قهوتنا على الانترنت
صفحة 5 من 10 الأولىالأولى 123456789 ... الأخيرةالأخيرة
النتائج 41 إلى 50 من 95
  1. #41

    افتراضي

    بارك الله فيك

  2. #42

    افتراضي

    وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى

    أحيانا يمضي الإنسانُ سنوات طويلةً في الدراسة في بلد أجنبي ، ولا دخل له ، ووالده فقير ، فيشتغل هذا الطالب في مطعم ، أو يشتغل حارسا ، ويدرس في النهار ، وضعه المنظور مؤلم جداً ، لكن هذا مستقبله مشرق جداً ، حينما ينال الشهادة ، ويعود إلى بلده ، ويعيّن بمنصب رفيع ، وله دخل وفير ، وله مكانة اجتماعية ، ينسى كل التعب الذي أصابه ، فلذلك :

    ﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾ .
    ( سورة الضحى ) .
    أحيانا يقول الطبيب للمريض : تحمّل الآلام ، إن شاء الله هناك شفاء مع الآلام .
    الإنسان بين يدي ربه مستسلم
    ﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾
    هذه الآية لرسول الله عليه الصلاة والسلام ، ولكنها تنسحب على كل مؤمن بقدر إيمانه واستقامته وإخلاصه
    ﴿ وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى ﴾ .
    الآن : عَنْ أَبِي جُحَيْفَةَ قَالَ :
    (( آخَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَيْنَ سَلْمَانَ وَأَبِي الدَّرْدَاءِ ، فَزَارَ سَلْمَانُ أَبَا الدَّرْدَاءِ ، فَرَأَى أُمَّ الدَّرْدَاءِ مُتَبَذِّلَةً ، فَقَالَ لَهَا : مَا شَأْنُكِ ؟ قَالَتْ : أَخُوكَ أَبُو الدَّرْدَاءِ لَيْسَ لَهُ حَاجَةٌ فِي الدُّنْيَا ، فَجَاءَ أَبُو الدَّرْدَاءِ فَصَنَعَ لَهُ طَعَامًا ، فَقَالَ : كُلْ ، قَالَ : فَإِنِّي صَائِمٌ ، قَالَ : مَا أَنَا بِآكِلٍ حَتَّى تَأْكُلَ ، قَالَ : فَأَكَلَ ، فَلَمَّا كَانَ اللَّيْلُ ذَهَبَ أَبُو الدَّرْدَاءِ يَقُومُ ، قَالَ : نَمْ ، فَنَامَ ، ثُمَّ ذَهَبَ يَقُومُ ، فَقَالَ : نَمْ ، فَلَمَّا كَانَ مِنْ آخِرِ اللَّيْلِ ، قَالَ سَلْمَانُ : قُمْ الْآنَ فَصَلَّيَا ، فَقَالَ لَهُ سَلْمَانُ : إِنَّ لِرَبِّكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَلِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَلِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَذَكَرَ ذَلِكَ لَهُ فَقَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : صَدَقَ سَلْمَانُ )) .

    6 – أَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ

    أنت تتلقى من الله العطاء ، لكن ينبغي أن تتخلق بهذا الكمال الإلهي ، أن تعطي ، لذلك كان عليه الصلاة والسلام يعطي عطاء من لا يخشى الفقر ، المؤمن كريم ، والكرم أحد أساسيات إيمانه ، لأنه أيقن أن الدنيا ممر للآخرة ، وأن ثمن الآخرة العمل الصالح ، وأن حجمك عند الله بحجم عملك الصالح ، فبقدر تضحياتك ترقى عند الله .
    والله أنا ألتقي مع بعض الأشخاص يرسل من ماله الشيء الوفير للحق ، للدعوة ، لنشر الحق ، لإطعام الفقراء والمساكين ، والله أقول له كلمة : أنت تعمل بذكاء وبعقل ، لأنك آمنت بالآخرة ، وتعمل الآن لها .
    ((فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ )) .
    " إن لله عملاً بالليل لا يقبله في النهار ، وإن لله عملاً بالنهار لا يقبله في الليل " .
    الله عز وجل يحاسبك على زوجتك ، عَنْ عَائِشَةَ زَوْجِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَتْ :
    (( دَخَلَتْ عَلَيَّ خُوَيْلَةُ بِنْتُ حَكِيمِ بْنِ أُمَيَّةَ بْنِ حَارِثَةَ بْنِ الْأَوْقَصِ السُّلَمِيَّةُ ، وَكَانَتْ عِنْدَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ ، قَالَتْ : فَرَأَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَذَاذَةَ هَيْئَتِهَا ، فَقَالَ لِي : يَا عَائِشَةُ ، مَا أَبَذَّ هَيْئَةَ خُوَيْلَةَ ! قَالَتْ : فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، امْرَأَةٌ لَا زَوْجَ لَهَا ، يَصُومُ النَّهَارَ ، وَيَقُومُ اللَّيْلَ ، فَهِيَ كَمَنْ لَا زَوْجَ لَهَا ، فَتَرَكَتْ نَفْسَهَا ، وَأَضَاعَتْهَا ، قَالَتْ : فَبَعَثَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ فَجَاءَهُ ، فَقَالَ : يَا عُثْمَانُ ، أَرَغْبَةً عَنْ سُنَّتِي ؟ قَالَ : فَقَالَ : لَا وَاللَّهِ يَا رَسُولَ اللَّهِ ، وَلَكِنْ سُنَّتَكَ أَطْلُبُ ، قَالَ : فَإِنِّي أَنَامُ وَأُصَلِّي ، وَأَصُومُ وَأُفْطِرُ ، وَأَنْكِحُ النِّسَاءَ ، فَاتَّقِ اللَّهَ يَا عُثْمَانُ ، فَإِنَّ لِأَهْلِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَإِنَّ لِضَيْفِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، وَإِنَّ لِنَفْسِكَ عَلَيْكَ حَقًّا ، فَصُمْ وَأَفْطِرْ ، وَصَلِّ وَنَمْ )) .
    [ أحمد ]
    (( وجاءت في اليوم التالي عطرة نضرة ، فسألتها السيدة عائشة ، ما الذي حصل ؟ قالت : أصابنا ما أصاب الناس )).
    [ الطبراني عن أبي موسى الأشعري ]
    حقوق العباد مبنية على المشاححة ، وحقوق الله مبنية على المسامحة ، فالزوجة لها حق ، والابن له حق ، وأنت كطبيب هذا المريض له حق عندك ، يجب أن تنصحه ، وأنت كمحامٍ هذا الموكل له حق عندك ، وأنت كمدرس هذا الطالب له حق عندك .
    ((فَأَعْطِ كُلَّ ذِي حَقٍّ حَقَّهُ )) .

    7 – لابد أن يكون العطاء لله والمنع لله :

    لكن في النهاية عندنا معنى دقيق جداً : من أحب لله ، وأبغض لله ، وأعطى لله ومنع لله ، فقد استكمل الإيمان ، المؤمن عطاءه وفق مبادئه ، يعطي لله ، ويمنع لله ، يرضى بحسب مبادئه ، يرضى ويغضب ، يرضى لله ، ويغضب لله ، يصل لله ، ويقطع لله ، ليس عنده عمل عشوائي ، وعادات وتقاليد مسيطرة عليه ، يتحرك وفق مبادئ وقيم .
    عَنْ أَبِي أُمَامَةَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
    (( مَنْ أَحَبَّ لِلَّهِ ، وَأَبْغَضَ لِلَّهِ ، وَأَعْطَى لِلَّهِ ، وَمَنَعَ لِلَّهِ فَقَدْ اسْتَكْمَلَ الْإِيمَانَ )) .
    [ أبو داود ]
    الله عز وجل يعطي الصحة والذكاء ، والمال والجمال والقوة للكثيرين من خَلقه ، ويعطي السكينة بقدر لأصفيائه المؤمنين ، ويعطي الحكمة بقدر ، ويعطي الرضى بقدر ، ويعطي الشعور بالفوز بقدر ، الله عنده عطاءات دنيوية ، وعطاءات أخروية ، وعطاءه غير محدود .
    وإذا أعطاك من يمنعه ثم من يعطي إذا ما منعك

    الخلاصة الجامعة :

    والعطاء متعلق بالتوحيد ، كل هذه المعاني الأولى متعقلة باسم الله ( المعطي ) ، لكن ينبغي أن تتخلق بخلق العطاء ، النبي عليه الصلاة والسلام سأله أحد رؤساء القبائل : لمن هذا الوادي من الغنم ؟ قال له : هو لك ، قال : أتهزأ بي ؟ قال له : لا والله ، هو لك فقال : أشهد أنك رسول الله تعطي عطاء من لا يخشى الفقر ، وأنت إذا أعطيت أعطاك الله .
    (( أنفق ، أنفق عليك )) .
    [ متفق عليه ] .
    (( أنفق يا بلال ، ولا تخشى من ذي العرش إقلالا )) .
    [ أخرجه السيوطي عن بلال] .
    والصدقة تقع في يد الله قبل أن تقع في يد الفقير .
    (( باكروا بالصدقة ، فإن البلاء لا يتخطى الصدقة )) .
    [ أخرجه البيهقي عن أنس ] .
    والله عز وجل يسترضى بالصدقة ، هذه خبرة عند المؤمنين ، والله عز وجل حينما ترجو منه شيئاً ، وتتوسل لهذا الرجاء بصدقة تنفقها على نية التوفيق ، أو تحقيق ما تصبو إليه ، فالله عز وجل يسترضى .
    إذاً : كما أن الله أعطاك نعمة الإيجاد ، ونعمة الإمداد ، ونعمى الهدى والرشاد ينبغي أن تبني حياتك على العطاء ، والناس كما تعلمون على اختلاف مللهم ونحلهم ، وانتماءاتهم وأعراقهم وأنسابهم وطوائفهم لا يزيدون على رجلين ؛ رجل عرف الله فانضبط بمنهجه ، وأحسن إلى خلقه ، وبنى حياته على العطاء فسعد في الدنيا والآخرة ، ورجل غفل عن الله ، وتفلت من منهجه ، وأساء إلى خلقه ، فشقي وهلك في الدنيا والآخرة ، والآية :

    ﴿ وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى * وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالْأُنثَى * إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى * فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾ .
    ( سورة الليل ) .
    المكافأة الإلهية :
    ﴿ مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾ .

    ﴿ وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى} فَسَنُيَسِّرُهُ لِلْعُسْرَى * وَمَا يُغْنِي عَنْهُ مَالُهُ إِذَا تَرَدَّى ﴾ .
    ( سورة الليل ) .

    والحمد لله رب العالمين

  3. #43

    افتراضي

    اقتباس المشاركة الأصلية كتبت بواسطة THE SNIPER مشاهدة المشاركة
    بارك الله فيك
    جزانا الله واياك

  4. #44

    افتراضي

    اسم الله : الديان(1)

    1 –

    1-ورودُ اسم ( الديَّان ) في السنة النبوية :

    أيها الإخوة الكرام ، مع اسم من أسماء الله الحسنى ، و الاسم اليوم ( الديان ) ، ولم يَرِد هذا الاسم في القرآن ، ولكنه ورد في حديث النبي العدنان ، ورد دالاً على العلمية وعلى كمال الوصف .
    عَنْ عَبْد اللَّهِ بْن أُنَيْسٍ قَالَ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
    (( يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، أَوْ قَالَ : الْعِبَادُ عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا ، قَالَ : قُلْنَا : وَمَا بُهْمًا ؟ قَالَ : لَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ ، ثُمَّ يُنَادِيهِمْ بِصَوْتٍ يَسْمَعُهُ مِنْ قُرْبٍ : أَنَا الْمَلِكُ ، أَنَا الدَّيَّانُ ، وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ أَنْ يَدْخُلَ النَّارَ ، وَلَهُ عِنْدَ أَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ ، وَلَا يَنْبَغِي لِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ أَنْ يَدْخُلَ الْجَنَّةَ وَلِأَحَدٍ مِنْ أَهْلِ النَّارِ عِنْدَهُ حَقٌّ حَتَّى أَقُصَّهُ مِنْهُ ، حَتَّى اللَّطْمَةُ ، قَالَ : قُلْنَا : كَيْفَ وَإِنَّا إِنَّمَا نَأْتِي اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ عُرَاةً غُرْلًا بُهْمًا ؟ قَالَ بِالْحَسَنَاتِ وَالسَّيِّئَاتِ )) .
    [ أحمد في المسند بسند حسن ]

    1 – معنى : الديَّان :

    و ( الديان ) مِن دانَ يدين ، أي جاز يجازي ، ويوم الدين هو يوم الجزاء .

    طريقة الإيمان باليوم الآخر :

    دائرة المحسوسات ودائرة المعقولات ودائرة الإخباريات :


    ولا بد من وقفة متأنية حول طريقة الإيمان بيوم الجزاء ، بيوم الدين ، ونحن في سورة الفاتحة نقرؤها كل يوم عشرات المرات :

    ﴿ الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ .
    ( سورة الفاتحة ) .
    الحقيقة أن هناك دوائر ثلاث ، دائرة المحسوسات ، وأداة اليقين بها الحواس الخمس ، ودائرة المعقولات ، وأداة اليقين بها العقل ، ودائرة الإخباريات ، وأداة اليقين بها الخبر الصادق .
    في الدين حينما نضع كل قضية ، أو كل مقولة في مكانها الصحيح يسهل البحث فيها .

    1 – دائرة المحسوسات :

    فالمحسوسات شيء ظهرت عينه وظهرت آثاره ، ظهرت عينه أو ذاته ، وظهرت آثاره ، فأداة اليقين بها الحواس الخمس .
    هناك ضوء متألق تراه بعينك ، صوت مسموع تسمعه بأذنك ، لون أبيض تدركه بالعين ، شيء خشن تحسه باللمس ، طعم مر تكتشفه بالذوق .
    الله عز وجل أودع فينا الحواس الخمس ، والعلوم حينما تطورت صنعت استطالات للحواس الخمس ، فالمجهر استطالة للعين ، والتلسكوب استطالة للعين ، وتكبير الصوت استطالة للأذن .
    إذاً : الدائرة الأولى دائرة المحسوسات ، أداة اليقين بها الحواس الخمس ، فأية قضية تعني شيئاً ظهرت عينه وآثاره أداة اليقين بها الحواس الخمس ، هذه قضية لا خلاف فيها ، ونحن نشترك فيها مع بقية المخلوقات .
    إن الدابة حينما ترى حفرة تقف ، الحواس الخمس أداة اليقين بها ، الحواس الخمس نشترك فيها مع بعض المخلوقات .

    2 – دائرة المعقولات :

    ولكن الدائرة التي يتميز بها الإنسان هي دائرة المعقولات ، وتعني شيئاً غابت عينه ، وبقيت آثاره .
    أنت ترى من التنظيم المنظِّمَ بعقلك ، وترى من التسيير المسيِّر ، وترى من الحكمة الحكيم ، وترى من الخلق الخالق .
    الدائرة الثانية دائرة المعقولات ، وهي جهة غابت عينها وبقيت آثارها ، وهذا مجال العقل .
    إن هذا الكون أثر من آثار الله ، بل هو الثابت الأول في العقيدة ، كون ينطق بوجود الله ، وأعيننا لا ترى الله .

    ﴿ لاَّ تُدْرِكُهُ الأَبْصَار ُ﴾ .
    ( سورة الأنعام الآية : 103 ) .
    ولكن العقول تصل إليه ، فالذات الإلهية غابت عن حواسنا ، ولكن الله سبحانه وتعالى أودع فينا عقولاً نستطيع من خلال هذه العقول لا أن نحيط ، بل أن نصل ، وفرق كبير بين الإحاطة والوصول ، أنت بمركبتك تصل إلى البحر ، لكن بهذه المركبة لا تستطيع أن تخوض بها البحر ، فعقولنا تصل إلى الله .
    وفي كل شيء آية تدل على أنه واحد
    ***
    إذاً : الدائرة الثانية دائرة المعقولات ، يمكن أن تؤمن الإيمان الصحيح من خلال العقل ، فالكون يدل على الله ، يدل على الله موجوداً ، وواحداً ، وكاملاً ، وأسماء الله الحسنى ظاهرة في الكون ، بل إن الكون مظهر لأسماء الله الحسنى ، بل إن الكون يشفّ عن أسماء الله الحسنى ، فبإمكانك أن تصل إلى الله من خلال الكون ، أن تصل إليه مؤمناً بوجوده ، ووحدانيته ، وكماله .
    ويمكن أن تصل من خلال العقل إلى أن هذا القرآن كلامه ، ولاسيما من خلال وقوع الوعد والوعيد ، ومن خلال إعجازه ، فوقوع الوعد والوعيد دليل قطعي على أن هذا الكلام كلام الله ، وإعجاز القرآن الكريم دليل أيضاً على أن هذا الكلام كلام الله .
    ويمكن أن تؤمن برسول الله صلى الله عليه وسلم من خلال العقل ، لأن الذي جاء بهذا الكتاب المعجز لا بد من أن يكون رسول الله ، القضية واضحة جداً ، أنت بعقلك تؤمن بوجود الله ووحدانيته ، وكماله من خلال الكون .
    وبعقلك تؤمن بأن هذا القرآن كلام الله من خلال الإعجاز ، ومن خلال وقوع الوعد والوعيد ، وأنت بعقلك تؤمن أن هذا الإنسان الذي اسمه محمد بن عبد الله هو رسول الله من خلال القرآن ، وهنا ينتهي دور العقل ، وأي شيء عجز عقلك عن إدراكه أخبرك الله به .
    مثلاً : هناك ميزان في أعلى مستوى ، وفي أعلى أداء ، إلا أنه مصمم لمكان أو لدكان ، أو لبقالية تستخدمه ما بين خمسة غرامات ، إلى خمسة كيلوات ، فيه ذواكر كثيرة و تعقيدات مذهلة ، ودقة بالغة ، إلا أن هذا الميزان مهمته محدودة ، بين خمسة غرامات وخمسة كيلوات ، مادام استخدامه ضمن هذين الحدين فهو يؤدي نتائج رائعة .
    ويجب أن تؤمن أن العقل محدود بمهمة محدودة ، ما دام استخدامه في هذا المجال فالعقل يؤدي نتائج رائعة .

    3 – دائرة الإخباريات :

    إلا أنك إذا استخدمت العقل في شأن غيبي ، في شأن غابت عينه وآثاره فالعقل لا يفلح .
    إذاً : أيّ شيء عجز عقلك عن إدراكه أخبرك الله به ، أخبرك الله بالقرآن الكريم عن الماضي السحيق ، عن بدء الخليقة ، أخبرك القرآن الكريم ماذا بعد الموت ، عن اليوم الآخر ، عن الحساب ، عن الجزاء ، عن الجنة ، عن النار ، عن الصراط ، أخبرك الله عن أسمائه الحسنى .
    إذاً : ما دام البحث وفق هذا النظام ففي القضية الحسية أداة اليقين بها الحواس الخمس ، وفي القضية العقلية أداة اليقين بها العقل ، وفي القضية الإخبارية أداة اليقين بها الخبر الصادق .
    القضية الأولى : ظهرت عين الشيء وآثاره .
    القضية الثانية : غابت عين الشيء وظهرت آثاره .
    القضية الثالثة : غابت عين الشيء وآثاره .
    حينما تضع كل قضية في الدين في مكانها الصحيح تجد يسراً في الفهم ، ويسراً في اليقين ، ويسراً في التعامل معها ، فالقضايا التي غابت عينها وآثارها أداة اليقين بها الخبر الصادق .
    يوم الدين من الدائرة الثالثة .
    أنا أنصح كل الإخوة المؤمنين إذا تحاوروا مع إنسان اهتزت عنده بديهيات الإيمان ألا يطرحوا معه قضايا من النوع الثالث ليس لها دليل عقلي ، وليس لها دليل حسي ، دليلها الوحيد الإخباري ، وهو لا يصدِّق هذا الخبر الذي جاء به القرآن الكريم .
    إذاً : يوم الدين من الدائرة الثالثة ، من دائرة موضوعاتها غابت عينها وآثارها ، وسبيل اليقين بها الخبر الصادق ، فنحن آمنا بالله من خلال الكون ، وآمنا بالقرآن من خلال الإعجاز ، وآمنا بالنبي الكريم من خلال القرآن ، وانتهى دور العقل ، وجاء دور النقل .
    النقل أخبرنا أن هناك يومًا آخر ، يوما تسوى فيه الحسابات ، يوما تؤخذ من القوي إلى الضعيف من الظالم للمظلوم ، يوما يعطى لكل ذي حق حقه ، يوما يقوم الناس فيه لرب العالمين ، يأتي الناس ربهم فرادى ، هذا اليوم أساسي جداً في الإيمان .

    الإيمان بالله واليوم الآخر ركنان متلازمان :

    لذلك : ما اقترن ركنان من أركان الإيمان في القرآن كما اقترن الإيمان بالله والإيمان باليوم الآخر .
    إن الإيمان بالله ينبغي أن يحملك على طاعته ، والإيمان باليوم الآخر ينبغي أن يمنعك من أن تؤذي مخلوقاً ، وما لم يحملك إيمانك بالله على طاعته ، وما لم يحملك إيمانك باليوم الآخر على البعد عن إيذاء خلقه فالإيمان لا قيمة له إطلاقاً .
    بل قد أقول لكم إبليس حينما قال :

    ﴿ فَبِعِزَّتِكَ ﴾ .
    ( سورة ص الآية : 82 ) .
    آمن بالله رباً وعزيزاً ، ولكن لأنه استكبر وعصى فهذا الإيمان لا قيمة له .
    إذاً : لا قيمة للإيمان الذي لا يحملنا على طاعته ، ولا قيمة للإيمان باليوم الآخر الذي لا يحملنا على اتقاء أن نؤذي مخلوقاً .

    قد يكون الإيمان باليوم الآخر من دائرة المعقولات :

    أيها الإخوة ، إلا أن عالماً كبيراً من علماء المسلمين وهو ابن القيم رحمه الله تعالى يرى أن الإيمان باليوم الآخر من الدائرة الثانية ، دليله عقلي ، لأن العقل لا يقبل أن كوناً عظيماً يشفُّ عن خالق عظيم ، عن خالق قوي ، عن خالق كامل ، عادل ، رحيم أن يخلق إنسان قوياً وضعيفاً ، والقوي يأكل الضعيف ، وينتهي الأمر .
    إنسان غني يستغل الفقير ، ويأتي يوم الدين ، وينتهي الأمر ، لا يعقل ، ولا يقبل ألاّ تسوى الحسابات ، لا يعقل ولا يقبل ألا يكون هناك يوم تسوى فيه الحسابات ، يؤخذ للضعيف من القوي ، للمظلوم من الظالم .
    لذلك ورد في القرآن الكريم قوله تعالى :


    ﴿ وَإِن مِّنكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا ﴾
    ( سورة مريم الآية : 71 ) .
    أي النار ، وقد قال العلماء : ورد النار غير دخولها ، دخول النار دخول جزاء ، أما ورود النار فورود إطلاع ، فمِن أجل أن تتحقق من عدل الله الإنسان يرد النار يوم القيامة ، ولا يتأثر بوهجها ، ليرى تحقيق اسم الله العدل .

    تحقيق اسم العدل كاملا يوم القيامة :

    بالمناسبة ، أسماء الله الحسنى كلها محققة في الدنيا ، إلا أن اسم العدل محقق جزئياً ، فالله سبحانه وتعالى يكافئ بعض المحسنين تشجيعاً للباقين ، ويعاقب بعض المسيئين ردعاً للباقين ، ولكن تسوية الحسابات ، وختام الحسابات :

    ﴿ وَإِنَّمَا تُوَفَّوْنَ أُجُورَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ﴾ .
    ( سورة آل عمران الآية : 185 ) .
    إذاً : يمكن أن يكون الإيمان باليوم الآخر عن طريق العقل ، لأن كمال الخلق يدل على كما التصرف ، لا يعقل لإله عظيم ، قوي كريم ، رحمن رحيم أن يدع عباده من دون حساب ، قال تعالى :

    ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا ﴾ .
    ( سورة المؤمنون الآية : 115 )
    مستحيل وألف ألف مستحيل أن يُخلق الإنسان عبثا ، العبثية تتناقض مع وجود الله ، إما أن تؤمن بوجود إله كامل وعادل ، أو أن تؤمن بالعبثية ، لذلك الشر المطلق لا وجود له في الكون ، هناك شر نسبي ، موظف للخير المطلق ، أما الشر مطلق فلا يوجد ، لذلك :

    ﴿ قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَن تَشَاء وَتَنزِعُ الْمُلْكَ مِمَّن تَشَاء وَتُعِزُّ مَن تَشَاء وَتُذِلُّ مَن تَشَاء بِيَدِكَ الْخَيْرُ ﴾ .
    ( سورة آل عمران الآية : 26 )
    لم يقل : والشر .
    ﴿ بِيَدِكَ الْخَيْرُ ﴾
    لأن إيتاء الملك خير ، وأحياناً يعد نزع الملك خيرا ، خيراً للأمة ، وخيرا لمن أدبه الله بهذا ، والإعزاز خير ، والإذلال خير .
    لذلك : يرى علماء التوحيد أنه لا يجوز أن تقول : الله ضار ، والضار من أسمائه ، بل ينبغي أن تقول : الله ضار نافع ، خافض رافع ، مذل معز ، أي هو يضر لينفع ، ويخفض ليرفع ، ويذل ليعز .
    عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
    (( عَجِبَ اللَّهُ مِنْ قَوْمٍ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ فِي السَّلَاسِلِ )) .
    [ رواه البخاري ]
    حينما تؤمن بكمال الله ، ووحدانيته ترى أن الشر النسبي موظف للخير المطلق .

    معنى صيغ المبالغة الواردة في صفات الله تعالى :

    لذلك : ( الديان ) صيغة مبالغة ، وماذا تعني المبالغة إذا ارتبطت بأسماء الله الحسنى تقول : غفور ، وزن فعول من صيغ المبالغة ، يعني يغفر أكبر ذنب ، ويغفر مليون ذنب ، يغفر كماً ونوعاً .
    إنّ صيغ المبالغة إذا تعلقت بأسماء الله الحسنى فتعني شيئين ، تعني المبالغة في الكمّ ، والمبالغة في النوع ، فالله عز وجل ( ديان ) ، بمعنى أنه سيحاسب عن كل الذنوب مهما كثرت ، و ( الديان ) سيحاسب عن أكبر الذنوب مهما كبرت ، لذلك :

    ﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾ .
    ( سورة الحجر ) .
    النبي عليه الصلاة والسلام في عدد من أحاديثه ورد في نصوصه اسم ( الديان ) :
    (( أنا الملك ، أنا الديَّان )) .
    [ رواه أحمد عن أنيس رضي الله عنه ] .
    (( والبر لا يبلى ، والذنب لا ينسى ، والديان لا يموت ، اعمل كما شئت ، كما تدين تدان )) .
    [ أخرجه عبد الرزاق في الجامع عن أبى قلابة ، وفي سنده ضعف ]

    العاقل مَن يعيش مستقبله :

    البطولة ألاّ تعيش الحاضر كشأن معظم الناس الغافلين ، البطولة أن تعيش المستقبل ، وفي المستقبل حساب دقيق :

    ﴿ فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِيْنَ * عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ ﴾

    عَنْ عَائِشَةَ قَالَتْ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ :
    (( لَيَأْتِيَنَّ عَلَى الْقَاضِي الْعَدْلِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ سَاعَةٌ يَتَمَنَّى أَنَّهُ لَمْ يَقْضِ بَيْنَ اثْنَيْنِ فِي تَمْرَةٍ قَطُّ )) .
    [ رواه أحمد في مسنده عن عائشة ] .
    وسيدنا عمر يقول : << والله لو تعثرت بغلة في العراق لحاسبني الله عنها ، لمَ لمْ تصلح لها الطريق يا عمر ؟ >> .
    أرجح الناس عقلاً من خاف من الواحد الديان ، أرجح الناس عقلاً من هيأ جواباً للملك العادل رب العالمين ، أعقل الناس من عاش المستقبل ، من عاش يوم الحساب .
    لذلك سئُل طالب نال الدرجة الأولى في الامتحان : " لمَ نلت هذا التفوق ؟ قال : لأن لحظة الامتحان لن تغادر مخيلتي طوال العام " .
    والمؤمن الصادق قبل أن يعطي ، قبل أن يمنع ، قبل أن يغضب ، قبل أن يرضى ، قبل أن يصل ، قبل أن يقطع ، قبل أن يطلّق ، قبل أن يتّهم ، قبل أن يفتري ، قبل أن يضرب ، قبل أن يفعل أيّ شيء نقول له : أعندك جواب لله عز وجل ؟
    لو أن الله أوقفك يوم القيامة بين يده وقال لك : لمَ فعلت كذا ؟ منحتك نعمة الإيجاد ، ونعمة الإمداد ، ونعمة الهدى والرشاد ، لمَ فعلت كذا ؟ لمَ طلقت زوجتك ؟ لمَ أخرجت شريكك من الشركة ؟ لمَ ؟ لمَ لم تعتنِ بابنك ؟ كل شيء سوف نُسأل عنه ، والبطولة لا أن تعيش الحاضر كما يعيشه معظم الناس ، البطولة أن تعيش المستقبل .
    فلذلك أيها الإخوة ، ما من إنسان أعقل ممن عاش اليوم الآخر ، لذلك يجب أن ننقل اهتماماتنا نقلاً حقيقياً من هذه الدار الفانية إلى الدار الباقية ، يجب أن نُهيئ لكل سلوك جواباً له يوم القيامة .
    يقول لي أحدهم : أنا أعطيت ابني هذا البيت ، أقول له : إذا كان معك جواب يوم القيامة فلا مشكلة أبداً ، أنت مالِك ، والمالك يهب ، والهبة جائزة في الشرع ، أما أحياناً تعطي عطاءً فيه محاباة ، وفيه ظلم .
    فالبطولة قبل أن تفعل ، قبل أن تتحرك ، قبل أن تعطي ، قبل أن تمنع ، قبل أن تغضب ، قبل أن ترضى ، قبل أن تصل ، قبل أن تقطع ، هيئ لربك جواباً ، هيئ جواباً ليوم الدين ، وتقرأ في الفاتحة كل يوم :

    ﴿ الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾
    والعقل أن تصل إلى الشيء قبل أن تصل إليه ، ومِن نعم الله العظمى هذا الخيال ، فالخيال يتيح لك أن تعيش المستقبل ، الخيال يتيح لك أن تصل إلى المستقبل قبل أن تصل إليه بل إن الله سبحانه وتعالى في القرآن الكريم بيّن لك مشاهد من يوم القيامة .


    ﴿ فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِيَمِينِهِ فَيَقُولُ هَاؤُمُ اقْرَؤُوا كِتَابِيهْ * إِنِّي ظَنَنتُ أَنِّي مُلَاقٍ حِسَابِيهْ * فَهُوَ فِي عِيشَةٍ رَّاضِيَةٍ * فِي جَنَّةٍ عَالِيَةٍ * قُطُوفُهَا دَانِيَةٌ * كُلُوا وَاشْرَبُوا هَنِيئًا بِمَا أَسْلَفْتُمْ فِي الْأَيَّامِ الْخَالِيَةِ * وَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتَابَهُ بِشِمَالِهِ فَيَقُولُ يَا لَيْتَنِي لَمْ أُوتَ كِتَابِيهْ وَلَمْ أَدْرِ مَا حِسَابِيهْ *يَا لَيْتَهَا كَانَتِ الْقَاضِيَةَ * مَا أَغْنَى َنِّي مَالِيهْ * هَلَكَ عَنِّي سُلْطَانِيهْ * خُذُوهُ فَغُلُّوهُ ﴾ .
    ( سورة الحاقة )

    الخاتمة :

    إخوتنا الكرام ، أزمة أهل النار في النار أزمة علم ، والدليل :

    ﴿ لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ ﴾ .
    ( سورة الملك ) .
    فإذا أردنا الدنيا فعلينا بالعلم ، وإذا أردنا الآخرة فعلينا بالعلم ، وإذا أردناهما معاً فعلينا بالعلم ، والعلم لا يعطينا بعضه إلا إذا أعطيناه كلنا ، فإذا أعطيناه بعضنا لم يعطِنا شيئاً ، ويظل المرء عالماً ما طلب العلم ، فإذا ظن أنه علم فقد جهل ، وطالبُ العلم يؤثر الآخرة على الدنيا فيربحهما معاً ، والجاهل يؤثر الدنيا على الآخرة فيخسرهما معاً .

    والحمد لله رب العالمين

  5. #45

    افتراضي

    اسم الله : الديان (2)



    أيها الإخوة الكرام ، من أسماء الله الحسنى اسم ( الديان ) ، والديّان هو المُجازي ، ويوم الدين يوم الجزاء .

    1 – معرفةُ كونِ اللهِ ديَّانًا مُجازيًا تحمل العبد على الاستقامة :

    الله سبحانه وتعالى يعلم ويحاسب ويعاقب ، ففي اللحظة التي يوقن فيها الإنسان أن أعماله كلها مسجلة عند الله عز وجل ، وأن الله سيحاسبه وَفق موازين دقيقة جدا ، وسوف يعاقبه ، لابد من أن يستقيم الإنسان على أمره .

    2 – الكون مَظهرٌ لأسماء الله الحسنى وصفاته الفضلى :

    الله عز وجل يقول :

    ﴿ للَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ .
    ( سورة الطلاق ) .
    هذه آية ذات أبعاد دقيقة جداً ، علة خلق السموات والأرض أن نعرفه :
    ﴿ لِتَعْلَمُوا ﴾ .
    لذلك : التفكر في خلق السموات والأرض طريق لمعرفة الله ، بل إن التفكر في خلق السموات والأرض أقصر طريق إلى الله ، وأوسع باب ندخل منه على الله :
    ﴿ للَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا ﴾
    هذه اللام لام التعليل ، هذا الكون مظهر لأسماء الله الحسنى ، وصفاته الفضلى ، هذا الكون يشفّ عن أسماء الله الحسنى وعن صفاته :
    ﴿ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ .
    الحقيقة أن أسماء الله الحسنى كثيرة ، قال الرسول صلى الله عليه وسلم :
    (( إنَّ لِلَّهِ تَعالى تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْما ً، إِلاَّ وَاحِداً ، مَنْ أحْصَاها دَخَلَ الجَنَّةَ )) .
    [ متفق عليه ] .
    وإحصاء الأسماء شيء ، وعدُّها شيء آخر .

    ﴿ لَقَدْ أَحْصَاهُمْ وَعَدَّهُمْ عَدًّا﴾ .
    ( سورة مريم ) .
    لذلك : اختار الله من بين أسماءه الحسنى اسمين فقط :
    ﴿ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ .
    هذان الاسمان وحدهما يكفيان كي تستقيم على أمر الله ، أي أن علم الله يطولك ، وأن قدرته تطولك .
    نوضِّح هذه الحقيقة بمثل : إنسان في المجتمع المدني يركب مركبة ، وقد وقف على إشارة المرور الحمراء ، وأمام هذه الإشارة شرطي يراقب ، وشرطي على دراجة نارية يلاحق ، وضابط المرور في مركبة أيضاً يشرف ، وأنت مواطن من المواطنين ، لا تمتاز عن غيرهم بأية ميزة ، لا يعقل أن تتجاوز الإشارة ، بل مستحيل أن تتجاوزها ، لأنك موقن أن واضع قانون السير علمُه يطولك من خلال هذا الشرطي ، وقدرته تطولك من خلال حجز المركبة ، وسحب الإجازة ، ما دمت موقنا أن واضع قوانين السير علمه يطولك ، وقدرته تطولك لا يكمن أن تعصيه .
    وصدقوا أيها الإخوة ، في اللحظة التي توقن بها أن علم الله يطولك ، وأن قدرتك تطولك لا يمكن أن تعصيه ، وحينما تعلم أن الله يعلم لن تعصِ أمره ، لا يعصي أمره إلا من فقد عقله .

    بين العاقل والذكي :

    النبي عليه الصلاة والسلام كان يمشي مع أصحابه في طرقات المدينة ، فإذا بمجنون ، فسأل سؤال العرف :
    (( من هذا ؟ قالوا : هذا مجنون قال : لا ، هذا مبتلى ، المجنون من عصى الله )) .
    [ ورد في الأثر ]
    لذلك : ما كل ذكي بعاقل ، ينبغي أن نفرق بين الذكي والعاقل ، قد تملك أعلى اختصاصًا في العالم ، وقد تكون متبحراً في هذا الاختصاص ، بل قد تكون متفوقاً فيه ، ومع ذلك ربما لا يكون صاحب هذا الاختصاص عاقلاً ، قد يكون ذكياً ، وليس عاقلاً ، لأن الذكاء متعلق بالجزئيات ، هناك اختصاصات نادرة ، فيزياء نووية ، فيزياء حركية ، علم الحركة ، كيمياء عضوية ، هناك اختصاصات نادرة ، في علم الفلك اختصاصات نادرة ، فمن تبحر بهذه العلوم ، وتفوق بها فهو ذكي جداً ، أما إن كان لا يعرف ربه ، إن لم يعرف سبب وجوده ، إن لم يعرف غاية وجوده ، إن لم يجب عن هذه الأسئلة : من أين ؟ وإلى أين ؟ ولماذا ؟ فلا يعد عاقلاً .
    فلذلك : هناك أمية عند العلماء ، كيف ؟ قد يكون العالم متفوقاً في اختصاصه ، لكن لأنه غفل عن الحقائق الكبرى التي ينبغي أن يعرفها فهو ليس بعاقل ، إذاً نقول : ما كل ذكي بعاقل .
    وكما أن الطبيب قد يكون أمياً في شؤون الدين ، قد يكون عالمُ الدين أمّيًّا في شؤون الطب .

    لابد من العلم بالله وأسمائه الله الحسنى وصفاته الفضلى :

    إذاً : لا بد من علم يعد فرضاً عينياً على كل مسلم ، لا بد من علم يجب أن يعلم بالضرورة .
    هذا المظلي قد يجهل شكل المظلة ، ولا شيء عليه ، يا ترى بيضوي ؟ مربع ، مستطيل ؟ على شكل شريط ؟ وقد يجهل نوع قماشها ، وقد يجهل عدد الحبال ، وقد يجهل نوع الخيوط ، قد يجهل معلومات كثيرة جداً ، ولا تثريب عليه ، أما إذا جهل طريقة فتح المظلة نزل ميتاً ، فهذا المظلي له أن يجهل ، لكن ليس له أن يجهل طريقة فتح المظلة .
    يجب أن نعلم أيها الإخوة ، أن هناك علماً يجب أن يعلم بالضرورة ، أحياناً يركب الإنسان مركبته ، فيتألق على لوحة البيانات ضوء أحمر ، إذا فهم هذا التألق تزينياً احترق المحرك ، وتعطلت الرحلة ، وكلفه إصلاح مركبته مبلغاً فلكياً ، أما إذا فهم هذا التألق تألقاً تحذيرياً ، فأوقف المركبة ، وأضاف الزيت سلم المحرك ، وتابع الرحلة .
    إذاً : الجهل قاتل ، ومن الجهل ما قتل ، هناك معلومات يمكن أن تستغني عنها ، يحتاجها أولو الاختصاص ، كيف أن في الدين دعوة إلى الله تعد فرضاً عينياً ، وهناك دعوة تعد فرضاً كفائياً ، والتبحر والتعمق والتفرغ فرض كفاية .

    ﴿ وَلْتَكُن مِّنكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ ﴾ .
    ( سورة آل عمران الآية : 104 ) .
    أما أن تدعو إلى الله في حدود ما تعلم ، ومع من تعرف ، فهذا فرض عيني ، لقوله تعالى :


    ﴿ قُلْ هَـذِهِ سَبِيلِي أَدْعُو إِلَى اللّهِ عَلَى بَصِيرَةٍ أَنَاْ وَمَنِ اتَّبَعَنِي ﴾ .
    ( سورة يوسف الآية : 108 ) .
    إذاً : علة خلق السماوات والأرض أن تعلم أن الله يعلم ، وأفضل إيمان المرء أن يعلم أن الله معه ، لذلك أعلى درجات الإيمان أن تعبده كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك .
    لاحظوا أيها الإخوة ، إذا كنت في حضرة إنسان محترم من أقاربك ، له مكانة ، فإنك تنضبط في حركاتك ، وسكناتك ، وفي ارتداء ثيابك ، وفي نطقك ، وفي اختيار كلماتك ، وحينما تعلم أن الله يعلم فقد قطعت مرحلة واسعة جداً في معرفة الله .

    لابد من الإيمان الحقيقي بالله وأسمائه الله الحسنى وصفاته الفضلى :

    لا شك أيها الإخوة أن معرفة الله من الأسماء الحسنى هي جزء من العقيدة ، بل هي صلب العقيدة ، ذلك لأن الشيطان في ظاهر الآيات قال :

    ﴿ فَبِعِزَّتِكَ ﴾ .
    ( سورة ص الآية : 82 ) .
    وقال :

    ﴿ فَأَنظِرْنِي إِلَى يَوْمِ يُبْعَثُونَ ﴾ .
    ( سورة الأعراف ) .
    وقال :

    ﴿ خَلَقْتَنِي مِن نَّارٍ ﴾ .
    ( سورة الأعراف الآية : 12 ) .
    كأن الشيطان في هذه الآيات آمن بالله خالقاً ، وآمن به رباً ، وآمن به عزيزاً ، وآمن باليوم الآخر ، ولكن لأنه ما عرف أسماءه الحسنى ، ولا صفاته الفضلى ، ما عرفه ، إذاً : ما عبده .
    لذلك يوم القيامة الآية الكريمة :

    ﴿ إِنَّهُ كَانَ لَا يُؤْمِنُ بِاللَّهِ الْعَظِيمِ ﴾ .
    ( سورة الحاقة ) .
    العظيم مركز الثقل في الآية ، لأن أي إنسان يؤمن بالله ، وقلّما يكفر أحد بالله ، حتى الذين يعبدون الأصنام يقولون :

    ﴿ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلَّا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى ﴾
    ( سورة الزمر الآية : 3 ) .
    فالإيمان بالله إيمانا بدائياً فطرياً عند كل الناس ، لكنك إن لم تؤمن بالله العظيم لم تؤمن الإيمان الحقيقي .
    كيف أن الآية الكريمة :

    ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيراً ﴾ .
    ( سورة الأحزاب ) .
    التركيز على كلمة ( كثيرًا ) ، لأن المنافقين لا يذكرون الله إلا قليلاً ، المنافق يذكر الله ، لكنه يذكره قليلا .
    إذاً : حينما يقول الله عز وجل :
    ﴿ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا اللَّهَ ذِكْرًا كَثِيراً ﴾
    المطلوب الذكر الكثير ، والإيمان بالله المطلوب منه أن تؤمن بالله العظيم .
    بالمناسبة أيها الإخوة ، الإيمان الذي لا يحملك على طاعة الله لا ينجي صاحبه ، والإيمان باليوم الآخر الذي يمنعك أن تؤذي مخلوقاً لا قيمة له إطلاقاً .
    كأن ثمة دائرة كبيرة جداً كل ، من آمن بوجود الله ضمن الدائرة ، حتى الإنسان المتفلت يخفف من تفلته في رمضان ، معنى ذلك هو على شيء من الإيمان ، فأي إنسان أقر بوجود الله فهو مؤمن بهذا المعنى الواسع ، لكن الذي حمله إيمانه على طاعة الله دخل في دائرة ضمن دائرة .
    الدائرة الأولى : كل من أقر بوجود الله مؤمن .
    الدائرة الثانية : كل من حلمه إيمانه على طاعته فهو مؤمن ناجٍ ، لكن هذه الدائرة في مركزها الأنبياء والمرسلون المعصومون ، والذي لا يؤمن بوجود الله أصلاً خارج هذه الدائرة ، وكل من أقر بوجوده هو داخل هذه الدائرة ، وفي وسط هذه الدائرة كل من حمله إيمانه على طاعة الله دخل في الدائرة الثانية ، وفي مركز الدائرة الأنبياء والمرسلون .
    فلذلك :
    ﴿ للَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا ﴾

    عدم تلبية حاجات الروح نزولٌ إلى مرتبة الحيوان :

    لذلك أودع الله في الإنسان قوة إدراكية ، وما لم يلبِّ هذه الحاجة العلية سقط من مستوى إنسانيته إلى مستوى لا يليق به ، قال تعالى :

    ﴿ أَمْواتٌ غَيْرُ أَحْيَاء ﴾ .
    ( سورة النحل الآية : 21 ) .
    قال تعالى :

    ﴿ إِنْ هُمْ إِلَّا كَالْأَنْعَامِ بَلْ هُمْ أَضَلُّ سَبِيلًا ﴾ .
    ( سورة الفرقان ) .
    قال تعالى :

    ﴿ خُشُبٌ مُّسَنَّدَةٌ ﴾ .
    ( سورة المنافقون الآية : 4 ) .
    فالإنسان حينما يتخلى عن طلب العلم ، حينما لا يعرف سر وجوده وغاية وجوده هبط عن مستوى إنسانيته ، وفي الإنسان كما تعلمون حاجات عليا ، وحاجات دنيا ، نحن وبقية المخلوقات في الحاجات الدنيا سواء ، لكن الإنسان ميزه الله بهذه الحاجة العليا ، لذلك قال تعالى :

    ﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾ .
    ( سورة الرحمن ) .
    أيعقل أن يُعلم الإنسان القرآن قبل أن يُخلق ؟ لا ، الترتيب بالآية ترتيب رتبي ، فلا جدوى ، ولا معنى من وجود الإنسان من دون منهج يسير عليه ، لا جدوى لحياته .

    3 – الديَّان يقيم الحُجّة على عقاب المذنب :

    إذاً : لتعلموا أن الله يعلم ، وحينما تعلم أن علم الله يطولك ، هو ( ديّان ) ، يقيم عليك الحجة والبرهان .
    الحاكم العادل يحاكم المذنب محاكمة أصولية ، ويدينه بأخطاء ثابتة ، فحينما يحكم عليه بعقاب أليم هذا العقاب مبرَّر ، بطولة الحاكم أن يقدم له الدليل على أنه مذنب ، هذا شيء ، والقمع شيء آخر .
    لذلك الله عز وجل ( ديّان ) ، يعني يقيم على العبد المذنب الحجة .

    ﴿ اقْرَأْ كَتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا ﴾ .
    ( سورة الإسراء ) .
    لذلك أيها الإخوة ، حينما توقن أن الله يعلم ، وسيحاسب ، وسيعاقب لا يمكن أن تعصيه ، إذا عرفت اسم ( الديان ) .

    ﴿ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ .
    ( سورة النساء ) .
    والله لو أُبلِغ إنسان أن خطه الهاتفي مراقب لحاسب نفسه حساباً غير معقول في أثناء حديثه بالهاتف ، لو أُبلغ الإنسان أن حركته مراقبة لتحاشى أن يسير على رصيف فيه سفارة ، على الرصيف الثاني فيه الاحتياط ، فحينما يراقبك إنسان تنضبط أشد الانضباط ، فكيف إذا كان الواحد الديان يراقبك ؟
    ما من معصية يقترفها الإنسان إلا بسبب ضعف مراقبته لله ، الله مع الإنسان ، لذلك قال تعالى :

    ﴿ وَهُوَ مَعَكُمْ ﴾ .
    ( سورة الحديد الآية : 4 ) .
    قال علماء التفسير : ﴿ هُوَ مَعَكُمْ ﴾ ، لكن معية لطيفة ، فلو رافقك رجلٌ مدّةً طويلة تخرج من جلدك ، تقول له : دعني وشأني ، لكن الله سبحانه وتعالى معنا ، معك في بيتك .

    ﴿ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا * وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَّكَ عَسَى أَن يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَّحْمُودًا * وَقُل رَّبِّ أَدْخِلْنِي مُدْخَلَ صِدْقٍ وَأَخْرِجْنِي مُخْرَجَ صِدْقٍ وَاجْعَل لِّي مِن لَّدُنكَ سُلْطَانًا نَّصِيرًا * وَقُلْ جَاء الْحَقُّ وَزَهَقَ الْبَاطِلُ إِنَّ الْبَاطِلَ كَانَ زَهُوقًا ﴾ .
    ( سورة الإسراء ) .

    ﴿ فَلَا تَدْعُ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ فَتَكُونَ مِنَ الْمُعَذَّبِينَ * وَأَنذِرْ عَشِيرَتَك الْأَقْرَبِينَ * وَاخْفِضْ جَنَاحَكَ لِمَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ * فَإِنْ عَصَوْكَ فَقُلْ إِنِّي بَرِيءٌ مِّمَّا تَعْمَلُونَ * وَتَوَكَّلْ عَلَى الْعَزِيزِ الرَّحِيمِ * الَّذِي يَرَاكَ حِينَ تَقُومُ ﴾ .
    ( سورة الشعراء ) .
    والله أيها الإخوة ، ما من حال يسمو بالمؤمن كحال المراقبة

    4 – من لوازم الديَّان العلم وإقامة الحُجّة والحساب :

    الله ( ديّان ) ، أي يعلم ، و( ديان ) يقيم عليك الحجة ، و( ديان ) سيحاسب ، لمَ فعلت كذا ؟ و( ديان ) سيعاقب ، ثلاث كلمات لو تحققنا منها لما خرج أحد منا عن منهج الله ، الله يعلم وسيحاسب وسيعاقب .
    ﴿ للَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا ﴾

    ﴿ أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾ .
    ( سورة الإسراء الآية : 12 ) .
    اختار من أسمائه اسم العليم والقدير ، فعلمه يطولك ، وقدرته تطولك .
    أنت مواطن عاديّ ، والشرطي واقف ، الإشارة حمراء ، شرطي على دراجة نارية ، ضابط في سيارة ، مستحيل أن تخالف ، لكن متى تخالف ؟ تخالف إذا سرت الساعة الثالثة ليلاً ، ليس هناك شرطي ، إذاً : علم واضع القانون لا يطولك ، أو تخالف إذا كنت أقوى من واضع القانون ، قدرته لا تطولك ، هذا كلام دقيق ، إذا أيقنت أن علم واضع القانون يطولك ، وأن قدرته تطولك لم تعصِه .
    ﴿ للَّهُ الَّذِي خَلَقَ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَمِنَ الْأَرْضِ مِثْلَهُنَّ يَتَنَزَّلُ الْأَمْرُ بَيْنَهُنَّ لِتَعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَحَاطَ بِكُلِّ شَيْءٍ عِلْمًا ﴾

    أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا

    ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا ﴾ .
    ( سورة المؤمنون الآية : 115 ) .
    لا يمكن أن يجتمع إيمان بالله مع توهم العبثية .
    ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا ﴾
    إنّ جامعة كلفت مبالغ طائلة ، وما فيها امتحان ؟! هذا مستحيل ! كل هذه النفقات ، وهذه العناية ، والتدريس ، والمخابر ، والمحاضرات ، والنفقات الباهظة ، بلا حساب ؟ بلا امتحان ؟
    ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا ﴾
    لا يمكن أن يرتاح الإنسان لفكرة العبثية ولا للحظة .
    وقد بينت لكم من قبلُ أن أحد العلماء يرى أن الإيمان باليوم الآخر إيمان عقلي ، لأنه لا يعقل ، ولا يقبل أن يُخلق هذا الكون بهذه الدقة ، وهذه العظمة ، من دون يوم تسوى فيه الحسابات :
    ﴿ أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا ﴾

  6. #46

    افتراضي

    أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى

    شيء آخر .

    ﴿ أَيَحْسَبُ الْإِنسَانُ أَن يُتْرَكَ سُدًى ﴾ .
    ( سورة القيامة ) .
    هل من المعقول من وجودِ قوي وضعيف وتنتهي الحياة ؟ ولا شيء بعد الحياة ؟ غني وفقير ؟ ظالم ومظلوم ؟ مُستَغِل ومُستَغَل ، قاهر ومقهور ، هذا الذي يُرى في الأرض ، فعَنْ أَبِي سَعِيدٍ الْخُدْرِيِّ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
    (( تُمْلَأُ الْأَرْضُ جَوْرًا وَظُلْمًا ، فَيَخْرُجُ رَجُلٌ مِنْ عِتْرَتِي يَمْلِكُ سَبْعًا أَوْ تِسْعًا فَيَمْلَأُ الْأَرْضَ قِسْطًا وَعَدْلًا )) .
    [ أحمد ]
    لذلك أعظم شيء يعزي المؤمن أن الله سيحاسب الخلائق يوم الدين .
    أنت في سورة الفاتحة تقرأ :

    ﴿ الْحَمْدُ للّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * الرَّحْمـنِ الرَّحِيمِ * مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ﴾ .
    ( سورة الفاتحة ) .
    يحاسب ويعاقب .

    5 – من لوازم الديَّان خضوعُ الخلائق له :

    ( الديان ) هو الذي خضعت له الخلائق خضوع إقرار ، وخضوع قوة .
    أحيانا يكون الإنسان قويا ، لكن ليس معه حجة ، هذا قمعي ، و أحيانا معه حجة ، ولكنه ضعيف ، لا يستطيع أن يأخذ الحق من القوي إلى الضعيف .
    لذلك ربنا عز وجل قوي ، والحجة قائمة منه على عباده .

    ﴿ قُلْ فَلِلّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ ﴾ .
    ( سورة الأنعام الآية : 149 ) .
    الله عز وجل ( ديان ) ، أخْضَع الخلائق لحسابه الدقيق ، وخضعوا لقدرته ، لذلك جاء أعرابي النبي عليه الصلاة والسلام ، قال : يا رسول الله عظني ولا تطل ، بهذه البساطة ، فتلا عليه النبي صلى الله عليه وسلم الآية الكريمة :

    ﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾ .
    ( سورة الزلزلة ) .
    قال : كُفيت ، آية واحدة اكتفى بها ، فالنبي تأثر ، قال : فقُه الرجل ، وفقُه في اللغة لا تعني أنه عرف الحكم ، تلك فقِه ، أما فقُه أصبح فقيهاً ، آية واحدة :
    ﴿ فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ ﴾
    فقال : فقُه الرجل .
    وفي رواية ثانية أن أعرابياً آخر قال : يا رسول الله عظني وأوجز ، فتلا عليه هذه المقولة :
    (( قلْ آمَنْتُ باللَّهِ ثُمَّ اسْتَقِمْ )) .
    [ رواه مسلم عن سفيانَ بن عبد اللّه رضي اللّه عنه ] .
    لما قال : ثم استقم ، قال : أريد أخف من ذلك ، قال : إذاً فاستعد للبلاء ، إن أردت أخف من ذلك فاستعد للبلاء ، لأن الله سبحانه وتعالى عدل ، ورحيم في آنٍ واحد .

    6 – من لوازم الديَّان أنْ لا أحدَ يفلت من العقاب :

    شيء آخر :

    ﴿ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾ .
    ( سورة الأعراف ) .
    المتانة صفة توصف بها الأشياء التي تقاوم قوى الشد ، كقولك : حبل متين ، وأمتن شيء في حياتنا الفولاذ المضفور ، فالمصاعد والتليفريك والجسور كلها مربوطة بحبال من فولاذ مضفور ، لأنه أمتن شيء ، قال تعالى :
    ﴿ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ ﴾
    هذا العاصي المتفلت مربوط بطريقة لا يمكن أن يتفلت من عقاب الله ، والآية الكريمة :

    ﴿ وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ ﴾ .
    ( سورة الأنفال الآية : 59 ) .
    معنى سبقوا ؛ أي لا يحسبن الذين كفروا أنهم يمكن أن يتفلتوا من عقاب الله ، فالخلق كلهم في قبضة الله عز وجل ، لكن الحبل مرخى ، في أية لحظة يشد الله الحبل ، والذي هدم سبعين ألف بيت في غزة في ثانية فقدَ الوعي والحركة ، ولا يزال كما هو من سنتين ، الإنسان في قبضة الله ، في ثانية ينتهي كل شيء .
    لذلك يقول عليه الصلاة والسلام في بعض أدعيته كما في حديث عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قَالَ : كَانَ مِنْ دُعَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
    (( اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنْ زَوَالِ نِعْمَتِكَ ، وَتَحَوُّلِ عَافِيَتِكَ ، وَفُجَاءَةِ نِقْمَتِكَ ، وَجَمِيعِ سَخَطِكَ )) .
    [ مسلم ]
    إذًا :
    ﴿ وَلاَ يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ كَفَرُواْ سَبَقُواْ ﴾
    أي أنهم تفلتوا من عقاب الله ، أو أنهم فعلوا شيئاً ما أراده الله .

    خاتمة :

    إن والإنسان يخضع كما تعلمون ، ويحب الكمال والجمال والنوال ، يحب الكمال المطلق ، ويحب الجمال ، ويحب العطاء ، وهي مجتمعة في ذات الله عز وجل ، فهو كامل ، ذاته كاملة ، وهو محسن .

    ﴿ تَبَارَكَ اسْمُ رَبِّكَ ذِي الْجَلَالِ وَالْإِكْرَامِ ﴾ .
    ( سورة الرحمن ) .
    بقدر ما هو عظيم تجله ، بقدر ما هو كريم تحبه .

    والحمد لله رب العالمين

  7. #47

    افتراضي

    ((اللهم اجعل عمله كله صالحا واجعله لوجهك خالصا ولا تجعل لاحد فيه غيرك شيئا))
    ((اللهم اجعل عملنا كله صالحا واجعله لوجهك خالصا ولا تجعل لاحد فيه غيرك شيئا))
    ((اللهم اجعل عملنا كله صالحا واجعله لوجهك خالصا ولا تجعل لاحد فيه غيرك شيئا))
    ((اللهم اجعل عملنا كله صالحا واجعله لوجهك خالصا ولا تجعل لاحد فيه غيرك شيئا))
    ((اللهم اجعل عملنا كله صالحا واجعله لوجهك خالصا ولا تجعل لاحد فيه غيرك شيئا))
    ((اللهم اجعل عملنا كله صالحا واجعله لوجهك خالصا ولا تجعل لاحد فيه غيرك شيئا))

  8. #48

    افتراضي

    اسم الله : المحسن(1)




    1 – ورودُ اسم ( المحسن ) في السنة النبوية :

    قد ورد هذا الاسم في السنة النبوية دالاً على كمال الوصفية مرادا به العلمية ، فقد ورد عند الطبراني من حديث أنس رضي الله عنه أن رسول الله صلي الله على وسلم قال :
    (( إذا حكمتم فاعدلوا ، وإذا قتلتم فأحسنوا ، فإن الله عز وجل محسن يحب الإحسان )) .
    [ الجامع الصغير بسند حسن ]

    2 – الإسلام أمَرَ بالإحسان مطلقًا :

    التعذيب ممنوع ، لو رأيت عقربا يجب أن تقتله بضربة واحدة ، أما أن تفنن في تعذيبه فهذا مناقض لمنهج الله عز وجل .
    وقد ورد من حديث شَدَّادِ بْنِ أَوْسٍ قَالَ : ثِنْتَانِ حَفِظْتُهُمَا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : قَالَ :
    (( إِنَّ اللَّهَ كَتَبَ الْإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ ، فَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ ِ)) .
    [ مسلم في صحيحه ]

    صورة نبوية لسيدنا إبراهيم في الإحسان إلى الضيف :

    أيها الإخوة ، قضية الإحسان أن يأتي فعلك كاملاً ، لو أنك دعوت إنسان إلى طعام فقد علّمنا القرآن آداب الدعوة ، فقال عز وجل :


    ﴿ فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء﴾
    ( سورة الذاريات الآية : 26 ) .
    سيدنا إبراهيم راغ ، أي انسلّ خفية ، لم يستأذن الضيف في إحضار الطعام ، لأن الضيف يستحي ، لو عرضت على أن تأتيه بالطعام لتعفف ، يقول لك : لست جائعا .
    لذلك من كمال أدب الضيافة ألاّ تستأذن الضيف في إحضار الطعام :
    ﴿ فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء﴾
    أي انسل خفية .


    ﴿ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ﴾ .

    ( سورة هود) .
    لم يكن إحضار الطعام متأخراً ، جاء الطعام سريعاً ، وهذا من كمال الدعوة ، وجاء بطعام نفيس :
    ﴿ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ﴾
    أي طيب .
    الآن :
    ﴿ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ ﴾ .
    ( سورة الذاريات الآية : 27 ) .
    أحياناً يكون طبق الطعام بعيدا عن الضيف ، يستحي أن يتمطى ليصل إليه ، يجب أن تقرب له الطعام ، وهناك إنسان أحياناً يضع الطعام أمام الضيف ، أو يضع الفاكهة أمام الضيف ، ولا يدعوه إلى تناول الطعام ، حديث ممتع ، أو حديث خطير ، فالطعام أمامه ، أو الفاكهة أمامه ، ولا يقول له : تفضل ، والضيف يستحي أن يمد يده قبل أن يدعى .
    ﴿ فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاء﴾

    ﴿ فَمَا لَبِثَ أَن جَاء بِعِجْلٍ حَنِيذٍ ﴾

    ﴿ فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ ﴾ .

    ﴿ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ﴾
    ( سورة الذاريات )
    كمال الإحسان في الدعوة ألا تستأذن الضيف ، وأن يأتي الطعام سريعاً ، وأن يكون الطعام طيباً ، وأن يقرب الطعام إلى الضيف ، وأن يدعى إلى تناول الطعام .

    الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ

    كلمة إحسان واسعة جداً ، الله عز وجل قال :

    ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ .
    ( سورة السجدة الآية : 7 ) .

    الإحسان في خَلق الإنسان :

    جعل لك عينين ، ولولا العينان لما أدركت البعد الثالث ، أنت بعين واحدة ترى بعدين سطحيين ، لكنك في العين الثانية ترى البعد الثالث ، ترى العمق .
    وجعل لك أذنين ، وبأذن واحدة يصل الصوت إليك ، لكن بالأذنين تعرف جهة الصوت .
    وجعل العين في محجر لتكون في حرز حريز ، وجعل الدماغ في صندوق عظمي بالجمجمة ، وجعل النخاع الشوكي في العمود الفقري ، وجعل أخطر معمل معامل الكريات الحمراء في نقيِ العظام .
    جعل الرحم في عظم الحوض .
    ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ .
    وفي الشَّعر ، جعل لكل شعرة وريدا ، وشريانا ، وعصبا ، وعضلة ، وغدة صبغية وغدة دهنية ، وليس في الشعر أعصاب حس ، من أجل أن تهذب شعرك من دون مستشفى ، ولولا أن الشعر خالٍ من أعصاب الحس لاضطر الإنسان إن أراد أن يهذب شعره إلى تخدير شامل في المستشفى .
    ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ .
    قرنية العين جعلها شفافة ، إذاً : لابد من أن تغذى قرنية العين بطريقة فريدة ، لا عن طريق الأوعية ، بل عن طريق الحلول ، من أجل أن تكون الرؤية شفافة شفافية مطلقة أودعت العين مادة مضادة للتجمد ، لو أن ماء العين كان صاحبه في مكان الحرارة دون الصفر لفقد بصره ، لكن أودع الله في ماء العين مادة مضادة للتجمد .
    أعظم هذا التصريف احترافية رقمية في ـ المليمتر ـ عشرة آلاف مستقبل ضوئي ، أما في شبكية العين في المليمتر مئة مليون مستقبل ضوئي
    ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾
    الله ( محسن ) ، من أجل أن تفرق بين 8 ملايين لون ، ولو درجت اللون الواحد إلى 800 ألف درجة لكشفت العين السليمة الفرق بين الدرجتين :
    ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾
    القلب يضخ ثمانية أمتار مكعبة من الدم كل يوم ، قد يحتاج الإنسان إلى متر مكعب من الوقود السائل طوال الشتاء ، أما القلب فيضخ ثمانية أمتار مكعبة من الدم كل يوم بلا كلل وبلا ملل .
    الحديث عن الجسم لا ينتهي ، المعدة ، الأمعاء الدقيقة ، الكليتان ، جهاز التصفية ، العضلات الملساء والمخططة ، الإرادية واللاإرادية ، والأوعية ، الشرايين عميقة ، والأوردة سطحية ، لو عكست الآية ، وجُرح الإنسان لخرج دمه كله .
    حدثني طبيب جراح قطع معه في أثناء عمل جراحي شريان ، أقسم لي أن الدم وصل إلى سقف الغرفة من الضغط ، فالأوعية خارجية ، أما الشرايين فعميقة .
    لو دققت في خلق الإنسان لوجدت العجب العجاب ، حتى في الحواس الخمس .

    ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾
    ( سورة القمر ) .
    كأس الماء لو رأيت ما فيه من بكتريات لما شربته ، جعل للبشر عتبة لا ترى أكثر مما ينبغي أن تراه ، ولا تسمع أكثر مما ينبغي أن تسمعه .
    ﴿ إِنَّا كُلَّ شَيْءٍ خَلَقْنَاهُ بِقَدَرٍ ﴾ .
    لذلك كلمة محسن تعني أنه محسن في خَلقه ، محسن في التصميم ، محسن في الأجهزة ، محسن في الحواس ، محسن في قوام الإنسان .
    هذا المفصل داخلي ، أما الركبة فخارجة ، تصور العكس ، تصور لو لم يكن هذا المفصل كيف يأكل الإنسان ؟ يجب أن يأكل كالهرة تماماً ، ينبطح ويتناول الطعام بلسانه من الطبق مباشرة .

    ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ .
    ( سورة التين ) .

    الإحسان في خلق الفواكه :

    انظر إلى التفاحة بحجم مناسب ، وبقوام مناسب ، وبرائحة مناسبة ، وبشكل مناسب ، وبمحتويات مناسبة ، فيها حديد ، فيها سكر ، فيها معادن ، فيها كالسيوم ، فيها مغنزيوم :
    ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾

    3 – معنى ( المحسن ) :

    لذلك : ( المحسن ) شيء دقيق جداً ، ( المحسن ) اسم فاعل من أحسن يحسن إحساناً ، فهو محسن ، والحسن ضد القبح ، وحسن الشيء زينه ، يعني تصور إنسان بلا جلد منظره لا يحتمل .
    تماماً كبيت على الهيكل ، أما كسوة البيت ، والطلاء ، والنوافذ ، والأرض ، والأثاث :
    ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾

    صوَرٌ من إحسان الله في مخلوقاته :

    تصور الإنسان بلا شعر ، لكنه بشعر وجلد ، والجلد متماسك ، والأعضاء متناسقة ، تصور الإنسان بلا جهاز توازن ، يحتاج الإنسان إلى قاعدة استناد تزيد على سبعين سنتيمترًا حتى يبقى واقفا ، أما بقدم صغيرة لطيفة تبقى متوازنا ، فالتوازن سره في أجهزة التوازن ، ففي الأذن ثلاث قنوات ، فيها سائل ، فيها أهداب ، وأي ميل يبقى السائل مستوى يمس أهداب من جهة معينة ، فتدرك أنت أن هناك خللا في التوازن ، فتصحح الوضع ، ولولا جهاز التوازن في الأذن لما استطاع الإنسان أن يقف إطلاقاً .
    ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ .
    انظر إلى طعامك ، لو أن المحاصيل القمح والشعير والعدس والحمص تنضج تباعاً كالفواكه ، شيء لا يحتمل ، تمسك سنبلة فتقول : يا ترى نضجت كي أقطعها ؟ المحاصيل تنضج في وقت واحد .
    لو أن الفواكه تنضج في وقت واحد لكان شيئا غير محتَمل ! حقل البطيخ يعطيك لتسعين يوما على مدى أشهر الصيف ، كل الفواكه والخضروات تنضج تباعاً ، ولو أن كل الفواكه يبدأ نضجها في وقت معين لكان الأمرُ صعبًا ، لكن تبدأ بفاكهة ، بعد شهر فاكهة ثانية ، آخر شيء العنب في الخريف ، قبله التين ، قبله الإجاص ، قبله الدراق ، قبله الكرز ، أيضاً الفواكه موزعة في الصيف توزيعا مريحا ، على مدى الصيف ، كل أسبوعين أو ثلاثة أو شهر ينضج نوع من الفاكهة ، هذا من الإحسان .
    البقرة تعطيك من الحليب ما يفوق ثمن الطعام ، لو أنها تعطيك من الحليب أقلّ من ثمن الطعام فلا أحد يقتني بقرة ، لو أن الدجاجة تعطي في الشهر بيضة واحدة لكانت مكلفة ، وأصبحت غير اقتصادية ، كل يوم لها بيضة ، وطعام الدجاج لا يساوي الإنتاج الذي ينتجه من البيض ، وهذا من الإحسان .
    لو أن هذا الفكر بدأ يجول في خلق الله عز وجل لتعرف على الله ، لذلك أرقى عبادة هي التفكر :

    ﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ .
    ( سورة آل عمران ) .

    صفة الإحسان تتجلّى في جهاز المناعة المكتسب :

    أنت معك جهاز مناعة عبارة عن جيش بكل معاني الكلمة ، فيه خمس فرق : فرقة الاستطلاع ، فرقة مهمتها استخبارية فقط ، يدخل الجرثوم إلى الجسم فتتجه كريات بيضاء من فرقة الاستخبارات ، وتأخذ شفرة الجرثوم ولا تقاتله ، تأخذ هذه الشفرة إلى مركز صنع المصول ، إلى مركز معامل الدفاع في العقد الليمفاوية ، وتعطي العقد تركيب الجرثوم ، وصفاته الكيماوية ، هذه المراكز معامل أسلحة تصنع المصل المضاد لهذا الجرثوم ، المعامل أو العقد الليمفاوية تشكل معامل للسلاح ، والفرقة الاستطلاعية تشكل جهاز المخابرات في الجسم ، وهناك فرقة المقاتلين ، وهي الفرقة الثالثة ، هذه الفرقة تحمل المصل المضاد ، وتتجه إلى الجرثوم فتقاتله ، وينشب بينهما قتال ، وقد ينتصر الجرثوم ، وربما لا ينتصر .
    عندنا فرقة رابعة ، وهي فرقة الخدمات ، هذه الفرقة تنظف أرض المعركة ، وتدفن الجثث ، وأحياناً يرى الإنسان كتلة بيضاء في جلده ، هذه أثر معركة بين الجراثيم وكريات الدم الحمراء ، هذا تصميم من ؟
    هناك فرقة أخرى خامسة ، وهي فرقة تكتشف الخلية السرطانية في وقت مبكر جداً وتلتهمها ، وفي الإنسان ملايين الخلايا السرطانية ، لكن لكل خلية سرطانية قامع يمنعها أن تكون فعالة ، وهناك أشياء تفك هذا القامع ، الشدة النفسية ، والمواد البترولية ، والمواد البلاستيكية ، والإشعاع النووي هذه أسباب السرطان ، فجهاز مناعة مكتسب جهاز مذهل .
    الدماغ موضوع في صندوق عظمي ، بين الدماغ والصندوق سائل ، هذا السائل من أجل امتصاص الصدمات ، لو أن طفلا وقع على رأسه هذا الاهتزاز الشديد السائل يوزعه على كامل مساحة الدماغ ، يبقى الطفل سليماً .
    التفكر في خلق السموات والأرض يجعلك تقف أمام عظمة الله عز وجل ، وأمام الإحسان .
    لذلك الله عز وجل يصف نفسه عن طريق نبيه بأنه محسن كاسم ، أما كفعل :
    ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾
    كمعنى :
    ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾
    في أكمل حالة .

    إحسان الله يتجلى في عظام الإنسان :

    في خلق الإنسان شيء عجيب ، مثلاً : الخلية العظمية هذه تنمو ، فإذا وصل الإنسان إلى المستوى الكامل يقف النمو .
    من أسماء الله عز وجل ( القابض ) و (الباسط ) ، يقف النمو ، وتنام الخلية العصبية ، وبعد سبعين سنة من نومها إذا حصل كسر تستيقظ كي يلتئم العظم ، هذا صنع مَن ؟ قدرة مَن ؟
    العظام متينة جداً ، أنت ماذا تأكل ؟ تأكل الحديد ، فإذا به عظم ، عنق الفخذ يتحمل قوة ضغط تساوي تقريباً 250 كغ ، كل عنق فخذ يتحمل ربع طن ، العنقين نصف طن ، هذا العظم المتين من أين جاءته المتانة ؟! .
    ميناء الأسنان ثاني أقسى عنصر في الكون ، الأول الماس ، بعده ميناء الأسنان ، من أين جاءت هذه ؟ .
    أيها الإخوة ، هذا من كمال خلق الله :
    ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾

    3 – ينبغي لك أن تكون محسنًا :

    الآن أنت أيها الإنسان ، من أجل أن تتخلق بكمال مشتق من كمال الله ينبغي أن تكون محسنا ، لذلك قال الله عز وجل :

    ﴿ وَمَن يُسْلِمْ وَجْهَهُ إِلَى اللَّهِ وَهُوَ مُحْسِنٌ فَقَدِ اسْتَمْسَكَ بِالْعُرْوَةِ الْوُثْقَى﴾
    ( سورة لقمان الآية : 22 ) .
    كما أن الله محسن إليك ، منحك نعمة الإيجاد ، ومنحك نعمة الإمداد ، ومنحك نعمة الهدى والرشاد ، ينبغي أن تكون محسناً ، وكلمة محسن هي ألصق صفة بالإنسان المؤمن ، محسن في كلامه ، فلا بذاءة ، ولا تهجم ، ولا سخرية ، ولا فحش ، ولا طرف قبيحة محرجة تُحمّر الوجه ، بل الكلام منضبط ، محسن في تصرفاتك ، محسن في زيارتك ، محسن في قيادة مركبتك ، محسن في تنظيم عملك .

    4 – الإحسان صفة جامعة شاملة :

    الإحسان صفة الواحد الديان ، وكل إنسان مؤمن ينبغي أن يشتق هذه الصفة من الله عز وجل ، محسن في تربية أولاده ، محسن في علاقاته ، محسن في مواعيده ، محسن في دعواته ، محسن في أفراحه ، محسن في أحزانه ، الإحسان صفة جامعة مانعة ، فكما أنك تكتشف إحسان الله من خلال خلقه ، يجب أن تكون أنت محسناً تجاه الخلق .
    الزوج يجب أن يكون محسناً لزوجته :
    ﴿ وَعَاشِرُوهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ ﴾ .
    ( سورة النساء الآية : 19 ) .
    محسن في تربية أولاده :
    (( علموا ، ولا تعنفوا ، فإن المعلم خير من المعنف )) .
    [ الجامع الصغير بسند ضعيف عن أبي هريرة ]
    محسن في عمله ، عمله متقن .
    (( إن الله يحب من العبد إذا عمل عملا أن يتقنه )) .
    [ الجامع الصغير بسند حسن عن عائشة ]
    أنا لا أصدق أن هناك صفة شاملة إلى درجة لا تصدق ، هناك إحسان في الكلام ، إحسان في المعاقبة ، اتق الوجه ، أردت أن تؤدب ابنك فاتقِ الوجه ، لأنه كرامة الإنسان ، فالنبي نهي عن ضرب الوجه ، هناك ضرب معتدل ، ليس القصد إيقاع الألم الشديد ، القصد لفت نظره .
    مرة النبي الكريم أرسل غلاما في حاجة ، وتأخر كثيراً ، فغضب ، النبي بشر ، معه سواك ، قال له :
    (( لولا القصاص لأوجعتك بهذا السواك )) .
    [ الجامع الصغير بسند ضعيف عن أم سلمة ]
    محسن في تربية أولاده ، إذا كنت مدير مؤسسة فكن محسنًا في معاملة الموظفين .
    كلمة ( محسن ) واسعة اتساعا يفوق حد الخيال ، الاحتفال فيه إحسان ، وأحيانا يكون الاحتفال في أربع ساعات ، والله فيه إساءة ، والوقت ثمين جداً ، أما احتفال منظم في ساعة ونصف فيه إحسان خيرٌ ، وهناك تعزية ما فيها إحسان ، في بعض البلاد التعزية تقريباً عشرين ساعة بغير كلام ، ولا قرآن ، كلام فقط ، حديث عادي .
    قضية الإحسان تشمل الأفراح والأتراح ، وتربية الأولاد ، حتى في الثياب إحسان ، ثياب نظيفة ، ألوانها متناسقة ، بسيطة ، ما فيها تعقيدات ، حتى في مكان عملك فيه نظام ، ونظافة ، وترتيب بالدكان ، هذا أيضاً إحسان .
    في علم النفس تعلّمنا أن هناك صفات وسمات ، السمات عميقة جداً ، مثلاً : سما ، والضبط يظهر في مواعيد مضبوطة ، والضبط يظهر في هندام منضبط ، والضبط يظهر في مشروع منضبط .
    الآن هناك برامج كمبيوترية ، يمكن أن تبدأ بالبناء فما تضيع ثانية ، الموضوع مدروس دراسة دقيقة جداً ، كل شيء يحتاج إلى جفاف ، وإلى استواء ، يعطيك ماذا تفعل من أجل أن لا تضيع ثانية واحدة ، والإنسان كلما تقدم صان وقته ، وأدار وقته .
    هناك إحسان يكون في إدارة في الوقت ، أحياناً إلغاء الروتين إحسان ، تخفيف الأعباء على مواطن إحسان ، هذا يشمل الأنظمة التي تنظمها الدولة ، أحيانا تجمع حاجات المواطنين في بناء واحد ، هذا إحسان .
    كلمة إحسان واسعة بشكل غير معقول ، يمكن أن تكون محسناً في كلامك ، وفي تصرفك ، وفي تربية أولادك ، وفي معاملتك لزوجتك ، وفي عملك ، وفي أفراحك ، وفي أتراحك ، في كل شيء .
    إن الله كتب الإحسان على كل شيء ، والمؤمن محسن ، والمؤمن يشتق هذه الصفة العالية من الله عز وجل :

    ﴿ وَلِلّهِ الأَسْمَاء الْحُسْنَى فَادْعُوهُ بِهَا ﴾ .
    ( سورة الأعراف الآية : 180 ) .
    أي تقربوا من الله بكمال مشتق من كمالات الله .

    والحمد لله رب العالمين

  9. #49

    افتراضي

    اسم الله : المحسن (2)

    1 –

    1-إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ :

    أيها الإخوة الكرام ، لا زلنا مع اسم الله ( المحسن ) ، فقد ورد في صحيح مسلم من حديث شداد بن أوس أن النبي صلى الله عليه وسلم يقول :
    (( إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ ، فَإِذَا قَتَلْتُمْ فَأَحْسِنُوا الْقِتْلَةَ ، وَإِذَا ذَبَحْتُمْ فَأَحْسِنُوا الذَّبْحَ ، وَلْيُحِدَّ أَحَدُكُمْ شَفْرَتَهُ ، وَلْيُرِحْ ذَبِيحَتَهُ )) .
    حتى لو قتلت حية ، أو قتلت عقرباً .
    (( إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ )) .

    2 – الحسنى هي الجَنة ، لأن فيها كمال مطلقٌ :

    أيها الإخوة ، الإنسان خُلق للجنة .

    ﴿ فَأَمَّا مَن أَعْطَى وَاتَّقَى * وَصَدَّقَ بِالْحُسْنَى * فسَنُيَسِّرُهُ لِلْيُسْرَى ﴾ .
    ( سورة الليل ) .
    صدق أنه مخلوق للجنة ، وهذه الدنيا دار أعداد ، دار تكليف ، سمّى الله الجنة ﴿ ِالْحُسْنَى ﴾ ، لأن فيها الكمال المطلق .

    ﴿ لَهُم مَّا يَشَاءونَ فِيهَا ﴾ .
    ( سورة ق الآية : 35 ) .
    أما الدنيا فطبيعتها الكدح .

    ﴿ يَا أَيُّهَا الْإِنسَانُ إِنَّكَ كَادِحٌ إِلَى رَبِّكَ كَدْحًا فَمُلَاقِيهِ ﴾ .
    ( سورة الانشقاق ) .
    نظام الدنيا شيء ، ونظام الآخرة شيء آخر ، نظام الدنيا هي دار تكليف ، نظام الآخرة دار تشريف ، نظام الدنيا دار عمل ، نظام الآخرة دار جزاء ، الحسنى مبنية على قوله تعالى :
    ﴿ لَهُم مَّا يَشَاءونَ فِيهَا ﴾


    ﴿ وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ﴾
    ( سورة ق ) .
    أي شيء تطلبه وأنت في الجنة هو بين يديك :
    ﴿ لَهُم مَّا يَشَاؤُونَ فِيهَا وَلَدَيْنَا مَزِيدٌ ﴾
    لأن الإنسان دفع ثمن الجنة في الدنيا ، في الدنيا أودع الله فيه الشهوات ، أعطاه الاختيار ، سخره له ما في السموات وما في الأرض ، فيه قبضة من قبضات الأرض ، وفيه نفخه من نفخات الله ، فلذلك عندما تنجح في الدنيا تستحق الجنة .


    ﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى ﴾ .
    ( سورة يونس الآية : 26 ) .
    فالذي صدق أنه مخلوق للجنة يتقي أن يعصي الله ، ويبني حياته على العطاء .

    المكذِّب بالحسنى مؤمن بالدنيا فقط :

    لو سألتني عن فرق صارخ بين المؤمن وغير المؤمن فإن المؤمن حياته مبنية على العطاء ، قمة سعادته في أن يعطي ، لا أن يأخذ ، وغير المؤمن قمة سعادته في أن يأخذ .
    لذلك الأنبياء أعطوا ولم يأخذوا ، والأقوياء أخذوا ولم يعطوا :
    ﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ ﴾


    ﴿ وَأَمَّا مَن بَخِلَ وَاسْتَغْنَى * وَكَذَّبَ بِالْحُسْنَى ﴾ .
    ( سورة الليل ) .
    الذي كذب أنه مخلوق للجنة ، واعتقد أنه مخلوق للدنيا استغنى عن طاعة الله ، وبنى حياته على الأخذ ، وأنت ببساطة يمكن أن تكتشف ما إذا كنت من أهل الدنيا أم من أهل الآخرة ، فإذا أسعدك أن تأخذ ، وتتوهم أنك ذكي جداً حينما تأخذ ما ليس لك فأنت من أهل الدنيا ، وتسمى عند الناس ذكيًّا ، أما إذا أسعدك أن تعطي فأنت من أهل الآخرة .
    إذاً : الحسنى هي الجنة ، ثمن الجنة :
    ﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى ﴾

    3 – ينبغي للمؤمن أن يتحلى بصفة الإحسان :

    كما أن الله محسن ينبغي أنت أيها المؤمن ينبغي أن تتخلق بهذا الكمال ، أي يكون عملك مشمولاً بالإحسان ، فإن أعطيت فأعطِ دون أن تمن ، وإنْ عاقبت فعاقب دون أن تحقد ، وإنْ عملت فاعمل عملاً متقناً ، وإن زرت فكن متواضعاً ، لا تصغر دنيا هذا الإنسان في نظره ، انقله إلى الآخرة .

    4 – الإحسان شامل لكل شيء :

    قضية الإحسان لا أعتقد أن شيء أوسع منها ، يمكن أن تحسن وأنت ، تعاقب أن تحسن وأنت تمنع ، أن تحسن وأنت تعطي ، أن تحسن وأنت تقاتل :
    (( إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ )) .
    حتى ولو قتلت حيواناً مؤذياً أمرك الله بقتله فينبغي ألاّ تعذبه ، هذا شأن المؤمن .
    إن المؤمن يحترم أن تكون السمكة في أعلى درجة الحركة ، ثم يأخذ أحشاءها وينظفها ، قبل أن تثبت وتموت ، قال تعالى :

    ﴿ فَإِذَا وَجَبَتْ جُنُوبُهَا ﴾ .
    ( سورة الحج الآية : 36 ) .
    بعد أن تخرج روحها تماماً ، وتستقر ، وتثبت الآن نظفها :
    (( إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ )) .

    5 – وَمَنْ أَحْسَنُ دِينًا مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ

    أيها الإخوة ، الآن الآية الكريمة :


    ﴿ مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ ﴾ .
    ( سورة النساء الآية : 125 ) .
    المعنى دقيق جداً ، لن تستطيع أن تقبل على الله إلا إذا كنت محسناً ، يقول لك أحدهم : لا أخشع في الصلاة ، إن كنت محسناً تخشع في الصلاة .


    ﴿ وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى الْخَاشِعِينَ ﴾
    ( سورة البقرة ) .
    الذي استقام على أمر الله ، وخضع له في الصلاة يشعر بهذه الصلة ، الصلة لها ثمن :
    ﴿ مِّمَّنْ أَسْلَمَ وَجْهَهُ لله وَهُوَ مُحْسِنٌ ﴾
    المؤمن الخشوع سهل عليه ، والركوع سهل عليه ، لأنه أحسن في كل أعماله .
    من حديث عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال عليه الصلاة والسلام :

    6 – الإِحسَانُ أَنْ تعَبْدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ

    (( الإِحسَانُ أَنْ تعَبْدَ اللَّهَ كَأَنَّكَ تَرَاهُ )) .
    [ مسلم عن أبي هريرة ]
    لاحظ نفسك إن جاءك ضيف مِن علية القوم ، ضيف محترم جداً ، فهو على فهم ، وعلى علم ، وعلى قوة ، وعلى تفوق ، وعلى أخلاق ، جاءك زائراً هل يعقل أن تجلس أمامه بثياب غير متبذله ؟ هل يعقل أن تجلس أمامه ، وتضع رجلاً على رجل ؟ لا تستطيع ، هل يعقل أن تجلس أمامه وتعبث بالسبحة ، لا تستطيع ، هل يعقل أن تقول كلاما لا يليق ؟ لا تستطيع .
    أنت أمام إنسان من علية القوم تضبط كلامك ، تضبط جلوسك ، تضبط ثيابك ، تضبط حركتك ، وهو إنسان دخل إلى بيتك فتلاقيه بالنظر إلى جهة واحدة ، لأنه ليس من أدب الضيف أن يزيغ البصر عنه .

    ﴿ مَا زَاغَ الْبَصَرُ وَمَا طَغَى ﴾ .
    ( سورة النجم ) .
    لذلك الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه .
    وأنا أقول لكم أيها الإخوة : أفضل حالة من حالات المؤمن أن تشعر أن الله معك لذلك عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
    (( اسْتَحْيُوا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ ، قَالَ : قُلْنَا : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، إِنَّا نَسْتَحْيِي وَالْحَمْدُ لِلَّهِ ، قَالَ : لَيْسَ ذَاكَ ، وَلَكِنَّ الِاسْتِحْيَاءَ مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ أَنْ تَحْفَظَ الرَّأْسَ وَمَا وَعَى ، وَالْبَطْنَ وَمَا حَوَى ، وَلْتَذْكُرْ الْمَوْتَ وَالْبِلَى ، وَمَنْ أَرَادَ الْآخِرَةَ تَرَكَ زِينَةَ الدُّنْيَا ، فَمَنْ فَعَلَ ذَلِكَ فَقَدْ اسْتَحْيَا مِنْ اللَّهِ حَقَّ الْحَيَاءِ )) .
    [ الترمذي]
    الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، هذا حال المراقبة .
    والله أيها الإخوة ، هناك آيات في كتاب الله تكفي :

    ﴿ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا ﴾ .
    ( سورة النساء الآية : 1 ) .

    تفعل هذا مع إنسانْ مثلِك فكيف برب العالمين ؟!!

    أنت مع إنسان ، لو وصل إلى سمعك أنك مراقب مِن قِبَل إنسان فإنك تضبط حركتك ، إذا مشيت على رصيف وإلى جانب هذا الرصيف سفارة تنتقل إلى الرصيف الآخر ، لأنك مراقب ، هذا شأن المراقب .
    حينما تشعر أن الله معك ، وأن الله يراقبك ، هذه درجة من الإيمان عالية جدا ، هذه الدرجة تقتضي الانضباط ، وحينما تشعر أن علم الله يطولك ، وأن قدرته تطولك لا يمكن أن تعصيه ، ولا يمكن أن تعصيه ، بل تكون عندئذٍ محسناً .
    وقد ضربت لكم من قبل هذا المثل : إنسان مواطن من الدرجة العادية أو الدرجة الثانية ، وقف عند الإشارة الحمراء ، والشرطي واقف ، والضابط واقف ، وشرطي آخر على دراجة واقف ، فالأول يضبطه ، فإذا خالف يلحقه الثاني ، والثالث لئلا يتواطأ هذا الشرطي مع هذا المواطن ، وهو من الدرجة الثانية هل يعقل أن يخالف ؟ مستحيل ، مع إنسان وضع قانون السير لا يمكن أن تخالفه ، لأنك موقن أن علمه يطولك ، عن طريق هذا الشرطي ، وعن طريق الشرطي الثاني ، وعن طريق الضابط في السيارة ، وأن قدرته تطولك ، تسحب منك الإجازة ، وتصادر السيارة ، مثلاً ، أنت مع إنسان من بني جلدتك ، لكن علمه يطولك ، وقدرته تطولك لا يمكن أن تعصيه ، لكن بحسب الواقع في إنسان يخالف الإشارة في الساعة الثالثة ليلاً ، لأنه علم واضع القانون لا يطوله ، وقد يخالفها في رابعة النهار ، إذا كانت قدرة واضع النظام لا تطوله ، إن طالك علمك أو طالتك قدرتك فلا يمكن أن تعصيه ، أما إن توهمت أن علمه لا يطولك ، وأن قدرته لا تطولك فإنه يمكن أن تعصيه ، فكيف مع خالق السموات والأرض ؟ لا تخفى عليه خافية .


    ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ ﴾
    ( سورة غافر الآية : 19 ) .
    كتوضيح لهذه الآية : طبيب أمامه مريضة ، وقد سمح له الشرع أن ينظر إلى مكان المرض ، لو اختلس نظرة إلى مكان آخر لا تشكو منه ، ليس في الأرض كلها جهة يمكن أن تضبط هذه الخيانة ، إلا الله ، فإنه :
    ﴿ يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ ﴾


    ﴿ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ﴾ .
    ( سورة غافر ) .
    فهو مطّلع عليك ، تتكلم يسمعك ، تتحرك يراك ، تضمر شيئاً يعلمه ، لا تخفى عليه خافية ، هذا مقام الإحسان ، حينما تشعر أن الله معك ، لكن معك بلطف ، سميع بصير عليم ، سميع إذا تكلمت ، بصير إذا تحركت ، عليم إذا أضمرت ، مقام الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه ، فإن لم تكن تراه فإنه يراك ، هو محسن في كل شيء ، الدليل :


    ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾ .
    ( سورة السجدة الآية : 7 ) .

    صورٌ من إحسان الله في مخلوقاته :

    هذا الفرخ الذي في البيضة ، ينشأ في منقاره نتوء مؤنف حاد يكسر بهذا النتوء البيضة ، فإذا خرج منها ضمر هذا النتوء ، هل هناك من إحسان أدق من ذلك ؟ في منقار الصوص ، وهو في البيضة ، كيف يخرج منها ، ينمو له نتوء مؤنف كالإبرة تماماً من أجل أن يكسرها ، يكسر القشرة بهذا النتوء ، فإذا خرج من البيضة ضمر هذا النتوء ، وتلاشى .
    في طحال الرضيع كمية حديد تكفيه عامين ، الحليب ليس فيه حديد :
    ﴿ أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾
    قرنية العين شفافة ، تنفرد بنظام تغذية خاص ، تتغذى لا عن طريق الشعريات ، بل عن طريق الحلول :
    ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾
    الماء بدرجة زائد أربع يتمدد ، ولولا تمدده لما كان هذا الدرس ، ولما كانت هذه البلدة ، ولما كان إنسان على وجه الأرض :
    ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾
    الصقر يرى ثمانية أمثال رؤية الإنسان ، يرى طعامه في الماء وهو في أعالي الجو ، الإنسان يرى ، أما الصقر فسوف يغامر ، ويسقط من أعالي السماء ليأكل ، فإذا لم يكن بصره حادًّا يرى طعامه على سطح الأرض وهو في أعالي السماء لا يكون خلقه حسنًا .
    الحديث عن الآيات التي تؤكد أن الله ( محسن ) لا تنتهي :
    هذا الصوان ، هذه السطوح ، والتجاويف لتغطي كل الاتجاهات ، أي صوت يتعامد مع سطح من سطوح الصوان بالأذن ، لو أن ثقب الأذن كان أوسع بقليل فإن الطفل دون أن يشعر يخرق غشاء طبله ، لكن ثقب الأذن أضيق من أي إصبع ، بل من أصغر إصبع .
    أحيانا يحمل إنسان ابنه ، الأربطة هنا مدروسة بشكل أنها تحمل جسم الطفل ، وقد يكون الأب غضبان فيحمله بعنف ، الوزن تضاعف ، وأحيانا تقتني محفظة تملأها بالأغراض ، وتحملها فتنخلع يدها ، يقول لك : صناعة غير متقنة ، كيف أن الإنسان مدروس ، وأن وزنه متناسب مع متانة الأربطة التي في ذراعه :
    ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾

    7 – إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ

    لذلك أيها الإخوة ، الآن عندنا أمر :

    ﴿ إِنَّ اللّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإِحْسَانِ ﴾ .
    ( سورة النحل الآية : 90 ) .
    أنت مأمور بالعدل ، ومأمور مع العدل بالإحسان ، فأحياناً المشكلة تحل بالإحسان لا بالعدل ، فلان ليس له عندك شيء ، هذا صحيح ، لكنه بحاجة إلى مساعدتك ، فأنت حينما تفهم هذه الآية يمكن أن تحل بهذه الآية آلاف المشكلات ، القضية التي لا تحل بالعدل يجب أن تصرفه ، يجب أن تدمره ، يجب أن تفضحه ، أما بالإحسان فيجب أن تعينه على الشيطان .
    لذلك التوجيه الدقيق أن تعين أخاك على الشيطان ، لا أن تعين الشيطان على أخيك ، بالإحسان طبعاً .
    أحيانا يكون للإنسان جار سيئ جداً ، يستطيع أن يقطع لسانه ، لا بالمقص ، بل بالإحسان ، الإحسان يسكت ، وأنا أنصح إنسانا عنده جار سيئ أن يقدم له هدية ، تجد الأمور كلها انضبطت ، من يقطع لسانه ؟ مَن يحسن إليه حتى يسكت ؟ بالبر يستعبد الحر.
    والله أيها الإخوة ، موضوع الإحسان يدور مع الإنسان في كل حياته .
    سمعت عن قاضٍ أمر يحجز حرية إنسان ، والمحامي طلب إطلاق سراحه ، ما استجاب القاضي ولم يقتنع ، قدم طلبا ثانيا ، وطلبا ثالثا ، وطلبا رابعا ، وطلبا خامسًا ، القاضي ما استجاب ، فموكِّلو المحامي عزلوه ، وعينوا محامياً جديداً ، القاضي بعد أن عُين محامي جديد بدا له أن يطلق سراحه ، فإن أطلق سراحه يسقط الأول ويتألق الثاني ، قال : ائتوني بالمحامي السابق ليقدم طلب إخلاء سبيل حتى أخلي سبيله ، ما قَبِل أن يخلي سبيله إلا بطلب من المحامي السابق ، هذا منتهى الإحسان ، وقد كان غير قانع بإطلاق سراحه ، ما استجاب لخمس طلبات ، أما لما بدا له وهو يطلق سراحه عيِّن محامٍ جديدٌ ، سوف يصول ويجول ، ومن أول طلب أطلق سراحه ، قال : ائتوني بالمحامي السابق ليقدم طلبا لإطلاق سراحه حتى أطلق سراحه .
    الإحسان أن تفكر ، وقد تكون ابتسامة في غير مكانها فيها إساءة ، أو جلسة فيها كِبر ، أو سؤال ، ماذا قدم لك زوجك في العيد ؟ هو يحبها وهي تحبه ، وزوجها فقير ، ضعضعها وحجّمها بسؤاله ، وأربكها ، ثم هي تألمت لأنه ما قدم لها شيئًا فعلاً ، هذا سؤال محرج .
    أينما دخلت يجب أن تحبّب الناس بالله عز وجل ، لا أن تكرههم بحياتهم .
    والله مرة أذكر أني دخلت بيتا بحجم غرفة الضيوف ، غير معقول إطلاقاً ، لا مكان للجلوس ، فخجل صاحب البيت ، قلت له : بالعكس ، سيد الخلق وحبيب الخلق غرفته لا تكفي لصلاته و نوم زوجته ، وهو قمة البشر ، فاستبشر .
    إذا زرت أختك يجب أن تمتّن علاقتها بزوجها ، عن طريق الثناء على زوجها ، على أخلاقه ، لا على دخله ، لا تقل : كم دخله ؟ ما يكفيكم هذا المبلغ ، هذا عدم إحسان ، الإحسان أن تلاحظ نفسك على الخطرة ، على النظرة ، على الكلمة ، على الابتسامة ، أحياناً ابتسامتك تكون إساءة .
    (( إِنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ كَتَبَ الإِحْسَانَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ )) .
    ﴿ لِّلَّذِينَ أَحْسَنُواْ الْحُسْنَى ﴾


    ﴿ خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ﴾
    ( سورة التغابن )
    النبي علّمنا أنك إذا وقفت أمام المرآة ، ورأيت خَلقك سليماً فقل :
    (( اللَّهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي فَأَحْسِنْ خُلُقِي )) .
    [ أحمد عن ابن مسعود ]
    هناك عاهات ، ودمامة أحياناً ، ومشكلة ، وعضو مبتور ، (( اللَّهُمَّ أَحْسَنْتَ خَلْقِي فَأَحْسِنْ خُلُقِي )) .

    8 – فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ

    قال تعالى :

    ﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾
    ( سورة المؤمنون ) .
    غسيل الدم بالأجهزة الصناعية يحتاج إلى ساعات ، أعتقد 6 ساعات ، كل الأسبوع ثلاث مرات ، وفي كل مرة تغرز إبرةٌ في مكان معيَّن ، لكن الله هيأ لك كُلية حجمها كالبيضة تعمل بلا صوت ، وبلا تعب ، وبلا مشقة ، وبلا أجر ، وتصفي تصفية تامة .
    سمعت من أحد الأطباء أن الكلية الواحدة فيها عشرة أضعاف حاجتك ، والكليتان عشرون ضعفا ، هذا احتياط ، لذلك يمكن أن يستغني الإنسان عن إحدى كليتيه :
    ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾
    هذه الآية تدور مع الإنسان ، مع خلق الإنسان ، مع حاجاته ، مع طعامه ، مع شرابه .

    ﴿ فَلْيَنظُرِ الْإِنسَانُ مِمَّ خُلِقَ * خُلِقَ مِن مَّاء دَافِقٍ ﴾ .
    ( سورة الطارق ) .
    اللقاء الزوجي بحاجة إلى حوين واحد ، وأحيانا الزوج يفرز من 300 مليون إلى500 مليون حوين :
    ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾
    ﴿ فَتَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ ﴾
    كم مِن خالق ؟ خالقٌ واحدٌ ، لكن سمّى الصانع خالقا مَجازاً .


    ﴿ الَّذِي أَحْسَنَ كُلَّ شَيْءٍ خَلَقَهُ ﴾


    ﴿ مَعَاذَ اللّهِ إِنَّهُ رَبِّي أَحْسَنَ مَثْوَايَ ﴾ .
    ( سورة يوسف الآية : 23 ) .
    جعلك من أبٍ ، هذه نعمة كبيرة ، لك أبٌ معروف ، لك أم طاهرة شريفة ، عندها أولاد ، بيتك مستقر ، هذه من نعم الله الكبرى .

    9 – وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ

    لذلك الآية الكريمة :


    ﴿ وَابْتَغِ فِيمَا آتَاكَ اللَّهُ الدَّارَ الْآخِرَةَ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾
    ( سورة القصص الآية : 77 ) .
    أي شيء آتاك الله إياه ينبغي أن يوظف للآخرة كيف ؟ قال :
    ﴿ وَلَا تَنسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا ﴾
    لا تنس المهمة التي آتيت من أجلها .


    ﴿ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾

    ( سورة القصص الآية : 77 ) .
    هذا أمر آخر :
    ﴿ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾
    الله عز وجل صبر عليك حتى اهتديت ، فإذا كان عندك زوجة لم تستقم على أمر الله فاصبر عليها ، لا تأخذها بالعنف ، الله كان حليما عليك ، كيف أن الله صبر عليك ، فاصبر عليها ، كيف أن الله ذكرك فذكّر الآخرين .
    ﴿ وَأَحْسِن كَمَا أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ ﴾

    ﴿ وَلَا تَبْغِ الْفَسَادَ فِي الْأَرْضِ ﴾
    ( سورة القصص الآية : 77 ) .
    والحمد لله رب العالمين

  10. #50

    افتراضي

    بوركت ابني
    وفقك الله ورعاك


    رحمك الله طيفـًا أقبل إلى الدنيا فأشرقت ورحل عنها فأظلمت

    البحث على جميع مواضيع العضو ساجدة

 

 
صفحة 5 من 10 الأولىالأولى 123456789 ... الأخيرةالأخيرة

معلومات الموضوع

الأعضاء الذين يشاهدون هذا الموضوع

الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)

المواضيع المتشابهه

  1. مشاركات: 0
    آخر مشاركة: 30 - 1 - 2012, 02:09 AM
  2. تعال واكتشف نفسك هل تحتاج الى دكتور نفسي ولا لا؟
    بواسطة مليش غيرك يارب في المنتدى تطوير الذات
    مشاركات: 14
    آخر مشاركة: 22 - 11 - 2011, 09:24 PM
  3. تعليم البرنامج الهندسي Sap 2000 فيديو للدكتور عاطف العراقي
    بواسطة white.bakar في المنتدى منتدى البرامج العام والشروحات المصورة
    مشاركات: 1
    آخر مشاركة: 29 - 10 - 2011, 09:42 PM

الكلمات الدلالية لهذا الموضوع

ضوابط المشاركة

  • مش هتقدر تضيف مواضيع جديده
  • مش هتقدر ترد على المواضيع
  • مش هتقدر ترفع ملفات
  • مش هتقدر تعدل مشاركاتك
  •  
جميع الحقوق محفوظة لمنتديات مصراوي كافيه 2010 ©