بارك الله فيك
جزاك الله خيرا
اسم الله : الشافي(1)
أيها الأخوة الأكارم ، الاسم اليوم " الشافي " ورد هذا الاسم في الحديث الشريف الصحيح الذي أخرجه الإمام البخاري ومسلم والحديث أن النبي صلى الله عليه وسلم ، إذا عاد مريضاً يدعو له ويقول :
((اذهب البأس رب الناس ، اشف أنت الشافي ، لا شفاء إلا شفاؤك ، شفاء لا يغادر سقماً )) .
هذا الاسم أريد به العلانية ، ودلّ على كمال الوصفية ، وجاء معرف بأل .
ولكن لا بد من مقدمة كي تتضح ماذا تعني كلمة الشافي ؟.
حياتنا مفعمة بالقوانين الثابتة ولكن لحكمة بالغة حرك الله شيئين الصحة والرزق :
أيها الأخوة ، بادئ ذي بدء : الله سبحانه وتعالى قنن القوانين في الكون ، ثبت القوانين ، وكأن القانون علاقة ثابتة بين متغيرين ، ولولا القوانين ما استقرت الحياة ، ولا انتظمت الدنيا ، فخصائص المعادن ثابتة ، خصائص البذور ، دورة الأفلاك ثابتة ، أقول ولا أبالغ : مليارات القوانين ثابتة ، لمئات ملايين السنين ، يمكن أن يقال لك بحساب فلكي دقيق أن الشمس تشرق في عام ألفين و ثمانين في السادس عشر من شباط الساعة الخامسة وأربع دقائق مثلاً .
إذاً الله عز وجل ترسيخاً للنظم ، وإراحة للناس ، وتطميناً لهم ثبت القوانين ، تنشئ بناء ضخماً من الاسمنت المسلح ، لو أن الحديد غيّر صفاته لانهار البناء ، تشتري سبيكة ذهبية ، لو أن الذهب غيّر خصائصه ، لخسرت ثمنها ، تزرع بذرة معينة تنتج كما زرعت ، حياتنا مفعمة بالقوانين الثابتة ، وهذه من رحمة الله بنا ، ولكن لحكمة بالغة بالغةٍ أرادها الله حرك شيئين ، حرك الصحة ، وحرك الرزق ، قد تأتي الأمطار كثيرة وقد تشح السماء ، قد ينعم الإنسان بصحة ، وقد يفقد صحته .
تقنين الله عز وجل تقنين تأديب لا تقنين عجز :
السؤال الآن : أنه كان من الممكن أن لا يمرض الإنسان إطلاقاً ، أوضح مثل :
قد تقتني طاولة في بيتك في غرفة الضيوف ، مهمتها أن يضع الضيف عليها كأسا من الماء ، وقد يقف عليها الإنسان فتحمله ، ما معنى ذلك ؟ كأس الماء لا يزيد وزنه عن مئتي غرام ، وقد يقف عليها إنسان ، وإنسانان ، وثلاثة ، وتحملهم ، معنى ذلك أن الاحتياط فيها مئات الأضعاف ، لو كان في الإنسان لكل جهاز ألف ضعف احتياط ألغي المرض كلياً .
والدليل : أن تفجيراً نووياً كان في الصحراء في أفريقيا ، التفجير لصالح فرنسا بعد التفجير (والتفجير كما تعلمون ماحق من الضغط ، ومحرق من الحرارة) ، رؤوا عقرباً يمشي في أرض التفجير ، أجريت عليه بحوث لعشرات السنين ، تبين أن العقرب يستطيع أن يعيش من دون طعام وشراب ثلاث سنوات ، ويستطيع إذا غمسته في الماء أن يبقى حياً ثلاثة أيام ، من دون هواء ، ويتحمل من الإشعاع النووي ما يزيد ثلاثمئة ضعف ما يتحمله الإنسان ولو نقلته من حرارة الصحراء 60 فوق الصفر، إلى 10 تحت الصفر لم يتأثر ، كان من الممكن ألا يكون مرضاً على الإطلاق ، وكان من الممكن ألا يكون شح السماء على الإطلاق لأن بعض العلماء كشفوا في الفضاء الخارجي البعيد سحابة يمكن أن تملأ محيطات الأرض ستين مرة كل يوم بالمياه العذبة ، فإذا قنن الله الأمطار فالتقنين تقنين تأديب لا تقنين عجز .
﴿ وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ عِندَنَا خَزَائِنُهُ وَمَا نُنَزِّلُهُ إِلاَّ بِقَدَرٍ مَّعْلُومٍ ﴾ .
( سورة الحجر ) .
الإنسان حينما يغفل عن الله يدفع ثمن أخطائه باهظة و يؤدبه الله في الدنيا قبل الآخرة :
إذاً كان من الممكن أن لا يكون هناك مرض إطلاقاً ، وكان من الممكن ألا يكون نقص في الرزق إطلاقاً ، ولكن شاءت حكمة الله أن يكون هناك تقنين رزق ، وأن يكون هناك تأخر صحة ، ولعل الصحة والرزق ، والإنسان حريص على صحته ، وعلى رزقه حرصاً لا حدود له ، لعل في هذا تأديباً لنا ، لماذا ؟ لأن الإنسان خُلق لجنة عرضها السموات والأرض وجيء به إلى الدنيا ليدفع ثمن الجنة ، جيء به إلى الدنيا ليعبد الله ، جيء به إلى الدنيا ليتحرك لمنهج الله ، ما أودع الله فيه شهوة إلا وجعل لها قناة نظيفة تسري خلالها ، ليس في الإسلام حرمان ، ولكن في الإسلام تنظيم .
الإنسان حينما يغفل عن الله ، ويتحرك بدوافع شهواته ، بعيداً عن منهج الله ، يقع في شر عمله ، يدفع ثمن أخطائه باهظة ، ولأن الله رب العالمين ، ولأنه خلقه لجنة عرضها السموات والأرض ، يؤدبه في الدنيا ، هو رب .
سأوضح معنى كلمة رب : قد تكون مدير لمؤسسة ، وتعين موظفاً ، وتشترط عليه التجريب لستة أشهر ، أنت كمدير مؤسسة ، وعندك موظف مهمتك في هذا الوقت أن تحصي عليه أخطاءه ، فإذا تفاقمت اعتذرت عن تعيينه في المؤسسة ، لو أن ابنك في المؤسسة كلما أخطأ نبهته ، كان موقفك إحصاء أخطاء صار الموقف مع ابنك تقويم أخطاء .
الله عز وجل رحيم بعباده فإذا أخطؤوا يؤدبهم إما برزقهم أو بصحتهم :
لأن الله رحمن رحيم ، ولأن الله رب العالمين ، فإذا أخطأ العبد أدبه ، أدبه إما بصحته ، أو أدبه برزقه :
﴿ وَلَوْ أَنَّ أَهْلَ الْقُرَى آمَنُواْ وَاتَّقَواْ لَفَتَحْنَا عَلَيْهِم بَرَكَاتٍ مِّنَ السَّمَاء وَالأَرْضِ ﴾ .
( سورة الأعراف الآية : 96 ) .
﴿ وَأَلَّوِ اسْتَقَامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ لَأَسْقَيْنَاهُم مَّاء غَدَقًا * لِنَفْتِنَهُمْ فِيهِ ﴾ .
( سورة الجن ) .
الآيات واضحة جداً .
﴿ وَلَوْ أَنَّهُمْ أَقَامُواْ التَّوْرَاةَ وَالإِنجِيلَ وَمَا أُنزِلَ إِلَيهِم مِّن رَّبِّهِمْ لأكَلُواْ مِن فَوْقِهِمْ وَمِن تَحْتِ أَرْجُلِهِم ﴾ .
( سورة المائدة الآية : 66 ) .
إذاً الله عز وجل يؤدب عباده بتقنين الرزق ، قد يُحرم المرء بعض الرزق بالمعصية .
وفي موضوع يعالج في وقت آخر إن شاء الله كيف يزداد الرزق ؟ يزداد بالاستغفار ، بإقامة الصلوات ، بصلة الرحم ، بالتصدق ، بالأمانة ... إلخ .
المرض أحد أكبر أسباب تربية الإنسان :
أيها الأخوة ، إذاً كان من الممكن أن نمرض ، لو أن الله سبحانه وتعالى جعل في كل جهاز من أجهزتنا ، وفي كل عضو من أعضائنا احتياطات كبيرة جداً ، الطاولة في البيت تُستخدم لوضع كأس ماء ، وقد يقف عليها إنسان وزنه ثمانين كيلو ، وتحمله ، إذاً كأس الماء مئتي غرام وزن الإنسان 80 كغ ، كم احتياط يوجد ؟ ثلاثمئة احتياط ، لو أن كل عضو في جسم الإنسان أخذ هذا الاحتياط الكبير ألغي المرض إطلاقاً ، ولكن الله سبحانه وتعالى شاء لنا أن نمرض ليكون المرض أحد أكبر أسباب تربية الإنسان ، لأن الإنسان بحسب فطرته حريص على وجوده وعلى رزقه .
خلق الله كامل كمالاً مطلقاً ولكن أخطاء الإنسان تؤدي به إلى المرض :
أيها الأخوة ، الآن يوجد إشارة ثانية في القرآن دقيقة جداً ، متعلقة باسم " الشافي" قال تعالى :
﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ﴾ .
( سورة الشعراء )
دقق في السياق : ﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ ﴾ الآية الثالثة بحسب السياق وإذا أمرضني فهو يشفيني ، لا ، قال :
﴿ وَإِذَا مَرِضْتُ ﴾ .
( سورة الشعراء الآية : 80 ) .
عُزي المرض إلى الإنسان ، بمعنى أن خلق الله كامل كمالاً مطلقاً ، ولكن أخطاء الإنسان قد تكون أخطاء فردية ، وقد تكون أخطاء في العصر ، في عصر الضجيج ، في عصر التلوث ، في عصر تغيير خلق الله ، معظم حياتنا فيها تغيير لخلق الله , نريد أن ينمو هذا الفروج إلى كغ بأربعين يوماً ، يجب ألا ينام ، هذا وضع غير طبيعي .
نريد أن نطعم البقر طحين الجيف ، فجن البقر واضطر الإنسان أن يحرق ثلاثين مليون بقرة ، ثمنها ثلاثة وثلاثين مليار جنيه إسترليني ، وما جنون البقر إلا من جنون البشر لما نغير خلق الله عز وجل .
لما ننام في النهار ونسهر في الليل ، هذا بخلاف منهج الله عز وجل ، لما نحاول أن نأكل كل شيء بكل الأوقات عن طريق زراعة محمية هذه لها أخطار ، طبيعة حياتنا فيها أخطار كبيرة جداً ، عندما نحاول أن نحفظ الطعام بمعلبات نضع مادة مضادة للفساد بنزوات الصوديوم ، والمادة مسرطنة .
عندما استخدمنا المبيدات الكيماوية رفعت ملوحة التربة ، لما استخدمنا الأدوية الكيماوية أيضاً ، الدواء الكيماوي يحل مشكلة من جهة ويخلق مشكلة من جهة ثانية ، هناك تغيير بخلق الله ، أكثر ما يعانيه الناس من الأمراض من التلوث ، من استخدام المبيدات ، من استخدام الأسمدة الكيماوية ، من استخدام مشتقات البترولية ، والآن الخبر الأول في العالم ارتفاع الحرارة ، الاحتباس الحراري بسبب ثاني أوكسيد الكربون .
من طبق القواعد الصحية التي جاءت بها رسالات الأنبياء تمتع بصحة جيدة طوال حياته :
إذاً المرض يعزى إلى الإنسان ، الخطأ من الإنسان ، لو تصورنا أن الإنسان اتبع القواعد الصحية التي جاءت بها رسالات الأنبياء ، لقلّ المرض إلا أن يكون قضاءً وقدراً أقول كلاماً دقيقاً ، أحياناً يأتي المرض قضاء وقدر، لكن في الأعم الأغلب يكون المرض عقب تقصير في تطبيق التعليمات التي جاء بها النبي عليه الصلاة والسلام .
هناك مستشفى بألمانيا كتب عليها : نحن قوم لا نأكل حتى نجوع ، وإذا أكلنا لا نشبع عن محمد بن عبد الله ، هذا الكلام يعد كلاماً أساسياً في الطب الوقائي ، نحن قوم لا نأكل حتى نجوع وإذا أكلنا لا نشبع .
إذاً لو أن الإنسان طبق التعليمات لتمتع بصحة جيدة طوال حياته ، وقد تلاحظ أحياناً إنسان يحرص على تطبيق التعليمات الصحية حرصاً بالغاً في الأعم الأغلب يتمتع بصحة عالية جداً .
وكان هذا العالم الجليل الذي رؤي في الثالثة والتسعين ، وكان منتصب القامة ، حاد البصر، مرهف السمع ، إذا سُئل يل سيدي ما هذه الصحة التي حباك الله بها ؟! يقول : يا بني حفظناها في الصغر ، فحفظها الله علينا في الكبر ، من عاش تقياً عاش قوياً .
الله عز وجل ثبت أشياء استقراراً للنظام وحرك شيئين تأديباً لنا :
إذاً الله عز وجل ثبت أشياء استقراراً للنظام ، وحرك شيئين ، حرك الرزق وحرك الصحة ، ليكون هذا التحريك أداة تأديب لنا .
﴿ وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ * الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّـا إِلَيْهِ رَاجِعون * أُولَـئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ ﴾ .
( سورة البقرة ) .
ها هو التأديب ، وهذه هي التربية . فلذلك :
﴿ وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ ﴾ .
( سورة الشورى ) .
(( ما من عثرة ، ولا اختلاج عرق ، ولا خدش عود إلا بما قدمت أيديكم ، وما يغفر الله أكثر )) .
[ أخرجه ابن عساكر عن البراء ]
الله عز وجل خلق لكل إنسان جهاز مناعة قوامه الكريات البيضاء و فِرقه هي :
1 ـ فرقة الاستطلاع :
لكن لو دخلنا في تفاصيل اسم "الشافي" من الزاوية العلمية ، الله عز وجل وضع فينا جهاز المناعة ، وجهاز المناعة يكاد يكون جيشاً بكل ما في هذه الكلمة من معنى ، قوام هذا الجيش الكريات البيضاء ، هذه الكريات مجموعة فرق ، هناك فرقة الاستطلاع ، فرقة معلومات استخبارات ، أو اسمها في بعض الجيوش الاستطلاع ، مهمتها معلوماتية فقط فإذا دخل إلى الجسم جرثوم تتجه كريات بيضاء من فرقة الاستخبارات ، تقترب من هذا الجرثوم تأخذ شفرته الكيماوية وتعود لا تقاتله ، إلا أنها تستكشف خصائصه (شفرته الكيماوية) وتذهب إلى مؤسسة معامل الدفاع .
2 ـ فرقة تصنيع السلاح :
فرقة ثانية مهمتها تصنيع السلاح ، متواجدة في العقد اللمفاوية ، فالكريات البيضاء من فرقة الاستطلاع ، تأخذ شفرة الجرثوم الكيماوية وتتجه إلى العقد اللمفاوية ، في العقد يصنع المصل المضاد للجرثوم ، لكن أعظم ما في الفرقة الثانية تصنيع المصول .
قد نعطي الطفل مثلا لقاح الكوليرا ، يعني جرثوم مضعف ، فكما هي العادة الكرات البيضاء الاستطلاعية تأخذ شفرته الكيماوية وتذهب إلى العقد اللمفاوية في فرقة تصنيع المصل ، وتعطى الشفرة ، وتصنع المصول المضادة لهذا الجرثوم ، وتحفظ في ذاكرة هذه الفرقة ، فإذا عاد الجرثوم بعد سبعين عاماً الملف جاهز .
لذلك لولا ذاكرة فرقة تصنيع المصول لما كان من معنى إطلاقاً للقاحات في الأرض ، لا قيمة للقاحات أساساً من دون ذاكرة مودعة في فرقة تصنيع المصول .
3 ـ فرقة المقاتلين :
الفرقة الثالثة فرقة المقاتلين ، هذه الفرقة مهمتها أن تأخذ المصل المضاد وتتجه إلى الجرثوم ، وتجري معركة بين الكريات البيضاء المقاتلة (هذه الفرقة الثالثة) ، وبين الجرثوم .
4 ـ فرقة التنظيف :
أحياناً الإنسان يرى ورما خفيفاً ، ثم بقعة بيضاء من القيح ، هذه نتائج المعركة معركة تجري في الجسم بين الكريات البيضاء المقاتلة وبين الجراثيم ، فإذا حُسمت المعركة لصالح الكريات البيضاء ، في فرقة الخدمات ، تنظف أرض المعركة ، وتزيل آثار العدوان .
5 ـ فرقة المغاوير :
اكتشف بعض العلماء فرقة خامسة اكتشفها في عام 1967م " اسمها فرقة المغاوير " بالتعبير الأجنبي كومندوس ، هذه الفرقة تستطيع أن تكتشف الخلية السرطانية في وقت مبكر جداً وتلتهما .
الشدة النفسية سببها ضعف التوحيد :
ثبت أن كل إنسان في دمه ملايين الخلايا السرطانية ، لكنها غير مفعلة عليها قامع يقمعها ، يمنع تفعيلها ، فإذا ذهب القامع عن بعضها الفرقة الخامسة المغاوير تكتشف هذه الخلية السرطانية فتلتهما ، وينجو الإنسان من الورم الخبيث .
قال : هذا القامع ما الذي يفكه ؟ الشدة النفسية ، الخوف ، القلق ، الحقد ، لذلك قال تعالى :
﴿ قُلْ مُوتُواْ بِغَيْظِكُمْ ﴾ .
( سورة آل عمران الآية : 119 ) .
الغيظ مميت ، الآن المرض الأول في العالم الشدة النفسية ، خوف ، تهديد قد يكون سلامة لكن ما في أمن .
لذلك قالوا : أنت من خوف المرض في مرض ، يعني أحياناً تأتي أمراض القلب من خوف مرض قلب ، أنت من خوف المرض في مرض ، ومن خوف الفقر في فقر وتوقع المصيبة مصيبة أكبر منها ، أنت من خوف التهديد في مرض ، من خوف شبح الحصار الاقتصادي في مرض ، من خوف شبح الاجتياح في مرض ، هذه كلها أمراض الإنسان الآن يتحمل من الضغوط ما لا يحتمله إنسان في عصور سابقة .
لذلك : ما في حل إلا التوحيد ، ما تعلمت العبيد أفضل من التوحيد ، ما في حل إلا أن ترى أمرك بيد الله ، وأن الذي خلقك لن يسلمك إلى أحد غيره .
﴿ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ ﴾ .
( سورة هود الآية : 123 ) .
ارتفاع نسبة السرطان في عصرنا إما لضعف في نفوسنا أو ضعف في إيماننا :
ما لم توقن أن أمرك وسلامتك وأهلك وأولادك ورزقك وصحتك بيد الله ، وأنك إذا كنت مع الله كان الله معك ، وإذا عبدت الله أنشأ الله لك حقاً عليه ألا يعذبك ، هذه المعاني الناس في أمس الحاجة إليها ، قال تعالى :
﴿ فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالأَمْنِ إِن كُنتُمْ تَعْلَمُونَ * الَّذِينَ آمَنُواْ وَلَمْ يَلْبِسُواْ إِيمَانَهُم بِظُلْمٍ أُوْلَـئِكَ لَهُمُ الأَمْنُ وَهُم مُّهْتَدُونَ﴾ .
( سورة الأنعام ) .
الفرقة الخامسة إذاً فرقة مغاوير ، ما الذي يفك القامع ؟ الشدة النفسية ، والإشعاع النووي ، وصول مشتقات البترول إلى جوف الإنسان ، هذا الذي يغسل المحركات بالبنزين إذا أكل بيديه قل أن يغسلهما جيداً عنده احتمال وصول المشتقات إلى جوفه ، وهذه تسبب الأورام .
وشيء آخر كما قال العلماء : التوسع في استخدام البلاستيك ، البلاستيك يجب أن نبتعد عن استعماله مع الحرارة الشديدة ، أو مع المواد الحامضة ، أو أن يدخل إلى جوفنا بعض منه عن طريق التيفال ، وعاء تيفال بعد سنتين يصبح حديداً ، المادة أين ذهبت ؟ أكلناها ، فمشتقات البترول ، والتوسع في استخدام البلاستيك ، والإشعاع النووي والشدة النفسية ، تفك القامع .
لذلك ارتفاع نسبة السرطان أصبحت إلى عشرة أمثال ، لخطأ في عصرنا ، أو ضعف في نفوسنا ، أو ضعف في إيماننا ، هذه حقيقة أيها الأخوة .
جهاز المناعة جيش يقويه الأمن والحب والود و يضعفه الخوف والقلق والحقد :
الآن في غدة اسمها " التايموس " اكتشفت أخيراً أنها غدة لا وظيفة لها هكذا قال الأطباء ، ثم اكتشف أنها أخطر غدة في جسم الإنسان ، قال هذه مدرسة حربية ، تدخلها الكريات البيضاء وتبقى فيها سنتين ، تتعلم من هو الصديق ، ومن هو العدو ، كريه بيضاء معها سلاح خطير ، الكريه المحاربة الفرقة الثالثة ، هذه سموها الخلية التائية الهمجية جاهلة تدخل في هذه الغدة وتبقى سنتين ، لما كُبّرت مئات المرات بدت وكأنها مدرج روماني ، وهذه الخلايا التائية الهمجية كأنهم طلاب علم ، تبقى الخلية التائية الهمجية سنتين وبعدها تمتحن هناك مخرجان امتحانيان ، الأول تعطى هذه الكريه الممتحنة عنصراً صديقاً فإذا قتلته ترسب وتقتل ، وإذا لم تقتله تنجح وتتخرج ، ثم تمتحن امتحاناً آخر تعطى عنصراً عدواً فإذا لم تقتله ترسب وتقتل ، وإذا قتلته تنجح وتتخرج .
قال بعد سنتين تضمر هذه الغدة ضموراً كلياً ، الأمر الذي جعل بعض الأطباء أن يقولوا لا وظيفة لها ، تبين أن الجيل المتخرج يتولى إلى نهاية الحياة تعليم الأجيال الصاعدة فصار أول جيل تخرج من هذه الكلية الحربية ، يتولى تعليم الأجيال الصاعدة ، لكن بعد الستين أو السبعين يضعف التعليم ، مع ضعف التعليم ينشأ شيء اسمه " الخرف المناعي" منها التهاب المفاصل الرثوي ، منها سبعة أمراض تقريباً ، يعني ما معنى التهاب مفاصل ؟ يعني ضعف التعليم ، صار العنصر القوي الكرية البيضاء تقتل الصديق ، أي أصبح حرباً أهلية ، فالتهاب المفاصل الرثوي نتيجة حرب أهلية داخل الجسم .
أيها الأخوة ، جهاز المناعة هذا الجهاز يؤكد اسم " الشافي " جيش بكل معاني هذه الكلمة ، هذا الجيش يقويه الأمن والحب والود ، يضعفه الخوف والقلق والحقد .
والحمد لله رب العالمين
اسم الله : الشافى(2)
أيها الأخوة الكرام ، لازلنا في اسم " الشافي " ، فالنبي عليه الصلاة و السلام كان إذا عاد مريضاً يقول له : (( اذهب البأس رب الناس ، اشف أنت الشافي ، لا شفاء إلا شفاؤك ، شفاء لا يغادر سقماً )) .
العلامات من تمام رحمة الله بنا :
الحقيقة أن الله سبحانه و تعالى جلّت حكمته لولا أن جعل للأمراض أعراضاً لما أمكن الشفاء منها ، و قال تعالى :
﴿ وَعَلامَاتٍ ﴾ .
( سورة النجم الآية : 16 ) .
هذه آية واسعة جداً ، لولا الأعراض لما اهتدى الإنسان إلى مرضه .
لذلك تعد أخطر الأمراض الآن الأمراض التي لا أعراض لها ، كالأورام أحياناً فلذلك رحمنا الله عز وجل أن للأمراض أعراضاً ، و هذا طريق إلى الشفاء منها ، و هذه واحدة .
لو توسعنا قليلاً في فهم العلامات ، نضج الفواكه لها علامات ، وأي شيء في الأرض له علامات ، وأي حدث في الأرض له علامات ، فالعلامات من تمام رحمة الله بنا .
التوحد في بنية الإنسان التشريحية :
شيء آخر : الإنسان له بنية موحدة ، أي إنسان في أي زمان و مكان بنيته التشريحية واحدة ، فقد يدرس الطبيب الطب في أمريكا ، و يعالج المرضي في الصين ، مكان الشريان ، مكان العصب ، بنية الأجهزة ، البنية التشريحية للإنسان في أدق أدق التفاصيل واحدة ، أماكن الأوعية ، أماكن الأعصاب ، أماكن الأجهزة ، النسج كلها موحدة و لولا هذا التوحد في بنية الإنسان التشريحية لما أمكن أن نتابع الطب في بلد ، وأن نعالج المرضى في بلد ، وأن نصنع الدواء في بلد ، وأن نستخدمه في بلد ، هذا كله ينضوي تحت اسم "الشافي " .
التئام النسج من آيات الله الدالة على عظمته :
شيء آخر : ثبات قوانين الجسم ، الجسم له قوانين دقيقة جداً ، فلولا هذا التوحد في الخلق لما أمكن أن يكون الشفاء للإنسان .
ذلك لأن الله سبحانه وتعالى كما بينت في لقاء سابق أن هذا المرض أحد الوسائل التي تكون ناجعة في تأديب الإنسان ، وفي تربيته ، وفي تقريبه من الله عز وجل .
شيء آخر : هناك قوانين دقيقة في الجسم ، هذه القوانين أساسها أن النسج تلتئم إذا تمزقت ، من قنن هذا القانون أن النسيج يلتئم إذا تمزق أحياناً ؟ ذلك أن بعض النسج في جسم الإنسان التي تؤكد عفة الفتاة لا تلتئم أبداً ، فالتئام النسج من رحمة الله بنا ، يكون الجرح يأتي الطبيب ويخيط هذا الجرح بعد حين يلتئم الجرح ، جميع النسج تلتئم بسبب أن الهر قنن هذا القانون فهو " الشافي " .
العظم يلتئم ، الخلية العظمية قد تنام ستين عاماً ، فإذا صار كسر تستيقظ هذه الخلايا وتلتئم ، ما دور الطبيب العظمي ؟ يضع العظمة على العظمة فقط ، وانتهى دوره ، و تأتي هذه الخلايا ويستيقظ و تسهم في التئام الجروح و الكسور .
قضايا دقيقة جداً ، ولقطات مؤثرة جداً نكتشفها حينما نقول أن الله سبحانه وتعالى هو " الشافي " فالتئام النسج من آيات الله الدالة على عظمته ، ألا يوجد إنسان عنده مركبة وتصاب بكسر في بعض أجزائها ، يقول لك الخبير في إصلاحها : دعها تلتئم وحدها ، هذا لا يكون في عالم المعادن إطلاقاً ، أما في عالم خلق الإنسان ، ولأن الله هو " الشافي " النسج تلتئم .
القوانين التي أودعها الله في الإنسان كلها تؤكد اسم الشافي :
الذي يلفت النظر كما قلت قبل قليل : أن بعض النسج لا يلتئم أبداً ، لأن تمزقها دليل ، ولا يمكن أن يلغى هذا التمزق .
هناك أشياء كثيرة نستفيدها من اسم " الشافي " مثلاً : الاحتياط الذي جعله الله في بعض الأجهزة ، الكلية مثلاً فيها احتياط كبير ، يستطيع الإنسان أن يعيش بكلية واحدة والثانية احتياط كبير ، أنا أتمنى الإنسان حينما يدرس الطب يدرسه في ضوء الإيمان ، يجد أن هذه القوانين التي أودعها الله في الإنسان كلها تؤكد اسم " الشافي " .
من قال إن القلب إذا أردنا إصلاحه بعلمية جراحة و أوقفناه عن طريق التبريد و بعد انتهاء العملية يعطى القلب صعقة فيعود و يعمل ، لو أن القلب إذا توقف لا يعمل انتهى العمل الجراحي كله ، انتهي كل شيء اسمه عمليات القلب المفتوح ، عمليات القلب المفتوح لولا أن الله أعطى القلب هذا القانون أنه إذا توقف أو إذا أوقف بفعل التبريد فالله سبحانه و تعالى سمح له أن يعمل بعد أن تأتيه صعقة كهربائية ، لولا هذه القاعدة لألغي الطب في شأن جراحة القلب .
من تفكر في خلق السماوات و الأرض وصل إلى الله سبحانه و تعالى :
إذاً لو أردت أن تتفكر في خلق السماوات و الأرض لرأيت اسم " الشافي " واضحاً جداً في كل قانون قننه الله عز وجل ، و في كل نسيج صممه الله عز وجل ، و في كل خصيصة لأي عضو من أعضاء الجسم أودع الله فيه هذه الخاصة .
يعني أحياناً يقول طبيب قلب جراح : إن في القلب شرياناً يبدو أنه لا فائدة منه لكن حينما تسد بعض الشرايين يؤخذ هذا الشريان وهو من أمتن الأوعية ، ويوضع مكان الشريان التالف ، وكأن الله سبحانه و تعالى و ضع في جسم الإنسان بعض قطع الغيار ، و هذا من تمام خلق الله عز وجل ، تؤخذ بعض الشرايين من مكان وتوضع في مكان ، و حتى في الهيكل العظمي هناك أجزاء يمكن أن تستخدم كقطع غيار ، هذا الخلق الدقيق العظيم .
﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ .
( سورة التين ) .
قال تعالى :
﴿ وَفِي أَنفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ ﴾ .
( سورة الذاريات ) .
الإنسان لو تفكر في خلق السماوات و الأرض و صل إلى الله ، وصل إلى الله معظماً ، مكبراً ، خاشعاً ، فإذا تفكر في جسمه فهو أقرب شيء إليه .
من رحمة الله بالإنسان أنه جعل لكل داء دواء :
والله يا أيها الأخوة ، لو أمضينا العمر كله في التدقيق في عجائب خلق الله في الإنسان لما اكتفى العمر للتفكر في خلق الإنسان ، والآية واضحة : ﴿ لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ ﴾ .
أحياناً من الذي جعل هذا الدواء يفعل فعله ؟ يعني الدواء من رحمة الله بنا أنه جعل لكل داء دواء ، والنبي عليه الصلاة والسلام حينما قال :
(( لكل داء دواء )) .
[حديث صحيح رواه مسلم والإمام أحمد عن جابر]
هذا الحديث إذا قرأه إنسان مريض بماذا يشعر ؟ يمتلئ قلبه أملاً بالشفاء و إلهنا وربنا من خلال نبيه ورسوله يقول : (( لكل داء دواء )) ، ولو سمع هذا الحديث طبيب ماذا يفعل ؟ يجب أن يجتهد و يبحث عن الدواء ، فإذا سمع هذا الحديث المريض امتلأ قلبه أملاً بالشفاء ، وإذا سمع الطبيب هذا الحديث شعر بتقصيره حينما لا يجد لهذا الداء دواء ، وقد خلق الله لكل داء دواء .
حرص الإنسان على سلامة وجوده تقتضي أن يطبق تعليمات الصانع :
كما ذكرت من قبل الله عزّ وجل من خلال صحتنا يربينا ، يقربنا إليه ، الإنسان كما تعلمون حريصاً على وجوده ، وعلى سلامة وجوده ، وعلى استمرار وجوده ، وعلى كمال وجوده ، و قد بينت من قبل أن حرص الإنسان على وجوده يقتضي أن يحمي نفسه من الأخطار ، وأن حرصه على سلامة وجوده يقتضي أن يطبق تعليمات الصانع ، و أن حرص الإنسان على كمال وجوده يقتضي أن يقترب من الله عز وجل حتى يسعد بقربه ، وأن حرص الإنسان على استمرار وجوده يعني أن يربي أولاده ليكونوا استمراراً له بعد موته ، و الله عز وجل حينما برمج الإنسان وفطره على حبّ وجوده ، وعلى حبّ كمال وجوده ، وعلى حبّ سلامة وجوده ، وعلى حبّ استمرار وجوده ، من أجل أن يكون الإنسان في أعلى درجة من السلامة والسعادة .
الطبيب المؤمن حينما يرى من آيات الله في خلق الإنسان يكاد يذوب خشوعاَ لله :
أيها الأخوة حدثني بعض الأخوة الأطباء : أنه أحياناً إذا سدّ شريان في القلب تنمو مجموعة شُريانات في مجموع أقطارها تساوي الشريان المسدود ، و أنت لا تشعر ، يوجد بالجسم آلية الشفاء الذاتي ، فحينما يضعف عضو ينمو عضو آخر ، حينما يضيق شريان ينمو شريان آخر ، و هذا من آيات الله الدالة على عظمته ، و الطبيب المؤمن حينما يرى من آيات الله في خلق الإنسان يكاد يذوب خشوعاَ لله عز وجل .
شيء آخر : الكبد مثلاً ، الكبد يقوم بمئات الوظائف ، كل خلية من خلايا الكبد تقوم بكل وظائفه ، فلو تشمع الكبد وصل إلى ثلثي الكبد ، بل إلى أربعة أخماس الكبد وجاء الطبيب الجراح واستأصل أربعة أخماس الكبد ، الكبد يعيد بناء ذاته في ستة عشر أسبوعاً ، ذلك لأن كل خلية في الكبد تقوم بكل وظائف الكبد ، ولو تعطل كبد الإنسان لكان الموت محققاً لأنه المخبر ، والمعمل الكيماوي في الجسم .
إخوتنا الكرام ، التفكر في خلق السماوات و الأرض أقصر طريق إلى الله و أوسع باب ندخل منه على الله ، وأنت حينما تتعرف إلى أسماء الله الحسنى ، تقول " الشافي " الشافي جسمك مصمم للشفاء ، الأمراض لها أعراض ، البنية التشريحية للإنسان واحدة بشكل عجيب ، الإنسان له شكل .
الله عز وجل منح الإنسان أحد صفاته وهي الفردية لكرامته عند الله :
يقول بعض العارفين بالله : والله يا رب لو تشابهت ورقتا زيتون لما سميت الواسع ، يوجد بالأرض ستة آلاف مليون إنسان لا يوجد إنسان يشبه الآخر ، الإنسان فرد ، وقد منح الله جلّ جلاله الإنسان أحد صفاته وهي الفردية لأن الإنسان كريم عليه ، لكرامة الإنسان عند الله ، فالإنسان فرد في شكل وجهه ، وفي قوامه ، و في نمط حركته ، فرد في قزحية عينه ، لا يوجد قزحية عين في الأرض تشبه قزحية عين الآخر ، حتى إن بعض البلدان الآن تأخذ صورة قزحية العين وتضعها على الجواز ، ولا يمكن لهذا الجواز أن يزور ، بل إن بعض الأقفال التي صنعت لا تفتح إلا على قزحية العين ، ومعنى ذلك أن هذا القفل لا يفتح إلا من خلال صاحبه ، فقزحية العين هوية للإنسان .
رائحة جلده هوية له ، لا يوجد إنسان له رائحة جلد تشبه رائحة جلد إنسان آخر و على هذا الأساس يبنى عمل الكلاب البوليسية ، ولولا أن الإنسان يتميز برائحة خاصة لما استطعنا أن نستخدم الكلاب البوليسية التي تملك من حاسة الشم مليون ضعف عن حاسة شم الإنسان .
ونبرة الصوت هوية لك ، لا يوجد إنسان في الأرض تشبه نبرة صوته نبرة صوتك وهذا نستخدمه في الهاتف ، فلان تعرفه من نبرة صوته .
الآن بلازما الدم ، الزمرة النسيجية غير الزمرة الدموية ، لكل إنسان زمرته النسيجية ، هذا من تكريم الله للإنسان جعله فرداً ، فرد في قزحية عينه ، وفرد في شكل وجه ، وفرد في قوامه ، وفرد في رائحة جلده ، وفرد في نبرة صوته ، وفرد في زمرته النسيجية وفرد في بلازما الدم ، وفرد في بصمته ، واكتشف أخيراً أنه فرد بالنطفة التي يملكها ، لكل نطفة علامة يتميز بها ، عند الزوجة جهاز لاستقبال هذه العلامة ، فما دامت هذه العلامة تأتيها تباعاً فهذا زوجها ، فإذا جاءت علامة أخرى فهذا مؤشر لوجود مرض في الرحم إلا أن المرأة قادرة على أن تستقبل علامة أخرى بعد أربعة أشهر أي العدة .
الإنسان فرد متميز لا أحد يشبهه فالله عز وجل واحد و واسع :
إذاً أيها الأخوة الإنسان فرد ، أما من أجل أن نفهم اسم " الشافي " الآن هناك مفارقة ، هو فرد متميز لا أحد يشبهه ، وفي الوقت نفسه ستة آلاف مليون البنية التشريحية واحدة ، مكان الشريان ، مكان العصب ، لولا أن الأعصاب لها أماكن محددة جداًً أي عملية جراحية في الوجه تعني الشلل أحياناً ، لكن معروف العصب هنا مكانه ، الطبيب الجراح عنده مهارة فائقة في معرفة أماكن الأعصاب ، وأماكن الأوعية والشرايين .
إذاً البنية التشريحية الواحدة تؤكد اسم " الشافي " .
الآن الوظائف الفيزيولوجية في الإنسان تؤكد اسم " الشافي " ، الآن استجابة الجسم للدواء ، الجسم عضو نبيل يستجيب للدواء إذاً الله شافٍ ، ما أوقع المرض فينا إلا أن يكون المرض أداة قرب من الله عز وجل و يأتي بعده الشفاء ، فالله عز وجل شافٍ ، أي هذه الأدوية من صمم هذه العشبة لتهدئة القلب ، هناك أدوية مبطئة للنظم ، هناك أدوية موسعة للشرايين ، هناك أدوية مقوية لعضلة القلب ، هناك أدوية تعطي الإنسان راحة نفسية ، هناك أدوية مهدئة ، هناك أدوية مسكنة ، أي علم الأدوية علم قائم بذاته .
إذاً اسم " الشافي " تراه من وحدة الإنسان في بنيته التشريحية ، ومن وحدة الإنسان في وظائفه الفيزيولوجية ، بينما لكل إنسان هوية ، هذا شيء دقيق جداً ، أي وحدة تشابه البنية التشريحية ، والوظائف الفيزيولوجية في الإنسان تؤكد أن الله واحد ، أن الخالق واحد ، وأما التفاوت في شكل الإنسان ، وفي خصائصه ، وفي هوياته ، تؤكد اسم " الواسع " فالله واحد و واسع .
الله عز وجل قنن القوانين ليكون هناك أمل في شفاء الأمراض :
أيها الأخوة الكرام ، الدم له خصائص مذهلة ، يوضع هذا الدم في بنك باسم صاحبه ، بعد سنوات ، بعد عشر سنوات إذا تورمت بعض الخلايا أو تعطلت بعض الخلايا في مكان ، يوضع هذا الدم في المكان نفسه ، فإذا به يتشكل من الخلايا التالفة ، يعني إذا تعطلت خلايا نقي العظام المصنعة لكريات الدم الحمراء ، يوضع هذا الدم في نقي العظام ، وهذا الموضوع يمثل الخلايا الجذعية ، من أحدث الموضوعات ، أي مكان عندما استأصلنا بعض النسج وضعنا الدم مع الاستئصال تنمو خلايا من جنس الخلايا المحيطة بهذا الدم ، وهذا الدم له ثمن باهظ جداً ، والآن هناك بنوك للخلايا الجذعية .
إذاً الله عز وجل هو " الشافي " أي كل جهود الأطباء لولا أن الله قنن هذه القوانين ، أعطى هذه الخصائص لما كان من أمل في شفاء الأمراض . إذاً الله عز وجل هو " الشافي " .
تقدم علم الطب نتيجة كرامة الإنسان عند الله :
لذلك الحديث :
(( إن لكل داء دواء )) .
[حديث صحيح رواه مسلم والإمام أحمد عن جابر]
يقرأ هذا الحديث المريض فيمتلئ ثقة بالشفاء ، يقرأ هذا الحديث الطبيب فيشعر بالتقصير تجاه البشر ، ينبغي أن نبحث عن شفاء لهذا المرض ، الآن فإذا أصيب دواء الداء معنى الطبيب حينما يصيب في تشخيص الداء قطع نصف المرحلة ، فإذا أصيب دواء الداء قال برئ بإذن الله .
الطبيب له مهمتان ، المهمة الأولى : أن يصيب في تشخيص الداء ، وأن يصيب في وصف الدواء ، فإذا جاء التشخيص صحيحاً ، وجاء الدواء مناسباً برئ ، ولكن بإذن الله .
لذلك قال عليه الصلاة والسلام :
(( داووا مرضاكم بالصدقة )) .
[ رواه الطبراني عن عبد الله بن مسعود]
أولاً أعطاك ثوابت ، أعطاك بنى تشريحية واحدة ، أعطاك وظائف فزيولوجية ، أعطاك أدوية لها فعل في الأمراض ، وهيأ أطباء ، والأطباء من رحمة الله بالإنسان ، و أنا أقول دائما أيها الأخوة إن تقدم علم الطب لكرامة الإنسان عند الله ، لأن الله هو الشافي إلا أن مرض الموت لا شفاء له ، هذا المرض لأنه بوابة الخروج ، الإنسان كيف يخرج ؟ يخرج بمرض الموت ، قد يكون في الكبد ، وقد يكون في الكلية ، وقد يكون في القلب ، وقد يكون في الدماغ ، وقد يكون بحادث ، تارة سكتة دماغية ، ومرة سكتة قلبية ، ومرة احتشاء ، هذه الأمراض التي هي أمراض الموت هي بوابة الخروج ، والإنسان حينما يرى أنه لابد من أن يخرج من الدنيا هذا من أعظم المواعظ و العبر .
على الإنسان أن يأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ثم يتوكل على الله وكأنها ليست بشيء :
الآن (( إن لكل داء دواء )) فإذا أصيب دواء الداء برئ المريض بإذن الله ، إذاً ما الموقف الكامل حينما يصيب الإنسان المرض ؟ الموقف الكامل أن أبحث عن طبيب متفوق ، ولي مصطلح لطيف : ابحث عن طبيب مسلم حاذق ورع ، لأنه ينصح ، والدين النصيحة .
الآن هذا الطبيب يصيب في وصف تشخيص الداء ، ويصيب إن شاء الله في وصف الدواء ، ثم توجه إلى الله أن يسمح لهذا الدواء أن يفعل فعله في الداء ، هذا الموقف الكامل .
لذلك هذا ينقلنا إلى شيء مهم جداً في الإيمان ، أنت يجب أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، يجب أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، هذه بطولة ، أن تذهب إلى أفضل طبيب ، أن تستخدم بدقة بالغة تعليمات الطبيب ، ثم تتوجه من أعماق أعماقك إلى الله ، يا رب اشفِ أنت الشافي ، لا شفاء إلا شفاؤك ، شفاء لا يغادر سقماً ، أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء من السهل جداً أن تأخذ بالأسباب ، وأن تعتمد عليها وتنسى الله ، وهذا واضح جداً في العالم الغربي ، ألهوا الأسباب ، يأخذون بالأسباب ويعتمدون عليها ، وينسون الواحد القهار ، لكن الله يقهرهم أحياناً ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء .
الأخذ بالأسباب من الدين :
الإنسان من ضعفه إذا أخذ بالأسباب يعتمد عليها وينسى الله ، و يوجد مسلمون مقصرون لا يأخذون بالأسباب ، وهم عصاة ، لذلك الطريق الأمثل هو طريق وادٍ سحيق و عن يساره وادٍ سحيق ، فالإنسان إذا أخذ بالأسباب و اعتمد عليها وقع في وادي الشرك ، و إن لم يأخذ بالأسباب و قع في وادي المعصية ففي حنين قال الصحابة :
(( لن نغلب من قلة )) .
[ أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم عن ابن عباس ]
معهم بسبب الكثرة فقال تعالى :
﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ﴾ .
( سورة التوبة ) .
فالأخذ بالأسباب من الدين :
(( إن الله يلوم على العجز ، ولكن عليكم بالكيس ، فإذا غلبك أمر فقل حسبي الله ونعم الوكيل )) .
[ أبو داود وأحمد عَنْ عَوْفِ بْنِ مَالِكٍ ]
يجب أن نأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، يجب أن تعالج عند الطبيب ، يجب أن تذهب إلى طبيب متفوق ، أن تستخدم الدواء بعناية بالغة ، وفي الوقت نفسه يجب أن يمتلئ القلب رجاء من الله عز وجل أن يسمح للدواء أن يفعل فعله .
الله تعالى إذا أخذ من المؤمن بعض صحته عوضه عليها أضعافا ًمن القرب منه :
فلذلك :
(( لكل داء دواء ، فإذا أصاب الدواء الداء برئ بإذن الله)) .
[حديث صحيح رواه مسلم والإمام أحمد عن جابر]
هذا الذي يقتضي الدعاء ، والتوسل إلى الله عز وجل ، ودفع الصدقات ، مع الأخذ بالأسباب هذا الموقف الكامل .
هناك مثل يقرب الحقيقة : عندك سفر ، راجعت المركبة مراجعة تامة ، راجعت كل شيء فيها ، وكلها جاهزة ، الآن أخذت بالأسباب ، الآن تتوجه بكل أعماقك إلى الله ، يا رب ، أنت الحافظ ، أنت الموفق ، أنت المسلم في هذا السفر ، أنت الرفيق في السفر ، هذا شأن المؤمن في كل شيء يأخذ بالأسباب و كأنها كل شيء ، و يتوكل على الله و كأنها ليست بشيء .
شيء آخر الحديث القدسي الصحيح :
(( يا ابنَ آدمَ مَرِضْتُ فلم تَعُدْني ، قال : يارب كَيْفَ أعُودُكَ وأنتَ ربُّ العالمين ؟ قال : أمَا علمتَ أنَّ عبدي فلاناً مَرِضَ فلم تَعُدْهُ ؟ أما علمتَ أنَّكَ لو عُدْتَهُ لوجَدتني عنده ))
[ أخرجه مسلم عن أبي هريرة]
و الله أيها الأخوة ، بالحديث ملمح يذيب محبة لله ، الله عز وجل إذا أخذ من المؤمن بعض صحته عوضه عليها أضعافاً مضاعفة من القرب من الله .
(( أما علمت أنك لو عدته لوجدتني عنده )) .
كل شيء في خلق الإنسان يؤكد اسم الشافي :
الحقيقة ماذا نستطيع أن نقول في اسم " الشافي " ؟ كل شيء في خلق الإنسان يؤكد اسم " الشافي " ، كل شيء حول الإنسان يؤكد اسم " الشافي " ، كل شيء في بنية الإنسان التشريحية يؤكد اسم " الشافي " ، كل شيء في وظائف الجسم يؤكد ، الفيزيولوجية تؤكد اسم " الشافي " ، كل دواء خلقه الله لهذا الإنسان يؤكد اسم " الشافي " .
والآن الأبحاث الطبية تؤكد هذه الحقيقة ، بعد حين يظهر دواء ناجح لبعض الأمراض المستعصية ، إذاً الله عز وجل شافٍ .
﴿ الَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ * وَالَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ * وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ﴾ .
( سورة الشعراء )
والحمد لله رب العالمين
اسم الله : المبين(1)
1 –
1- ورودُ اسم ( المبين ) في القرآن الكريم :
مع اسم من أسماء الله الحسنى ، وهو اسم ( المبين ) ، وقد ورد هذا الاسم في القرآن الكريم في آية واحدة ، قال تعالى :
﴿ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ ﴾
( سورة النور ) .
2 – ورودُ اسم ( المبين ) معرَّفًا بـ ( أل ) إشارة إلى الوصفية :
ورد هذا الاسم في القرآن الكريم معرفا بـ ( أل ) ، فلان اسمه راشد ، راشد اسم علم ، أما إذا عرفت الاسم لقلت : جاء الراشد ، أنت تريد أن تؤكد اتصاف هذا الإنسان بالرشد ، فحين يعرّف اسم العلم يقصد منه التعريف ، ودقة اتصاف صاحب الاسم بصفته ، إذا قلت : جاء راشد ، قد يكون جاء رجل اسمه راشد ، لكنه غير راشد ، كأن تقول : فلان سعيد ، اسمه سعيد ، وهو من أشقى الناس ، فلان كامل ، وفيه كمية نقص لا تعد ولا تحصى .
لذلك إذا عُرِّف الاسم العلم بـ ( أل ) أُشير إلى اتصاف صاحبه بهذه الصفة ، فاسم الله تعالى ( المبين ) ورد معرَّفا بـ : أل :
﴿ وَيَعْلَمُونَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ ﴾
شيء آخر أيها الأخوة ، نحن نعلم في اللغة أن الكلمات معارف ونكرات ، المعرفة ما دلت على معين ، والنكرة ما دلت على غير معين ، تقول : عاصمة ، فهي غير معين ، نكرة ، أما دمشق فمعرفة .
قال بعض النحاة :
إن المعارف سبعة في قولنا كَمُل أنا صالح من ذا الفتى ابني يا رجل
الضمير معرفة ، اسم العلم معرفة ، اسم الإشارة معرفه ، اسم الموصول معرفة ، المُعرف بأل معرفة ، المضاف معرفة ، المنادى معرفة .
إن المعارف سبعة في قولنا كَمُل أنا صالح من ذا الفتى ابني يا رجل
3 – اسم ( المبين ) مفيدٌ للمدح والثناء :
هذا الاسم يفيد المدح والثناء ، والعبد عبد والرب رب ، شأن العبد الافتقار، وشأن الرب المدح والثناء ، لكن لو أن غنياً تواضع ، وقال لمن يسأله عطاءً : أنا لا أملك شيئًا ، ليس هذا المقام مقام تواضع ، مقام أن تذكر له أنك يمكن تساعده ، فشأن الله المدح والثناء ، وشأن العبد الافتقار .
غزوة بدرٍ وحنين درسان بليغان :
في حياة الناس درسان بليغان ، الدرس الأول درس بدر ، والدرس الثاني درس حنين .
النبي عليه الصلاة والسلام مع أنه سيد الخلق وحبيب الحق ، وهو قمة البشر وقد اختاره الله ، واختار له أصحابه ، قال :
(( إن الله اختارني واختار لي أصحابي )) .
[ الجامع الصغير بسند ضعيف عن أنس ]
أصحابه والنبي على رأسهم في بدر افتقروا إلى الله في بدر فقال تعالى :
﴿ وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللّهُ بِبَدْرٍ وَأَنتُمْ أَذِلَّةٌ ﴾ .
( سورة آل عمران الآية : 123 ) .
النبي نفسه ، وهو في أعلى درجات القرب والافتقار إلى الله ، لكن أصحابه في حنين قالوا :
(( لن نغلب من قلة )) .
[ أخرجه أبو داود والترمذي والحاكم ، عن ابن عباس ]
فتخلى الله عنهم ، قال تعالى :
﴿ وَيَوْمَ حُنَيْنٍ إِذْ أَعْجَبَتْكُمْ كَثْرَتُكُمْ فَلَمْ تُغْنِ عَنكُمْ شَيْئًا وَضَاقَتْ عَلَيْكُمُ الأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ثُمَّ وَلَّيْتُم مُّدْبِرِينَ ﴾
( سورة التوبة الآية : 25 ) .
لا تقل : أنا ، لي ، عندي :
درْسا بدر وحنين يحتاجهما المؤمن في كل يوم ، بل في كل ساعة ، فإذا قلت : أنا ، تخلى الله عنك ، وإذا قلت : الله ، تولاك ، قل : أنا ابن فلان ، يتخلّ الله عنك ، قل : أنا عندي علم يتخلّ الله عنك ، قل : أنا عندي تجربة غنية في هذا الموضوع ، قل : أنا أعلم من حولي يتخلّ الله عنك ، إياك أن تقول : أنا ، قالها إبليس :
﴿ أَنَاْ خَيْرٌ مِّنْهُ ﴾
( سورة الأعراف الآية : 12 )
فأهلكه الله ، وقالها قوم بلقيس :
﴿ قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُولُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ ﴾
( سورة النمل الآية : 33 )
وقالها قارون :
﴿ قَالَ إِنَّمَا أُوتِيتُهُ عَلَى عِلْمٍ عِندِي ﴾
( سورة القصص الآية : 78 )
فخسف به الأرض ، وقال فرعون :
﴿ أَلَيْسَ لِي مُلْكُ مِصْرَ ﴾ .
( سورة الزخرف الآية : 51 ) .
فدمره الله ، أنا ، ونحن ، ولي ، وعندي كلمات مهلكات ، فإذا قلت أنا تخلى الله عنك ، وإذا قلت الله تولاك الله ، ونحن جميعا بحاجة ماسة لهذين الدرسين في كل ساعة من حياتنا .
هناك طبيب جراح نسائي في بلد عربي متفوق ، له زميل طبيب من المستوى نفسه ، له زوجه في حملها إشكال ، فذهب إليه ، واتفق أن تكون الولادة عنده ، ثم سأله زميله : هل ترى أن نسأل طبيبا آخر؟ قال : أنا أعلم مَن في هذه المدينة بهذا الاختصاص ، بكل كِبْر ، القصة طويلة ، لكن مغزاها أن هذا الطبيب ارتكب خطأ فادحا جداً لا يرتكبه ممرِّض ، الأمر الذي وجب على القائمين على شؤون الصحة أن يسحبوا منه الشهادة لأول مرة في تاريخ البلد العربي بعد النهضة والاستقلال .
لا تقل : أنا ، لا تقل : ليس هناك من هو أعلم مني .
﴿ وَفَوْقَ كُلِّ ذِي عِلْمٍ عَلِيمٌ ﴾
( سورة يوسف )
إن شاب ناشئًا ألقى درساً فتحلق والتف الناس حوله ، وأحبوه ، ورجل آخر مِن أهلِ العلم آلمه هذا الإقبال على هذا الشاب ، فجاء إليه ، وأراد أن يصغّره ، فحضر درسه ، فلما انتهى الدرس ، سأل هذا الفتى : وقال له : يا هذا ، هذا الذي قلته ما سمعناه ، تصغيرا له ، فالشاب مؤدب جداً ، قال : يا سيدي ، وهل تعلمت العلم كله ، فإذا قال : نعم ، فقد خالف قوله تعالى :
﴿ وَمَا أُوتِيتُم مِّن الْعِلْمِ إِلاَّ قَلِيلاً ﴾
( سورة الإسراء )
قال : لا ، قال : كم تعلمت منه ؟ قال : شطره ، قال : يا سيدي هذا الذي قلته من الشطر الذي لا تعرفه .
إياك أن تقول : أنا ، قل : بفضل الله ، الله مكني أن أنال هذه الشهادة ، الله مكني أن أتقن هذه الحرفة ، الله مكني أن ألقي هذه الكلمة ، الله مكني أن تنجح هذه العلمية .
أعرف طبيبا جراحاً عصبياً ، المريض على الطاولة ، يصلي أمامه ركعتين ، ويقول : يا رب ، ألهمني الصواب ، أنا مفتقر إليك .
عوِّد نفسك في كل عمل تقدم عليه أن تقول : اللهم إني تبرأت من حولي وقوتي ، والتجأت إلى حولك وقوتك يا ذا المتين ، شأن العبد أن يفتقر، وشأن الرب أن تثني عليه ، وأن تمدحه ، كي نطمع بفضله ، وكي نقبل عليه ، وكي نلجأ إليه ، وكي نعتمد عليه .
لا تُظهِر نفسَك وتعتِّم على غيرك :
أيها الإخوة ، لكن بالمناسبة ، إذا مُدح المؤمن ربَا الإيمان في قلبه ، وهناك إنسان بطبيعته لا يُظهِر مَن حوله إطلاقاً ، تعتيم شديد على مَن حوله ، وتسليط للإضاءة شديد على شخصه ، هو يكبُر ومَن حوله يصغرون ، ليس هذا من شأن النبي عليه الصلاة والسلام .
(( لو كان نبيا بعدي لكان عمر )) .
[ أخرجه الترمذي عن عُقْبَةَ بنِ عامرٍ ]
سيدنا الصديق ما ساءني قط ، وما طلعت شمس على رجل بعد نبي أفضل من أبي بكر .
سيدنا ابن الجراح أمين هذه الأمة ، كل صاحبي أعطاه النبي حقه ، هذه بطولة أن تُظهِر مَن حولك ، لا أن تعتم من حولك .
فذالك أيها الإخوة ، إذا مُدح المسلم رَبا الإيمان في قلبه ، والمؤمن الصادق إذا مُدح والله يزداد تواضعاً لله ، يزداد محبة له ، يقول : يا رب ، إني تبرأت مِن حولي وقوتي ، والتجأت إلى حولك وقوتك ، يا ذا القوة المتين ، يا رب ، هذا فضلك ، يا رب ، هذا توفيقك يا رب ، هذا من عندك ، يا رب ، هذا من تأييدك .
المؤمن الصالح إذا مُدح ربا الإيمان في قلبه ، وهناك أشخاص إذا مدحتهم ، يصدقون ، ويستعلون ، ويتغطرسون ، ويعانون من أمراض نفسية كانوا في غنىً عنها .
إذاً : أنت أيها الأخ المؤمن كن حكيما ، إذا كان مدحك يسوق الإنسان إلى الفجر فإياك أن تمدحه ، لذلك ورد أيضاً :
(( احْثُوا التُّرَابَ فِي وُجُوهِ المَدَّاحِينَ )) .
[ أخرجه مسلم المقداد بن الأسود ]
ورد النهي عن المديح ، وورد الثناء على المديح ، هذا بحسب حال الممدوح ، فإذا كان مؤمناً ربا الإيمان في قلبه ، وإن كان غير مؤمن ازداد كبراً وغطرسة واستعلاء .
علاقة التوكل بالأخذ بالأسباب :
أيها الإخوة ، قضية التولي والتخلي ، أخطر شيء في حياتنا ، قل : الله ، حقيقة المؤمن أن يأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم يتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، سهل جداً أن تأخذ بالأسباب ، وأن تعتمد عليها ، وأن تؤلهها ، وأن تنسى الله معها ، وهذا شأن العالم الغربي ، وسهل أيضاً ألا تأخذ بها جهلاً وتواكلاً وتقول : توكلنا على الله .
سيدنا عمر رأى أناساً يتكففون الناس في الحج ، سألهم : << من أنتم ؟ قالوا : نحن المتوكلون ، قال : كذبتم ، المتوكل من ألقى حبة في الأرض ، ثم توكل على الله >> .
يجب أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست بشيء ، هذا شيء مهم جداً أيها الإخوة .
إذاً : المؤمن الصادق يأخذ بالأسباب ولا يعتمد عليها ، يعتمد على الله ، وقبل أن يسافر يراجع مركبته مراجعة دقيقة ، ثم من أعماق أعماقه يقول : يا رب ، أنت الحافظ ، أنت الموفق ، أنت المسلم ، أما ألاّ يأخذ بالأسباب ، ولا يراجع المركبة ، ولا يتفقد مكابحها ، ولا أجهزتها ، ولا وسائلها ، ويقع الحادث ، ثم يقول : هذه مشيئة الله ، فهذا افتراء على الله ، هذه نتائج التقصير ، ولو فهِم المسلمون أن الأخذ بالأسباب من الدين ، بل هو من صلب الدين لما كانوا فيما هم فيه الآن من ضعف ، لكن العالم الغربي وقع في متاهة أخرى ، أخذ بالأسباب واعتمد عليها ، ونسى الله ، وتغطرس ، فأدبه الله عز وجل .
الإنسان يؤدَّب مرتين ، مرة إذا أخذ بالأسباب واعتمد عليها ، وأشرك مع الله ، وينسي ربه ، ومرة إن لم يأخذ بها ، ففي الحالتين يؤدب ، لذلك البطولة أن تأخذ بالأسباب وكأنها كل شيء ، ثم تتوكل على الله وكأنها ليست شيء .
الكون مسخَّر للإنسان تعريفًا وتكريما :
أيها الإخوة ، الكون كما تعلمون مسخر تسخير تعريف وتكريم ، تماماً لو قدم لك أحدهم هاتفا متطورا جداً ، وفيه خدمات كبيرة جداً ، قدمه لك أحدهم هدية ، وهذا الجهاز من اختراعه ، أنت بماذا تشعر ؟ تشعر بإكبار لهذا الإنجاز العلمي ، وتشعر بامتنان ، لأنه أعطاك إياه هدية ، هذا مثل للتبسيط .
هذا الكون الذي سخره الله للإنسان ، سخره له تسخير تعريف وتكريم ، من أين جئنا بهذا المعنى ؟ عَنْ قَتَادَةَ أَنَّهُ بَلَغَهُ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَانَ إِذَا رَأَى الْهِلَالَ قَالَ :
(( هِلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ ، هِلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ ، هِلَالُ خَيْرٍ وَرُشْدٍ )) .
[ رواه أبو داود وفي سنده ضعف ]
هلال خير أنتفع به ، وهلال رشد يرشدني إلى ربي ، هذا منهج .
الطعام أمامك ، طعام خير ورشد ، تنتفع به ، وتتعرف إلى خالقه ، نظرت إلى السماء ، نظرت إلى النجوم ، إلى البحار ، إلى الجبال ، نظرت إلى الأسماك ، إلى الأطيار كل شيء سخره الله لنا تسخير تعريف وتكريم ، فردُّ فعل التعريف أن تؤمن ، وردُّ فعل التكريم أن تشكر ، وحينما تؤمن ، وحينما تشكر فقد حققت الهدف من وجودك ، وإنْ آمنت وشكرت توقفت المعالجة ، الدليل قال تعالى :
﴿ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ وَكَانَ اللّهُ شَاكِرًا عَلِيمًا ﴾
( سورة النساء )
في اللحظة التي تؤمن بها بالله ، وتشكره على نعمة الإيجاد ، ونعمة الإمداد ونعمة الهدى والرشاد ، فقد حققت سر وجودك وغاية وجودك ، واعلم علم اليقين أنه ربما وفي العمل الأغلب وإن شاء الله تتوقف كل المعالجات ، لذلك ورد في بعض الأحاديث عَنْ سَلْمَانَ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( لَا يَرُدُّ الْقَضَاءَ إِلَّا الدُّعَاءُ ، وَلَا يَزِيدُ فِي الْعُمْرِ إِلَّا الْبِرُّ )) .
[ أخرجه الترمذي والحاكم في المستدرك ]
إذا دعوت وأنبت ، واستقمت ، وتبت يتوقف كل شيء في حقك ، وهذه بشارة كبيرة جداً .
التوحيد لا يغفي من المسؤولية :
أيها الإخوة ، ولكن كما تحدثت عن التوحيد لا بد من التنويه أن الله عز وجل حينما سمح لموضوع حديث الإفك أن يكون ، قال في القرآن الكريم :
﴿ إِنَّ الَّذِينَ جَاؤُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِّنكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ ﴾
( سورة النور الآية : 11 )
لأن كل شيء وقع أراده الله ، ولأن كل شيء أراده الله وقع ، ولأن إرادة الله متعلقة بالحكمة المطلقة ، ولأن حكمته المطلقة متعلقة بالخير المطلق ، فخير ، لكن لئلا يتوهم الإنسان أن القضاء والقدر يعفيه من المسؤولية ، قال تعالى :
﴿ وَالَّذِي تَوَلَّى كِبْرَهُ مِنْهُمْ لَهُ عَذَابٌ عَظِيمٌ ﴾
( سورة النور )
كي أترجم هذه الفكرة إلى حياتنا : طبيب اشتغل مع ممرضة في المستشفى بحديث غزلي ، جاء إنسان في الإسعاف ، قال لهم : انتظروا ، حتى مات ، فالطبيب مسؤول ، ولا يقل : سبحان الله ! مات بأجله ، لا ، أنت مسؤول ، الدليل : عَنْ عَمْرِو بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِيهِ عَنْ جَدِّهِ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
(( مَنْ تَطَبَّبَ وَلَمْ يُعْلَمْ مِنْهُ طِبٌّ قَبْلَ ذَلِكَ فَهُوَ ضَامِنٌ )) .
[ أخرجه أبو داود والنسائي وابن ماجة والحاكم ]
التوحيد لا يلغي المسؤولية .
4 – الاشتقاق اللغوي لاسم ( المبين ) :
أيها الإخوة ، المبين اسم فاعل من المشتقات نحن لغتنا لغة اشتقاق ، وهي من أرقى اللغات ( المبين ) اسم فاعل ، نحن في لغتنا اللغة أُسَر ، هناك أسرة جدها بانَ ، فيها اسم فاعل بائن ، فيها فعل رباعي ، أبان ، فيها اسم فاعل رباعي مبين ، وهناك بينونة ، عندنا فعل ماضٍ ، وفعل مضارع ، وفعل أمر ، واسم فاعل واسم مفعول ، وصفة مشبهة باسم الفاعل ، واسم تفضيل ، اسم مكان ، واسم زمان ، واسم آلة ، لغتنا من أرقى اللغات ، ويكفي أن الله سبحانه وتعالى اختارها لكلامه :
﴿ بِلِسَانٍ عَرَبِيٍّ مُّبِينٍ ﴾
( سورة الشعراء )
وفي اللغة لقطات مذهلة ، اللغة العربية تتسع اتساعاً مذهلاً ، فهناك كلمة نظر ، وحدّج ، حدج نظر مع المحبة ، وفي الحديث الشريف :
(( حدث القوم ما حدجوك بأبصارهم )) .
هناك نظر شزراً ، مع الاحتقار ، وهناك شَخَص مع الخوف ، وحَدج ، وهناك بَحْلق مع التحديق ، وحملق ، ظهر حملاقُ العين ، واستشرف مع التمطي ، واستشف مع اللمس ، ولَمَح ، نظر ، وأعرض ، هناك ولّى ، وظهر ، واختفى .
العربية من أرقى اللغات الإنسانية ، لكن اللغة تضعف بضعف أهلها ، وتقوى بقوتهم ، وفي العربية مثلا : كتب ، ومكتب ، وكتابة ، وكتاب ، من أسرة واحدة ، وفي اللغة الإنجليزية Write , book , table ، كل كلمة من اشتقاق ، نحن كتب ، يكتب ، كاتب ، مكتوب ، مكتب ، كتاب ، هل نظرت إلى النظام ؟
فلذلك ( المبين ) اسم فاعل من أبان ، أظهر ، أما بائن مِن بان ، وهو فعل لازم ، اسم فاعله بائن ، أما أبان : اسم فاعله مبين .
بانت المرأة ؛ انفصلت عن زوجها ، وفي الطلاق الثالث تكون البينونة الكبرى .
5 – معنى اسم ( المبين ) :
شيء الآخر ، ( المبين ) الواضح :
﴿ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ ﴾
( سورة الأعراف )
السحرة جاءوا بأنابيب ، وطلوها على شكل ثعبان ، ووضعوا فيها زئبقًا ، ثم وضعوها على مكان ساخن ، تمدد الزئبق ، تحركت هذه الأنابيب المطاطية
﴿ فَأَلْقَى عَصَاهُ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ ﴾
﴿ فَأُلْقِيَ السَّحَرَةُ سُجَّدًا قَالُوا آمَنَّا بِرَبِّ هَارُونَ وَمُوسَى * قَالَ آمَنتُمْ لَهُ قَبْلَ أَنْ آذَنَ لَكُمْ إِنَّهُ لَكَبِيرُكُمُ الَّذِي عَلَّمَكُمُ السِّحْرَ فَلَأُقَطِّعَنَّ أَيْدِيَكُمْ وَأَرْجُلَكُم مِّنْ خِلَافٍ وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ وَلَتَعْلَمُنَّ أَيُّنَا أَشَدُّ عَذَابًا وَأَبْقَى * قَالُوا لَن نُّؤْثِرَكَ عَلَى مَا جَاءنَا مِنَ الْبَيِّنَاتِ وَالَّذِي فَطَرَنَا فَاقْضِ مَا أَنتَ قَاضٍ إِنَّمَا تَقْضِي هَذِهِ الْحَيَاةَ الدُّنْيَا ﴾ .
( سورة الشعراء )
شيء رائع جداً :
﴿ فَإِذَا هِيَ ثُعْبَانٌ مُّبِينٌ ﴾
أي : واضح .
﴿ فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاء بِدُخَانٍ مُّبِينٍ * يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ﴾
( سورة الدخان )
حينما يرى الإنسان أنه خسر الأبد ، وخسر الآخرة قال تعالى :
﴿ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ ﴾
( سورة الزمر )
الخسارة الحقيقية أن تخسر الله ، أن تخسر الجنة ، أن تخسر الأبد .
لذلك أبان ؛ أظهر ، والبيان ؛ الفصاحة .
﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾
( سورة الرحمن )
البيان أرقى أداة اتصال بشري :
البيان أرقى أداة اتصال بشري ، فلو فرضنا دولة فيها نظام ، لكن ما فيها لغة ، وأراد حاكم هذه البلدة أن يمنع التجول ، ماذا يفعل ؟ يحتاج على شرطي لكل مواطن يدفعه إلى البيت ، لكنه يصدر بلاغا في أربع كلمات لا تجد بعد ذلك إنسانا في الطريق .
أرقى أداة اتصال بين البشر اللغة ، قال تعالى :
﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾ .
أيضا البيان شفهي للتواصل المباشر ، وكتابي للتواصل الغير مباشر .
﴿ اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ مِنْ عَلَقٍ * اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ * الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ ﴾
البيان الكتابي ينتقل من جيل إلى جيل ، ومن عصر إلى عصر، والبيان الكتابي مع الترجمة ينتقل من أمة إلى أمة ، ومن ثقافة إلى ثقافة ، والإنسان خُص بالبيان :
﴿ الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الْإِنسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ ﴾
(( وإن من البيان لسحرا )) .
[ أخرج مالك أحمد والبخاري وأبو داود والترمذي عن ابن عمر ]
(( إنَّ مِنَ الشِّعْرِ لَحِكْمَةً )) .
[ أخرجه البخاري عن أُبي بن كعب ]
وسوف نتابع هذا الموضوع في لقاء آخر إن شاء الله .
والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته
والحمد لله رب العالمين
اسم الله : المبين(2)
1 –
1-اسم (المبين ) وصف للذات والأفعال :
الحقيقة أن هذا الاسم فيه وصف للذات ، فالله سبحانه وتعالى بائن ؛ أي ظاهر ، من بان واسم الفاعل من هذا الفعل بائن .
أما إذا بيّن الله للناس آياته فهو ( المبين ) ، وهذا وصف للأفعال ، فاسم ( المبين ) بين أن يكون وصفاً للذات ، وبين أن يكون وصفاً للأفعال .
2 – الله يبيِّن الآيات :
﴿ كَذَلِكَ يُبيِّنُ اللّهُ لَكُمُ الآيَاتِ لَعَلَّكُمْ ﴾
( سورة البقرة الآية : 242 )
جاءت آيات كثيرة :
﴿ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ ﴾ .
( سورة البقرة )
﴿ لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ ﴾
( سورة البقرة ) .
﴿ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ ﴾ .
( سورة البقرة ) .
﴿ لَعَلَّكُمْ تَتّقُونَ ﴾ .
( سورة البقرة ) .
﴿ لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ ﴾ .
( سورة الحج ) .
إذاً : الله جل جلاله يبيّن لخلقه آياته ، لعل هؤلاء الناس يعرفون الحقيقة ، لعلهم يتفكرون ، لعلهم يعقلون ، لعلهم يهتدون ، لعلهم يتقون ، لعلهم يشكرون .
ما هي آياتُ الله عزوجل ؟
فما هي آيات الله عز وجل ؟ قال العلماء : هناك آيات كونية ، وهي خَلْق الله عز وجل ، وهناك آيات تكوينية هي أفعاله ، وهناك آيات قرآنية أي كلامه ، فمن أجل أن نعرفه ، ومعرفة الله أصل الدين ينبغي أن نتفكر في آياته الكونية ، وأن ننظر في آياته التكوينية ، وأن نتدبر آياته القرآنية .
لو وقفنا وقفة متأنية عند آياته الكونية ، فالله سبحانه وتعالى يأمرنا أن ننظر في السماوات ولأرض ، وكما تعلمون كل أمر في القرآن الكريم يقتضي الوجوب ، لأن الله عز وجل جعل التفكر من أعلى درجات العبادة ، فقال تعالى :
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
( سورة آل عمران )
نماذج من آيات الله الكونية :
سرعة الضوء :
من بعض آياته الكونية : أن بين الأرض وأقرب نجم ملتهب أربع سنوات ضوئية ، والضوء يقطع في الثانية الواحدة 300 ألف كم ، كم يقطع في الدقيقة ؟ ضرب 60 ، كم يقطع في الساعة ؟ ضرب 60 ، كم يقطع في اليوم ؟ ضرب 24 ، كم يقطع في السنة ؟ ضرب 365 يوما ، كم يقطع في أربع سنوات ؟
إن طالبا من طلابنا في المرحلة الإعدادية يحسب كم يبعد هذا النجم الذي هو أقرب نجم ملتهب إلينا عن أرضنا ، فإذا كان لهذا النجم طريق سالك ، ومعنا مركبة أرضية ، وسرنا بسرعة مئة في الساعة ، لو قسمنا المسافة على مئة يكون الجواب كم ساعة تستغرق الرحلة ، لو قسمنا الناتج على 24 نجد كم من يوم تستغرق الرحلة ؟ لو قسمنا الناتج على 365 كم من عام ، من أجل أن نصل إلى أقرب نجم ملتهب إلى الأرض بمركبة أرضية نحتاج إلى خمسين مليون عام ، متى نصل إلى نجم القطب الذي يبعد عنا 4000 سنة ضوئية ؟ بل متى نصل إلى مجرة المرأة المسلسلة التي تبعد عنا مليوني سنة ضوئية ، ومتى نصل إلى بعض المجرات التي اكتشفت حديثاً ، وتبعد عنا 20 مليار سنة ضوئية ، إذا فتحت كتاب الله ، وقرأت قوله تعالى :
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾
( سورة الواقعة )
لذلك أيها الإخوة :
﴿ إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ ﴾
( سورة فاطر الآية : 28 )
إذا أردت الدنيا فعليك بالعلم ، وإذا أردت الآخرة فعليك بالعلم ، وإذا أردتهما معاً فعليك بالعلم .
ولكن في الآية الكريمة ملمح دقيق :
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ﴾
إنها كلمة مواقع ، الموقع يعني أن صاحب الموقع قد لا يكون في الموقع ، لأن هذا النجم ، أو هذه المجرة ، أو هذا النجم الذي يبعد عنا عشرين مليار سنة كان في هذا المكان ، وأرسل ضوءه إلى الأرض ، وبقي الضوء يقطع في الفضاء الخارجي مسافة يستغرق قطعها 20 مليار سنة ، النجم أين هو الآن ؟ ليس في هذا المكان ، سرعته تقترب من سرعة الضوء .
لذلك إذا تأمل عالم فلك في كلمة : ﴿ بِمَوَاقِعِ ﴾ ، لخر ساجداً لله .
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ ﴾
لو أن الآية : لا أقسم بالمسافات بين النجوم ، فهذا ليس قرآناً :
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾
برج العقرب :
إخوتنا الكرام ، الأرض تدور حول الشمس ، بين الأرض والشمس 156 مليون كم ، يقطعها الضوء في 8 دقائق ، الشمس تكبر الأرض بمليون و300 ألف مرة ، أي أن جوف الشمس يتسع لمليون و300 ألف أرض ، وبينهما 156 مليون كم ، وحينما قال الله عز وجل :
﴿ وَالسَّمَاء ذَاتِ الْبُرُوجِ ﴾ .
( سورة البروج ) .
أحد أبراج السماء اسمه برج العقرب ، برج العقرب فيه نجم صغير متألق اسمه قلب العقرب ، هذا النجم الصغير المتألق يتسع ـ دققوا الآن ـ يتسع للشمس والأرض مع المسافة بينهما ، أهذا الإله العظيم يُعصى ؟! ألا يخطب وده ؟ ألا ترجى جنته ؟ ألا تخشى ناره ؟
﴿ فَلَا أُقْسِمُ بِمَوَاقِعِ النُّجُومِ * وَإِنَّهُ لَقَسَمٌ لَّوْ تَعْلَمُونَ عَظِيمٌ ﴾
﴿ قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾
( سورة يونس الآية : 101 )
البعوضة :
لو انتقلنا نقلة فجائية من المجرات ، ومن السماوات إلى أحقر مخلوق عند الإنسان إنه البعوضة ، البعوضة بعد أن وضعت تحت المجهر تبين أن في رأسها مئة عين ، وفي فمها 48 سناً ، وفي صدرها 3 قلوب ، قلب مركزي ، وقلب لكل جناح ، وفي كل قلب أذينان وبطينان ودسامان ، وتملك البعوضة جهازا استقباليا حراريا لا تملكه الطائرات ، إنها ترى الأشياء لا بأشكالها ، ولا بأحجامها ، ولا بألوانها ، ولكن ترى الأشياء بحرارتها فقط ، وحساسية هذا الجهاز الحراري واحد على ألف من الدرجة المئوية .
وتملك جهاز تحليل دم ، فما كل دم يناسبها ، وتملك جهازاً آخر ، جهاز تمييع للدم ، لأن لزوجة دم الإنسان لا تسري في خرطومها ، وتملك جهاز تخدير .
أما خرطومها ففيه ستة سكينان ، أربع سكاكين لإحداث جرح مربع ، وسكينان يلتئمان على شكل أنبوب لامتصاص الدم ، فإذا قال الله عز وجل في قرآنه :
﴿ إِنَّ اللَّهَ لاَ يَسْتَحْيِي أَن يَضْرِبَ مَثَلاً مَّا بَعُوضَةً فَمَا فَوْقَهَا ﴾
( سورة البقرة الآية : 26 )
هذه الآية تندرج تحت الإعجاز العلمي في القرآن الكريم .
في أرجل البعوضة مخالب ، إن أرادت أن تقف على سطح خشن ، وفي أرجل البعوضة محاجم ، إن أردت أن تقف على سطح أملس .
﴿ قُلِ انظُرُواْ مَاذَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ ﴾
( سورة يونس الآية : 101 )
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾
أيها الإخوة الكرام ، الآيات التي تتحدث عن العلم ، وعن التفكر ، وعن العقل تقترب من ألف آية في القرآن الكريم ، والآيات التي تتحدث عن الكون تقترب أيضاً من ألف آية ، لذلك سبيل معرفة الله التفكر في آياته ، فالله عز وجل حينما قال :
﴿ فَبِأَيِّ حَدِيثٍ بَعْدَ اللَّهِ وَآيَاتِهِ يُؤْمِنُونَ ﴾
( سورة الجاثية )
الله عز وجل مبين ، بيّن هذه الآية ، والله عز وجل ظاهر ، بل إن كل شيء في الكون ينطق بوجود الله ، ووحدانيته ، وكماله ، هذا عن آياته الكونية .
من آيات الله التكوينية :
فماذا عن آياته التكوينية ؟ نحن مأمورون أن نتفكر بآياته الكونية ، أما آياته التكوينية فهي أفعاله .
تصوروا فرعون ، وما أدراكم من فرعون ، بجبروته ، بقوته ، باستعلائه ، باستكباره ، بقسوته ، بظلمه ، بطغيانه ، هذا فرعون رواء سيدنا موسى بقوته ، سيدنا موسى معه شرذمة قليلون من بني إسرائيل ، وصلوا إلى ساحل البحر الأحر .
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ﴾
( سورة الشعراء )
احتمال النجاة صفر ، فرعون بأسلحته ، بحقده ، بطغيانه ، باستعلائه ، باستكباره ، وراء نبي كريم مع شرذمة من بني إسرائيل .
﴿ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ * قَالَ كَلَّا إِنَّ مَعِيَ رَبِّي سَيَهْدِينِ ﴾
( سورة الشعراء )
والقصة معروفة لديكم ، حيث إن هذا النبي الكريم ضرب البحر بعصاه فأصبح طريقاً يبساً ، سار فيه موسى ومن معه ، تبعهم فرعون ، وكان موسى قد خرج من الطرف الآخر ، وفرعون في منتصف البحر ، فغرق ، وكان إغراق فرعون آية من آيات الله عز وجل .
وهذه القصة لنا من أجل ألا نيأس ، من أجل أن نثق بالله عز وجل ، وأن الله سبحانه وتعالى لا يتخلى عن عباده المؤمنين .
﴿ وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا وَأَنتُمُ الأَعْلَوْنَ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ ﴾
( سورة آل عمران )
هذه آية من آياته التكوينية ، قال تعالى :
﴿ قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾
( سورة الأنعام )
هؤلاء الذين عارضوا النبي الكريم ، أين هم الآن ؟ في مزبلة التاريخ ، أبو جهل وأبو لهب ، هؤلاء الذين وقفوا معه أين هم ؟ في أعلى عليين .
﴿ قُلْ سِيرُواْ فِي الأَرْضِ ثُمَّ انظُرُواْ كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ ﴾
وفي آية أخرى :
﴿ قُلْ سِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانظُرُوا ﴾
( سورة النمل الآية : 69 )
أحياناً يأتي التدمير سريعاً ، وقد يأتي متأخراً لحكمة أرادها الله عز وجل ، فآياته الكونية أُمرنا أن نتفكر فيها ، وآياته التكوينية أُمرنا أن ننظر فيها .
الآيات القرآنية :
بقيت آياته القرآنية أُمرنا أن نتدبر آياته القرآنية ، والقرآن الكريم يُقرأ ، والأولى أن يُقرأ قراءة صحيحة ، وفق قواعد اللغة ، لأن هذا القرآن الكريم نزل بلسان عربي مبين ، وإن أمكن ينبغي أن يُقرأ قراءة وفق أحكام التجويد ، هذا مندرج تحت قوله تعالى :
﴿ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ ﴾
( سورة البقرة الآية : 121 )
ثم ينبغي أن نفهمه ، ثم ينبغي أن نتدبره ، ما الفرق بين أن نفهمه وأن نتدبره ؟ أن نفهمه أي نفهم المعنى الذي أراده الله عز وجل وفق علم الأصول ، أما التدبر فتقول : أين أنا من هذه الآية ؟ هل أنا مطبق لها ؟ دائماً وأبداً التدبر يعني أن تسأل نفسك : أين أنا من هذه الآية ؟ فلذلك القرآن الكريم يقول :
﴿ إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ الْمُتَوَكِّلِينَ ﴾
( سورة آل عمران )
هل أنا متوكل ؟ فالمؤمن الصادق حيث ما قرأ آية في كتاب الله يسأل نفسه : هل أنا مطبق لها ؟ هذا هو التدبر ، وأعلى شيء في تلاوة القرآن الكريم التطبيق ، إذاً :
﴿ يَتْلُونَهُ حَقَّ تِلاَوَتِهِ ﴾
بدءاً من تلاوته وفق أحكام اللغة العربية الصحيحة ، ثم قراءته وفق علم التجويد ، ثم فهمه ، ثم تدبره ، ثم تطبيقه .
(( ما آمن بالقرآن من استحل محارمه )) .
[ أخرجه الترمذي عن صهيب ] .
إذاً : الآيات الكونية أتفكر فيها ، والتفكر أمرٌ في القرآن الكريم ، بل إن هذا الأمر يعد من أوثق الأوامر ، لماذا ؟ جاء بفعل مضارع ، يتفكرون ، التفكر مستمر :
﴿ إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَاخْتِلاَفِ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ لآيَاتٍ لِّأُوْلِي الألْبَابِ * الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللّهَ قِيَامًا وَقُعُودًا وَعَلَىَ جُنُوبِهِمْ وَيَتَفَكَّرُونَ فِي خَلْقِ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ رَبَّنَا مَا خَلَقْتَ هَذا بَاطِلاً سُبْحَانَكَ فَقِنَا عَذَابَ النَّارِ ﴾ .
والآيات التي تزيد على ألف آية في كتاب الله ، وتتحدث عن الكون هي في الحقيقة منهج لنا ، منهج للتفكر ، فأية آية كونية يجب أن تقف منها الموقف الذي أراده الله ، مثلاً :
ماذا تقتضي قراءة الآيات الكونية والتكوينية والقرآنية ؟
إذا قرأت آية فيها أمر ماذا تقتضي منك هذه الآية ؟ أن تأتمر ، إن قرأت آية فيها نهي ماذا تقتضي منك هذه الآية ؟ أن تنتهي ، إن قرأت آية فيها وصف لأهل الجنة ماذا تقتضي منك هذه الآية ؟ أن تسعى لدخول الجنة بالعمل الصالح ، والتوبة ، والاستقامة ، وإن قرأت آية فيها وصف لأهل النار ماذا تقتضي منك هذه الآية ؟ أن تبتعد عن النار .
(( اتَّقُوا النَّارَ وَلَوْ بِشِقّ تَمْرَةٍ )) .
[ أخرجه البخاري ومسلم ، عن عديّ بن حاتم رضي اللّه عنه ]
فإذا قرأت آية تتحدث عن الأقوام السابقة ماذا تقتضي منك هذه الآية ؟ أن تعتبر .
الآن الشاهد : فإذا قرأت آية كونية ماذا تقتضي منك هذه الآية ؟ أن تتفكر في خلق السماوات والأرض ، وربما كان التفكر عبادة يقوم بها الإنسان ، لأن التفكر طريق إلى معرفة الله ، وأصل الدين معرفته ، وحينما تعرف الآمر ، ثم تعرف الأمر تتفانى في طاعة الآمر ، أما حينما تعرف الأمر ، ولا تعرف الآمر تتفنن في التفلت من الأمر ، وهذه مشكلة المسلمين الأولى ، عرفوا الأمر ولم يعرفوا الآمر ، هان أمر الله عليهم فهانوا على الله ، هان أمر الله عليهم لأنهم ما عرفوا من الآمر .
لذلك المرحلة المكية التي أمضى فيها النبي عليه الصلاة والسلام سنوات طويلة في تعريف أصحابه بالله ، ويغلب على الآيات المكية أنها كونية ، ويغلب على الآيات المدنية أنها تشريعية ، وفي الدعوة إلى الله لا بد أن تتمايز المرحلة المكية التي فيها تعريف لله عز وجل عن المرحلة المدينة التي فيها تعريف بأمره .
والمقولة التي أرددها كثيراً : أنت بالكون تعرفه ، وبالقرآن الكريم تعبده ، بالكون تعرفه ، وبالمنهج القويم الذي جاء به القرآن الكريم والسنة المطهرة تعبده ، بالتفكر تعرفه ، وبالطاعة تعبده ، والإنسان علة وجوده أن يعبد الله ، والعبادة طاعة طوعية ، ممزوجة بحبحة قلبية ، أساسها معرفة يقينية ، تفضي إلى سادة أبدية .
أيها الإخوة ، الله عز وجل من خلال التفكر في خلق السماوات والأرض نرى كمالاً ، ونرى عظمة ، ونرى رحمة ، ونرى حكمة ، ونرى قوة ، أسماء الله الحسنى نستشفها من التفكر في خلق السماوات والأرض ، قد نصل في نهاية المطاف إلى أن الله موجود ، وكامل وواحد ، وأـسمائه حسنى ، وصفاته فضلى .
الآن كمال الخلق يدل على كمال التصرف ، إذاً من مقتضيات كماله الذي وصلنا إلى هذه الحقيقة من خلال التفكر في خلقه ، أنه يبين لعباده ، يبين لهم الآيات من أجل أن يتفكروا ، يبين لهم الآيات من أجل أن يعقلوا ، يبين لهم الآيات من أجل أن يهتدوا ، من أجل أن يطيعوا ، من أجل أن يتقوا ، من أجل أن يشكروا .
﴿ مَّا يَفْعَلُ اللّهُ بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنتُمْ ﴾
( سورة النساء الآية : 147 )
حينما تؤمن ، وحينما تشكر تحقق الهدف من وجودك ، ذلك لأن الكون مسخر لك أيها الإنسان تسخير تعريف وتكريم ، هذا يستنبط من قول النبي الكريم حينما رأى هلالاً قال :
(( هِلالٌ خَيْرٍ وَرُشْدٍ )) .
[ رواه أبو داود عن قتادة ]
ننتفع به ، يرشدنا إلى الله عز وجل ، وأي شيء من دون استثناء خلقه الله عز وجل له وظيفتان كبيرتان ، وظيفة إرشادية ، ووظيفة نفعية ، العالم الغربي حقق الوظيفة الثانية في أعلى مستوى ، انتفع من خيرات الأرض ، وخيرات السماء ، وما تحت الأرض ، بينما المسلم ينبغي أن يضيف إلى انتفاعه من خيرات ربه جل جلاله يضيف إلى استمتاعه بهذه الخيرات أنه يعرف الله من خلالها .
لذلك أي شيء خلقه الله عز وجل له وظيفتان ، وظيفة نفعية ، ووظيفة إرشادية .
إذاً : أن يبين الله لنا آياته هذا من لوازم كماله ، من هنا جاءت الرسالات السماوية والأنبياء ، والمرسلون ، وكل وسائل هداية الخلق هي تعبير عن محبة الله لنا ، وعن أنه خلقنا ليسعدنا .
3 – ماذا تستفيد من اسم ( المبين ) ؟ البيان يطرد الشيطان :
الآن أنت كمؤمن ماذا ينبغي أن تفعل حيال هذا الاسم ؟ ينبغي أن تبين النبي عليه الصلاة والسلام كان في معتكفه ، وجاءت السيدة صفية رضي الله عنها تتفقده ، وتقدم له بعض الحاجات ، جلست معه قليلاً ، ثم أرادت أن تنطلق إلى بيتها ، رافقها النبي عليه الصلاة والسلام ، لما رافقها النبي ، وهما في الطريق رأيا صحابيين ، فقال عليه الصلاة والسلام : على رسليكما هذه زوجتي صفية ، بين ، وضح .
لذلك قالوا : البيان يطرد الشيطان ، والمؤمن مِن تخلّقه بهذا الاسم العظيم يبيّن ، هناك حساب بينك وبين شريكك ، أنت أمين إلى أعلى درجة ، وجدت أن المدفوعات تساوي المصروفات ، قلت : الحساب مغلق ، انتهى ، لا يكفي ، لا بد من أن تقدم الحساب ، وتبين .
كلمة : " هذه زوجتي صفية " يُحمل عليها آلاف الحالات ، بيّن وضح .
أنت مسافر ، كلفت أخا زوجتك أن يتفقدها في غيبتك ، بلِّغ الجيران ، أنا مسافر ، وسيأتي أخو زوجتي يتفقد شؤون أخته ، لئلا يظن الناس أن هذا الإنسان غريب دخل إلى بيتك في غيبتك ، لذلك لا تضع نفسك موع التهمة ، ثم تلوم الناس إذا اتهموك .
البطولة أن كل عمل يقتضي تفسيرين يجب أن تبتعد عنه ، وإن كنت مضطراً فبيّن ماذا تريد من هذا العمل ، هذه من صفات المؤمن ، يبيّن ، هذه زوجتي صفية ، وهذا هو الحساب ، وهذا الذي جاء إلينا فلان ، فكلما بينت أزلت الشكوك ، وأبعدت نفسك عن التهم ، والمؤمن حريص على سمعته ، وعلى كلام الناس في غيبته ، ورحم الله عبداً جب المغيبة عن نفسه .
والحمد لله رب العالمين
°السٍَّـٍلاَمُ عَلَيكٍُـٍمُ وَرَحَّمٍـٍٍُة اللٍـٍْهِ وَبَرَكٍَـٍاْتُهْ°
جزاااك الله خيراااا
- اللهم اجعلنا ممن يحبك .. ويحب من يحبك .. ليُؤنسنا قربك ..
- اللهم ازرع شجرة حبك في قلوبنا .. لنرى النور في دمن ذنوبنا .. ونطهَّر من عيوبنا
اللهم آمين بحق محمد وآله الطاهرينا
اللهم اجعلنا من المقربين إليك ,اللهم اسعدنا بالدنيا واحسن خاتمتنا بالاخرة
اللهم امين اللهم امين اللهم امين
الذين يشاهدون الموضوع الآن: 1 (0 من الأعضاء و 1 زائر)