِنْهُ ، وَنَحْنُ نَسِيرُ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَخْبِرْنِي بِعَمَلٍ يُدْخِلُنِي الْجَنَّةَ ، وَيُبَاعِدُنِي عَنْ النَّارِ ، قَالَ : لَقَدْ سَأَلْتَنِي عَنْ عَظِيمٍ ، وَإِنَّهُ لَيَسِيرٌ عَلَى مَنْ يَسَّرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ ، تَعْبُدُ اللَّهَ وَلَا تُشْرِكْ بِهِ شَيْئًا ، وَتُقِيمُ الصَّلَاةَ ، وَتُؤْتِي الزَّكَاةَ ، وَتَصُومُ رَمَضَانَ ، وَتَحُجُّ الْبَيْتَ ، ثُمَّ قَالَ : أَلَا أَدُلُّكَ عَلَى أَبْوَابِ الْخَيْرِ ؟ الصَّوْمُ جُنَّةٌ ، وَالصَّدَقَةُ تُطْفِئُ الْخَطِيئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ ، وَصَلَاةُ الرَّجُلِ مِنْ جَوْفِ اللَّيْلِ ، قَالَ : ثُمَّ تَلَا :  تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنْ الْمَضَاجِعِ  حَتَّى بَلَغَ  يَعْمَلُونَ  ، ثُمَّ قَالَ : أَلَا أُخْبِرُكَ بِرَأْسِ الْأَمْرِ كُلِّهِ ، وَعَمُودِهِ ، وَذِرْوَةِ سَنَامِهِ ؟ قُلْتُ : بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ ، قَالَ : رَأْسُ الْأَمْرِ الْإِسْلَامُ ، وَعَمُودُهُ الصَّلَاةُ ، وَذِرْوَةُ سَنَامِهِ الْجِهَادُ ، ثُمَّ قَالَ : أَلَا أُخْبِرُكَ بِمَلَاكِ ذَلِكَ كُلِّهِ ؟ قُلْتُ : بَلَى يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، فَأَخَذَ بِلِسَانِهِ ، قَالَ : كُفَّ عَلَيْكَ هَذَا ، فَقُلْتُ : يَا نَبِيَّ اللَّهِ ، وَإِنَّا لَمُؤَاخَذُونَ بِمَا نَتَكَلَّمُ بِهِ ؟ فَقَالَ : ثَكِلَتْكَ أُمُّكَ يَا مُعَاذُ ، وَهَلْ يَكُبُّ النَّاسَ فِي النَّارِ عَلَى وُجُوهِهِمْ ، أَوْ عَلَى مَنَاخِرِهِمْ إِلَّا حَصَائِدُ أَلْسِنَتِهِمْ )) .
    [ أخرجه الترمذي ]
    عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ :
    (( حَكَيْتُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَجُلًا فَقَالَ : مَا يَسُرُّنِي أَنِّي حَكَيْتُ رَجُلًا ، وَأَنَّ لِي كَذَا وَكَذَا ، قَالَتْ : فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّ صَفِيَّةَ امْرَأَةٌ ، وَقَالَتْ بِيَدِهَا هَكَذَا ، كَأَنَّهَا تَعْنِي قَصِيرَةً ، فَقَالَ : لَقَدْ مَزَجْتِ بِكَلِمَةٍ لَوْ مَزَجْتِ بِهَا مَاءَ الْبَحْرِ لَمُزِجَ )) .
    [ رواه أبو داود والترمذي وأحمد ] .
    عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
    (( إِنَّ الرَّجُلَ لَيَتَكَلَّمُ بِالْكَلِمَةِ لَا يَرَى بِهَا بَأْسًا يَهْوِي بِهَا سَبْعِينَ خَرِيفًا فِي النَّارِ )) .
    [ الترمذي ]
    والكلمة الطيبة صدقة ، وقد ترقى بكلمة رقياً لا يعلمه إلا الله ، كلمة تواضع ، كلمة مؤانسة ، كلمة اعتراف بالحق ، هذا كله في ميزان حسنات الإنسان .

    من الأخلاق الجميلة :

    إذاً : ( الجميل ) مأخوذ الجمال ، وهو الحُسن في الخَلق وفي الخُلق .

    1 – الصبر الجميل :

    هنالك صبر جميل ، قال تعالى :

    ﴿ فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا ﴾ .
    ( سورة المعارج ) .
    هناك صبر مع الضيق ، مع التوتر ، كأن الإنسان مرجل يغلي ، مع كلام قاسٍ ، الأبواب تخبط ، البلور يكسر ، هذا ليس صبرا جميلا ، يجب أن تصبر صبراً جميلاً :
    ﴿ فَاصْبِرْ صَبْرًا جَمِيلًا ﴾ .

    2– الصفح الجميل :

    وهناك صفح جميل ، أنا سامحتك ، لا تنس أن كل خيرك من خيري ، لا تسامحه .

    ﴿ فَاصْفَحِ الصَّفْحَ الْجَمِيلَ ﴾ .
    ( سورة الحجر ) .
    إذا سامحته انتهى كل شيء ، لا تذكره بخطئه .
    مثلاً : أيهما أخطر ؛ أن يتآمر إنسان على إنسان فيضعه في السجن ، أم يضعه في البئر ؟ البئر الموت فيه محقق ، إخوة يوسف وضعوه في البئر ، والموت محقق ، أما امرأة العزيز فوضعته في السجن ، ولما التقى يوسف بإخوته ماذا قال ؟ قال :

    ﴿ وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ ﴾ .
    ( سورة يوسف الآية : 100 ) .
    ما ذكّرهم بجريمتهم ، أما الخروج من البئر فنعمة أكبر ، مع أن الموت في البئر محقق ، وفي السجن غير محقق ، فمن كماله ما ذكّرهم بجريمتهم :
    ﴿ وَقَدْ أَحْسَنَ بَي إِذْ أَخْرَجَنِي مِنَ السِّجْنِ ﴾ .
    إخواننا الكرام ، إن قرأتم قصص الأنبياء فتخلَّقوا بأخلاقهم ، الأنبياء مدارس ، كل نبي له مدرسة ، وعلى رأسهم سيد الخلق وحبيب الحق .
    إذاً : هناك صبر جميل ، وصفح جميل ، وفعل جميل ، وعفو جميل ، وعطاء جميل .
    أنا أتمنى على الإنسان إذا فعل خيراً أن ينساه ، وإذا فُعل معه خير لا ينساه حتى الموت .
    أتمنى أنك إذا فعلت خيراً يجب أن تناساه وكأنك لم تفعله ، أما إذا أسدي إليك معروف فينبغي ألا تنساه ما حييت .

  5. #35

    افتراضي

    مراتب الجمال الربّاني : جمال الذات والصفات والأفعال والأسماء :

    الله عز وجل ( جميل ) ، قال : جماله على أربع مراتب ، جمال الذات ، وجمال الصفات ، وجمال الأفعال ، وجمال الأسماء ، أسماءه كلها حسنى :
    ﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ .
    قطعاً ، حتى لو توهمت أن الأسماء الحسنى منها المنتقم ، لو تبحرت في معنى المنتقم لذابت نفسك تعظيماً لله ، لو تبحرت في معنى المتكبر لذابت نفسك تعظيماً لله :
    ﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ .
    فالله عز وجل جماله على أربع مراتب ، جمال الذات ، وجمال الصفات ، وجمال الأفعال ، وجمال الأسماء ، أسماءه كلها حسنة ، وصفاته كلها صفات كمال ، وأفعاله كلها حكمة .
    لذلك لما قال بعض العلماء : " الشريعة عدل كلها ، لأنها منهج الله ، رحمة كلها حكمة كلها ، مصلحة كلها ، وأية قضية خرجت من الحكمة إلى خلافها ، ومن العدل إلى الجور ، ومن المصلحة إلى المفسدة ، فليست من الشريعة ، ولو أدخلت عليها بألف تأويل وتأويل " .
    حتى إن علماء العقيدة قالوا : " الحسن ما حسنه الشرع ، والقبيح ما قبحه الشرع ، الله عز وجل ذاته جميلة ، وصفاته جميلة ، وأفعاله جميلة ، وأسماءه جميلة .
    لكن المشكلة أن جمال الذات لا يدركه أحد في الكون ، لا يعرف الله إلا الله ، جمال الذات ، لا يدركه أحد في الكون ولا الأنبياء ، لكن جمال الصفات تدل على جمال الذات ، وجمال الصفات محجوبة بأفعاله ، فأفعاله الجميلة تدل على جمال صفاته ، وجمال صفاته تدل على جمال ذاته ، وأنت ترى أفعاله ، ترى الربيع ، ترى العصفور ، ترى الوردة ، ترى الزهرة ، ترى طفلا جميل الصورة ، هذه كلها أفعاله .
    أحيانا تأكل طعاما طيبا ، مَن أودع في الطعام هذا الطعم ؟
    أحيانا يهب نسيم عليل فتنتعش به ، مَن ساق هذا النسيم ؟
    أحيانا ترى مرجا أخضر ، مَن أعطاه هذا اللون الجمال ؟
    ترى السماء زرقاء ، البحر صافيا ، الجبال خضراء ، الأطفال الذين وهبهم الله مسحة جمال ، وهناك إنسان قد يفتن بابنه من جماله ، هذه كلها أفعاله ، أفعاله تشير إلى صفاته ، وصفاته تشير إلى ذاته ، جمال الذات لا يعلمه أحد في الكون حتى الأنبياء .
    لذلك قال بعض العارفين : " لا يعرف الله إلا الله " ، حصراً .
    نحن مع جمال الأفعال نرى المطر تنعش الأرض ، نرى النبع ، الماء الزلال ، نرى الفاكهة الجميلة ، منظر الفاكهة جميل جمالا رائعا جداً ، وأحيانًا يزينون بعض الغرف بصور الفاكهة ، فاكهة جميلة ، البساتين جميلة ، الماء الرقراق جميل ، يجب أن تخترق جمال الكون إلى جمال الخالق .

    آية خطيرة فافهم معناها : وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً

    إخواننا الكرام :

    ﴿ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ ﴾ .
    ( سورة البقرة الآية : 165 ) .
    من أجل امرأة عصى الله ، ما الذي فتنه بها ؟ جمالها ، من أجل المال عصى الله ، ما الذي فتنه ؟ المال ، فالمال يعطيك الجمال ، يعطيك بيتا جميلا جداً واسعا ، له إطلالة ، يعطيك مركبة فارهة جداً ، يدعك تختار أجمل زوجة .

    ﴿ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ ﴾ .
    ( سورة البقرة الآية : 165 ) .
    لماذا هو في العذاب ؟ ما الذي أغواه وعصى به ربه ؟ الجمال ، هذا الذي أغواه الجمال فعصى ربه من أجله .

    ﴿ وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً ﴾ .
    ( سورة البقرة الآية : 165 ) .
    هنا قوة الجمال .
    فلو شاهدت عيناك من حسننا الذي رأوه لمــــــا وليت عنا لغيرنا
    و لــــو سمعت أذناك حسن خطابنا خلـعت عنك ثياب العجب وجئتنا
    ولـــــو ذقت من طعم المحبة ذرة عذرت الـذي أضحى قتيلاً بحبنا
    ولـــــو نسمت من قربنا لك نسمة لــــمت غريباً واشتياقاً لقربنا
    و لـــــو لاح من أنوارنا لك لائح تركت جمـــيع الكائنات لأجلنا
    ***
    هؤلاء الذين أطاعوا الله هم الفائزون ، عرفوا أن يختاروا الجمال المطلق ، الجمال الأبدي .


    لابد أن تترك الجمالَ أو يتركك فانتبه :

    ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ ﴾ .
    ( سورة الرحمن ) .
    لو أحب الإنسان زوجته ، لا بد من أن يتركها في الموت ، أو أن تتركه إن ماتت قبله إلا أنك إذا أحببت الله فأنت معه إلى أبد الآبدين .
    أيها الإخوة ، لهذا الموضوع تكملة .
    والحمد لله رب العالمين

  6. #36

    افتراضي

    اسم الله : الجميل(2)

    1 –

    1-يتجلى الله به على بعض مخلوقاته باسم ( الجميل ) :

    أيها الإخوة الأكارم ، لا زلنا مع اسم ( الجميل ) ، وهذا الاسم أيها الإخوة ، يتجلى الله به على بعض مخلوقاته ، فإذا هو جمال أخّاذ ، فالذي ينظر إلى الورود والرياحين والنباتات يأخذه العجب العجاب ، إن الله سبحانه وتعالى يتجلى على هذه المخلوقات باسم ( الجميل ) .
    هناك عصافير لها ألوان أخاذة ، ومهندسو الألوان يقتبسون ألوانهم مِن خَلق الله عز وجل .

    2 – الله عزوجل أصلُ الجمال :

    أيها الإخوة ، ( الجميل ) هو الله عز وجل ، هو أصل الجمال ، فإذا منح الله العبد مسحةً من الجمال تعلق الخلقُ به ، فكيف بأصل الجمال ؟
    لذلك جاء تعريف العبادة : " هي طاعة طوعية ، ممزوجة بمحبة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سعادة أبدية " .
    في الدين عنصر جمالي ، وفي الدين عنصر معرفي ، وفي الدين عنصر سلوكي ، وفي الدين عنصر جمالي .
    بلا مبالغة ؛ لو شققت على قلب المؤمن لرأيت في قلبه من السعادة ما لو وزعت على أهل بلد لكفتهم .
    في صحيح مسلم من حديث أَبِي مُوسَى قَالَ : قَامَ فِينَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ ، فَقَالَ :
    (( إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يَنَامُ ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ ، حِجَابُهُ النُّورُ ، لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ )) .
    [ مسلم ]
    وحينما قال الله عز وجل :

    ﴿ وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَّاضِرَةٌ * إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ﴾ .
    ( سورة القيامة ) .
    ورد في بعض الكتب أن أهل الجنة ينظرون إلى وجه الله الكريم فيغيبون خمسين ألف عام من نشوة النظرة .

    3 – لماذا يعصي الإنسان ربَّه من أجل الجمال الدنيوي ؟

    الذي ينبغي أن يكون واضحاً أن هذا الإنسان حينما يجهل حقيقة الواحد الديان ، حينما يجهل أسماء الله الحسنى ، وصفاته الفضلى ، حينما يغويه جمال بعض المخلوقات ، ويعصي الله من أجل جمال امرأة ، أو جمال قصر ، أو جمال مركبة ، أو جمال موقع ، فيظلم نفسه ، ويستحق اللعنة ، والبعد عن الله عز وجل ، يُخاطب :


    وَلَوْ يَرَى الَّذِينَ ظَلَمُواْ إِذْ يَرَوْنَ الْعَذَابَ أَنَّ الْقُوَّةَ لِلّهِ جَمِيعاً

    ( سورة البقرة الآية : 165 ) .
    وكلمة القوة هنا واسعة جداً ، هناك قوة الجمال ، هناك قوة العلم ، هناك قوة المال ، صاحب المال قوي ، وصاحب العلم قوي ، والجميل قوي يأخذ جماله الألباب ، هؤلاء الذين عصوا ربهم ، وخسروا آخرتهم من أجل جمال مخلوق لو عرفوا أن هذا الجمال مسحة من جمال الله عز وجل ، ولو أنهم تعرفوا إلى الله لكانوا مع أصل الجمال .

    4 – تجلِّي الله على المؤمنين سعادة لهم ولو فقدوا الدنيا :

    هناك من يتوهم أنّ المؤمن فاتته مباهج الدنيا ، أن المؤمن باستقامته حرم نفسه أشياء كثيرة ، لكن العكس هو الصحيح ، فإن الله يتجلى على قلب المؤمن تجلياً ، سمّه إن شئت رحمة ، وسمه إن شئت سكينة ، هذا التجلي يسعده ولو فقد كل شيء ، ويشقى بفقده ولو ملك كل شيء .
    أيعقل أن يكون الذي في بطن الحوت نبي كريم ، وهو يناجي ربه بقوله :

    ﴿ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي ﴾ .
    ( سورة القصص الآية : 176 ) .
    فيتجلى الله عليه وينقذه ، وأن النبي عليه الصلاة والسلام كان في أسعد حالاته وهو في غار ثور ، وأن إبراهيم تجلى الله عليه وهو في النار ، هذه السعادة التي تلقى في قلب المؤمن يشقى بفقدها الإنسان ولو ملك كل شيء .

    5 – الأغنياء الشاردون أشقياء ولو ملكوا الدنيا :

    في نفس الإنسان فراغ لا يملؤه المال ، ولا يملؤه جمال الأرض ، الأقوياء والأغنياء يعيشون حياة ناعمة جداً ، بيوتهم قطعة من الجمال ، مركباتهم ، مائدتهم ، مَن حولهم ، ومع ذلك هم أشقى الخلق ، لأنهم ابتعدوا عن الله عز وجل ، وحينما تؤمن أن كل السعادة باتصالك بالله تسعد .

    ﴿ أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ﴾ .
    ( سورة الرعد الآية : 28 ) .
    وأن كل الشقاء بالبعد عنه .


    ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى ﴾ .
    ( سورة طه ) .
    حينما تؤمن أن سعادتك المطلقة باتصالك بالله ، لأنه جميل ، لأن الجمال جزء أساسي في حياة الناس ، وأن الشقاء كل الشقاء في البعد عن الله :
    ﴿ وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا ﴾ .
    قال بعض العلماء : ـ دققوا ـ " ما بال الأقوياء والأغنياء هم أشقياء ؟ فجاء الجواب : نعم ، شقاءهم ليس في نقص المال ، ولكن في ضيق القلب " .
    أحياناً يتجلى الله على قلب المؤمن باسم ( الجميل ) فهو في جنة ، من هنا قيل : " في الدنيا جنة من لم يدخلها لم يدخل جنة الآخرة " ، و" مساكين أهل الدنيا ، جاؤوا إلى الدنيا وغادروها ، ولم يذوقوا أطيب ما فيها " .
    حينما ترى أناساً مجتمعين في ملهى اسأل نفسك سؤالاً عقائدياً : لماذا ؟ ما في هذا المكان ؟ فيه امرأة ، لعلها ترقص ، فيه مغنٍّ ، فيه طعام ، رأوا سعادتهم في هذا ، ولو كشف لهم لو أنهم إذا أقبلوا على الله كانوا في نشوة ما بعدها نشوة ، وفي سعادة ما بعدها سعادة ، لسفهوا أعمالهم ، ولاحتقروا ذواتهم .
    إذاً :
    (( حِجَابُهُ النُّورُ ، لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ )) .

    لا شقاء في الدنيا مع معرفة الله :

    أيها الإخوة ، قيل : حجبت الذات بالصفات ، وحجبت الصفات بالأفعال ، فما ظنك بجمال حجب بأوصاف الكمال ، وسُتِر بنعوت العظمة والجلال .
    أنت تتعامل مع الله ، مع ذات كاملة ، مع قوي ، مع جميل ، مع غني ، مع قدير ، مع رحيم ، مع لطيف .
    صدقوا أيها الإخوة ، مستحيل وألف ألف ألْف مستحيل أن يكون هناك شقاء في الدنيا مع معرفة الله ، لا يجتمعان أبداً ، ولا أقول : إن المؤمن إذا كان مع الله كان في بحبوحة ، قد يكون في يسر ، وقد يكون في عسر ، وقد يكون في فقر ، وقد يكون في مرض ، لكن لأنه مع الله فهو في سعادة لا توصف .

    6 – جمالُ الله وكماله مطلق :

    نحن في حياتنا قد نلتقي بإنسان عالم كبير ، أستاذ في الجامعة مثلاً ، لكن لا يرحم الطلاب ، يقسو عليهم ، يتفنن في إحراجهم في الامتحانات ، فالطلاب يكبرون علمه ، ولا يحبونه ، وقد تلتقي بإنسان تحبه كثيراً ، لكن لا تقدر علمه ، معلوماته محدودة جداً ، لكنه طيب جداً ، ففي حياة الإنسان إنسان يكبره ولا يحبه ، وإنسان يحبه ولا يكبره ، لكنك إذا أقبلت على الواحد الديان بقدر ما تعظمه تحبه ، بقدر ما تدهش بكماله ، وتدهش بجماله ، بقدر ما يرحمك بقدر ما ينتزع إعجابك .
    فلذلك هذا المعنى ورد في قوله تعالى :


    ﴿ كُلُّ مَنْ عَلَيْهَا فَانٍ وَيَبْقَى وَجْهُ رَبِّكَ ذُو الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ .
    ( سورة الرحمن ) .
    قد يكون الشيء كبيراً وليس كاملاً ، و قد يكون كاملاً وليس كبيراً ، لكن الله سبحانه وتعالى في آية أخرى قال :


    ﴿ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ .
    ( سورة الرحمن ) .
    إذاً : أيها الإخوة ، الإنسان إذا أقبل على الله وصل إلى كل شيء .
    (( ابن آدم اطلبني تجدني ، فإذا وجدتني وجدت كل شيء ، وإن فتك فاتك كل شيء وأنا أحب إليك من كل شيء )) .
    [ ورد في الأثر ]

    سعادة الدنيا غير متنامية ولا مستمرة :

    حينما يختار الإنسان هدفاً محدوداً ، والإنسان في أصل تصميمه لا نهائي ، لا يملأ طموحه إلا الله ، فإذا اختار هدفاً أرضياً ؛ اختار المال ، يسعى إليه جاهداً ، فإذا حصله ، وأحاط به يكتشف حقيقة مُرّة ؛ أنه شيء ، و ليس كل شيء ، فإذا اقترب من مغادرة الدنيا يراه لا شيء .
    قد يُقبل الإنسان على المرأة في مقتبل حياته ، إن كان شارداً عن الله يظنها كل شيء ، في منتصف حياته هي شيء ، وليست كل شيء ، في وقت مغادرة الدنيا يراها ليست بشيء .
    سبحان الله ! ما من شيء في الدنيا يمكن أن يمد الإنسان بسعادة متنامية ، ولا بسعادة مستمرة ، بل بسعادة متناقصة ، والدليل : أن الإنسان قد يشتري بيتا يلفت النظر ، بعد شهر أصبح كأي بيت عنده ، وقد يقتني مركبة من أعلى مستوى ، بعد حين تصبح هذه المركبة شيئاً عادياً ، كل ما يحيط بالإنسان من مظاهر الجمال المادي بعد حين هذا البريق يخبو ، وهذا الاهتمام يضعف ، هذه الدهشة تقلّ إلا إذا أردت أن تعرف الله .
    الأصل في الموضوع أنك تتمتع بنفس طموحة لا يملؤها إلا معرفة الله ، أما إذا اخترت هدفاً أرضياً فهذا الهدف ما إن تصل إليه حتى يبدأ الملل والسأم ، لذلك انظر إلى أهل الدنيا الناجحين في حياتهم ، بعد أن ينجحوا تصير حياتهم مملة ، لأن النجاح أصبح مألوفاً ، لكنهم إذا اختاروا الذات الكاملة ، إنهم إن اختاروا الله عز وجل فهم في شباب دائم .
    أنا أؤكد لكم أن المؤمن في شباب دائم ، لسبب بسيط ، لأنه اختار هدفاً يفوق كل إمكاناته ، لذلك ، إن أردت أن تعرف الله فأنت في طريق السعادة ، من هنا نؤمن أن المؤمن لا يشيخ أبداً ، بل هو شاب دائماً .
    والله كان في الشام رجل من علماء دمشق ، بلغ السن السادسة والتسعين ، وكان منتصب القامة ، حاد البصر ، مرهف السمع ، أسنانه في فمه كاملة ، وكأنه شاب ، يُسأل من حين إلى آخر : يا سيدي ، ما هذا ؟ قال : " يا بني ، حفظناها في الصغر فحفظها الله علينا في الكبر ، من عاش تقياً عاش قوياً " .


    7 – على المسلم أن يتجمَّل ماديًّا :

    أيها الإخوة ، النقطة الدقيقة : أن الإنسان ما موقفه من هذا الاسم ؟ لمَ لا يكون جميلاً في ثيابه ؟ في بيته ؟ إذا قلت : جميل ، فلا أقصد الفخامة ، ولا البذخ ، ولا الترف ولا الإسراف أبداً .
    قد يكون في البيت مسحة جمالية ، بيت مريح ، المكتب التجاري فيه مسحة جمالية ، الدكان فيها مسحة جمالية ، الثياب فيها ألوان متناسقة ، لماذا ترى الجمال الصارخ في الطرف الآخر ، وفي بلاد أخرى ؟ وهم بعيدون عن الله بُعد الأرض عن السماء ، لماذا هناك الجمال ، وعندنا الإهمال ؟ هذه مشكلة كبيرة ، يجب على المؤمن أن يتجمل .
    قَالَ أَبُو الدَّرْدَاءِ : كُنَّا مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَ لَنَا :
    (( إِنَّكُمْ قَادِمُونَ عَلَى إِخْوَانِكُمْ فَأَصْلِحُوا رِحَالَكُمْ وَلِبَاسَكُمْ حَتَّى تَكُونُوا فِي النَّاسِ كَأَنَّكُمْ شَامَةٌ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ لَا يُحِبُّ الْفُحْشَ وَلَا التَّفَحُّشَ )) .
    [ أخرجه أحمد ]
    المؤمن نظيف ، وذو أذواق عالية في حياته ، والأذواق العالية تجذب الناس إليه ، أما إذا أهمل ثيابه ، أهمل مركبته ، أهمل بيته ، أهمل دكانه يفرُّ الناس منه .
    أحيانا تدخل إلى دكان صاحبها مؤمن ، فترى النظافة ، والترتيب ، والنظام ، فتؤخذ به ، وأحيانا تجد إنسانا مقصرا ، في دكانه فوضى ، وغبار ، وإهمال ، هذا شيء منفّر ، وأهل الدنيا اكتشفوا هذه الحقيقية ، فتأنقوا في حياتهم ، وتأنقوا في نظام حياتهم ، هذا التأنق وهذا الجمال في حياتهم يجذب الناس إليهم ، تذهب إلى بلاد بعيدة فترى عناية بجمال البلاد منقطعة النظير .
    مرة سافرت إلى بلد ، سرت مسافة طويلة جداً لم أرَ إلا اللون الأخضر ، الطرقات منظمة ، محددة ، الشاخصات ، اللافتات ، الحدائق ، أنا أقول : الإنسان بحاجة ماسة إلى الجمال ، وهذا مودع في أصل فطرة الإنسان ، فإذا لبّى هذه الحاجة ، وتخلق بكمالات الله سعد في دنياه .
    (( إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ )) .
    [ رواه مسلم عن ابن مسعود ]
    تغدو حياتنا جميلة ، تغدو حياتنا براقة ، ما الذي يمنع أن نعتني بمساجدنا ؟ بنظافة مساجدنا ، بأناقة مساجدنا ، ما الذي يمنع أن نعتني ببيوتنا ؟
    والله مرة دخلت إلى بيت متواضع بشكل لا يوصف ، بيت عربي ، لكن لا تجد فيه خطأ جمالياً ، لا شيء فيه يمكن أن تنتقده ، مع أنه بيت متواضع جداً ، أنا أرى أنك إذا اعتنيت بدنياك عناية تجذب الناس إليك فهذا جزء من الدين ، النبي كان كذلك عليه الصلاة والسلام كان نظيفا ، كانت ثيابه حسنة ، يتعطر دائماً .

    8 – الدعاء باسم ( الجميل ) :

    فلذلك أيها الإخوة ، يمكن أن تدعو الله بهذا الاسم ، ألم يقل الله عز وجل :

    ﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ .
    ( سورة الأعراف الآية : 180 ) .
    وفي بعض أدعية النبي عليه الصلاة والسلام : عن عَطَاءِ بْنِ السَّائِبِ عَنْ أَبِيهِ قَالَ : صَلَّى بِنَا عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ صَلَاةً فَأَوْجَزَ فِيهَا ، فَقَالَ لَهُ بَعْضُ الْقَوْمِ : لَقَدْ خَفَّفْتَ ، أَوْ أَوْجَزْتَ الصَّلَاةَ ، فَقَالَ : أَمَّا عَلَى ذَلِكَ فَقَدْ دَعَوْتُ فِيهَا بِدَعَوَاتٍ سَمِعْتُهُنَّ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَلَمَّا قَامَ تَبِعَهُ رَجُلٌ مِنْ الْقَوْمِ ، هُوَ أُبَيٌّ ، غَيْرَ أَنَّهُ كَنَى عَنْ نَفْسِهِ ، فَسَأَلَهُ عَنْ الدُّعَاءِ ، ثُمَّ جَاءَ فَأَخْبَرَ بِهِ الْقَوْمَ :
    (( اللَّهُمَّ بِعِلْمِكَ الْغَيْبَ ، وَقُدْرَتِكَ عَلَى الْخَلْقِ أَحْيِنِي مَا عَلِمْتَ الْحَيَاةَ خَيْرًا لِي ، وَتَوَفَّنِي إِذَا عَلِمْتَ الْوَفَاةَ خَيْرًا لِي ، اللَّهُمَّ وَأَسْأَلُكَ خَشْيَتَكَ فِي الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ ، وَأَسْأَلُكَ كَلِمَةَ الْحَقِّ فِي الرِّضَا وَالْغَضَبِ ، وَأَسْأَلُكَ الْقَصْدَ فِي الْفَقْرِ وَالْغِنَى ، وَأَسْأَلُكَ نَعِيمًا لَا يَنْفَدُ ، وَأَسْأَلُكَ قُرَّةَ عَيْنٍ لَا تَنْقَطِعُ ، وَأَسْأَلُكَ الرِّضَاءَ بَعْدَ الْقَضَاءِ ، وَأَسْأَلُكَ بَرْدَ الْعَيْشِ بَعْدَ الْمَوْتِ ، وَأَسْأَلُكَ لَذَّةَ النَّظَرِ إِلَى وَجْهِكَ ، وَالشَّوْقَ إِلَى لِقَائِكَ ، فِي غَيْرِ ضَرَّاءَ مُضِرَّةٍ ، وَلَا فِتْنَةٍ مُضِلَّةٍ ، اللَّهُمَّ زَيِّنَّا بِزِينَةِ الْإِيمَانِ ، وَاجْعَلْنَا هُدَاةً مُهْتَدِينَ )) .
    [ النسائي ، أحمد ]
    هذا من أدعية النبي .
    (( اللهم أغنني بالعلم ، وزيني بالحلم ، وجملني بالتقوى ، وأكرمني بالعافية )) .
    [ الجامع الصغير عن ابن عمر بسند فيه ضعف ]
    هذه أدعية النبي عليه الصلاة والسلام .
    أنا لا أستطيع أن أبتعد عن الواقع ، الحاجة إلى الجمال مودعة في كل إنسان ، فإن لبّاها وفق منهج الله كانت حياته كاملة ، وإن أهملها يشقى .

    ليس هذا هو الجمال المطلوب :

    أحياناً تتألم ألماً شديداً ، تزور قرية مسلمة فترى فيها إهمالا ، فيها فوضى ، فيها مناظر مخرشة للعين ، وأحياناً تزور بلدة أخرى غير مسلمة ترى فيها الأناقة في البيوت ، الورود على الشرفات ، الطرقات النظيفة ، الحدائق الغناء ، شيء يلفت النظر ، ويؤلم أشد الألم ، من قال : إن الجمال وقفٌ على هؤلاء ؟ الإسلام جميل ، وربنا جميل ، ويحب الجمال ، لكن سبحان الله ! الإنسان أحياناً يفهم من هذا الموضوع شيئًا آخر ما أراده الله ، يفهم أن يتعلق بالمرأة ، يقول لك :
    (( إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ )) .
    يطلق بصره في الحرام ، ويخالف الواحد الديان ويقول :
    (( إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ )) .
    ليس هذا هو المعنى .

  7. #37

    افتراضي

    المعاني الحسية والأخلاقية والأدبية للجمال :

    الجمال له معانٍ لا تنتهي ، ولاسيما أن الجمال له معانٍ حسية ، وله معان أخلاقية ، والله موقف أخلاقي تذكره ، وكأنك تستمتع بالجمال ، هناك مواقف أخلاقية ، مواقف الوفاء ، مواقف الرحمة ، مواقف التواضع ، مواقف العفو ، مواقف الإنصاف ، الجمال كلمة واسعة جداً ، وعندنا فعل جميل ، وعندنا إنسان قوي ، ومتواضع ، عندنا إنسان غني وسخي ، عندنا إنسان متفوق في علمه ، ومع ذلك يحبه مَن حوله ، فالجمال معناه واسع جداً .
    لعلي أقول : إن أقلّه الجمال الحسي ، لكن اتساع المفهوم يشمل كل شيء ، فهناك كلمة جميلة ، الأدب أدب ، الأدب فن .
    مثلاً قال أحدهم : تكاثرت عليّ المصائب ، هذا كلام ، لكن غيره قال :
    رماني الدهر بالأرزاء حتى كأني في غشاء مـن نبـال
    فصرت إذا أصابتني سهام تكسرت النصال على النصال
    ***
    هذا أدب ، فالكلمة الجميلة أدب ، والحركة الجميلة رشاقة ، والصوت الجميل نغم ، فالجمال واسع جداً يشمل كل حياتنا ، وفي جوانب منها كثيرة جداً مباح ، بل مطلوب .
    (( فَقُمْ مَعَ بِلَالٍ فَأَلْقِ عَلَيْهِ مَا رَأَيْتَ فَلْيُؤَذِّنْ بِهِ ، فَإِنَّهُ أَنْدَى صَوْتًا مِنْكَ )) .
    [ الترمذي وأبو داود ]
    هذا كلام النبي عليه الصلاة والسلام .
    أنا أتمنى أن يكون في حياتنا مسحة من الجمال ، لأننا مسلمون ، ولا ينبغي أن يوازن بين مسلم بيته مضطرب ، فيه مناظر مؤذية ، وبين غير مسلم فيه أناقة في بيته ، كلما ذكرت الأناقة والجمال لا أقصد المال إطلاقاً ، قد تكون أفقر الناس ، لكن هناك أذواق ، هناك تناسب ألوان ، هناك طلاء رخيص ، لكن الطلاء يملأ القلب بهجة .
    أحيانا يسكن إنسان في بيت من دون طلاء ، المناظر مؤذية ، منظر الإسمنت مؤذٍ ، لو طلاه بطلاء رخيص أبيض ، بلون سماوي ، أو لون زهري ، يشعر براحة ، الآن علم الألوان له علاقة بسلوك الإنسان ، وهناك مكان ينتحر فيه الغربيون ، طلوه باللون الأخضر فخفت نسبة الانتحار .
    انظر إلى السماء الزرقاء ، والحقول الخضراء ، ألوان مريحة جداً ، الله جميل ، انظر إلى العصافير ، والله فيها ألوان تأخذ بالألباب ، انظر إلى الفراشات ، انظر إلى الحقول ، انظر إلى الفواكه ، دعك أنها فاكهة تؤكل ، لها منظر رائع جداً .
    اسم ( الجميل ) تجلى على هذا فكان جميلاً ، يجب أن تكون حياتك جميلة ، في بيتك ، في عملك ، في هندامك ، في مركبتك ، والنظافة أصل في الجمال ، وتناسب الألوان أصل في الجمال ، ورقة العبارة أصل في الجمال .
    كان سيدنا عمر إذا مر على أناس يشعلون النار ، يقول : السلام عليكم ، يا أهل الضوء ، ولم يقل : السلام عليكم يا أصحاب النار .
    في اللغة عبارات جميلة جداً فيها ذكاء ، فيها لطف .
    جاءت امرأة تشكو زوجها إلى سيدنا عمر ، متألمة جداً منه ، أهملها إهمالاً كلياً ، قالت : يا أمير المؤمنين ، إن زوجي صوام قوام ، ما انتبه سيدنا عمر ، قال لها : << بارك الله لكِ بزوجك ، سيدنا علي قال له : لا ، إنها تشكو زوجها >> ، انظر إلى الأدب ، وهي تشكو زوجها .
    والله في أقوال الصحابة أدب ، أنا أساساً أرفض أن تقول : لا حياء في الدين ، الدين كله حياء .

    ﴿ وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ ﴾ .
    ( سورة المعارج ) .
    كل أنواع الانحراف الجنسي دخلت في هذه الآية .

    ﴿ فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ ﴾ .
    ( سورة المعارج ) .
    لذلك الكلمة الجميلة ، والثياب جميلة ، والبيت جميل ، والمحل التجاري جميل ، والحركة جميلة ، و جلسة وراء مقود السيارة فيها أدب ، وفيها جمال ، وهناك جلسة فيها غطرسة .
    (( إنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الجَمالَ )) .

    خاتمة :

    وأتمنى أن يكون الجمال جزاءً أساسياً في حياتنا ، تنظيم البيت يريح ، وقالوا : الجمال في البساطة ، فقد ترى مركبة أحياناً كلها زينات ، وكلها تعليقات ، وكلها كلمات ، شيء منفر ، دعها طبيعية ، المركبة أجمل بكثير .
    فنحن بحاجة إلى الجمال ، لأن حياتنا كلها دم ، وكلها قهر ، وكلها قتل ، وكلها تدمير ، وكلها خراب ، هذه مشكلة كبيرة ، والله أتمنى عليكم ألا تسمحوا لأولادكم بمتابعة الأخبار من شدة ما تترك هذه الأخبار من انعكاسات سيئة في نفوس الصغار .


    والحمد لله رب العالمين

  8. #38

    افتراضي

    اسم الله : المعطى (1)



    1 –

    1-ورودُ اسم ( المعطي ) في السنة الصحيحة :

    لم يرد هذا الاسم في القرآن الكريم ، بل ورد في السنة ، ففي صحيح البخاري عَنْ مُعَاوِيَةَ يَقُولُ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
    (( مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ ، وَاللَّهُ الْمُعْطِي ، وَأَنَا الْقَاسِمُ ، وَلَا تَزَالُ هَذِهِ الْأُمَّةُ ظَاهِرِينَ عَلَى مَنْ خَالَفَهُمْ حَتَّى يَأْتِيَ أَمْرُ اللَّهِ وَهُمْ ظَاهِرُونَ )) .
    [ متفق عليه ]

    2 – أعظمُ عطاءٍ من اللهِ هو العلمُ :

    أول ملمح في الحديث كرامة العلم أعظم كرامة ، قال تعالى :

    ﴿ وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ وَكَانَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكَ عَظِيمًا﴾ .
    ( سورة النساء ) .
    لأن الله سبحانه وتعالى أودع في الإنسان قوة إدراكية ، وما لم يبحث عن الحقيقة ، وما لم يطلب العلم فقد هبط من مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به .
    لذلك : كرامة العلم أعظم كرامة عند الله ، فإذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم .


    ﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ .
    ( سورة الزمر ) .

    ﴿ يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ ﴾ .
    ( سورة المجادلة ) .
    فالله سبحانه وتعالى اعتمد في القرآن الكريم العلم والعمل كقيمتين مرجِّحتين بين خلقه ، فبطولة الإنسان أن تأتي مقاييس التفوق عنده كما هي في القرآن .
    الناس في الدنيا يعظِّمون الأغنياء والأقوياء ، لكن القرآن الكريم بيّن لنا أن رتبة العلم أعلى الرتب :
    ﴿ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ ﴾ .

    العلمُ بالله وبخَلق الله وبأمرِ الله :

    وكما تعلمون هناك علم بخلقه ، وعلم بأمره ، وعلم به ، العلم بخلقه وبأمره يحتاجان إلى مدارسة ، إلى كتاب ، وإلى معلّم ، وإلى شهادة ، وإلى امتحان ، هذه مدارسة ، لكن العلم به يحتاج إلى مجاهدة .
    على كلٍ في الملمح الأول من الحديث الشريف :
    (( مَنْ يُرِدْ اللَّهُ بِهِ خَيْرًا يُفَقِّهْهُ فِي الدِّينِ )) .
    والبطولة لا أن يكون طلب العلم في أوقاتك الهامشية ، يجب أن يكون طلب العلم جزءاً من خطتك في الحياة ، لأن هناك إنسانا بحسب فراغه يطلب العلم ، لكنْ عنده أشياء أساسية لا يعلو عليها شيء ، أما المؤمن فطلب العلم جزء أساسي من حياته ، ولا يعلو عليه شيء ، وقد قال سيدنا علي رضي الله عنه : << يل بني ، العلم خير من المال ، لأن العلم يحرسك ، وأنت تحرس المال ، والمال تنقصه النفقة ، والعلم يزكو على الإنفاق ، يا بني ، مات خزان المال وهم أحياء ، والعلماء باقون ما بقي الدهر ، أعيانهم مفقودة ، وأمثالهم في القلوب موجودة >> .
    إذاً : في الإنسان حاجات سفلى ، وحاجات عليا ، الحاجة العليا الكبيرة طلب العلم ، فما لم يطلب الإنسان العلم لا يرقى إلى مستوى إنسانيته ، والإنسان من دون علم وُصِف في القرآن الكريم بأنه :


    ﴿ كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ .
    ( سورة الفرقان ) .


    ﴿ مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْرَاةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوهَا كَمَثَلِ الْحِمَارِ يَحْمِلُ أَسْفَارًا ﴾ .
    ( سورة الجمعة الآية : 5 ) .


    ﴿ فَمَثَلُهُ كَمَثَلِ الْكَلْبِ إِن تَحْمِلْ عَلَيْهِ يَلْهَثْ أَوْ تَتْرُكْهُ يَلْهَث ﴾ .
    ( سورة الأعراف الآية : 176 ) .
    بل أبلغ من ذلك :

    ﴿ كَأَنَّهُمْ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ﴾ .
    ( سورة المنافقون الآية : 4 ) .
    لذلك الذي يرقى بالإنسان إلى مستوى إنسانيته ، وإلى مستوى يليق به هو طلب العلم .

    3 – الماء من عطاء الله :

    إلا أن الحديث فيه ملمح ثانٍ ، وهو موضوع درسنا :
    (( وَاللهُ المُعْطِي وَأَنَا القَاسِمُ )) .
    الملمح الثاني : أنه الأصل أن هذا الماء من عطاء الله ، نحن وضعناه في خزانات ، وسُقناه إلى البيوت بأنابيب ، ووزّعناه بقوارير ، هذا عمل ثانوي ، لا يعد من صلب الماء ، الماء منحة من الله عز وجل ، فكل شيء الأصل أنه عطاء من الله ، نحن تفننا بعرضه ، بتعليبه ، بتغليفه ، بوصوله ، أما الأصل فإن الله هو المعطي .
    (( وَاللهُ المُعْطِي وَأَنَا القَاسِمُ )) .

    4 – المعطي المانع :

    دائماً وأبداً في الأسماء الحسنى أسماء يجب أن تلفظ معاً ، كاسم " الضار " ، الأولى أن يلفظ اسم " الضار " مع اسم " النافع " ، تقول : " الضار النافع " ، " المعطي المانع " ، " المعز المذل " ، لماذا ؟ لأن الله سبحانه وتعالى يمنع ليعطي ، ويأخذ ليعطي ، ويخفض لرفع ، ويذل ليعز ، لأن الإنسان حمل الأمانة ، لكنه قصر في حملها ، فتأتي المعالجة .
    الفرق واضح جداً ، بين من يعين موظفاً ، ويعطيه مدة ستة أشهر ليمتحنه ، مهمة صاحب المؤسسة أن يحسب على هذا الموظف أخطاءه ، لكن بلا رحمة ، إذا كانت بحجم لا يحتمل ألغى عقده ، أما لو أن كان هذا الموظف ابنه فإنه يتابعه ، كل خطأ يوقفه عنده ، ويعطيه التوجيه ، لأن رحمة الأب تقتضي المتابعة ، ولأن الله رب العالمين رحيم بعباده ، فإذا أخطاء الإنسان تابعه بالمعالجة .
    أنا أتصور لو أن الله سبحانه وتعالى لم يربِّ عباده فإن معظمهم إلى النار ، لكن هذا ربّاه بمرض ، هذا بقلق ، أو بشبح مصيبة ، أو بضيق معين ، الله عز وجل يسوقنا إلى بابه سوقاً ، وهذا من نِعم الله عز وجل ، فهو معطٍ ومانع ، خافض ورافع ، معز ومذل ، وقد ورد في الأثر :
    (( إن هذه الدنيا دار التواء لا دار استواء )) .
    [ رواه الديلمي عن ابن عمر ] .
    لا تستقيم الدنيا لأحَدٍ ، وهذا لحكمة بالغةٍ أرادها الله .
    (( ودار تَرحٍ لا دار فرح )) .
    فيها أحزان ، فيها آلام ، فيها فراق الأحبة ، فيها أمراض تصيب الأولاد أحياناً .
    (( ودار ترح لا دار فرح فمن عرفها )) .
    أي : مَن عرف حقيقة الدنيا .
    (( لم يفرح لرخاء )) .
    لأنه مؤقّت .
    (( ولم يحزن لشدة )) .
    لأنه مؤقّت ، الموت ينهي كل شدة ، الموت ينهي قوة القوي ، وغنى الغني ، وذكاء الذكي ، وصحة الصحيح ، لذلك :
    (( فمن عرفها لم يفرح لرخاء ، ولم يحزن لشدة ، ألا وإن الله تعالى خلق الدنيا دار بلوى )) .

    ﴿ وَإِن كُنَّا لَمُبْتَلِينَ ﴾ .
    ( سورة المؤمنون ) .
    لذلك :
    ((ألا وإن الله تعالى خلق الدنيا دارَ بلوى ، والآخرة دار عقبى ، فجعل بلوى الدنيا لثواب الآخرة وثواب الآخرة من بلوى الدنيا عوضا ، فيأخذ ويبتلي ليجزي )) .
    في بعض الأحاديث القدسية ، عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ :
    (( يَا ابْنَ آدَمَ ، مَرِضْتُ فَلَمْ تَعُدْنِي ، قَالَ : يَا رَبِّ ، كَيْفَ أَعُودُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ قَالَ : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّ عَبْدِي فُلَانًا مَرِضَ فَلَمْ تَعُدْهُ ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ ؟ يَا ابْنَ آدَمَ ، اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي ، قَالَ : يَا رَبِّ ، وَكَيْفَ أُطْعِمُكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ قَالَ : أَمَا عَلِمْتَ أَنَّهُ اسْتَطْعَمَكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تُطْعِمْهُ ، أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ أَطْعَمْتَهُ لَوَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي ؟ يَا ابْنَ آدَمَ ، اسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي ، قَالَ : يَا رَبِّ ، كَيْفَ أَسْقِيكَ وَأَنْتَ رَبُّ الْعَالَمِينَ ؟ قَالَ : اسْتَسْقَاكَ عَبْدِي فُلَانٌ فَلَمْ تَسْقِهِ ، أَمَا إِنَّكَ لَوْ سَقَيْتَهُ وَجَدْتَ ذَلِكَ عِنْدِي ؟ )) .
    [ أخرجه مسلم ]
    الله عز وجل حينما أخذ من الإنسان بعض صحته ليعوِّضه أضعافاً مضاعفة من القرب والسكينة .
    ((أَمَا عَلِمْتَ أَنَّكَ لَوْ عُدْتَهُ لَوَجَدْتَنِي عِنْدَهُ ؟ )) .
    فهذه فكرة دقيقة جداً ، الله عز وجل يأخذ ليعطي ، يمنع ليعطي ، يخفض ليرفع يضر لينفع ، هذه الأسماء الأَولى أن تذكر مَثْنى مَثْنَى .

    5 – من عطاء الله نعمة الإيجاد :

    شيء آخر ، الله عز وجل ما الذي أعطانا إياه ؟ النعم الكبرى الصارخة ، أعطانا نعمة الإيجاد ، فإنه أوجدنا .

    ﴿ هَلْ أَتَى عَلَى الْإِنسَانِ حِينٌ مِّنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُن شَيْئًا مَّذْكُورًا ﴾ .
    ( سورة الإنسان ) .
    أنت موجود ، لك كيان ، لك اسم ، لك زوجة ، لك أولاد ، لك بيت ، لك مكانة ، عندك قناعات .
    لذلك نعمة الإيجاد النعمة الأولى ، وأنا أحياناً لما أتصفح كتابا ، وأطلع على تاريخ تأليفه ، فإذا كان تاريخ التأليف قبل ولادتي أتخذ موعظة كبيرة ، أنا في هذا التاريخ أين كنت ؟ ما لي اسم في الأرض كلها .

    6 – من عطاء الله نعمةُ الإمداد :

    منحك الله نعمة الإيجاد ، لا يكفي الإيجاد ، أعطاك جهاز تنفس الهواء ، أعطاك جهاز هضم ، هناك ماء ، وطعام ، ولحوم ، وخضراوات ، ومحاصيل ، وأنت بحاجة إلى طرف آخر فخلق المرأة من أجلك ، وخلقك من أجلها ، أعطاك النصف الآخر ، فأنجبت أولادا ملؤوا البيت فرحة ، منحك نعمة الإيجاد ، ومنحك نعمة الإمداد .

    7 – من عطاء الله نعمةُ الهدى والرشاد :

    أحيانا يشق الطريق ، بعد حين توجد الشاخصات ، هنا منحدر زلق ، وهنا تقاطع خطر ، وهنا الطريق ضيقة ، هذه الشاخصات هداية للسائقين .
    فبعد أن منحك نعمة الإيجاد ، ونعمة الإمداد ، منحك نعمة الهدى والرشاد ، هذه نعم كبرى ، فضلاً على أنها نِعَمٌ لا تعد ولا تحصى .

    8 – من عطاء الله تسخير الكون تسخير تعريف وتكريم :

    لكن الكون أكبر ثابت في الإيمان ، هذا الكون بنص القرآن الكريم سُخر للإنسان تسخير تعريف وتكريم ، الدليل :

    ﴿ وَسَخَّرَ لَكُم مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ﴾ .
    ( سورة الجاثية الآية : 13 ) .
    بالمناسبة ، المسخَّر له أكرم من المسخَّر ، الإنسان سُخِّر له ما في الكون ، فهو المسخَّر له ، وهو أكرم عند الله من الشيء المسخَّر ، وهذه حقيقة أولى ، الإنسان هو المخلوق المكرَّم المكلَّف .

    ﴿ إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَن يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنسَانُ ﴾ .
    ( سورة الأحزاب الآية : 72 ) .
    لأنه قَبِل حمل الأمانة ، كان المخلوق الأول تكريما وتكليفا ، لذلك قال سيدنا علي : << رُكِّب الملَك من عقل بلا شهوة ، ورُكّب الحيوان من شهوة بلا عقل ، ورُكّب الإنسان من كليهما ، فإن سما عقله على شهوته أصبح فوق الملائكة ، وإن سَمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان >> ، هذا الكلام خطير جداً تؤكده الآية الكريمة :

    ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾ .
    ( سورة البينة ) .
    على الإطلاق ، لمجرد أنك إنسان في الأصل فأنت فوق المخلوقات جميعاً :

    ﴿ إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُوْلَئِكَ هُمْ خَيْرُ الْبَرِيَّةِ ﴾
    بالمقابل : << وإن سمت شهوته على عقله أصبح دون الحيوان >> .

    ﴿ إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَالْمُشْرِكِينَ فِي نَارِ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا أُوْلَئِكَ هُمْ شَرُّ الْبَرِيَّةِ ﴾ .
    ( سورة البينة ) .
    بين أن تكون أرقى من الملائكة ، وبين أن يكون الإنسان الذي كفر بربه دون أحقر حيوان فراق كبير جدا ، فلذلك أعطانا هذا الكون ، وسخّره لنا تسخير تعريف وتكريم .

    موقف المؤمن من تسخير التعريف والتكريم :

    لو أن إنسانا قدّم لك جهازا متطورا جداً ، وفيه قفزة نوعية بخصائصه ، وهو من اختراعه ، فقدمه لك هدية ، يجب أن ينتابك شعورٌ ، شعور التعظيم له على هذا الإنجاز العلمي الكبير ، وشعور الامتنان ، لأنه قدّمه لك مجاناً ، ولأن الله سبحانه وتعالى سخر للإنسان :
    ﴿ مَّا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِّنْهُ ﴾
    تسخير تعريف وتكريم ، فردّ فعل التعريف أن تؤمن ، ورد فعل التكريم ، أن تشكر ، لمجرد أنك آمنت ، وشكرت فقد حققت الهدف من وجودك ، وإذا حُقق الهدف من الوجود تتوقف كل أنواع المعالجة ، الآية :

    ﴿ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ﴾ .
    ( سورة النساء الآية : 147 ) .
    إذا آمنت بهذا الإله العظيم ، والرب الكريم ، والمسيّر الحكيم ، صاحب الأسماء الحسنى ، والصفات الفضلى ، إنك إن آمنت ، ثم أيقنت أنه منحك نعمة الإيجاد ، ونعمة الإمداد ، ونعمة الهدى والرشاد فقد حققت الهدف من وجودك ، لذلك تتوقف عندها جميع أنواع المعالجات ، والآية دقيقة جداً :
    ﴿ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ﴾ .
    (( يَا عِبَادِي ، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَتْقَى قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مِنْكُمْ مَا زَادَ ذَلِكَ فِي مُلْكِي شَيْئًا ، يَا عِبَادِي ، لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ ، وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ كَانُوا عَلَى أَفْجَرِ قَلْبِ رَجُلٍ وَاحِدٍ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِنْ مُلْكِي شَيْئًا ، يَا عِبَادِي لَوْ أَنَّ أَوَّلَكُمْ وَآخِرَكُمْ وَإِنْسَكُمْ وَجِنَّكُمْ قَامُوا فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ ، فَسَأَلُونِي ، فَأَعْطَيْتُ كُلَّ إِنْسَانٍ مَسْأَلَتَهُ مَا نَقَصَ ذَلِكَ مِمَّا عِنْدِي إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْمِخْيَطُ إِذَا أُدْخِلَ الْبَحْرَ )) .
    [ رواه سلم عن أبي ذرّ رضي اللّه عنه ]
    لأن عطائي كلام ، وأخذي كلام ، كن فيكون ، زل فيزول .
    الآن الدقة البالغة في الحديث :
    (( فَمَنْ وَجَدَ خَيْراً فَلْيَحْمَدِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ ، وَمَنْ وَجَدَ غَيْرَ ذَلِكَ فَلا يَلُومَنَّ إِلاَّ نَفْسَهُ )) .
    [ رواه سلم عن أبي ذرّ رضي اللّه عنه ]
    لا تعتب على أحد .

    ﴿ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ﴾ .
    ( سورة الشورى ) .
    (( ما من عثرة ، واختلاج عرق ، وخدش عود ، إلا بما كسبت أيديكم ، وما يعفو الله أكبر )) .
    [ ورد في الأثر ]

    رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى

    النقطة الدقيقة في هذا اللقاء : قال تعالى :

    ﴿ فَمَن رَّبُّكُمَا يَا مُوسَى ﴾ .

    فرعون سأل سيدنا موسى :
    ﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾ .
    ( سورة طه ) .
    ما معنى قول النبي ؟
    (( أَعْطُوا الْأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ )) .
    [ ابن ماجه عن ابن عمر ]
    ما قال : أعطوه أجراً ، أجره الذي يعادل جهده ، أجره الذي يحقق له كرامته ، بالمقابل :
    ﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾
    أعطاه الخلق الكامل

  9. #39

    افتراضي

    الإنسان خَلَقه الله خَلْقًا كاملاً :

    ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ .
    ( سورة التين )

    1 – العينان :

    أعطاه عينين ، لماذا أعطاه عينين ، ولم تكن عيناً واحدة ؟ بالعينين يدرك البُعد الثالث ، بعين واحدة يدرك بُعدين ، الطول والعرض ، بالعين الثانية تدرك البعد الثالث ، أنت ترى الطول والعرض والعمق ، والدليل أنك بعينٍ واحدة لا تستطيع أن تضم إبرة ، يأتي الخيط بعيدا عن الإبرة عشرة سنتيمترات ، بالعينين معًا تعرف المسافة .

    ﴿ أَلَمْ نَجْعَل لَّهُ عَيْنَيْنِ ﴾ .
    ( سورة البلد ) .
    العين جعل مادة مضادة للتشنج ، بالميل متر المربع في شبكية العين في مئة مليون مستقبل ضوئي ، عصية ومخروط بالميل متر مربع بشبكية العين فيها مئة مليون من أجل صورة دقيقة جداً ، من أجل أن تميز بين 8 ملايين لون ، واللون الواحد لو دُرج 800 ألف درجة لفرقت العين البشرية بين لونين ، لذلك :
    ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾

    2 – الشَّعرُ :

    أعطاك شَعرا ، ففي الرأس تقريباً بالشكل المتوسط 300 ألف شعرة ، لكل شعرة وريد ، وشريان ، وعصب ، وعضلة ، وغدة دهنية ، وغدة صبغة ، والحكمة البالغة أنه ليس في الشعر أعصابُ حسٍّ ، لو فيه أعصاب حس لكانت عملية حلاقة الشعر تحتاج إلى مستشفى ، وإلى تخدير كامل ، هذه من حكمة الله عز وجل .

    3 – الأنف :

    الأنف فيه عشرون مليون عصب شمٍّ ، ينتهي كل عصب بسبعة أهداب ، الهدب مغمس بمادة تتفاعل مع الرائحة ، تتشكل شكلا هندسيا ، كرة ، موشورا ، هرما ، هذا الشكل رمز الرائحة ، يشحن إلى الدماغ للذاكرة الشمّية ، وعندنا عشرة آلاف بند ، هذا الشكل يعرض إلى أن يتوافق هذا الشكل مع هذا الشكل تقول : هذه رائحة كمون في الأكل ، مثلاً ، فالشمّ آلية معقدة جداً .
    ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾
    ﴿ أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى ﴾

    4 – الأذنان :

    الأذنان : لمَ لمْ تكن أذنا واحدة ؟ بالأذن الواحدة لا يمكن أن تعرف جهة الصوت ، بالأذنين تعرف الجهات ، هناك صوت بوق لمركبة من اليمين ، دخل هذا الصوت إلى هذه الأذن قبل هذه ، والفرق الزمني واحد على 1620 جزءا من الثانية ، فأدركت أن المركبة على اليمين ، فأعطاك الدماغ أمرًا بالانحراف نحو اليسار ، وهذه آلية معقدة جداً .
    ﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ ﴾

    5 – القدَمانِ وآلية التوازن :

    هدانا إليه ، لو أن الإنسان ليس عنده قنوات توازن في الأذن لاحتاج إلى قَدَم مساحتها 70 سم حتى يقف ، يحتاج إلى قاعدة ارتكاز واسعة جداً ، أما لأن في الأذن جهاز توازن فيمكن عند الميل أن يصحح التوازن ، ولولا هذا الجهاز لم ركب إنسان دراجة إطلاقاً ، ولا مشى إنسان على الأرض ، فالقدمان لطيفتان بحجم معقول جداً ، وأنت واقف .
    إذاً : التوازن من آيات الله الدالة على الله .

    6 – أعصاب الحس في الأسنان :

    وضع الله عز وجل في لبّ السن عصب حسي ، ليس له فائدة ، إذا بدأ النخر ، ووصل إليه لا تنام الليل ، تسارع إلى الطبيب ، ولولا هذا العصب لخسر الإنسان كل أسنانه ، العصب الحسي جهاز إنذار مبكر .

    7 – آلية اجتماع اللعاب في أثناء النوم :

    وأنت نائم غارق في النوم يجتمع اللعاب في فمك ، تذهب رسالة إلى الدماغ ، اللعاب زاد على حده ، يأتي أمر من الدماغ وأنت نائم ، يفتح البلعوم لسان المزمار ، يغلق القصبة الهوائية ، يفتح المريء فتبلع ريقك ، وأنت نائم :
    ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾

    8 – البروستاتة :

    البروستاتة تقع بين مجرى البول ومجرى ماء الحياة ، عند الالتقاء ، هذه في اللقاء الزوجي تفرز مادة مطهرة ، ومادة مغذية ، ومادة معطرة ، هذه البروستاتة موضعها في مكان حرج عند ملتقى ماء الحياة مع بول الإنسان ، ففي حال الحمل يجب أن يكون المجرى طاهراً ، فتفرز مادة مطهرة ، ومغذية ، ومعطرة :
    ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾

    الخاتمة :

    الموضوع طويل جداً ، موضوع أن نكتشف عظمة خلق الإنسان ، هذا من التفكر في خلق السماوات والأرض .

    ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾ .
    ( سورة آل عمران ) .
    إنّ جزءًا من الإيمان أن تتفكر في خلق السماوات والأرض ، المعلومات موجودة ، لكن لا تقرأ هذه المعلومات قراءة إيمانية ، ندرسها في كلية الطب ، لكن لا تقرأ قراءة إيمانية .
    لو فكر الإنسان في جسمه ، فكر في حواسه الخمس ، فكر في أجهزته ، فكر في جهاز الدوران ، في القلب ، في جهاز الأعصاب ، في جهاز الهضم ، فهذه آيات دالة على عظمة الله عز وجل :
    ﴿ قَالَ رَبُّنَا الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ ﴾

    والحمد لله رب العالمين

  10. #40

    افتراضي

    اسم الله : المعطى (2)




    1 – العطاء الدنيوي ينقضي بفناء الدنيا :

    أيها الإخوة الكرام ، لا زلنا في اسم ( المعطي ) ، ولو تساءلنا : ماذا يعطينا الله عز وجل ؟ يعطينا نعماً دنيوية ، يعطينا الصحة ، يعطينا القوة ، يعطينا المال ، يعطينا الجمال ، ويعطينا نعماً إيمانية ، يعطينا السكينة ، يعطينا الأمن ، يعطينا الرضى ، يعطينا السعادة ، يعطينا نعماً لا تعد ولا تحصى ، لكن نعم الله عز وجل ما كان منها في الدنيا تنقضي بانقضاء الدنيا .
    فلذلك يقول الله عز وجل :

    ﴿ فَأَمَّا الْإِنسَانُ إِذَا مَا ابْتَلَاهُ رَبُّهُ فَأَكْرَمَهُ وَنَعَّمَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَكْرَمَنِ وَأَمَّا إِذَا مَا ابْتَلَاهُ فَقَدَرَ عَلَيْهِ رِزْقَهُ فَيَقُولُ رَبِّي أَهَانَنِ ﴾ .
    ( سورة الفجر ) .
    جاء الجواب مع الردع :
    ﴿ كَلَّا ﴾ .
    ( سورة الفجر ) .

    2 – الرضى بالعطاء والمنع هو رضى بالقضاء والقدر :

    يعني : يا عبادي ، ليس عطائي إكراماً في الدنيا ، ولا منعي حرماناً ، عطائي ابتلاء ، وحرماني دواء .
    فلذلك الله يعطي الصحة ، والذكاء ، والقوة ، والجمال ، والمال للكثيرين من خَلقه ، ولكنه يعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين ، يعطيك نعماً إيمانية ، يعطيك الرضى ، فأنت راضٍ عن الله ، راضٍ عن نفسك ، بمعنى أنك قبلت قضاء الله وقدره ، راضٍ عمّا نزل بك من مِحنٍ ، ليقينك القطعي أنه هناك حكمة بالغة .
    فلذلك أيها الإخوة ، حينما نؤمن أن كل شيء بقضاء من الله وقدر ، وأن الإيمان بالقدر يذهب الهمّ والحزن ، وأن الإيمان بالقدر نظام التوحيد نكون قد عرفنا حقيقة العطاء ، لكن ولكل شيء حقيقة ، فعَنْ أَبِي الدَّرْدَاءِ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
    (( لِكُلِّ شَيْءٍ حَقِيقَةٌ ، وَمَا بَلَغَ عَبْدٌ حَقِيقَةَ الْإِيمَانِ حَتَّى يَعْلَمَ أَنَّ مَا أَصَابَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَهُ ، وَمَا أَخْطَأَهُ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَهُ )) .
    [ أخرجه أحمد في مسنده]
    وعَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
    (( الْمُؤْمِنُ الْقَوِيُّ خَيْرٌ وَأَحَبُّ إِلَى اللَّهِ مِنْ الْمُؤْمِنِ الضَّعِيفِ ، وَفِي كُلٍّ خَيْرٌ ، احْرِصْ عَلَى مَا يَنْفَعُكَ ، وَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ ، وَلَا تَعْجَزْ ، وَإِنْ أَصَابَكَ شَيْءٌ فَلَا تَقُلْ : لَوْ أَنِّي فَعَلْتُ كَانَ كَذَا وَكَذَا ، وَلَكِنْ قُلْ : قَدَرُ اللَّهِ ، وَمَا شَاءَ فَعَلَ ، فَإِنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطَانِ )) .
    [ رواه مسلم ]
    ولا ينبغي للمؤمن أن يقول : لو ، ليس في قاموس المؤمن كلمة ( لو ) ، لو لم أَسِرْ في هذا الطريق لم يقع الحادث ، هذا طريق مسدود ، لكن قل صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
    (( لَكِنْ قُلْ : قَدَّرَ اللَّهُ ، وَما شاء فَعَلَ ، فإنَّ لَوْ تَفْتَحُ عَمَلَ الشَّيْطانِ )) .

    وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ

    الله عز وجل حينما يقول :

    ﴿ وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاء وَالْمُنكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ ﴾ .
    ( سورة العنكبوت الآية : 45 ) .
    مِن أدق معاني هذه الآية أن ذِكركَ لله عز وجل أكبر من كل شيء ، وأن الله يذكرك ، لكن ذكر الله لك أكبر من ذكرك له ، فإذا ذكرته أديت واجب العبودية ، لكنه إذا ذكرك أعطاك الأمن ، والأمن نعمة خاصة بالمؤمنين .

    ﴿ سَنُلْقِي فِي قُلُوبِ الَّذِينَ كَفَرُواْ الرُّعْبَ بِمَا أَشْرَكُواْ﴾ .
    ( سورة آل عمران الآية : 151 ) .
    أما المؤمنون :

    ﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ ﴾ .
    ( سورة آل عمران ) .
    إذاً : ذكر الله لك أكبر من ذكرك له ، إن ذكرك منحك الحكمة .

    ﴿ وَمَن يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيراً ﴾ .
    ( سورة البقرة الآية : 269 ) .
    ذكر الله لك يمنحك السكينة ، سعادة ما بعدها سعادة ، لا يعرفها إلا من ذاقها ، إذا ذكرك الله عز وجل أعطاك الرضى ، لذلك يعطي الله نِعماً دنيوية ، ويعطي نعما أخروية ، أو يعطي نعمًا إيمانية ، النعم الإيمانية تسعد بها إلى أبد الآبدين ، والنعم الدنيوية تنقضي بانقضاء الدنيا .
    فلذلك ليس عطائي إكراماً ، ومنعي حرماناً ، عطائي ابتلاء ، وحرماني دواء .

    مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ

    الآن :

    ﴿ مَّن كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاء لِمَن نُّرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلاهَا مَذْمُومًا مَّدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا * كُلاًّ نُّمِدُّ هَـؤُلاء وَهَـؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا ﴾
    ( سورة الإسراء ) .
    قد يختار إنسان الغنى ، ثم يموت ، وتبقى أغانيه تذاع في الإذاعات إلى يوم القيامة ، وقد يختار إنسان القرآن ، ثم ويموت ، وتبقى تلاوته تذاع في الإذاعات إلى يوم القيامة :
    ﴿ كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ ﴾
    هناك إنسان بنى مسجدا ، وإنسان بنى ملهى ، الإنسان مخير ، فاختر ما شئت ، وافعل ما شئت ، لكن كل شيء له حسابه .
    ﴿ كُلاًّ نُّمِدُّ هَؤُلاء وَهَؤُلاء مِنْ عَطَاء رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاء رَبِّكَ مَحْظُورًا ﴾
    الله عز وجل لا يتعامل مع التمنيات .

    ﴿ لَّيْسَ بِأَمَانِيِّكُمْ وَلا أَمَانِيِّ أَهْلِ الْكِتَابِ ﴾ .
    ( سورة النساء الآية : 123 ) .
    التمنيات بضائع الحمقى ، الله عز وجل يتعامل مع الصدق .


    وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا


    ﴿ وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا ﴾ .
    ( سورة الإسراء الآية : 19 ) .
    علامة إرادتها صادقاً :

    ﴿ وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُم مَّشْكُورًا ﴾ .
    ( سورة الإسراء الآية : 19 ) .
    فلذلك هذه الآية أصل في العقيدة ، الله عز وجل خلقك ، منحك حرية الاختيار ، وقال لك : عبدي اطلب تُعْطَ ، إن أردت الدنيا أخذت الدنيا ، لكن ما لك :

    ﴿ فِي الآخِرَةِ مِنْ خَلاَقٍ ﴾ .
    ( سورة البقرة الآية : 200 ) .
    إن أردت الآخرة تأتك الدنيا وهي راغمة ، لذلك أقول دائماً : من آثر آخرته على دنياه ربحهما معاً ، ومن آثر دنياه على آخرته خسرهما معاً .

    إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ

    الآية الكريمة :

    ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴾ .
    ( سورة الكوثر ) .
    أيها الإخوة ، أيّ عطاء ينتهي بالموت ليس في كرم الله عطاء ، لكن عطاء الله عطاء أبدي مستمر ، فلذلك :
    ﴿ إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ ﴾
    قال علماء التفسير : كل مؤمن بقدر إيمانه ، واستقامته وعمله الصالح له من هذه الآية نصيب .

    ﴿ وَرَفَعْنَا لَكَ ذِكْرَكَ ﴾ .
    ( سورة الشرح ) .
    كل مؤمن بحسب إيمانه ، واستقامته ، وإخلاصه له من هذه الآية نصيب ، أما العطاء البدي السرمدي الذي خلقنا من أجله :

    ﴿ وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُواْ فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالأَرْضُ إِلاَّ مَا شَاء رَبُّكَ عَطَاء غَيْرَ مَجْذُوذٍ ﴾ .
    ( سورة هود ) .

    العاقل من يعيش المستقبل :

    كلنا ينتقل من بيت إلى قبر ، والبيت معتنى فيه جداً ، فيه زوجة وأولاد ، وغرف ضيوف ، وغرف جلوس ، مطبخ ، حمام ، مركبة واقفة عند الباب ، هناك نزهات ، فإذا توقف القلب وُضع في القبر ، ماذا في القبر ؟
    الذكاء والتوفيق والعقل أن تعيش المستقبل ، لا أن تعيش الماضي ، ولا أن تعيش الحاضر ، الذي يعيش الماضي غبي ، لأنه ما مضى فات والمؤمل غيب ، ولك الساعة التي أنت فيها ، والذي يعيش المستقبل هو أعقل العقلاء ، ماذا في المستقبل ؟ مغادرة الدنيا ، ماذا أعددنا لهذه الساعة ؟ فلذلك الجنة عطاء غير محدود ، لكن ما هي الخسارة ؟

    ﴿ قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾
    ( سورة الزمر الآية : 15 ) .
    إنسان باع بيته ، وباع معمله ، وباع بيت المصيف ، وباع بيتا على البحر ، وباع كل أدواته ومركباته ، وهذا المبلغ بطريقة أو بأخرى فَقَده ، يشعر بخسارة لا تحتمل ، الآخرة الخسارة فيها أشد ، خُلقت للأبد فخسرت الأبد ، من أجل سنوات معدودة أمضاها الإنسان في المعاصي والآثام .

    3 – المعنى التوحيدي في العطاء والمنع :

    كن مع الله تر الله معك واترك الكل وحاذر طمعك
    هناك معنى توحيدي في العطاء .
    وإذا أعطــاك من يمنعه ثم من يعطي إذا ما منعـك
    يدخل التوحيد في معنى العطاء ، لأنه لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعت ، علاقتك مع الله ، فهذا هو التوحيد الله وحده هو الرافع ، والخافض ، والمعز ، والمذل والمانع ، والمعطي ، ولا إله إلا الله ، وهذا الدين لا يقوم إلا على التوحيد ، وما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، ونهاية العلم التوحيد ، ونهاية العمل التقوى .
    ربما أعطاك فمنعك ، وربما منعك فأعطاك ، هذا معنى قوله تعالى :

    ﴿ وَأَسْبَغَ عَلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً ﴾ .
    ( سورة لقمان الآية : 20 ) .
    المصائب والحرمان والمتاعب نِعَمٌ باطنة ، لأن الله عز وجل يقول :

    ﴿ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ﴾ .
    ( سورة النساء الآية : 147 ) .
    حينما يؤمن الإنسان ويشكر تنتهي كل المعالجات ، لأنه حقق الهدف من وجوده ، إذاً :
    إذا أعطـــاك من يمنعه ثم من يعطي إذا ما منعك
    لا مانع لما أعطيت ، ولا معطي لما منعك ، علاقتك مع الله عز وجل .
    فلذلك سيدنا سعد ابن أبي وقاص إذا دخل على النبي عليه الصلاة والسلام كان يداعبه ، لأنه يحبه حباً جما ، فعَنْ جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ : أَقْبَلَ سَعْدٌ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
    (( هَذَا خَالِي ، فَلْيُرِنِي امْرُؤٌ خَالَهُ )) .
    [ الترمذي ]
    وفداه بأبيه وأمه .
    (( ارْمِ سَعْدٌ فِدَاكَ أَبِي وَأُمّي )) .
    [ أخرجه الشيخان عن علي بن أبي طالب ] .
    وبعد وفاة رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له عمر كلمة توحيد ، قال له : << يا سعد ، لا يغرنك أنه قد قيل : خال رسول الله ، فالخلق كلهم عند الله سواسية ، ليس بينه وبينهم قرابة إلا طاعته >> .
    هذا المعنى يدفعنا إلى الله دفعاً ، كلنا عباده ، وتجري علينا مقاييس واحدة ، ونقيّم بقيمٍ واحدة .

    ﴿ إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ ﴾ .
    ( سورة الحجرات الآية : 13 ) .
    أحياناً تأتي المصيبة فتكون سبب الهداية ، حينما تكشف لك حكمتها تذوب كالشمعة محبة لله ، هذا معنى قوله تعالى :

    ﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعونَ * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَـئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ ﴾ .
    ( سورة البقرة ) .
    يجب أن تؤمن إيماناً قطعياً أن المصائب نِعَمٌ ، وأن الرضى بمكروه القضاء أرفع درجات اليقين ، وأن المصائب تعني أنك ضمن عناية الله ، وأن المصائب تعني أنك ضمن رحمة الله ، لذلك :

    ﴿ فَإِن كَذَّبُوكَ فَقُل رَّبُّكُمْ ذُو رَحْمَةٍ وَاسِعَةٍ ﴾ .
    ( سورة الأنعام الآية : 147 ) .
    مما تقتضيه رحمة الله .

    ﴿ وَلاَ يُرَدُّ بَأْسُهُ عَنِ الْقَوْمِ الْمُجْرِمِينَ ﴾ .
    ( سورة الأنعام ) .
    صدقوا أيها الإخوة ، إذا دخلت إلى مسجد فقد تجد عددا كبيرا جداً من رواد المسجد اصطلحوا مع الله عقب تدبير حكيم ، عقب شبح مصيبة ، عقب تهديد ، عقب خطورة على الرزق ، خطورة على المنصب ، فالإنسان ليس له إلا الله ، وحينما قال الله عز وجل :

    ﴿ إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا إِذَا مَسَّهُ الشَّرُّ جَزُوعًا * وَإِذَا مَسَّهُ الْخَيْرُ مَنُوعًا * إِلَّا الْمُصَلِّينَ ﴾
    ( سورة المعارج ) .

    4 – العطاء من صفات الأنبياء والمؤمنين :

    فإنه يعني أن الإنسان شحيح ، وحريص على ما في يديه ، لكنه إذا اتصل بالله عز وجل أصبح سخياً ، كما أنه يتلقى من الله عطاء ، يتقرب إلى الله بكمال مشتق من كماله فيعطي ، فلذلك الأقوياء أخذوا ولم يعطوا ، والأنبياء أعطوا ولم يأخذوا ، والمؤمن يبني حياته على العطاء ، كيف ؟

    ﴿ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى ﴾ .
    ( سورة الليل ) .
    بنى حياته على العطاء ، بالتعبير المعاصر بنى استراتيجيته على العطاء ، العطاء سمة عميقة من سماته ، فيعطي من وقته ، ويعطي من ماله ، ويعطي من خبرته ، ويعطي من عضلاته في سبيل مرضاة الله عز وجل ، لذلك قال الله تعالى :

    ﴿ مَّن ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ﴾ .
    ( سورة البقرة الآية : 245 ) .
    فأيّ عمل صالح فهو في حقيقته قرض لله عز وجل .

    5 – المنع هو عطاء من الحكيم :

    الآن : إذا كشف لك الحكمة في المنع عاد المنع عين العطاء ، وأحياناً :

    ﴿ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ﴾ .
    ( سورة الشورى ) .
    في آية ثانية :

    ﴿ وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ ﴾ .
    ( سورة التغابن الآية : 11 ) .
    إلى حمتها ، فإذا كشف الله لك الحكمة فيما ساقه إليك عاد المنع عين العطاء ، ومن أدق الأحاديث الشريفة :
    (( إن الله ليحمي صفيه من الدنيا كما يحمي أحدكم مريضه من الطعام )) .
    في رواية أخرى :
    (( إن الله ليحمي صفيه من الدنيا كما يحمي الراعي الشفيق غنمه عن مراتع الهلكة )) .
    [ أخرجه البيهقي عن حذيفة بسند فيه ضعف ]
    حينما تؤمن أنك بعين الله ، وبعنايته ، وبرعايته ، وبحكمته ، وأن الذي ساقه إليك محض محبة ، ومحض حكمة ، ومحض خير ترضى عن الله .
    كان أحدهم يطوف حول الكعبة فقال : " يا رب ، هل أنت راضٍ عني ؟ كان وراءه الإمام الشافعي ، قال له : يا هذا ، هل أنت راضٍ عن الله حتى يرضى عنك ؟ قال له : سبحان الله ! مَن أنت يرحمك الله ؟ قال له : أنا محمد بن إدريس ، قال له : كيف أرضى عن الله ، وأنا أتمنى رضاه ؟ هذا الكلام ما فهمه ، قال له : إذا كان سرورك بالنقمة كسرورك بالنعمة فقد رضيت عن الله " ، والدليل :

    ﴿ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ ﴾ .
    ( سورة المائدة الآية : 119 ) .
    يجب أن ترضى عن الله ، يجب أن ترضى عن قضائه وعن قدره ، وعن حكمته ، حين جعل إنسانا ذا دخل محدود ، يا رب ، لك الحمد ، وإذا جعل إنسانا آخر بدخل غير محدود ، يا رب ، لك الحمد ، تتمتع بصحة جيدة ، يا رب ، لك الحمد ، فيك بعض الأمراض ، يا رب ، لك الحمد ، زوجة صالحة جداً ، يا رب لك الحمد ، زوجة متعبة ، يا رب لك الحمد .
    عَنْ صُهَيْبٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
    (( عَجَبًا لِأَمْرِ الْمُؤْمِنِ ؛ إِنَّ أَمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ ، وَلَيْسَ ذَاكَ لِأَحَدٍ إِلَّا لِلْمُؤْمِنِ ، إِنْ أَصَابَتْهُ سَرَّاءُ شَكَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ ، وَإِنْ أَصَابَتْهُ ضَرَّاءُ صَبَرَ فَكَانَ خَيْرًا لَهُ )) .
    [ مسلم ]

 

 
صفحة 4 من 10 الأولىالأولى 12345678 ... الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 30 - 1 - 2012, 02:09 AM
  2. تعال واكتشف نفسك هل تحتاج الى دكتور نفسي ولا لا؟
    بواسطة مليش غيرك يارب في المنتدى تطوير الذات
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 22 - 11 - 2011, 09:24 PM
  3. تعليم البرنامج الهندسي Sap 2000 فيديو للدكتور عاطف العراقي
    بواسطة white.bakar في المنتدى منتدى البرامج العام والشروحات المصورة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 29 - 10 - 2011, 09:42 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • مش هتقدر تضيف مواضيع جديده
  • مش هتقدر ترد على المواضيع
  • مش هتقدر ترفع ملفات
  • مش هتقدر تعدل مشاركاتك
  •  
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات مصراوي كافيه 2010 ©